المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(4) Studien uber die Persischen in Klass Arabicch: A. Siddiqi - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌ المصادر

- ‌السبتى

- ‌المصادر:

- ‌سبحان اللَّه

- ‌تعليق

- ‌سبحة

- ‌المصادر:

- ‌تعليق

- ‌السبعية

- ‌المصادر:

- ‌تعليق على مادة السبعية

- ‌السبكى

- ‌المصادر:

- ‌سبيل

- ‌المصادر:

- ‌السترة

- ‌المصادر:

- ‌ست الملك

- ‌المصادر:

- ‌سجاح

- ‌المصادر:

- ‌السجاوندى

- ‌المصادر:

- ‌السجاوندى

- ‌المصادر:

- ‌السجع

- ‌المصادر:

- ‌سجيل

- ‌المصادر:

- ‌السحر

- ‌المصادر:

- ‌سحنون

- ‌المصادر:

- ‌سراج، بنو

- ‌السراة

- ‌المصادر:

- ‌سرايفو

- ‌المصادر:

- ‌السرخسى

- ‌المصادر:

- ‌سروال

- ‌المصادر:

- ‌السريع

- ‌سعد، بنو

- ‌المصادر:

- ‌سعد بن أبى وقاص

- ‌المصادر:

- ‌سعد الدين الحموى

- ‌المصادر:

- ‌سعد بن عبادة

- ‌المصادر:

- ‌سعد الفِزْر

- ‌المصادر:

- ‌سعد بن معاذ

- ‌المصادر:

- ‌السعدى

- ‌سعدى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌التاريخ الأدبى:

- ‌السعدية

- ‌المصادر:

- ‌السعودى

- ‌المصادر:

- ‌ال‌‌سعودى

- ‌سعودى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر

- ‌السعى

- ‌المصادر:

- ‌سعيد باشا

- ‌المصادر:

- ‌سعيد بن أوس

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌سعيد بن البطريق

- ‌سعيد بن زيد

- ‌المصادر:

- ‌سعيد بن العاص

- ‌المصادر:

- ‌سفيان الثورى

- ‌المصادر:

- ‌السفينة

- ‌المصادر:

- ‌السكاكى

- ‌المصادر:

- ‌السكرى

- ‌المصادر:

- ‌سكينة

- ‌المصادر:

- ‌السلاجقة

- ‌المصادر:

- ‌السلام

- ‌المصادر:

- ‌تعليق

- ‌سلامة بن جندل

- ‌المصادر:

- ‌السلاوى

- ‌المصادر:

- ‌سلسبيل

- ‌المصادر:

- ‌سلطان

- ‌المصادر:

- ‌سلطان الدولة

- ‌المصادر:

- ‌سلمان الفارسى

- ‌المصادر:

- ‌السلمانية

- ‌المصادر:

- ‌سلوك

- ‌المصادر:

- ‌سلول

- ‌المصادر:

- ‌سليح

- ‌ المصادر

- ‌سليم الأول

- ‌المصادر:

- ‌سليم الثانى

- ‌المصادر:

- ‌سليم الثالث

- ‌المصادر:

- ‌سليم بن منصور

- ‌المصادر:

- ‌سليمان الأول

- ‌المصادر:

- ‌سليمان الثانى

- ‌المصادر:

- ‌سليمان باشا

- ‌المصادر:

الفصل: (4) Studien uber die Persischen in Klass Arabicch: A. Siddiqi

(4)

Studien uber die Persischen in Klass Arabicch: A. Siddiqi جوتنجن 1919، ص 73.

(5)

Koranische Untersuchungen: J. Horovitz، برلين ولييسك 1926 م، ص 11.

أما عن القول بأن هذه الحجارة التى أشير إليها فى سورة الفيل، الآية 4، يقصد بها وباء الجدرى فانظر:

(6)

Annali dell Islam: Caetani جـ 1 المقدمة، 147.

(7)

La aparicion de la viruela en Arabia: Fernandez y Gonsalez فى Revista de ciencias historicas، جـ 5، 1887 م، ص 201 - 216.

خورشيد [فكا V.Vacca]

‌السحر

إذا عرضنا لتلك المسألة المختلف عليها من مسائل الأدب الشعبى، ألا وهى العلاقة بين السحر والدين، نجد قول ماريت R.R. Marett:" . . . كان عند الإنسان البدائى نظام يتناول خوارق الطبيعة، تستكن فيه نواة كل من السحر والدين اللذين أخذ الناس يفرقون بينهما شيئًا فشيئًا. ويختلف الدين والسحر من حيث مكانتهما فالدين دائما هو الأسمى، وهو العقيدة المسلم بها. على أنه يقوم بين ما هو دينى قطعا وما هو سحرى قطعًا حشد من أصول صفتها غير محددة. مثل "السحر الأبيض"، لا تبلغ مبلغ الدين من حيث اعتراف الناس بها، ولا للقى من الذم ما تلاقية الأشياء التى لا جدال فى أنها من السحر".

(Britannica الطبعة الحادية عشرة، جـ 12، ص 305، عمود ب) وهذا يصدق تماما على جماهير المسلمين، وعلى من نستطيع أن نسميهم المسلمين السنيين بصفة عامة. ذلك أن الإسلام يقول صراحة بالخوارق. وهو يرى أن ثمة عالمنا المادى، عالم الحواس. وعالما آخر وراءه هو عالم الأرواح. ويمكننا أن نتصل بالعالم الأخير عن طريق السحر أو الدين وما إن نحاول أن نحدد طبيعة عالم الأرواح تحديدًا دقيقا حتى تقوم

ص: 5578

النظريات ويظهر الخلاف بين السحر والدين: فما أصل هذه الأرواح وطبيعتها؟ وكيف تختلف فيما بينها؟ وما المقصود باستقلالها فى العمل؟ وكيف نستطيع الوصول إليها والهيمنة عليها؟ وهل يؤثر اتصالنا بها على هذا النحو فى علاقتنا باللَّه سبحان وتعالى ويعرض للخطر خلاصنا الأبدى؟ ذلك أن كل شئ فى الإسلام، يدور حول اللَّه سبحانه وتعالى وعلاقتنا به.

وهكذا نجد أن عالم الأرواح فى جزيرة العرب [قديمًا] كان يتألف بصرف النظر عن الآثار المسيحية واليهودية التى فى هذا الدين، من اللَّه ومن الآلهة القبلية والجن وكان الكهان والسحرة والعرافون والشعراء والمجذوبون صلة الوصل بين الناس وبين هذا العالم. والنظرية بالنسبة لهؤلاء الناس هى أن أرواحا من أجناس شتى "تلابسهم" ملابسة تامة بالمعنى الذى يدل عليه مصطلح "الملابسة" فى مذهب الأرواح Spiritism عند المحدثين. ومن ثم فإن كلمة Magic فى اللغة الإنكليزية من حيث هى مصطلح فى الأدب الشعبى أوسع مدلولا بشكل ظاهر من الكلمة العربية "سحر" إذا استعملت هذه الكلمة بمعناها الأخص. على أن مقتضيات الوضوح بالنسبة لوقائع هذه الحالة تتطلب منا أن نأخذ كلمة سحر بمعناها الأعم، وكثيرًا ما نحا الإسلام هذا النحو بوجه عام. وقد نقل مرتضى الزبيدى فى شرحه للإحياء (جـ 1 ص 217 فى أسفلها) عن تاج الدين السبكى أنه قال "السحر والكهانة والتنجيم والسيمياء كلها من نفس الوادى" ثم أن الإسلام فى انتشاره خارج جزيرة العرب قد اتصل بشتى الشعوب والبلاد التى فتحها وعرف معتقدات هذه الشعوب والبلاد فيما يتصل بخوارق الطبيعة وفنون السحر والطقوس الدينية. وامتزج كل هذا بالتصورات والمصطلحات القرآنية والعربية، ونشأ من ذلك خليط متنافر أشد التنافر من حيث مفردات اللغة والطقوس الدينية ونظرات المسلمين بل تفكيرهم فى أصول الأشياء. وقد اعترف المسلمون أنفسهم بهذه الحقيقة، وردوا كما سنبين بعد، أنواع السحر

ص: 5579

المختلفة إلى شعوب شتى وقد سار هذا الاختلاط فى اتجاهين: الأول، أن العرب نقلوا معتقدات أهل الجزيرة العربية ومسمياتهم على غير العرب؛ بل على شعوب غير سامية؛ والثانى، هو التأثر تاثرًا عميقًا بمعتقدات أناس غرباء عن الإسلام كلية.

على أن كلمة "سحر" من حيث اشتقاقها الدقيق توحى بالمعنى الضيق للسحر وهو "الفتنة" وتقرر المعاجم أن السحر معناه صرف الشئ عن حقيقته أو صورته إلى شئ آخر مخالف للحقيقة أو هو الخيال المحض. ويطلق على ذلك فى كثير من الأحيان "التخييل" اعتمادًا على الآية 68 (1) من سورة طه، وربما كان هو ما نسميه الآن التنويم المغنطيسى. بيد أن الآخذين بالمذهب العقلى قد حاولوا أن يردوا ذلك إلى مجرد "الخداع" أو "الشعوذة" أو "التخيلات والأخذ بالعيون" بالاستعانة بخفة اليد والقول المنمق. ومن ثم جاء المعنى الذى يوحى ببديع ما نشاهده فى الطبيعة من صنع، مثال ذلك الغذاء فى الجسم (وقد ورد هذا المعنى إلى امرئ القيس نفسه كما ورد فى لسان العرب جـ 6، ص 3)(2) فى أسفلها، على أن المعنى فى هذا الموضع أقرب فى جوهره إلى "الصرف") وجمال البيان كقولك سحر الكلام (الصحاح، مادة سحر؛ مفردات الراغب الإصفهانى، ص 224 وما بعدها؛ لسان العرب، جـ 6، ص 11 - 13؛ Lane ص 1316 وما بعدها) على أن الإشارات الواردة فى القرآن الكريم أدق تحديدًا من أن تسمح بمثل هذا البحث. وأما من الناحية الدينية فإن الإسلام قد وقف منه موقفًا يطابق موقف الكنيسة الرومانية الحديثة من مذهب الأرواح. ونظرة القرآن الكريم إلى السحر تقوم على عالم الأرواح الخاص بالجن والشياطين، ومن الواضح أن المقصود بذلك الجن الكفار الأشرار. وأهم آية قرآنية بالنسبة لهذا الموضوع كله هى الآية 101 (3) من سورة البقرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو

(1) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 66 [م. ع].

(2)

صواب رقم الصفحة هو 12 [م. ع].

(3)

رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 102.

ص: 5580

الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}. وتركيب هذه الآية جد فضفاض، وثمة عدة مواضع فى ترجمتها غير محققة (1). ونحن نجد أن البيضاوى بالرغم من أسلوبه المحكم قد فسرها فى أكثر من صفحة (البيضاوى، طبعة فليشر Fleischer جـ 1، ص 76، س 2 - ص 77، س 7) كما خصها الكشاف للزمخشرى بصفحة ونصف صفحة (طبعة ليز Lees، جـ 1، ص 93 - 95). أما التفاسير الكبرى فقد تناولت هذه الآية بالتفصيل بوصفها القول العمدة فى هذا الموضوع. مثال ذلك الطبرى (التفسير، جـ 1، ص 334 - 353) وفخر الدين الرازى (مفاتيح، جـ 1، ص 427 - 440 من طبعة القاهرة سنة 1307 هـ). على أن الاتجاه العام لهذه التفاسير بين لا يخطئه أحد، فالشياطين فى قول أصحاب هذه التفاسير، هى الأصل فى السحر. ذلك أنهم كانوا يتسمعون عند أبواب السماء (انظر ما يلى)، ويزيدون على ما يسمعون أكاذيب من عندهم، ويبلغون ذلك إلى الكهان فيصنعون منه كتبًا، يعلمونها للناس ويتلونها. وكان هذا العمل منتشرًا فى زمن سليمان عليه السلام انتشارًا عظيما حتى قيل إنه كان أساس علمه وتحكمه فى الطبيعة وفى الجن، بل أن اليهود قالوا إن سليمان لم يكن نبيًا وإنما كان ساحرًا (الرازى ص 428)؛ وهذه الآية التى ذكرناها رد عليهم. وقد خبرنا فى غير ذلك من أيات القرآن الكريم (سورة الصافات الآية 7 (2)، سورة فصلت، الآية 11 (3) سورة الملك، الآية 4 (4)؛ سورة الجن،

(1) الظاهر أن كاتب المقال قد قرأ هذه الآية مترجمة ولم يقرأها فى الأصل مما حمله على الإرجاف بهذا القول. [م. ع].

(2)

رقم الآية فى المصحف العثمانى 8.

(3)

رقم الآية فى المصحف العثمانى 12.

(4)

رقم الآية فى المصحف العثمانى 5.

ص: 5581

الآيتان 8، 9) أن الجن كانوا يقعدون (كنا نقعد) بجوار السماء الدنيا ويستمعون (استمع، استرق السمع) هناك إلى الملأ الأعلى، وأنهم كانوا يطردون من مقعدهم بأن تتعقبهم مصابيح (مصابيح، شهاب) زينت بها السماء الدنيا، ولكنها كانت تطلق عليهم رجومًا بمعرفة الملائكة الحفظة (حرص، رصد، حفظ). وكان الشياطين قد جروا على الاستماع على هذا النحو بانتظام، ولكنهم الآن (سورة الجن الآية 8، 9) -ومن البين أن المقصود بالآن: منذ أن بُعث محمد [صلى الله عليه وسلم] رسولا- قد وجدوا الملائكة خاصة واقفين لهم بالمرصاد. (انظر مناقشة ذلك بالتفصيل فى الكشاف ص 1535 فى تفسير الآية 9 من سورة الجن حيث استشهد الزمخشرى بأبيات من شعر القدماء عن أراء العرب فى هذا الشأن أيام الجاهلية). وكان هؤلاء العرب يعرفون مثل هذه الشهب كما كان لهم آراء فيها. على أنه لما ولد محمد [صلى الله عليه وسلم] كان شأن الملائكة قد ازداد زيادة عظيمة إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون قد استمر إلا مدة قليلة، لأن تاريخ السحر كله من بعد يمثل الجن دائبين على التسمع وعلى إبلاغ ما يسمعون إلى الكهان والسحرة. ثم إن الجن، (سورة سبأ، الآية 13)(1) لا يعلمون الغيب، أو قل أنهم على الأقل لا يعلمونه علم اليقين، وإن كان الجن الأشرار يوحون إلى أعداء النبيين ويضلونهم (سورة الأنعام الآية 111)(2) وقد ورد فى القرآن الكريم (سورة الشعراء الآيات من 223 - 225)(3) فقرة لها دلالتها تنبئنا كيف تنزل الشياطين على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون، وأن الشعراء يتبعهم الغاوون، فهم فى كل واد يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون. والمفسرون (البيضاوى، جـ 2، ص 61، س 15 - ص 62 س 7، وقد عرض لذلك الكشاف عرضا أحسن من البيضاوى وأكثر تفصيلا، جـ 2 ص 1012 - 1014)، يربطون ذلك -وقولهم فى هذا بيّن الصواب- بالجن يستمعون إلى حديث الملائكة، ويحرفونه ويخلطونه بالأكاذيب

(1) رقم الآية فى المصحف العثمانى 14.

(2)

رقم الآية فى المصحف العثمانى 112.

(3)

رقم الآيات فى المصحف العثمانى هى 221 - 226 [م. ع]

ص: 5582

ويبلغونه إلى الكهان والمتنبئين والشعراء، وانظر جولدتسيهر عن الشعر يوحى به الجن على هذا النحو (Goldziher: Abhandlungen zur arab. Philologie، جـ 1، ص 1 - 121، وانظر عن هذه الفقرة خاصة، ص 27، تعليق 2).

ولم ترد كلمة سحر فى القرآن الكريم مرتبطة بسليمان عليه السلام إلا فى سورة البقرة (الآية 101)، (1) ولكن ثمة عدة آيات (سورة الأنبياء، الآيتان 78، 79؛ سورة النمل، الآيات من 14 - 43 (2)؛ سورة سبأ، الآيات من 11 - 13 (3)؛ سورة ص، الآيات من 29 - 39) (4) تتناول حكمته وعلمه وتحكمه فى العالم؛ ثم أخذ الإسلام فيما بعد يرد السحر المشروع جميعًا، أو قل السحر الأبيض، إلى سليمان. أما الإشارات الأخرى فى القرآن الكريم إلى السحر وما فى معناه فهى متصلة بقصص موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين (5).

ونحن نجد فى السيرة (ابن هشام، طبعة فستنفلد، ص 171 وما بعدها؛ البيضاوى، طبعة فليشر، جـ 2، ص 368، س 15 وما بعدها؛ الكشاف، طبعة ليز، جـ 2، ص 1548) أن المفسرين السلفيين اجتهدوا فى التفريق بين الكاهن والمجنون والشاعر والساحر، وأنهم بلا ريب قد استندوا فى تعريف السحر إلى الآية 101 من سورة البقرة (6)؛ على أننا نتبين من الاستعمالات القرآنية أن مثل هذا التفريق محال، وأن الكاهن والمجنون والشاعر والساحر كانوا وثيقى الصلة بعضهم ببعض، بحكم كونهم همزة الوصل بين عالم الروح وعالمنا هذا.

ونحن نجد أن المفسرين أمثال الزمخشرى والبيضاوى عندما عرضوا لتفسير آيتين ورد فيهما هذا النص الخاص بالسحر (سورة يونس، الآية 2 سورة الصافات، الآية 15) قد قالوا عن

(1) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 102.

(2)

أرقام الآيات فى المصحف العثمانى هى 15 - 44.

(3)

أرقام الآيات فى المصحف العثمانى هى 12 - 14.

(4)

أرقام الآيات فى المصحف العثمانى هى 30 - 40.

(5)

انظر، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم "مادة سحر"؛ للوقوف على بيان ومواضع هذه الآيات.

(6)

المقصود طبعًا هو الآية 102.

ص: 5583

يقين وإيمان إن الإشارة فيهما إلى أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أتى أمورًا خارقة للعادة؛ على أن اتجاه القرآن جميعًا، بل اتجاه الآيتين يدلنا على أن الإشارة إلى الوحى الذى ظن المكيون أنه حاصل من السحر. ويزعم المكيون بحسب الآية الخامسة من سورة الأنبياء أن الوحى هو أضغاث أحلام، زد على ذلك أن ثمة آية فى القرآن تدل على أن الوحى كان فى بعض الأحيان يأتى فيما نسميه نحن الآن "الكلام التلقائى". وقد نُهِىَ النبى [صلى الله عليه وسلم] فى الآية 114 من سورة طه، والآية 16 من سورة القيامة عن تحريك لسانه بالوحى ليعجل به. أى أنه أُمر بأن يستمع له وينصت فإذا انطلق قرأه النبى عليه الصلاة والسلام (انظر صحيح البخارى، جـ 9، ص 152 وما بعدها، طبعة بولاق 1315 هـ: كتاب التوحيد) وفى الآية 101 من سورة المائدة حذر الحاضرون والمستمعون للنبى [صلى الله عليه وسلم] حين ينزل عليه الوحى أن يسألوه فجأة عن أشياء، ويمكن القارئ أن يرجع إلى جملة أحاديث بهذا المعنى فى تفسير الطبرى (جـ 7، ص 48 - 52) البيضاوى (جـ 1، ص 275 فى اعلاها إلى ص 276، س 11) ومن الواضح أن المفسرين من أهل الكلام كالزمخشرى والرازى يكرهون التعرض لهذا الموضوع أما عن الكلام التلقائى فى الإسلام على عهده المتأخر فقد سلم الإسلام تسليما كاملا بهذه الظاهرة ووصفها.

ويتضح لنا من ذلك أن فهم هذه الآيات القرآنية يقتضينا أن نجمع بين المعنى الظاهر لنص القرآن الكريم وما نعرفه عن علم النفس الذى يبحث فى الخوارق. وهذه الظاهرة التى أسلفنا بيانها يمكن أن يتحقق منها فى كثير من الأحيان أى فرد له صلة بحالة من تلك الحالات الكثيرة الشيوع، ونعنى بها حالة "التلقائية" و"الكتابة التلقائية"، ويصدق ذلك تماما على "الكلام التلقائى" وهو أندر هذه الحالات وقوعًا. على أن المفسرين القدماء ميزوا بوضوح بقدر الإمكان بين هذه الظاهرة فيما يتعلق بالنبى [صلى الله عليه وسلم] والظواهر

ص: 5584

الخاصة بالصلات الأخرى بعالم الروح. وقد فعل هؤلاء المفسرون ذلك بتأكيد نزول الوحى عن طريق جبريل تمييزًا له عن الكلام التلقائى عن طريق روح تلابس المتكلم.

والراجح أن كثيرًا من الإشارات الواردة فى القرآن الكريم، إلى ظاهرة السحر، قد صبغت بذلك الطابع الخفى. ومن ثم فإن السحر هو الفتنة، وهو غير حق، ويُفهم من السنة النبوية أن السحر كان وحيا وثنيًا يأتى من عالم الأرواح، والوسطاء فيه سواء كانوا أرواحًا أو بشرًا قد حرفوه وزادوا عليه وهو بهذه الصورة باطل وقد وردت فى صحيح مسلم (جـ 8، ص 229 - 231 من طبعة الآستانة 1333 هـ، كتاب الزهد، حديث 73) قصة طويلة عن ملك وثنى وساحره، وراهب متقشف وغلام. والمسألة هى أن الوثنية سحر وكفر على نحو ما قال البيضاوى فى تفسير سورة البقرة، الآية 102 (جـ 1، ص 76، س 7) من أن السحر معادل للكفر، وهو يدخلهما فى الكهانة.

أما الأحاديث التى تناولت السحر فإن من المستحيل أن نميز منها ما قاله النبى [صلى الله عليه وسلم] حقًا وما وضع فى المناظرات التى وقعت بين الفرق بعد ذلك. لأن كثيرًا من هذه الأحاديث يتنافى فيما يظهر وما عُرف عن النبى [صلى الله عليه وسلم] من عظيم الإدراك. ويمكننا أن نحيل القارئ إلى صحيح مسلم (كتاب السلام، جـ 7، ص 13 - 41) عن الطب، والرقية المشروعة وغير المشروعة، والسحر، والسم، والشياطين، و"الغيلان، والكهانة أو الطيرة، والفأل، وكلها مجموعة فى صعيد واحد. وقد جاء فى صفحة 59 من الجزء الأول، أنه إذا قال أحد "مطرنا بنوء كذا" فهو بلا شك كافر، وجاء فى الصفحات من 136 - 138 أن سبعة الآلاف مسلم الذين سيدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب هم الذين لا يَرقْون ولا يستَرْقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون. أما الطب وغيره فقد تناوله صحيح البخارى فى كتاب الطب (جـ 3، ص 122 - 140) كما

ص: 5585

تناول تعبير الرؤيا وغير ذلك فى الجزء التاسع، ص 29 وما بعدها. أما عن رؤيا النبى [صلى الله عليه وسلم] والرؤيا بصفة عامة فانظر صحيح مسلم، جـ 7، ص 50 وما بعدها. وهذه الموضوعات جميعًا كانت ولا تزال مرتبطة بالعقلية الإسلامية أوثق ارتباط.

وقد حمل المعتزلة على أساس من العقل والنظر على الأحاديث التى تقول إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان مسحورًا. ذلك أنهم كانوا يرون أن هذا مستحيل فى حق نبى عصمه اللَّه، كما قالوا أيضًا بأن السحر الذى تحدث عنه القرآن فى قصة موسى مثلا ليس إلا "تخيلا"، وأن الملكين اللذين ورد ذكرهما فى الآية 102 من سورة البقرة، كانا رجلين اسمهما "ملك" وإن هذه الآية يجب أن نفهمها فهما آخر. وقد ذكر ابن قتيبة الرأى المناهض لذلك فساق الأدلة العامة التى جاءت بها كل الكتب المنزلة والأنبياء، وذكر الاعتقاد المجمع عليه فى السحر من شعوب متباينة فيما بينها أشد التباين، وكذلك الشهادة الصريحة الواردة فى القرآن فى سورتى "المعوذتين"، وغير ذلك من أخبار بعينها، وخاصة تلك القصة عن امرأة شخصت إلى بابل لتتعلم السحر من هاروت وماروت، ثم طلبت النبى [صلى الله عليه وسلم] فى المدينة تائبة فوجدته قد لقى ربه فاعترفت لعائشة وأنبأتها بقصتها كلها. وهذه القصة تبدو فيها عناصر من الأدب الشعبى تتعلق بتحضير السويق بالسحر، وهى تذكرنا بحكاية بدر باسم من حكايات ألف ليلة وليلة وخرافات محمد بن سلمة (The Earlier History the Arabian Nighits فى J.R.A.S يوليه 1924 - ص 374 - 379) وثمة رواية لهذه القصة أكثر تفصيلا وردت فى الطبرى المتوفى سنة 310 هـ الموافقة 923 م (التفسير، جـ 1، 347، س 23 إلى ص 348، س 10) وكذلك فى الثعلبى المتوفى سنة 427 هـ الموافقة 1036 م (قصص الأنبياء، ص 30، س 16 وما بعدها من طبعة القاهرة

ص: 5586

1314 هـ) وأورد الرازى المتوفى سنة 606 هـ الموافقة 1209 فى كتابه مفاتيح الغيب (جـ 1، ص 434، س 19 - 28) رواية لهذه القصة ثم إن جميع روايات القصة تختلف فيما بينها اختلافا شديدًا من نواح أخرى. ومن الواضح أن هذه الروايات كانت تتكيف بحسب ما يعرفه كل كاتب عن السحر وبحسب المفهوم الشائع للسحر فى عصره. على أن القصة التى نحن بصددها لم يقبل المحدثون فيما يظهر إدخالها فى الحديث. ذلك أن مسند ابن حنبل المتوفى سنة 241 هـ (جـ 2، ص 134) هو من دون أصحاب مجموعات الحديث الكبرى القديمة الذى ذكر شيئا عن هاروت وماروت، ولم يشر إلى هذه القصة (رسالة بعث بها إلى الأستاذ فلنسنك).

ونجد فى كتاب الفهرست (كتب بين عامي 377 و 400 هـ - 987 - 1010 م) طريقة السحر مبسوطة بسطًا مسهبا مؤيدة بتواليف كثيرة فى الموضوع. وأهم فقرة فى هذا الشأن هى التى وردت فى الفن الثانى من المقالة الثامنة (الفهرست، طبعة فلوكل، ص 308 وما بعدها). ويتجلى موقف المؤلف محمد بن إسحق من أقواله، ومن البين أنه كان من الشيعة، ومن ثم نلمح فيه على الأقل طابع المعتزلة يقول ابن إسحق:"زعم المعزمون والسحرة جميعا أن الشياطين والجن والأرواح تطيعهم".

فأما المعزمون (ونعنى بهم أصحاب الطريقة المحمودة فى السحر، من كلمة عزيمة أى الرقية؛ وهذه الكلمة لم ترد فى القرآن الكريم ولا الأصل الذى اشتقت منه) ممن ينتحل الشرائع يرون أن ذلك يكون بطاعة اللَّه جل اسمه، والابتهال إليه، والأقسام على الأرواح والشياطين به وترك الشهوات ولزوم العبادات، وأن الجن والشياطين يطيعون إما طاعة للَّه جل اسمه لأجل الأقسام به، وإما مخافة منه تبارك وتعالى، ولأن فى خاصية أسمائه، تقدست وذكره علا وجل، قمعهم وإذلالهم. فأما السحرة (ويعنى بهم

ص: 5587

أصحاب الطريقة المذمومة فى السحر) فزعمت أنها تستعبد الشياطين بالقرابين والمعاصى وارتكاب المحظورات. . . وللشياطين فى استعمالها رضا، مثل ترك الصلاة والصوم وإباحة الدماء ونكاح المحارم وغير ذلك من الأفعال الشريِّة، والكتب فيه مؤلفة كثيرة موجودة، وزعم الجميع من المعزمين والسحرة أن لهم خواتيم وعزائم ورقى ومنَادل وحِزاب ودَخَن وغير ذلك مما يستعملونه فى علومهم وزعم طائفة من الفلاسفة وعبدة النجوم أنهم يعملون الطلسمات على أرصاد الكواكب لجميع ما يريدونه من الأفعال البديعة، والتهيجات، والعطوف والتسليطات، ولهم نقوش على الحجارة والخرز والفصوص. وهذا. علم فاش ظاهر فى الفلاسفة، وللهند اعتقاد فى ذلك، وأفعال عجيبة، وللصين حيل وسحر من طريقة أخرى، وللهند خاصة علم التوهم (أى التنويم المغناطيسى، انظر J.R.A.S عدد أكتوبر 1922 Wahm in Arabic and its Cognates ص 516) ولها فى ذلك كتب، قد نقل بعضها إلى العربية، وللترك علم من السحر. قال لى من أثق بفضله أنهم يعملون عجائب من هزائم الجيوش، وقتل الأعداء، وعبور المياه، وقطع المسافات البعيدة فى المدة القريبة والطلسمات بأرض مصر والشام كثيرة ظاهرة الأشخاص، غير أن أفعالها قد بطلت لتقادم العهد.

ويرد السحر المشروع، ويطلق عليه الفهرست "الطريقة المحمودة"، إلى سليمان بن داود عليهما السلام الذى كان أول من استعبد الجن والشياطين واستخدمها. وقيل إن أول من استعبدها على مذاهب الفرس جمشيد (انظر عن جمشيد بوصفه صاحب العلم بالجن ومسخرها؛ الفهرست، ص 12، س 21 وما بعدها، ص 238، س 20 وانظر المزيد من المعلومات عن مكانه فى الأسطورة الفارسية والخلط بينه وبين سليمان عليه السلام E.G. Browne بصفة خاصة كتابه Literary History of Persia، جـ 1 ص 114). ومن

ص: 5588

الواضح أنه كان ثمة كتب كثيرة جدًا فى السحر تنسب إلى سليمان بالعبرية ثم بالفارسية نتيجة لهذا الخلط. وقد ذكرت أسماء هذه الكتب فى الفقرة الطويلة المنقولة عن الجَوْبَرى: "كتاب فى كشف الأسرار" الذى ألف فى منتصف القرن السابع الهجرى (Z.D.M.G جـ 20، ص 486 وما بعدها فى مقال دى غوى عن الموضوع نفسه " Gaubari's "entdeckte Gehimnise؛ وكذلك Fleischer فى Z.D.M.G جـ 21، ص 274). وقد طبع جزء صغير من هذا النص فى القاهرة (32 صفحة، من غير تاريخ، مطبعة النجاح) مع حذف المقدمة والتوسع فى الباب الرابع من الفصل الرابع؛ ومن الواضح أن هذا الجزء قد حذف منه أيضًا أشياء أخرى [وثمة أيضًا طبعة كاملة لم يذكر طابعها ولا مكان طبعها، ولكنها مؤرخة فى جمادى الأخرة 1302 هـ وانظر أيضًا دراسة هذا الكتاب من الناحية الفنية لا اللغوية، وهى دراسة تعتمد على النص المطبوع وعلى عدة مخطوطات، قام بها Beitr.z. w Gesch. der Naturwissenschaften: E. Wiedmann، جـ 25 ص 206 - 232] ثم يذكر الفهرست أسماء سبعين عفريتا دخلوا على سليمان عليه السلام وأخذ عليهم العهد والميثاق؛ والعهود أسماء اللَّه تعالى عز وجل وظلت هذه العهود تفعل فعلها العظيم. وثمة كتاب قاهرى صغير لم يؤرخ من ست عشرة صفحة اتخذت فيه هذه العهود حجابًا: "حجاب سبعة العهود السليمانية لسيدنا سليمان بن داود عليهما السلام، وثمة بيان آخر بسبعة ذكر أيضًا، وهو يتصل بأيام الأسبوع السبعة. ويمكن أن نتوسع فى ذلك بالاعتماد على ما ذكره القزوينى (عجائب المخلوقات، طبعة فستنفلد، ص 371 وما بعدها) وهو أيضًا يجعل الجن مسخرين لسليمان عليه السلام، وهناك أثبات أخرى وأوصاف أوردها الدميرى (حياة الحيوان، طبعة القاهرة 1313 جـ 1، ص 177 - 178؛ ترجمة Jakyar جـ 1، ص 448 - 480). ثم يذكر الفهرست أسماء بعض السحرة

ص: 5589

وعناوين كتبهم مبتدئًا بالروم حتى عهده. ويمكن ضبط ذلك والتوسع فى بعض نواحيه بالرجوع إلى ثبت الجوبرى وكل هؤلاء المعزمين بما فيهم أريوس الرومى بن اصطفانوس نفسه قد أكدوا صلتهم بطريقة سليمان عليه السلام، وكانوا يسيطرون على العفاريت بأخذ المواثيق عليهم. وآخرهم أبو عمر عثمان بن أبى رصاصة كان مقدما فى صناعته، له كتب كثيرة وأعمال حسنة. وقد رآه صاحب الفهرست وشاهده، وقال له يوما:"أنا أنزهك عن التعرض لهذا الشأن فقال: يا سبحان اللَّه نيف وثمانون سنة، لو لم أعلم أن هذا أمر حق لتركته ولكنى لا أشك فى صحته" فقال له ابن اسحق "واللَّه لا أفلحت! " وبيّن أن المقصود بذلك أنه تمنى له ألا يفلح فى سحره.

والسحر غير المشروع (ويسميه الفهرست الطريقة المذمومة) أو طريقة السحرة، ترّد كذلك إلى إبليس عن طريق ابنته بَيْذَخ "وإن لها عرشا على الماء (انظر عرش إبليس على البحر فى صحيح مسلم، طبعة الأستانة، جـ 8، ص 190 وعرش اللَّه على الماء فى الآية 7 من سورة هود، والحديث الوارد فى صحيح البخارى، طبعة بولاق 1315 هـ جـ 9، ص 124) وإن المريد (كأنه المريد فى الصوفية) لهذا الأمر متى فعل لها ما تريد وصل إليها، وأخدمته من يريد، وقضت حوائجه، ولم يحتجب عنها، والذى يفعل لها القرابين من حيوان ناطق وغير ناطق، وأن يدع المفترضات ويستعمل كل ما يقبح فى العقل استعماله"[والراجح أن تفكك هذه العبارة يرجع إلى أن ابن إسحق قد أدمج عدة حقائق ذكرت له]. "وقد قيل أيضا أن بيذخ هو إبليس نفسه، وقال آخر أن بيذخ تجلس على عرشها فيحمل إليها المريد لطاعتها فيسجد لها. . وقال لى إنسان منهم: إنه رآها فى النوم جالسة على هيئتها فى اليقظة، وأنه رأى حولها قوما يشبهون النبط سوادية حفاة مشققى الأعقاب. . وقال (ومن الواضح أنه الشخص الذى أخبر ابن إسحق بذلك) لى رأيت فى جملتهم ابن منذر بنى (؟ ) وهذا رجل من أكابر السحرة قريب العهد. . .، وكان

ص: 5590

يناطق من تحت الطست" (الفهرست، ص 310، س 18). وأخذ ابن اسحق يذكر بعد ذلك اسم كل ساحر متبوعا ببعض كتبه، ومنهم رجل يمنى روى عن الزرقاء الساحرة (الأميرة اليمنية طريفة؟ . .) وآخر هو ابن وحشية وهو يقرر أنه متصل بالسحر الكلدانى القديم، ولا شك أنه كان فى سحره متصلا أيضًا بالنبط. ويقول الفهرست إنه صوفى، كان يدعى أنه ساحر يعمل أعمال الطلسمات. ويلى ذلك فى الفهرست قسم (ص 312، س 11 - 16) عن الشعبذة. ثم يعود إلى السحر، ويذكر فالشتانس Callicthenes. وبليناس من أهل الطوانة Apollonius of Tyana وأروس، Horus هرمس Hermes، وأرباب السحر فى الهند. أما عن الحيل المذكورة آنفا فيرجع إلى الفن الذى أفرده ابن إسحق للحساب والمهندسين (ص 265، س 16؛ ص 271 س 8). وثمة كتب أخرى فى السحر معظمها لكتاب مجهولين ذكرها الفهرست فى الفن الذى أفرده للكتب المصنفة فى معان شتى (ص 314 س 7 - 18، ص 317، س 8؛ ص 418، س 4). وقد جرى الإسلام على نسبة جزء كبير من السحر غير المشروع والتنجيم إلى مذاهب الكلدانيين، ومن ثم فإن الفن الأول من المقالة التاسعة من الفهرست (ص 318 وما بعدها) الذى يتحدث عن الحرانيّة الكلدانيين الذين عرفوا بالصابئة له أهمية فيما يتعلق بتاريخ السحر، وخاصة الرأس الذى يخبر بما يحدث فى المستقبل (ص 321، س 12 وما بعدها). ويصدق هذا أيضا على المقالة العاشرة فى الكيمياء حيث نجد مرة أخرى كلمة مطولة عن ابن وحشية (ص 358) وأصحابه. وقد بين ابن خلدون بحق فى عهد متأخر عن ذلك كثيرًا، أن الشيعية، والصوفية والفلسفة. والتنجيم، والكيمياء، والسحر، كلها تتصل بعضها ببعض (انظر ما جاء فى الفهرست ص 354 وما بعدها، عن الأقوال المخللفة فى جابر بن حيان، والأسماء التى أطلقت عليه).

وإذا كان صاحب الفهرست قد شك شكا واضحًا فى إمكان وجود أى ضرب حقيقى من السحر واكتفى بذكر

ص: 5591

شئ عن سير السحرة وكتبهم كما وجدها، فإن الغزالى المتوفى سنة 505 هـ (1111 م) لم يخامره مثل هذا الشك، ذلك أن عالم الأرواح كان فى نظره حقيقة لا ريب فيها. وهو قد دخل فى كتابه الإحياء فى تفصيلات مسهبة عن الجن والشياطين وأفعالها (Religious Attitude in Islam: Macdonald ص 274 وما بعدها) والغزالى فى كتابه المنقذ من الضلال (طبعة القاهرة 1303 هـ، ص 46) يذكر المربع السحرى "بدوح" قائلا أن له خواص مجربة، ومن ثم عرف هذا المربع باسمه، وكتب أيضًا فى تفسير الرؤيا (التحبير فى علم التعبير، حلب، مطبعة البهاء، 1328 هـ، فى 30 صفحة) وقرر القزوينى فى كتابه "آثار البلاد"(طبعة فستنفلد، ص 272) أنه -أى الغزالى- أفاد من كحال مشهور هو الطبسى المتوفى سنة 842 هـ (1089 م؛ Geschichte der arab Litt، جـ 1، ص 496) وذلك فى استحضار الجن، وأنه رآها كالأشباح على الحائط، فلما أراد أن يتحدث معها أجابه الطبسى أن قدرته تقف عند هذا الحد (انظر أيضًا عن هذه الناحية فى الغزالى وتطورها فى الأساطير مقدمة كولدسيهر لكتابة عن ابن تومرت Livre d'lbn touert: الجزائر 1903 م، ص 15 وما بعدها). وهذا معناه أن فلسفة الغزالى القائمة على المذهب العملى Pragmatism قد أدت به إلى تصديق كل للك الأعمال المؤثرة فى الطبيعة وفى الإنسان لأنه وجد شواهد صحيحة عليها. وقد كان للمربع المعروف باسم "بدوح" أثره، ومن ثم سلم به وبجميع ما يتضمنه. ذلك أن العالم ملئ بالخفايا، وهذا المربع كان جزءًا منها على أنه بوصف كونه فيلسوفًا اخلاقيا لم يجد بدأ من النظر فيمن يزاولون السحر وفى تصنيفهم أنواعا، وقد فعل ذلك مبكرًا فى كتابه الإحياء (طبعة القاهرة 1334 هـ، جـ 1، ص 15) 26؛ والطبعة التى عليها شرح مرتضى الزبيدى المتوفى سنة 1205 الموافقة 1791 م، جـ 1، ص 146، 216 وما بعدها) ففى صفحة 15 من هذا الكتاب يتناول الغزالى

ص: 5592

تصنيف العلوم من الناحية الشرعية، فيقول إنها إما ترجع إلى الأنبياء إما لا ترجع إليهم والعلوم التى لا ترجع إليهم يرشد إليها العقل، أو التجربة أو السماع كاللغة، وهى تنقسم إلى ما هو "محمود"، وإلى ما هو "مذموم"، وإلى ما هو "مباح". أما المذموم فكمثل العلمين التوأمين علم السحر والطلسمات، وعلم الشعبذة والتلبيسات. ثم يدخل الغزالى فى تفصيلات أو فى من ذلك فى صفحة 26 ليفسر كيف يكون العلم مذموما، مع أن العلم هو معرفة الشئ على ما هو به وهو من صفات اللَّه تعالى ويجيب عن ذلك بأن العلم لا يذم لعينه وإنما يذم فى حق العباد لأحد أسباب ثلاثة: الأول، أن يكون مؤديًا إلى ضرر ما لصاحبه أو لغيره كعلم السحر. الثانى، أن يكون مضرًا بصاحبه فى غالب الأمر كعلم النجوم، الثالث الخوض فى علم لا يستفيد الخائض فيه فائدة علم مثال ذلك علم الكلام أو الطب لغير المتخصص فيهما. ومن الواضح أن هذا هو أساس مذهب المنفعة عند المسلمين، وهو المذهب الذى أثار اهتمامًا كبيرًا لدى باحث كابن خلدون، فوقع فريسة له ، (Religious Attitude، ص 119 وما بعدها) ويعتمد هذا المذهب على الحديث: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"(جـ 2، ص 157). ومن ثم فإن السحر، مع أنه حق كما نتبين من القرآن والحديث، فإنه يجب تركه. ثم إن الغزالى يصف السحر أيضا بأنه "يستفاد من العلم بخواص الجواهر وبأمور حسابية فى مطالع النجوم فيُتخذ من للك الجواهر هيكل (انظر Supplement: Dozy، جـ 2، ص 775 ب؛ والظاهر أن كلمة هيكل تدل على أن الأصل فى هذا النوع من السحر يهودى) على صورة الشخص المسحور ويرصد به وقت مخصوص من المطالع وتقرن به كلمات يتلفظ بها من الكفر والفحش المخالف للشرع ويتوصل بسببها إلى الاستعانة بالشياطين ويحصل من ذلك بحكم إجراء اللَّه تعالى العادة أحوال غريبة فى الشخص المسحور". وشرح مرتضى الزبيدى

ص: 5593

على هذه المسألة جدير بالنظر، ومن الواضح أن مرجعه الأكبر فى ذلك هو فخر الدين الرازى الذى زاد الزبيدى من طابعه الكلامى، إذ نقل شواهد من مؤلفه "الملخص" ومن كتابه "السر المكتوم" وهذان الكتابان ما زالا مخطوطين (Gesch. d، Arab. Litt جـ 1، ص 507) كما نقل أيضا من كتاب مسلمة المجريطى (توفى سنة 38 = 1007 م؛ Gesch d، Arab Litt جـ 1، ص 343) المعروف باسم "غاية (أو نهاية) الحكيم"، وما زال هذا الكتاب أيضا مخطوطا. على أنه مهما يكن من أمر الخطة الصارمة التى استنها الغزالى نفسه بكل ما له من تأثير عظيم، الخطة التى رأى أن يسير عليها الناس فى الحياة لتطهير نفوسهم وصونها واعتمد عليها كل الاعتماد فى تأليف كتابه الإحياء، فإن جماهير المسلمين ربما لم يلتزموا هذه النظرة إلى الحياة. وقد ظل الموقف الذى يتجلى فى الفهرست بأجلى بيان بالنسبة للسحر المشروع والسحر غير المشروع باقيًا على حاله، ومن ثم أمكن السحرة الذين يلتزمون الشرع أن يحتجوا بأن فنهم الذى أخذوه عن سليمان نبى اللَّه عليه السلام لا يخالف السنة بل لا يخرج عن حدود التقى. وقد كانت الحدود بين السحر المشروع والسحر غير المشروع وما تزال غامضة أشد الغموض، وهى فى ذلك تماثل الغموض الذى يكتنف موقف الأرواح فى الإسلام الذى يقول إن طائفة منها مؤمنة، كما أن العلاقة بين الشياطين والجن غير محددة، بل نحن نجد كتبا تقول إن حفيدًا لإبليس كان مؤمنًا. زد على ذلك أن المتكلمين قد ألفوا أن موقف الغزالى تكتنفه الصعوبات. فقد بينوا أن ممارسة السحر الذى يقصد به إلى الأغراض الضارة هى وحدها التى يمكن أن نسميها أمرًا مذموما؛ هذا من جهة. وأما من الجهة الأخرى فإن معرفة السحر أمر جوهرى لكل من يريد أن يميز بين أثر السحر وأثر معجزات الأنبياء بل أثر كرامات (. . .) الأولياء (البيضاوى، طبعة فليشر، جـ 1، ص 76؛ الرازى: مفاتيح الغيب، القاهرة 1307 هـ، جـ 1، ص 434، س 7 من أسفل الصفحة وما بعدها) والمادة الوحيدة المطبوعة التى لدينا عن موقف

ص: 5594

فخر الدين الرازى (توفى 606 هـ = 1209) بصرف النظر عن تلك الإشارات المتفرقة التى من قبيل ما ذكرناه لمرتضى الزبيدى آنفا، هى تفسيره للقرآن المعروف بمفاتيح الغيب، وهو يتناول السحر فى هذا التفسير تفصيلا عند كلامه عن الآية 101 من سورة البقرة (1)، وهى الآية العمدة فى موضوع السحر. وكان الرازى متاثرًا بآراء المعتزلة إلى حد بعيد أدى به إلى قبول بعضها، وإن كان قد احتفظ فى النهاية بمذهب أهل السنة مشوبًا بتفلسف المتكلمين، ومطبوعًا بحبه الشديد للأقوال القائمة على التحليل المستندة إلى منهج (Goldziher) فى Der Islam جـ 3، ص 238 وما بعدها، Koranauslegung ص 123، 203 والفهرس تحت كلمة مفاتيح). ويتجلى موقفه الجوهرى من السحر من كلامه عن المرأة التى ذهبت إلى هاروت وماروت فى بابل لتتعلم منهما السحر. فلما خرج منها إيمانها وصعد إلى السماء قالا لها: "ما تريدين شيئا يتصور فى وهمك إلّا كان، (مفاتيح الغيب، جـ 1، ص 434 س 26) ونخرج من ذلك بأن السحر فى جوهره عمل نفسى له آثار مادية. فما يتصوره الساحر فى وهمه يحدث. وقد ذكر الرازى فى الصفحات من 129 إلى 434 أن السحر على أنواع: الأول سحر الكلدانيين، وكان يقوم على عبادة الكواكب وما للكواكب من تأثيرات. وزاد على ذلك كلمة فى رأى المعتزلة وردًا على رأيهم فى السحر؛ والثانى سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية أو أصحاب الرقى، ويؤيد هذا النوع ما لنفس الإنسان من أثر على جسمه وعلى أجسام غيره، وضرب الرازى لذلك سبعة أمثلة، كما ناقش إمكان الاتصال بالأرواح السماوية والنفوس الفلكية واستخدام هذه الأرواح فى السحر؛ والثالث هو الاستعانة فى السحر بالأرواح الأرضية أى بالجن. وهذا النوع (انظر ما ذكرناه عن السحر المحمود نقلا عن الفهرست) يعرف بالعزائم وعمل تسخير الجن؛ والرابع، هو التخييل والأخذ بالعيون؛ والخامس، هو الأعمال العجيبة التى تظهر من الآلات، ومن الأفعال التى تتم

(1) هى بترقيم المصحف العثمانى رقم 102.

ص: 5595

من تلقاء نفسها، ومن مختلف التركيبات العلمية؛ والسادس هو الاستعانة بخواص الأدوية والعطور المزيلة للعقل أو المسكرة، والسابع هو تعليق قلوب ضعفاء العقول بادعاء الساحر أنه قد عرف الاسم الأعظم وأن الجن يطيعونه؛ والثامن، هو السعى بالنميمة والتضريب. أما كلام كشاف اصطلاحات الفنون فى ذلك، وهو مؤلف حديث (ص 648 - 653) يعتمد على الرازى اعتمادًا كليا أو يكاد، فلم يذكر إلا أربعة الأنواع الأولى من السحر، ويقال أن المعتزلة أنكروها جميعا إلا النوع الرابع. وأما فى طبعة القاهرة لكتاب الرازى (ص 434، س 4 وما بعدها) فيقال أن المعتزلة أنكروا الكل إلا النوع الرابع والخامس والثامن. ونحن نتساءل ترى هل أنكروا النوعين الخامس والسابع؟

ونحن نجد أن ابن خلدون المتوفى فى سنة 808 هـ (1406 م) قد توسع أكثر وأكثر فى نظرة الرازى النفسية إلى السحر وزادها تبيانا حتى أصبحت تتفق أو تكاد والمذهب النفسى الحديث فى الأفعال التلقائية. ومن ثم فهو أول من تناول بالتفصيل الأساس العقلى للتطلع البلورى " Crystal Gazing" بلغة هى فى جوهرها لغة المحدثين (المقدمة، طبعة كاترمير، Quatremere جـ 1، ص 191 - 195) ويجب أن نقرن أوصاف ابن خلدون وإيضاحاته فى ذلك ببحث Besterman: a study in the history، distribution، theory and Practice of scrying (لندن، 1924 وبحث W.H.Worrel Ink Oil and Mirror Gazing Ceremonies in Modern Egypt (فى J.R.A.S جـ 36، ص 37 - 53). وهكذا نجد أن ابن خلدون قد ذهب إلى أبعد مما ذهب اليه الرازى من حيث النوعين الثانى والثالث من السحر فى تقسيم الرازى. وكان ابن خلدون مسلمًا غيورًا متمسكًا بالقرآن والسنة، ومع ذلك فقد التزم التزامًا تاما ما خبره بنفسه، وعرف صنوفًا شتى من العرافين والسحرة وجربهم وسلم بعملهم، وشاهد فى منامه رؤى تبين له أنها صحيحة، كما كان مؤمنًا بكرامات الأولياء. على أنه لم يعرف قط جنًا أو ملائكةً بأشخاصهم، ولو أنه مضطرًا إلى التسليم بوجود

ص: 5596

الملأ الأعلى وأن لهم تأثيرات روحانية وشيطانية على نفوس البشر. ومن ثم نجده قد أدخل جميع الإشارات القرآنية التى حار عقله فيها أو التى لم يخبر ما تشير إليه من وقائع فى الآيات المتشابهات، وهى ضد الآيات المحكمات، متبعًا فى ذلك تفسيرًا من تفاسير الآية 7 من سورة آل عمران التى جاء فيها {. . . وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. . .} (ابن خلدون، المقدمة، طبعة Quatremere، جـ 13 ص 47)، ونخرج من هذا بأن القوة الجوهرية للسحر تكمن فى نفس الساحر، ذلك أن الساحر غير مكتسب لسحره بل هو مفطور عليه. وقد يدعم الساحر قوته النفسية بأمداد من القوى الغامضة فى الخارج، سواء كانت من خواص الموجودات أو الأعداد؛ وبغير ذلك من الكائنات الروحانية المتجردة من المادة. ويقول ابن خلدون إن التفرقة عند الفلاسفة بين السحر والطلسمات هو أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين، وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الأعداد وخواص الموجودات وأوضاع الفلك المؤثرة فى عالم العناصر -أى فى عالمنا (المقدمة طبعة كاترمير، جـ 3، ص 132). والظاهر أن ابن خلدون كان بصفة عامة موافقًا على هذه التفرقة بقدر ما كان يستطيع أن يحيط بالوقائع التى عرفها بنفسه (المقدمة طبعة كاترمير، جـ 3، ص 129 وما بعدها) على أن ابن خلدون قد رأى أيضا أن أدوات السحر كما هى فى صناعة خط الرمل الذى يعمد صاحبها إلى وضع نقط وخطوط فى الرمل ويكون منها أشكالا يستخرج بها الغيب، ما هى إلا وسيلة لخروج الساحر من حالته الطبيعية وغيبته عن الحس لترجع نفسه إلى عالم الروحانيات. فمن لم توجد له هذه العلامة فليس من إدراك الغيب فى شئ وإنما هو ساع فى تنميق كذبه (المقدمة، طبعة كاترمير، جـ 1، ص 209). ثم إنه بذلت بعد ذلك محاولة من قبل البونى المتوفى سنة 622 هـ (1225 م) متبعًا طرائق الغلاة من المتصوفة وأهل التصرف، فقد سعى إلى وضع طريقة للسحر المشروع تقوم على تصرف النفوس الربانية فى عالم الطبيعة بالأسماء الحسنى والكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة

ص: 5597

بالأسرار السارية فى الأكوان، وصنع من هذه الحروف جداول سحرية وطلسمات. وقد عرف هذا العلم بالسيمياء (Suppl. Dozy جـ 1، ص 708 ب) شأنه شأن الكبَّالة (1) الخاصة بأسرار الحروف عند اليهود وبذلك النوع من العلم الذى يصنع العجائب مستعينًا بالأسماء الإلهية (انظر The Kabbalah: C.D. Ginsburg، جـ 2، طبعة لندن 1920، ص 127 وما بعدها)، على أن ابن خلدون كان يرى أن هذا العلم ما هو إلا سحر، لأنه يقرر أنه يستمد تأثيراته من قوى الطبيعة لا من اللَّه، وإن كان يستخدم أسماءه تعالى، ومن ثم يدخل فى باب السحر وهو مذموم، (المقدمة طبعة كاترمير، جـ 3، ص 137 وها بعدها، وخاصة ص 113 وما بعدها). وكتاب البونى الكبير "شمس المعارف" (Gesch. der Arab. Litt، جـ 1، ص 497 هو العمدة بين جميع الكتب الإسلامية التى لا تحصى والتى درست السحر حتى يومنا هذا. اما المصدران الآخران فى السحر اللذان أشار إليهما ابن خلدون فهما جابر بن حيان ومسلمة المجريطى.

ونستبين من نظرية ابن خلدون أنه لم يجد بدًا من التمييز من الناحيتين الشرعية والنفسية بين عمل السحر وعمل تلك القوى التى فطر عليها الأولياء والأنبياء. ولكن ما الفرق بين نفوس الأنبياء ونفوس الأولياء ونفوس السحرة؟ لقد كان ذلك من الأمور التى يسهل الحكم عليها كما فعل ابن خلدون (المقدمة، طبعة كاترمير، جـ 3، 341، 140) ، فإن نفس النبى والولى يسيرها رجل صالح متوخيا أغراضا طيبة، أما نفس الساحر فيسيرها رجل طالح متوخيا أغراضا خبيثة، مع وجود صلة نسب جوهرية بين النفس وبين القوة التى تعينها من الخارج، وكانت هذه هى التفرقة الشرعية القديمة (انظر تفسير البيضاوى للآية 102، سورة البقرة، جـ 1، ص 76، س 9). زد على ذلك أن الولى بكراماته والنبى بمعجزاته البينة إنما يأتيان بذلك كله ابتغاء مرضاة اللَّه

ص: 5598

وبعونه تعالى دون أن يلتجئا إلى أى مدد آخر سواء كان روحًا أو قوة من قوى الطبيعة. على أنه كان ثمة طائفة من غلاة المتصوفة يزعمون السيطرة على عالم الطبيعة، وكان هؤلاء على ما يظهر سلالة ذلك الفرع من الأفلاطونيين المحدثين الذين يصنعون العجائب. ثم إنه كان ثمة أيضًا تلك الجمهرة العظيمة من الأولياء الشعبيين، وهم حقا من القائلين بمذهب أن لكل شئ روحًا تحل فيه، وقد دأب هؤلاء تحت ستار الإسلام على التكهن بالمستقبل وصنع العجائب المأثورة عن المعتقدات والطقوس القديمة. وقد أدت نظرية ابن خلدون أيضًا عن النفوس الساحرة إلى عودة الخلط الذى عرف عن جزيرة العرب فى الجاهلية بين الكاهن والنبى، وهكذا ظلت الطريق مفتوحة أمام المسلمين السنيين لدراسة السحر بل ممارسته، وأمام ذلك الخلط الشامل الكامل الذى يوجد اليوم بين السحر المشروع والسحر غير المشروع. وإذا شاء القارئ مزيدًا من التفصيل عن نظرة ابن خلدون إلى الدين والسحر فيمكنه الرجوع إلى مؤلف كاتب هذه المادة Life in Islam & Attitude Religious (المحاضرات من 2 - 6). أما عن الأولياء والسحر فى الإسلام فيرجع إلى Les Marabouts: E.Doutte. باريس 1900 و Les Aissaoua، شالون 1900 أو Magie et Religion dans ،I'Afrique du Nord الجزائر 1909 (وهى عمدة الرسائل فى السحر فى الإسلام الحديث)؛ وإلى E. Westermarck: The Moorish conception of holiness، هلسنكفورث 1904؛ وإلى T.W.Weir: The Shaikhs of Morcco، إدنبره 1904؛ وإلى Emily، Shareefa of Wazan: My life story، لندن 1911. وثمة سبب آخر من الأسباب التى أدت إلى بقاء السحر بين جماهير المسلمين وهو وجود عدة حكايات شعبية تروى كيفًا بطلت طلسمات عظيمة المفعول توارثها الناس، عمل جن من الكفار وتغلبت على سحر سحرة كفار وطلسماتهم. وثمة مثلان جيدان على هذه الحكايات ترجمهما فايل عن مخطوط فى مكتبة كوتا فى طبعته المتأخرة لمؤلفه Tausend and Eine Adventures of Ali and zaher of) Nacht

ص: 5599

Damascus و Adventures of the Fisherman Djauder جـ 4 من طبعة بون 1897، ص 194 - 312).

ونجد فى القرآن والسنة، وفى فقه أهل السنة، وفى عقائد المتصوفة بجميع أطوارها التى تمتد إلى النظر الدينى القائم على مذهب وحدة الوجود، وفى الفلسفة والعلم الطبيعى بجميع أنواعه من علم النفس التجريبى تقريبًا إلى نظرات ابن سينا، وفى تعبد البدائيين المستند إلى الاعتقاد بوجود روح تحل فى كل شئ: فى كل هذا نجد ترديدًا للقول بالسحر، وإن كان محفوفًا بالمكاره.

ويمكن أن نستدل على مكانة السحر فى العالم الإسلامى اليوم من دلك المكتبة الصغيرة فى السحر التى جمعها كاتب هذه المادة فى مصر سنة 1908 وأخذ ينميها منذ ذاك:

(1)

كتاب "شمس المعارف" للبونى (طبع طبعة حجرية من القطع الكبير فى أربعة أجزاء من 442 صفحة، كتبها ميرزا حسين الشيرازى، وقد طبعت طبعات أخرى ما بين 1322 هـ إلى 1324)، وما يزال هذا الكتاب هو العمدة على حد ما قاله لى عالم مصرى أستاذ فى إحدى مدارس المعلمين الحكومية ومن تلاميذ جمال الدين الأفغانى.

(2)

وثمة بحث آخر عظيم الشيوع هو "مفاتيح الغيب" وهو فى سبع رسائل (القاهرة 1337 هـ = 1909، وعدد صفحاته 232) كتبه أحمد موسى الزرقاوى. وقد طبع هذا البحث الذى ألفه ساحر معاصر بفضل عدد عظيم من المساهمين. وهو يتناول موضوع السحر جميعا من فلك وتنجيم إلى خط الرمل والمربعات السحرية، والنظر فى المرايا الشفافة. وقد أخذ المؤلف بالرأى القائل بأن الأرض تدور، وقال إنه هو الرأى الفيثاغورى، وإنه أثبته بادلة من القرآن. والزرقاوى فى هذا وفى غيره يفوق بكثير سيمياء البونى التى تتسم بالطفولة. وعندى أيضا نتيجة للزرقاوى فى سنتها العاشرة (1326 هـ = 1906 م) وبها ملاحق سحرية وتنجيمية.

ص: 5600

(3)

رسالتان فى السيمياء من المجربات طبعتا معا فى القاهرة سنة 1324 هـ الموافقة 1906، وهما "فتح الملك المجيد" لأحمد الديربى المتوفى سنة 1151 هـ (1738، Gesch der Arab Litt، جـ 2، ص 323) و"المجربات" لأحمد بن يوسف السنوسى المتوفى سنة 892 هـ (1486 م، Gesch. d. Litt، جـ 2، ص 252) ولا ريب فى أن الرسالة الأولى كانت عظيمة الرواج لأننى أقتنى منها طبعتين مستقلتين، القاهرة 1323، 1325 هـ.

(4)

ومن المؤلفات فى السيمياء أيضا: "كتاب العوائد"، القاهرة 1321 هـ، من تأليف أحمد بن عبد اللطيف الشرجى اليمنى المتوفى سنة 812 هـ (1410 م، Gesch. der Arab Litt، جـ 2، ص 190) وهو كتاب راج أعظم الرواج فى طبعته الثالثة.

(5)

وثمة كتاب أكثر منفعة وطرافة وأقل حظًا من نغمة التقى المصطنعة هو "شموس الأنوار وكنوز الأسرار"(ومنه طبعتان على الأقل، القاهرة 1322، 1325 هـ) لمؤلفه ابن الحاج التلمسانى المتوفى سنة 737 هـ (1336 م، Gesch. der Arab. Litt، جـ 2، ص 83، وانظر Goldziher فى Z.D.P.V جـ 17، ص 115 - 122).

(6)

كتابان لكاتب يدعى محمدا الرهوى (؟ )، وهما "اللؤلؤ المنظوم فى الطلاسم والنجوم" و"غاية الأمانى فى علوم الروحانى"، القاهرة من غير تاريخ، وكلا الكتابين من نفس الطراز فهما يتناولان فنون السحر. ويذكر الكاتب أسماء أسلافه: الغزالى والبونى ومحيى الدين بن العربى المتوفى سنة 638 هـ (1240 م، انظر Gesch. der Arab. Litt، جـ 1، ص 441 وما بعدها، وانظر عن هذه الناحية فى ابن العربى دراسة Kleinere Schrikften بقلم H.S.Nyberg ليدن 1919) وشهاب الدين القليوبى (Gesch. derArab. Litt، جـ 1، ص 103؟ ) والشعرانى.

(7)

وثمة ساحر مصرى معاصر له ثلاث رسائل صغيرة وهو يوسف محمد الأوغانستانى؟ (الأفغانى؟ ) الملقب بالهندى من جزيرة شندويل بالصعيد،

ص: 5601

ولكنه يذكر عنوانه بالقاهرة منزل على افندى النقلى رقم 8 درب الدحديرة، عطفة الشيخ مرشدى تجاه جامع الشعرانى. وهناك يقيم، أو كان يقيم، مستعدا لتعليم فنه وإجازة من يريدون ممارسته بعد اختبارهم والتحقق من كفايتهم. ومؤلفاته هى:"الجوهر الغالى فى خواص المثلث للغزالى" و"الأسرار الربانية فى تسخير الأرواح الروحانية"؛ و"العناية الربانية فى مشاهدة الأرواح الروحانية". والكتاب الأخير هو من دون كتبه الذى ذكرت سنة طبعه وهى سنة 1325 هـ الموافقة 1907 م. (8)"كتاب الفيض المتوالى" القاهرة من غير تاريخ، وهو رسالة أخرى فى مربع الغزالى ألفها أحمد الدمنهورى المتوفى سنة 1192 (1778 م، Gesch. der Arab. Lit جـ 2، ص 371 تحت عنوان عقد الفرائد).

(9)

محمد إبراهيم القبانى الزقازيقى: "الأسرار الإلهية فى الفرائد والأبواب الروحانية" منوف 1323 هـ.

(10)

الحاج سعدان الرنجى: السر "لربانى فى علوم الروحانى"، منوف من غير تاريخ.

(11)

الحاج سعدون بن الحاج عبد القادر الحناوى: "الفتح الرحمانى فى علوم الروحانى" القاهرة من غير تاريخ.

(12)

الساحر الشهير بالهدهاد: "بهجة السامعين فى تسخير ملوك الجن أجمعين"، القاهرة من تاريخ، ويزعم هذا الساحر أن كتابه قديم جدًا ألفه ساحر عظيم الشهرة لا يعلم عنه شيئا.

(13)

الفيلسوف اليونانى الحكيم هرمس: كتاب السبع كواكب السيارة، القاهرة من غير تاريخ، وهو فى التنجيم انظر الفهرست، ص 139، س 3 وما بعده ص 267 س 12 وما بعده ص 253 س 9 وما بعده والتعليقات.

(14)

أبو معشر [جعفر بن محمد] البلخى: كتاب طالع المولود للرجال والنساء على البروج وطوالعها على ثلاثة وجوه، القاهرة من غير تاريخ

ص: 5602

(انظر كتاب الفهرست، ص 277 وفهرسته وتعليقاته، ولم يذكر هذا العنوان فى الفهرست) وفى هذا الكتاب صور عجيبة مأثورة عن كواكب ذلك البروج. وثمة كتاب أخر من هذا القبيل عن أثر طوالع المواليد على البروج فى طبيعة الرجال والنساء وأمزجتهم وحظوظهم، وبه حسبانات رياضية مناسبة للحال، ولا شك أن هذا الكتاب لأبى معشر: "هذا كتاب. . . اليونانى الفيلسوف الشهير بأبى معشر الفلكى الكبير، (القاهرة، مطبعة الحسينية، من غير تاريخ، وفى فهرس بريل Brill، رقم 8 نسخة من هذا الكتاب [رقم 33] تاريخها، القاهرة 1288 هـ)؛ وثمة طبعة أخرى للكتاب تولاها طابع وناشر آخر وفيها الصور نفسها للبروج، والمؤلف يزعم فى صفحة 2 أنه أورد أشكالا رملية، وإذا صدق فى هذا فإن هذه الأشكال تكون مختلفة تمام الاختلاف عن الأشكال الرملية المألوفة كما يتبين من الكتاب التالى.

(15)

محمد الزناتى: كتاب الفصل فى أصول علم الرمل، القاهرة من غير تاريخ (انظر عن هذا الكاتب وفنه ابن خلدون: المقدمة، طبعة كاترمير، جـ 1، ص 204 - 209، ترجمة دى سلان، جـ 1، ص 233 - 241. والتعليق، وانظر أيضًا Alaeddin and the enchanted lamp: J.Payne، ص 199 - 201، مجلة. J.R.A.S عدد يناير 1906 ص 121. وما بعدها؛ Z.D.M.G جـ 18، ص 177، جـ 25، ص 140؛ جـ 31، ص 762) وعلم خط الرمل فى هذا الكتاب على غرار ما نجده عند علماء الغرب المحدثين فى هذا الباب (انظر Principles of Atrologicail geomancy: Franz Hartmann، لندن 1889 م).

(16)

كتاب فى الفأل من غير تاريخ ولا يعلم مؤلفه، وثمة كتيب بسيط جدا فى البخت عنوانه "بختك يا بو بخيت" لمرقس جرجس، ونتيجة لسنة 1326 هـ عنوانها "تقويم الأسرار الخفية" وفيها زيادات أكثر تفصيلا عن البخت من وجهة نظر سياسية.

(17)

جلال الدين السيوطى المتوفى سنة 911 هـ (1505 م): "كتاب الرحمة

ص: 5603