المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سليم الأول تاسع سلاطين آل عثمان، ويعرف فى التاريخ باسم ياوز - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌ المصادر

- ‌السبتى

- ‌المصادر:

- ‌سبحان اللَّه

- ‌تعليق

- ‌سبحة

- ‌المصادر:

- ‌تعليق

- ‌السبعية

- ‌المصادر:

- ‌تعليق على مادة السبعية

- ‌السبكى

- ‌المصادر:

- ‌سبيل

- ‌المصادر:

- ‌السترة

- ‌المصادر:

- ‌ست الملك

- ‌المصادر:

- ‌سجاح

- ‌المصادر:

- ‌السجاوندى

- ‌المصادر:

- ‌السجاوندى

- ‌المصادر:

- ‌السجع

- ‌المصادر:

- ‌سجيل

- ‌المصادر:

- ‌السحر

- ‌المصادر:

- ‌سحنون

- ‌المصادر:

- ‌سراج، بنو

- ‌السراة

- ‌المصادر:

- ‌سرايفو

- ‌المصادر:

- ‌السرخسى

- ‌المصادر:

- ‌سروال

- ‌المصادر:

- ‌السريع

- ‌سعد، بنو

- ‌المصادر:

- ‌سعد بن أبى وقاص

- ‌المصادر:

- ‌سعد الدين الحموى

- ‌المصادر:

- ‌سعد بن عبادة

- ‌المصادر:

- ‌سعد الفِزْر

- ‌المصادر:

- ‌سعد بن معاذ

- ‌المصادر:

- ‌السعدى

- ‌سعدى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌التاريخ الأدبى:

- ‌السعدية

- ‌المصادر:

- ‌السعودى

- ‌المصادر:

- ‌ال‌‌سعودى

- ‌سعودى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر

- ‌السعى

- ‌المصادر:

- ‌سعيد باشا

- ‌المصادر:

- ‌سعيد بن أوس

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌سعيد بن البطريق

- ‌سعيد بن زيد

- ‌المصادر:

- ‌سعيد بن العاص

- ‌المصادر:

- ‌سفيان الثورى

- ‌المصادر:

- ‌السفينة

- ‌المصادر:

- ‌السكاكى

- ‌المصادر:

- ‌السكرى

- ‌المصادر:

- ‌سكينة

- ‌المصادر:

- ‌السلاجقة

- ‌المصادر:

- ‌السلام

- ‌المصادر:

- ‌تعليق

- ‌سلامة بن جندل

- ‌المصادر:

- ‌السلاوى

- ‌المصادر:

- ‌سلسبيل

- ‌المصادر:

- ‌سلطان

- ‌المصادر:

- ‌سلطان الدولة

- ‌المصادر:

- ‌سلمان الفارسى

- ‌المصادر:

- ‌السلمانية

- ‌المصادر:

- ‌سلوك

- ‌المصادر:

- ‌سلول

- ‌المصادر:

- ‌سليح

- ‌ المصادر

- ‌سليم الأول

- ‌المصادر:

- ‌سليم الثانى

- ‌المصادر:

- ‌سليم الثالث

- ‌المصادر:

- ‌سليم بن منصور

- ‌المصادر:

- ‌سليمان الأول

- ‌المصادر:

- ‌سليمان الثانى

- ‌المصادر:

- ‌سليمان باشا

- ‌المصادر:

الفصل: ‌ ‌سليم الأول تاسع سلاطين آل عثمان، ويعرف فى التاريخ باسم ياوز

‌سليم الأول

تاسع سلاطين آل عثمان، ويعرف فى التاريخ باسم ياوز سلطان سليم؛ وقد حكم من 918 هـ إلى 926 هـ (= 1512 - 1520 م)، وهو من أبناء بايزيد الثانى، ولد عام 872 هـ (= 1467/ 68 م) أو عام 875 هـ (= 1480/ 81 م)(سجل عثمانى، جـ 6، ص 38)، وكان فى أواخر عهد أبيه واليا على سنجق طرابزون (أطر ابزندة)؛ وكان بايزيد قد أوصى بالعرش لأحمد أخى سليم، وكان يكبره سنا وإن كان يصغر الأمير قور قود، إلا أن سليما كان يطمع فى العرش لأن الجزء الأكبر من الجيش كان يؤازره. واشتعلت الحرب الأهلية آخر الأمر بين الأخوين على إثر تنصيب سليمان بن سليم واليا على بولى، واحتج أحمد فولى سليمان على سنجق كفه من أعمال القريم، ولحق سليم بعد ذلك بقليل (1510 م) بابنه فى كفه ورفض أن يطيع بايزيد، وكان قد أمره بالعودة إلى طرابزون، وذهب إلى أدرنة فى مارس سنة 1511 فى جمع من التتر، وطلب أن يلى أمر سنجق الرومللى، ولم يقبل سليم أن يتراجع إلا بعد أن حزم السلطان أمره على تسيير جيش لمقاتلة ابنه، وكان ذلك بعد أن نصب سليم على سنجق سمندره على إثر مفاوضات جرت بتوسط مولانا نور الدين سركورز، على أنه سرعان ما عاد إلى القتال متذرعا بفتنة شاه قلى أو شيطان قلى فى آسية الصغرى، وقد لقى الهزيمة هذه المرة على يد جيش أبيه فى 3 أغسطس قرب جرلو، فعاد يلود بالقريم ملتجئا إلى حميه خان منكلى كراى، بيد أن الإنكشارية النازلين فى قصبة البلاد كانوا فى صف سليم، فأكرهوا أحمد، وكان قد تقدم صوب الآستانة، على الارتداد (21 أغسطس)، وسعى أحمد وقورقود إلى استغلال غياب أخيهما عن البلاد فزاد ذلك من حب الناس له، ومن ثم غادر سليم القريم فى يناير سنة 1512 وبلغ الآستانة فى أبريل حيث كان الإنكشارية قد جاهروا بمبايعته، وحاول بايزيد أن يدخل معه فى مفاوضات إلا أن مسعاه خاب، وخلع عن العرش فى 8 صفر سنة 918 هـ

ص: 5770

(25 أبريل سنة 1512 م) على يد جمهور كبير من أشياع سليم، ومات بعد شهر من هذا التاريخ فى طريقه إلى ديموتوتقه.

واستنفد سليم السنة الأولى من حكمه فى استئصال شأفة أخويه وأولادهما؛ وما إن حل شهر يولية سنة 1512 م حتى كان قد سار لقتال أحمد وابنه علاء الدين الذى كان قد استولى على بروسة، فأكرههماعلى الفرار ولكنه لم يقبض عليهما. وتحصن أحمد فى أماسية، وفشل سليم فى محاولة بذلها لأخذه على غرة فيها، ولعل هذا الفشل يرجع إلى خيانة الصدر الأعظم مصطفى باشا، ومهما يكن من شئ فقد أعدم مصطفى باشا وحل محله هرسك أحمد باشا، وفى 27 نوفمبر أعدم خمسة من أولاد إخوة السلطان فى بروسه، ونعنى بهم أولاد إخوته المتوفين محمود وعالم شاه وشاهين شاه، ثم قبض آخر الأمر على قورقود، وكان قد فر إلى سنجق تكة، وقتله؛ وكان هذا هو المصير نفسه الذى لقيه أحمد، فإنه بعد أن أحرز عدة انتصارات منى بالهزيمة آخر الأمر، وقبض عليه فى سهل يكى شهر (24 ابريل سنة 1513).

وقد احتفظت الدولة العثمانية بعلاقاتها الودية مع البندقية والمجر وروسيا نتيجة للمفاوضات التى قام بها المبعوثون الذين أنفذتهم هذه الدول إلى الآستانة وأدرنة، ووجدت نزعة سليم الحربية متنفسا لها فى الشرق، حيث كان الشاه إسماعيل قد أسس دولة الصفويين الشيعيين القوية، وكان إسماعيل هذا قد آزر الأمير أحمد وحمى ابنه مراد، وكان له إلى ذلك أشياع كثيرون بين الصوفية فى آسية الصغرى، كما كانت أسرته مدينة بنجاحها إلى قزل باش الأناضول الذين كانوا قد انتقضوا وشيكا على السلطان بايزيد تحت إمرة شاه قلى؛ وأخذ سليم، مدفوعا بكراهيته لإسماعيل أو بغيرته على المذهب السنى، فى اضطهاد الشيعة فى دولته اضطهادًا، وكان مجموع من قتلهم أو ألقى بهم فى غيابة السجون أربعين ألفا، حسبما أجمعت عليه المصادر التركية، ولم يكن بد من

ص: 5771

وقوع الحرب بين الطرفين بعد هذا. وفى 20 مارس سنة 1514 غادر السلطان أدرنة، وبعد شهر من هذا التاريخ اجتمع الجيش بأسره فى سهل يكى شهر، وكان سليم فى خلال ذلك قد بدأ إعلان الحرب بالرسائل المشهورة التى تبادلها مع الشاه إسماعيل، وهى مجموعة من الرسائل كتبها بأسلوب رفيع وبلهجة مهينة مثيرة (انظر منشآت فريدون بك، جـ 1، ص 374 وما بعدها)، وكثيرا ما كانت هذه الرسائل تنتهى بقتل حامليها لتوهم، واتجه سليم فى الوقت نفسه إلى عبيد خان أمير الأزبكيين يحرضه على شن الحرب على الشاه، واجتاز الجيش التركى قونية وقيصرية (حيث لم يبد علاء الدولة من بيت ذى القدر غيرة كبيرة على معاونة الحملة) وسيواس، على حين شخص الأسطول إلى طرابزون مع إدارة المهمات الحربية وبدأ الإنكشارية يتذمرون من طول الحملة بعد أن جاوزوا أرزنجان، إلا أن سليما استرد هيبته بعد أن قتل عددا قليلا منهم، ولم يلتق سليم بجيش الشاه إلا فى سهل جالديران بين بحيرة أرمية وتبريز، وقد قضى الجيش العثمانى على الجيش الفارسى فى هذا الموضع قضاء مبرما فى 2 رجب سنة 920 هـ (23 أغسطس سنة 1514) وتعلق إسماعيل بأذيال الفرار تاركا حريمه كله فى يد السلطان الظافر، ودخل سليم تبريز فى 5 سبتمبر، وغادرها فى الثالث عشر منه حاملا معه كنوزا لا حصر لها وبضع مئات من الصناع، ليقضى الشتاء فى قره باغ، إلا أن معارضة الإنكشارية أكرهته على استئناف المسير إلى الأناضول؛ فسلك إليها طريق قارص وبيبرت حيث كان قد ترك فيها بيكلى محمد بك ومعه جيش، وذهب سليم بشخصه إلى مشتاه فى أماسية، أما الإنكشارية الذين كانوا قد أخذوا فى التمرد مرة أخرى لقلة الطعام، فقد أرسلوا إلى الآستانة؛ وكان من نتيجة هذه الاضطرابات أن عزل بيكلى من منصبه وولى مكانه خادم سنان باشا بكلر بك (أكتوبر سنة 1514 م)، وكان سنجق بك سمندره قد رد المجر على أعقابهم فى هجمة قاموا بها بالقرب من بلغراد.

ص: 5772

وامتازت سنة 1515 بغزو الأناضول الشرقية وكردستان، ذلك أن سليما الذى كان قد اتخذ لقب الشاه بعد أن عقد له لواء النصر (حسبما يظهر على السكة)، شخص إلى كمخ أو كماخ، فاستولى عليها فى مايو، ثم عاد إلى سيواس، وأنفذ منها الصدر الأعظم الجديد فى حملة على علاء الدولة المسن أمير ذى القدر؛ وكان سليم قبل ذلك، قد ولى على بك، ابن أخى علاء الدولة، على سنجق قيصرية فى خريف سنة 1514، وقد أوقع على الهزيمة بسليمان ابن علاء الدولة وقتله، وفى 12 يونية سنة 1515 هزم سنان باشا جيش ذى القدر فى سهل كوكسن، وقتل علاء الدولة وقبض على أولاده الأربعة وقتلوا؛ وكان فتح بلاد ذى القدر، بما فيها من حصنى ألبستان ومرعش، من الأسباب التى أدت إلى نشوب الحرب بين سليم وسلطان مصر، وكان قد اعترف به سلطانًا على هذه الأسرة، ثم عاد سليم إلى الآستانة فبلغها فى 17 يولية، وكان قد قتل فيها نفرا من كبار عمال الدولة اتهمهم بأنهم أثاروا فتنة الإنكشارية، ومنهم القاضى عسكر والشاعر جعفر جلبى، وفى أغسطس شب حريق هائل دمر جزءا من قصبة البلاد وتبعه قتل أناس آخرين. وبايع بكوات كردستان سليما بعد وقعة جالديران، وكان جل أهل كردستان من السنية؛ وكان أهل ديار بكر وغيرها من المدن قد فتحوا أبواب مدنهم للترك، إلا أن حصون بعض البلاد (مثل ماردين) كانت لا تزال تحتلها الحاميات الفارسية؛ وكان بيكلى محمد، الذى كان قد نصب بكلر بك على ديار بكر، قد عهد إليه الإشراف العسكرى على البلاد، وعين المؤرخ إدريس البدليسى، وكان هو نفسه كرديا، لمعاونته بوصفه مندوبا ساميا للإدارة المدنية؛ على أنه حدث فى مستهل سنة 1515 أن أنفد القائد الفارسى قره خان لفتح البلاد مرة أخرى، وكان قرة خان أخا استاجلى أوغلى دهالى ديار بكر ولكن بيكلى محمد أكرهه على رفع الحصار عنها فى أكتوبر سنة 1515؛ وفى مستهل سنة

ص: 5773

1516 منى قره خان بهزيمة أخرى قرب قوج حصار بين عرفة ونصيبين على يد محمد والبكوات الأكراد، وهى وقعة قتل فيها قره خان نفسه؛ وهكذا وقعت فى يد آل عثمان بلاد خربوت وميافارقين وبدليس وحصن كيفا وديار بكر وعرفة وماردين والجزيرة والأراضى التى تلى ذلك جنوبا حتى الرقة والموصل؛ وقد تم فتح هذه البلاد فى عهد سليمان القانونى.

وكان سليم مشغولا فى قصبة ملكة ببناء أسطول جديد ودار جديدة للصناعة تحت إشراف بيرى باشا، فى حين أعاد تنظيم جيش الإنكشارية ليزيد من رقابته على أصحاب الرتب العالية فى هذا الجيش المثير للفتن، وكان ذلك كله إعدادا لحملة جديدة يشنها على فارس؛ وغادر السلطان الآستانة فى 5 يونية سنة 1516 م وذهب أولا إلى قونية، وكان سنان باشا الذى عين قائدا عاما، ينتظره فى ألبستان، وكان السلطان قانصوه الغورى، قد أزعجه حينئذ ضم سليم أراضى ذى القمر إلى أملاكه، فغادر قصبة بلاده يوم 18 مايو فى جيش كبير مستهدفا مؤازرة الشاه إسماعيل واسترداد مرعش، وعلم سليم بوصول قانصوه إلى حلب (فى أغسطس سنة 1516) فكان البادئ بإرسال سفراء من قبله، ولم يحسن قانصوه استقبالهم أول الأمر، بيد أنهم عادوا يحملون عرضا بالتوسط فى الحرب التى كانت ناشبة بين السلطان وإسماعيل، ولم يقبل سليم هذا العرض، بل فعل ما يناقض ذلك، إذ أعاد رسولا كان قد أوفده إليه سلطان مصر بعد أن قدر رفاقه، وسار سليم فى نهاية الأمر متخذا طريق عينتاب، واستولى على المدن التى كانت فى طريقة مثل ملطية، ولقى الجيش المصرى فى وقعة دابق شمالى حلب، فقضى على المصريين قضاء مبرما بعد معركة قصيرة الأمد فى 24 أغسطس (انظر فى تاريخ ذلك "الإسلام"، جـ 16، ص 389، التعليق 4)؛ وكان السبب فى هزيمة المصريين ما دب بين صفوف جيشهم من شقاق وتفوق الجيش العثمانى عليهم فى المدفعية، وخرّ قانصوه نفسه صريعا بعد المعركة أو فى إبانها؛ وكان سليم قد

ص: 5774

أنفذ يونس باشا فى حملة على خائر بك والى حلب (وكان يلقب بملك الأمراء)؛ فسلم خائر بك المدينة إلى العثمانيين دون أن يضرب ضربة واحدة، وعسكر سليم ثمانية عشر يوما على كوك ميدان قرب حلب، ثم استأنف سيره إلى دمشق متخذا طريق حماة وحمص، وكان البكوات المماليك قد هجروها فى 22 سبتمبر؛ وسلمت مدينة دمشق بالتفاوض الذى تم مع الخائن خائر بك، واحتل هو المدينة فى 26 سبتمبر، وأقام سليم فيها قرابة الشهرين، وأصدر أمره بإقامة عمائر منها مسجد على ضريح محيى الدين بن عربى، وكان المماليك قد بايعوا فى القاهرة فى 22 أكتوبر سلطانهم الجديد طومان باى، فأنفذ إليه سليم رسولين يعرضان عليه الصلح على أن يعترف سلطان مصر بسيادة آل عثمان، وقتل السفيران على كره شديد من طومان باى، مما جعل الاستمرار فى القتال أمرا لا محيص عنه، وغادر الجيش المصرى القاهرة حوالى أواخر أكتوبر تحت إمرة جانبردى الغزالى، ولقى طلائع الجيش العثمانى تحت إمرة سنان باشا قرب غزة ومنى المصريون بالهزيمة، وكان سليم قد رحل عن دمشق فى ديسمبر، وزار بيت المقدس قبل أن يلحق بجيشه فى غزة، واشتبك الجيشان فى وقعة فاصلة فى 22 يناير سنة 1517 فى الريدانية قرب القاهرة بعد أن اجتاز الجيش العثمانى الصحراء فى ثلاثة عشر يوما، وتعزى الهزيمة التى منى بها المصريون فى هذه الوقعة إلى خيانة جانبردى الغزالى الذى كان يعمل بالاتفاق مع خائر بك الذى كان فى الجيش سليم، ويقال إنهما توسلا بالخديعة إلى شل حركة المدفعية المصرية، وقد اشترك السلطانان فى الموقعة بنفسيهما، وذبح طومان باى الصدر الأعظم سنان معتقدا أنه سليم؛ ونصب يونس باشا مكان سنان؛ وقد تقرر مصير القاهرة بوقعة الريدانية، فإنه بالرغم من أن طومان باى قد أفلح فى الاحتفاظ بالمدينة خمسة أيام بعد ذلك، فقد طرد منها بعد قتال مرير سالت فيه الدماء فى شوارعها؛ وقد تلا ذلك قتل ثمانمائة من بكوات المماليك

ص: 5775

وقيام مذبحة عامة؛ وتم احتلال القاهرة، فأستانف سليم -وكان قد ضرب خيمته فى جزيرة بولاق- قتاله مع طومان باى؛ وكان طومان باى قد ارتد إلى الدلتا وحاول المقاومة مستعينا بالبدو، إلا أنه هزم هزيمة أخرى فى الجيزة فخانه حلفاؤه وسلموه إلى الترك؛ وعامله سليم أول الأمر معاملة كريمة، ولكنه أذعن فى النهاية لإلحاح خائر بك والغزالى فأمر بقتله فى 12 أو 13 أبريل.

واعترف لسليم بأنه سيد مصر بلا منازع وبقى فى القاهرة شهرا، ومن أهم الوفود الكثيرة التى جاءت تعرب له عن ولائها وفد بعث به بركات شريف مكة، ذلك أنه أرسل وفدا على رأسه ابنه نمى محمد، وكان وقتذاك فى الثانية عشرة من عمره، واستقبله السلطان حوالى أواخر مايو، ولم يكن لدى الشريف من الأسباب ما يدعوه إلى موالاة السلاطين المماليك فخضع عن طيب خاطر للسطان العثمانى، وكان السلطان أثناء إقامته فى دمشق قد أعرب عن جزعه على الأماكن المقدسة وأبدى بركات استعداده لذكر اسم السلطان سليم فى الخطبة، وعاد أبو نمى محملا بالهدايا الثمينة، وفى شهر ديسمبر (ذى الحجة سنة 923) حملت قافلة الحجيج (صره همايون)، وكان سليم قد بعث بها من دمشق، كسوة للكعبة للمرة الأولى، هدية من السلطان العثمانى؛ وقد حمل سلاطين آل عثمان منذ ذلك الوقت لقب خادم الحرمين الشريفين، وهو لقب (1) أضفى عليهم احتراما كبيرا فى العالمين الإسلامى والمسيحى، إلا أن سليما بالرغم من جزعه على الأماكن المقدسة، قد عنى بأن يحمل معه إلى الآستانة عددا من أعيان الحجاز المقيمين فى القاهرة رهائن.

وكان ثمة وفد آخر له شأن يتألف من سفيرين من البندقية جاءا يفاوضانه فى أمر أداء الجزية عن جزيرة قبرص، وهى الجزية التى كانت تؤدى حتى ذلك الحين لسلطان مصر؛ وكان لزاما عليهما إلى جانب هذا أن

(1) حتى سقوط الخلافة بعد الحرب العالمية الأولى [م. ع]

ص: 5776

يدفعا عن مدينتهما تهمة معاونة المصريين على العثمانيين، وقد أيد الامتيازات القديمة التى حصلت عليها البندقية فرمان مؤرخ فى 8 سبتمبر 1517، على أن ثمة فرمانا مكتوبا بالعربية تعهد به سليم لقنصل البندقية فى الإسكندرية فى تاريخ مبكر يرجع إلى 16 فبراير سنة 1517 بتأييد الامتيازات التى كان ينعم بها أهل البندقية (انظر Ein Firman des Sultans Selim Ifur die V enetianer: B.Mnritz فى Festschrift Sachau، ص 422 وما بعدها).

ومن آثار القاهرة التى وجه سليم معظم عنايته إليها مقياس النيل المقام فى جزيرة الروضة وكان قد أمر ببناء جوسق فيها كان مقامه المفضل عندما يكون فى القاهرة؛ وحوالى أواخر مايو قام سليم برحلة إلى الإسكندرية لزيارة أسطوله الذى كان قد وصل إليها حينئذ تحت إمرة بيرى باشا، وعاد إلى القاهرة فى 12 يونية، وظل فيها ثلاثة أشهر أخرى؛ وغادر المدينة فى 10 سبتمبر تاركا خائر بك واليا على مصر (ولكنه كان قد أرسل نساءه وأطفاله رهائن إلى فلبه) وبلغ دمشق فى 8 أكتوبر؛ وكان السبب الأكبر فى عودته انتشار روح التمرد فى صفوف الجيش. ورحل سليم عن مصر دون أن يتمكن خلال إقامته فيها من إعادة تنظيم الكثير من أمورها. وقد ذكر المؤرخون العثمانيون (رستم باشا) أن "العدالة الحق" قد وجدت سبيلها إليها، إلا أن المساوئ الكثيرة لم تكن قد خفت وطأتها؛ وقد وجد إدريس البدليسى من نفسه الجرأة على أن يوجه نظر السلطان إلى هذه المساوئ فأعاده إلى تركية مع الأسطول، ولم يكن يونس باشا، الصدر الأعظم الجديد، أكثر رضا عن الحملة، وكان السلطان قد عزله عن ولاية مصر، ثم أثار خائر بك شكوك السلطان مما أدى إلى قتله فجأة فى 19 سبتمبر فى الصحراء القريبة من غزة، وخلفه بيرى باشا. وقضى سليم الشتاء فى دمشق، واستأنف رحلته فى فبراير سنة 1518 بعد أن نصب جانبردى الغزالى واليا على الشام، ثم قضى

ص: 5777

شهرين آخرين فى حلب حيث قام منها بيرى باشا بحملة على القزلباش، وعاد سليم إلى الآستانة فى 25 يولية ثم إلى أدرنة فى 4 أغسطس، وقد عين ابنه سليمان واليا على صاروخان وكان قد حل محله أثناء غيابه.

ومن الأعيان الذين أرسلهم سليم من مصر إلى قصبة البلاد رهائن، المتوكل، آخر الخلفاء العباسيين فى بلاط المماليك بالقاهرة وكان قد رافق قانصوه إلى حلب هو وثلاثة من كبار قضاة مصر وألقى فى غيابة السجن بعد واقعة دابق، وعاملهم سليم معاملة كريمة جدا، ثم صحب المتوكل السلطان إلى مصر، حيث كان أبوه وسلفه قد حل محله أثناء غيابه بتقليد من طومان باى، وكان سليم قد سعى فى عدة مناسبات إلى الانتفاع بنفوذ الخليفة فى مفاوضاته مع طومان باى، ولكنه لم يفلح، واضطر المتوكل فى يونية سنة 1517 إلى مغادرة مصر، ويبدو أنه قد أرسل إلى الآستانة عن طريق البحر، وقيل أن سلوكه فيها حمل السلطان على أن يسجنه فى قلعة "يدى قله" حيث بقى فيها إلى أن توفى سليم، ثم عاد بعد ذلك إلى القاهرة فى تاريخ لا نعرفه الآن على وجه التحقيق، ولم يذكر هذه التفاصيل عن الخليفة المتوكل إلا المؤرخ ابن إياس، ولعله بالغ كثيرا فيما كان له من شأن فى الحملة المصرية، على حين لا يذكر الأخباريون العثمانيون كلمة واحدة عنه، ويجوز لنا أن نخرج من هذا بأن شأن الخلافة العباسية والخليفة العباسى كان قد أصبح هينا جدا فى عهد سليم الأول، وإنما بقى ذلك الشأن لرجال الدين دون سواهم تقريبا، وهذه المصادر المبكرة التى تكاد تتعاصر لا تكفل بأى حال من الأحوال صحة الرواية التى ظهرت بعد ذلك بقرنين ونصف قرن من الزمان، ومؤادها أن المتوكل تنازل رسميا عن الخلافة إلى سليم، ويبدو أن هذه الرواية قد وردت أول ما وردت فى مصنف دوسون (Tableau general de Emrire Othoman: D'Ohsson، باريس 1788، جـ 1، ص 232 و 270) ثم ذكرها من بعد عدد من المؤرخين العثمانيين، ومن ثم صدقها الناس

ص: 5778

جميعا فى تركية. ومن الواضح أن هذه الرواية قصد بها تبرير ادعاء سلاطين آل عثمان الحق فى الخلافة، على أنه ليس ثمة ما يحملنا على أن نعترض بأن دوسون اخترعها كما يقول بارتولد، ذلك أن الرواية تبدو من ككل وجه جديرة بذلك الفاتح العظيم، ولعل الأتراك أنفسهم هم الذين اخترعوها، ومهما يكن من شئ فإن سليما قد لقب بالخليفة حتى قبل غزوه مصر، وقد قال المؤرخون فى عدة مناسبات إن خطبة الخلافة ألقيت باسمه فى أماكن شتى.

وقد أثر نجاح سليم تأثيرا بليغا فى العالم المسيحى، وسعى البابا ليو إلى تأليب الامبراطور وملكى فرنسا وإنكلترة للقيام بعمل مشترك ضد الترك، إلا أن علاقات سليم بأوربا ظلت سلمية فى السنوات القليلة التالية، فاستمرت الهدنة مع المجر، وحصل سفير إسبانى على تأييد امتيازات الكنيسة فى قبر المسيح ببيت المقدس، واعترف السلطان أيضا بالخان الجديد على بلاد القريم، وهو أخو زوجته محمد كراى بن منكلى كراى، وأنفذ الصدر الأعظم إلى الحدود الشرقية ليدفع عن الدولة غزوات الفرس، واضطرته الحال خلال هذه المدة إلى إخماد محاولتين جديدتين قام بهما الشيعة ضده، وهما محاولة ابن هنش فى الشام سنة 1517، وقد أخمدها الوالى الغزالى وبكوات طرابلس، وحماة، ثم محاولة قام بها رجل يسمى شاه ولى (بحسب رواية لطفى باشا) فى ترخل بالقرب من توقاد، ويطلق عليه وعلى أتباعه لقب جلالى وهو اسم نجده فى كثيرًا لدى الشيعة آنئذ، مثال ذلك فتنة قره يزجى وقد أنفذ فرهاد باشا لقتال جلالى هذا، ولكن على شهوار أوغلى، وكان قد عين واليا على بلاد ذى القدر فى سنة 1516، كان هو الذى هزم جلالى آخر الأمر وقتله سنة 1518.

وغادر سليم أدرنة فى سنة 1519 ميمما شطر الآستانة حيث كان قد بدئ بتجهيز أسطول عظيم أعد لغزو جزيرة رودس، على أنه توفى فجأة فى اليوم السابع من شوال سنة 926 هـ (20

ص: 5779

سبتمبر سنة 1520 م) قبل أن يتم هذا التجهيز؛ وكان فى طريقه من قصبة البلاد إلى أدرنة عندما أقعده مرض ظهرت بوادره عليه قبل ذلك ببضعة أيام (وهو قرحة يقال لها "شيربنجه"، وتقول رواية أخرى إن المرض كان هو السرطان)، إلى التوقف قرب جرلو؛ وكان حسن جان أبو المؤرخ سعد الدين موجودا عندما حضرته الوفاة، وقد أخفى الوزراء نبأ موته حتى بلغ السلطان الجديد سليمان الآستانة، ثم ووريت جثته التراب فى التل الذى يقوم فى الناحية الشمالية الغربية من إستانبول، وقد عمل سليمان على تشييد مسجد سليم الأول فى ذلك الموضع وألحق به قبره، وتم تشييد المسجد فى المحرم سنة 929 هـ؛ ويشمل المدفن أيضا مقابر أم سليم وبعض بناته وعددا من الأمراء (حافظ حسين الإيوانسرايى: حديقة الجوامع، جـ 1، ص 14 وما بعدها).

وتسيطر شخصية سليم الأول على كل الأحداث الكبرى التى وقعت فى عهده، وقد لقب بـ "ياوز" بسبب قسوته التى لا ترحم وكثرة من أمر بقتلهم، وهذا اللقب ينم عن الفزع والإعجاب جميعا، على أن الشعور بالإعجاب هو الذى غلب على الناس من ناحيته. وقد خص سليم بسلسلة كاملة من التواريخ عنوانها سليم نامه (انظر Gesch. d. Osm. Reiches، جـ 2، ص 7)؛ واتخذه الناس بطلا قوميا (أطلق على إحدى البارجتين الألمانيتين اللتين حصل عليهما الترك سنة 1914 اسم "ياوز سلطان سليم") وكما أن فتوحاته الواسعة للأراضى الإسلامية قد تمخضت عن الرواية القائلة بانتقال الخليفة كذلك نسبت إليه تلك الفكرة الناضجة، فكرة الجامعة الإسلامية التى تدعو إلى توحيد جميع الأقطار الإسلامية تحت سلطانه، وهكذا بذلت محاولة لتبرير قسوته الظاهرة (انظر على سبيل المثال الرسالة المعروفة باسم "ياوز سلطان سليم واتحاد إسلام سياستى" بقلم يوسف كنعان، وقد طبعت فى الآستانة فى تاريخ مجهول، وإن كان يرجع إلى قيام الثورة)؛ والحق أن الأراضى المفتوحة كانت فى مستهل القرن السادس عشر، قد دخلت

ص: 5780

وشيكا فى طور الاضمحلال وأقفرت البلاد من أهلها، ويرجع ذلك إلى تغيير البرتغاليين طريق التجارة مع جزائر الهند، على أن الفتوحات كان لها مع ذلك شأن عظيم جدا فى توجيه الدولة التركية من الناحيتين الدينية والسياسية، فقد أصبحت تركية منذ ذلك الحين الدولة السنية التى تقابل دولة فارس الشيعية (انظر مثلا القصيدة التى نظمها فى مديحه الشاعر خواجه الإصفهانى فى ALiterary History of Persia in Modern Times: Browne، كمبردجـ 1924، ص 78)؛ وقد أخذ نفوذ الشيعة الفرس أيضا ينقاد بلا مراء لنفوذ أهل السنة من العرب (Babinger: Z.D.M.G جـ 76، ص 143)؛ ثم إن العثمانيين فرضوا بعض شمائلهم وعاداتهم على أهل البلاد التى فتحوها مثال ذلك عادة حلق اللحية (ويصور سليم دائما بغير لحية) والزى وطريقة قص الشعر، على أنهم لم يؤثروا آنئذ تأثيرا كبيرا فى حضارة الشام أو حضارة مصر.

وذاع صيت سليم أيضًا فى قرض الشعر، و"ديوانه" كله منظوم بالفارسية، وقد طبع فى الآستانة سنة 1306 هـ؛ ثم نشر مرة أخري فى برلين سنة 1904 على يد هورن Paul Horn بأمر من الأمبراطور ولهلم الثانى؛ وليس بين الأشعار التركية التى نسبت إليه (تذكره لطيفى، الآستانة 1314 هـ، ص 75 وما بعدها) وكان سليم مشغوفا منذ أيامه الأولى فى طرابزون بصحبة الشعراء، ومن أشهرهم جعفر جلبى، وقد حمله سليم على الاقتران بزوجة الشاه إسماعيل الذى أسره فى وقعة جالديران وقتله سنة 1515 (انظر ما تقدم)، ومنهم أيضا آهى وروانى، وقد أهديا ديوانهما "مثنوى وسائل" إلى سليم. ونذكر من أصحاب النفوذ الآخرين فى عهده كمال باشا زاده والمفتى على جمالى أفندى وقد أفتى بشرعية الحرب التى شنت على سلطان مصر السنى، وكان من الرجال القليلين ذوى النفوذ الذين عارضوا فى عدة مناسبات تنفيذ أوامر السلطان القاضية بسفك الدماء.

ص: 5781