الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8)
Reste arab Heidentums: Wellhausen ص 68.
(9)
Blau فى Zeitschrift der Deutschen Morgenlandischen Gesellschaft، جـ 23، ص 586
(10)
Le Berceau de L'Islam: Lammens ص 99 - 100، 136.
(11)
المؤلف نفسه: La Mecque a la veille de l'he gire ص 196، 197، 198 (ملخص من M.F.O.B جـ 9، قسم 3).
(12)
المؤلف نفسه: Etudes sur le regne du calife Mawi a 1 er ص 43، 337، 423.
(13)
المؤلف ذاته: Le Chantre des Omaiyades، notes sur Le poete arabe Akhtal ص 133. . . إلخ (ملخص من المجلة الأسيوية، 1894).
(14)
I tempi La vita ed it canzoniere della Poetessa araba Al Hansa: G.Gabrieli فلورنسة، سنة 1899، ص 11 وما بعدها، 67 وما بعدها.
الشنتناوى [لامنس H. Lammens]
سليمان الأول
عاشر سلاطين آل عثمان وأعظمهم، وقد حكم من عام 1520 إلى عام 1566، ويطلق عليه الترك اسم "قانونى سلطان سليمان"، كما يعرفه الكتاب الغربيون باسم سليمان العظيم. ويطلق عليه بعض المؤرخين الغربيين مثل ليونكلافيوس Leunclavius ثم جوركا Jorge من بعده اسم سليمان الثانى، أما سليمان الأول فهو فى نظرهم ابن بايزيد الأول الذى عاش فى أدرنة، غير أن الرأى الغالب فى تركية هو أن سليمان القانونى هو أول سلطان من آل عثمان سمى بهذا، وهو يعرف دائمًا باسم "سليمان خان أول". وتشير "الشرفات" العشر لمآذن جامع السليمانية إلى أن سليمان هو السلطان العاشر كما جاء فى حديقة الجوامع (ص 16) بل إن الرقم عشرة قد جعل له دلالة رمزية خاصة فى حياة السلطان (Geschichte des Osmanische Reiches جـ 3، ص 4)، وكذلك يعد الاسم سليمان رمزًا قوميًا ودينيًا. وكثيرًا ما نجد فى الوثائق التى أصدرها سليمان إشارات إلى آيات قرآنية ذكرت النبى سليمان عليه السلام.
ولد سليمان 900 هـ (1494/ 1495 م) وهو ابن السلطان سليم، وأمه عائشة سلطان (توفيت عام 940 هـ = 1533؛ انظر سجل عثمانى، جـ 1، ص 49) ابنة منكلى كراى خان القريم وقد اشتهرت بجمالها. وولى سليمان فى عهد جده بايزيد سنجق كفّه، كما كان يعيش فى عهد سليم الأول فى مغنيسا واليًا عليها، بيد أنه لم يكن له أى شأن هام فى حكمها. ولذلك لم يكن لدى أحد آية فكرة عما ستكون عليه حال هذا السلطان الجديد عندما بلغ قصبة البلاد فى 30 سبتمبر عام 1520 بعد وفاة أبيه بثمانية أيام.
وأبرز سمة فى سيرة هذا السلطان، الذى كان بطبعه محبًا للسلام كما جاء فى التقارير البندقية، هى أنه اشترك شخصيًا فى ثلاث عشرة حربًا عظيمة، عشر منها فى أوروبا وثلاث فى آسية. وكانت هذه الحروب مراحل عدة من مراحل توسع الامبراطورية العثمانية فى رقعتها وسلطانها، ومن ثم فإن إحصاءها يتفق فى أكثره مع التاريخ الحربى الهام للإمبراطورية فى عهده. وكان أولها حرب بلغراد، وهى الحرب التى أشعلها سوء معاملة ملك المجر لرسل الترك الذين جاءوا يسألونه أداء الجزية. فقد استولى الصدر الأعظم بيرى باشا على بلغراد فى 29 أغسطس عام 1521 وسبق ذلك استيلاء الترك على سبز Sabacz (بالتركية بوكوردلن BogUrdelen) على نهر الدانوب وصاحبه قيام الجنود الترك بتدمير سرميه Syrmia. ودخل السلطان هذه المدينة المفتوحة، أى بلغراد، فى 30 أغسطس، ووضع بها حامية تحت إمرة سنجق بك. وتم فى العام التالى فتح جزيرة رودس وانتزاعها من يد فرسان القديس يوحنا الذين ظلوا مدة طويلة خطرًا يهدد السيادة العثمانية لأنهم كانوا يساعدون القراصنة المسيحيين، وغادر سليمان الآستانة فى الخامس عشر من يونية عام 1572، وعبر آسية الصغرى متجهًا إلى ميناء مرمريس Marmaris وأبحر الأسطول بقيادة الوزير مصطفى باشا تعززه فرقة من الجنود المصرية أنفذها خير بك وإلى مصر. وقد لاقت الجيوش التركية
مصاعب جمة فى حصار الجزيرة، واضطر الأسطول التركى إلى الهروب إلى مرمريس فى نهاية شهر أكتوبر، ولكن حدث فى شهر ديسمبر أن اتفق كبير الفرسان ويدعى Villiers de I،Isle Adam (ويعرفه الترك باسم ميكال مستورى نسبة للكلمة اليونانية Megalomastra) على شروط التسليم، ثم غادر الجزيرة من فوره وقتل فى هذه الحرب أحد أبناء أخى جم بايزيد الثانى، أثناء وجوده بين صفوف الجيش المسيحى.
وبعد عودة السلطان إلى الآستانة بقليل عزل الصدر الأعظم بيرى باشا ونصب مكانه فى 27 يونية 1524 صفيه إبراهيم باشا الذى ظل صاحب سليمان الأمين فى جميع حروبه حتى مقتله المفاجئ عام 1536. وتوطدت أواصر الصداقة بين الاثنين سنة أواصر بزواج إبراهيم من أخت السلطان وفى عام 1525 اتخذت تدابير عسكرية جديدة لم يكشف عن الغرض منها، وحدثت مفاوضات مع بولندة وفرنسا وقامت حرب عصابات فى الكروات وسلافونيا ودلماشيا (ونخص بالذكر منها تلك الفعال الباهرة التى قام بها باشا البوسنة الذى حاول عبثًا الاستيلاء على مدينة جايس Jaice) وكان تمرد الإنكشارية فى قصبة البلاد من الدلائل الأخرى على شروع أولى الأمر فى اتخاذ تدابير عسكرية عظيمة. وخرج سليمان سنة 1516 مصطحبًا إبراهيم فبلغا بلغراد فى 15 يولية، وكان قد شخص إليها أسطول حربى عن طريق نهر الدانوب. واستولى إبراهيم فى 30 يولية على بيترفاردين Peterwardein (تعرف بالتركية باسم ورادين)، ثم عبر الجيش التركى نهر دراوه Drave، عند مدينة إسزك Eszek ولقى عند موهاكس Mohacs (مهاج) الجيش المجرى الذى كانت منازعات قواده قد أضعفته، وقامت هناك موقعة حربية فى 28 أغسطس قتل فيها لويس ملك المجر وتحطمت مقاومة المجر، فغدت البلاد مفتوحة أمام الغزو التركى. وبادر السلطان هو وإبراهيم فواصلا سيرهما دون توقف فاحتلا فى 11 سبتمبر القصبة بودا (بالتركية بودن Budin أو بودون Budun) التى أصبحت طعامًا للنيران على الرغم من
صدور الأوامر بتحاشى ذلك. على أن هذا الاحتلال إنما كان احتلالًا موقوتًا. وعبر الجيش التركى نهر الدانوب، وعاد عن طريق زكدين Szegedin مخربًا البلاد التى مر بها وقاضيًا على مقاومة القوات المتعددة التى صادفته. وعاد سليمان إلى الآستانة فى شهر نوفمبر، فوجد ألا مناص له من معالجة المتاعب التى قامت فى آسية الصغرى.
واستمرت الحرب فى البوسنة ودلماشيا وسلافونيا طوال السنتين ونصف السنة التى سبقت الحرب المجرية الثانية. وقام التنافس فى هذا الوقت نفسه بين فرديناند "الملك الرومانى" وجون زابوليا John Zapolya أمير ترانسلفانيا (إردل بأن) حول التاج المجرى. وأرسل كلاهما رسولًا إلى الآستانة، واستطاع رسول زابوليا أن يكسب عطف السلطان، وخرج السلطان فى مايو من عام 1529 فى حملته الثانية، وهى حملة فينا، يصحبه الرسول، وبلغا موهاكس فى 10 أغسطس حيث اعترف سليمان بزابوليا ملكًا على المجر (قرال يانوش) وأقبل زابوليا لتقديم فروض الولاء لمولاه. وعين إبراهيم باشا فى ذلك الوقت سر عسكر، وخرج السلطان لتنصيب تابعه الجديد فى عاصمته التى كانت تحتلها جنود فرديناند. وفى 8 سبتمبر سلمت بودا، ونصب سليمان زابوليا ملكًا على المجر دون أن يحضر بشخصه الاحتفال الذى أقيم لذلك.
وبدأ الجيش التركى فى 27 سبتمبر حصاره المشهور لمدينة فينا، ولكنه اضطر لرفع الحصار فى 15 أكتوبر والارتداد عنها مخربًا فى عودته أرباض المدينة. وظل القتال دائرًا فى السنتين التاليتين مع النمسا ولم تفلح البعوث المختلفة التى أرسلها فرديناند فى عمل أى شئ.
وفى عام 1532 قام سليمان بما يعرف فى المصادر التركية باسم "الحملة الألمانية ضد ملك أسبانيا" أى شارل الخامس الذى طالب بأن يكون "صاحب قرانلق"(حوليات رستم باشا). وأهم أحداث هذه الحملة الاستيلاء على كنز Guns (بالتركية كوسك Kosek) بعد حصار طويل (21
أغسطس). وكان سليمان أثناء الأشهر القليلة التالية فى أستيريا Styria حيث نهبت جيوشه الإقليم دون أن تلقى أى جيش من جيوش الإمبراطور.
وعاد السلطان إلى الآستانة فى نوفمبر، وقد تلت عودته الهدنة مع النمسا، ثم إبرام الصلح فى 14 يناير عام 1533. وكانت الحملة السادسة من حملات سليمان موجهة ضد فارس.
وكان السبب فيها مطالبة الترك ببدليس Bitlis (وكان واليها قد تخلى عن الترك) وبغداد. واحتل الصدر الأعظم إبراهيم مدينة تبريز فى شهر يولية عام 1534، ودخلها السلطان بشخصه فى شهر سبتمبر، وسار الجيش التركى من تبريز إلى بغداد مارًا بهمدان دون أن يبدى الشاه طهماسب أية مقاومة، وكانت قد تركت بدون دفاع فاحتل إبراهيم المدينة ودخلها سليمان دخول الظافر المنتصر بعد ذلك بأيام قلائل فى 30 نوفمبر سنة 1534. وشيد سليمان خلال أربعة الأشهر التى أقامها فى هذه المدينة ضريح أبى حنيفة، وذكرت المصادر عددًا كبيرًا من الأماكن المقدسة التى زارها السلطان فى بغداد والنجف والكوفة وكربلاء. ووجد السلطان أن الفرس قد استعادوا الجزء الأكبر من الفتوحات التركية فخرج مرة أخرى إلى فارس مارًا بإربل ومراغة حتى بلغ تبريز. وظل الشاه متجنبًا خوض غمار الحرب فاستطاع الترك الاستيلاء على معاقل اذربيجان والعراق العجمى. ولم يحدث قتال إلا فى عودة الجيش التركى، إذ اشتركت مؤخرته من حين إلى آخر فى مناوشات مع الفرس، مثال ذلك ما حدث عند وان. وعاد السلطان إلى الآستانة فى 17 يناير عام 1536. وبعد ذلك بشهرين (15 مارس) حدثت فضيحة إبراهيم الصدر الأعظم ومقتله، وهو الذى كان صفى السلطان ورفيقه فى جميع الغزوات التى قام بها حتى ذلك العين، وحل مكانه آياس باشا. وفى عام 1537 صحب البادشاه الحملة الموجهة على كورفو ولكنه توقف شخصيًا عند والونه Walona واضطر الترك إلى فك الحصار عن حصن الجزيرة فى 7 سبتمبر وكان يدافع عنه البنادقة.
ولهذه الحملة ذكر خاص لما صحبها من غارات قام بها لطفى باشا على شاطئ أبوليا Apulia . وفى العام التالى لم يجد السلطان بدًا من التدخل بشخصه أيضًا للقضاء على الفتنة التى أشعلها أمير البغدان، وأن يشترك هو فى هذا التدخل. وانتهت هذه الفتنة باستيلاء الترك على العاصمة سجاوه Sucawa . وعاد السلطان سليمان إلى أدرنة بعد أن نصب أميرًا جديدًا على هذه الإمارة وأعاد تخطيط حدودها. وقادته الحملتان التاليتان، أى حملة عام 1541 وعام 1543 إلى المجر مرة أخرى حيث استؤنفت الحرب عقب وفاة زابوليا عام 1540.
ولم تستطع أرملة زابوليا أن تدافع عن حقوق ولدها الصغير إزاء دعاوى فرديناند ملك النمسا. وبلغ سليمان أبواب بودا، التى كان يحاصرها يبتر ييرنيى المجرى Peter Perenyi ولم يفز منها بطائل، فى شهر أغسطس عام 1541 فضمها إلى أملاكه هى ومملكة زابوليا مع استثناء ترانسلفانيا التى تركها للمملكة الأرملة إيزابيلا Isabella، ومن ذلك الوقت أصبحت بواد مقر بكلربك، وأدخلت الإدارة التركية فى بلاد المجر، وذهبت دعاوى فرديناند بددا كما خابت محاولته الاستيلاء على بست Pest سنة 1542. وأدت حملة سليمان سنة 1543 إلى عدة فتوحات هى: فالبو Valpo، وسيكلوس Siklos وفونفكيرشن Funfkirchen (بج Pec) وغيرها من المدن وذهب البادشاه من بعد إلى بودا ثم استولى على كران Gran (استركوم Esztergom، وبالتركية أسترغان وستولفايسنبرغ Stuhlweissenberg (أستون - بلغراد - UstunBelgrade) فى شهر سبتمبر. وعاد السلطان إلى بودا حيث عبر الدانوب وقفل راجعًا إلى الآستانة فى الحادى عشر من شهر نوفمبر. وأعقب هذه الحملة الأخيرة فترة دامت خمس سنوات لم يمارس فيها سليمان أى نشاط حربى، وقد صرف الصدر الأعظم سليمان باشا عن منصبه وكان قد حل محل لطفى باشا عام 1541، الذى أعقب آياس باشا المتوفى عام 1539 وتولى الصدارة العظمى رستم
باشا الذى تزوج من مهرماه ابنة سليمان من حرم سلطان وبدأ نفوذ الحريم منذ ذلك الوقت يؤثر تاثيرًا فعالًا فى مجرى السياسة. وكان من نتيجة ذلك أن ازدادت العلاقات سوءًا مع فارس، فى حين انتهت الحرب مع المجر بعقد هدنة مع فرديناند ملك النمسا مدتها سبع سنوات تعهد فيها فرديناند بأداء جزية سنوية قدرها ثلاثون ألف دوكات. وكان السبب فى إنفاذ حملة سليمان على فارس سنة 1548/ 1549 القاص ميرزا أخا الشاه طهماسب الذى كان قد التجأ إلى البلاط العثمانى. وذهب السلطان إلى أرضروم ثم إلى تبريز دون أن يبدى الشاه أية مقاومة، غير أن الظروف اضطرت الجيش التركى إلى الارتداد إلى ديار بكر فى حين قام الجيش الفارسى بنهب المدن الواقعة على الحدود.
وأمضى سليمان الشتاء فى حلب، ثم قضى العام التالى دون أن يبذل نشاطًا ما. وقام الوزير أحمد ببعض الفتوحات فى بلاد الكرج Georgia، وشهدت السنوات التالية قيام أعمال عسكرية أثارها تدخل النمسا فى ترانسلفانيا، وهى الجزء الوحيد من بلاد المجر الذى لم يطأه قط أى جيش تركى. ولم يشترك السطان فى هذه الأعمال ذلك إنها كانت تحت إشراف صوقللى باشا بكلربك الروم الذى ولى الصدارة العظمى فيما بعد (الاستيلاء على تمسفار (طمشوار) Temesvar عام (1551). ولم يكن فى نية سليمان أيضًا أن يشترك فى الحملة الجديدة على فارس سنة 1553، فقد اختير رستم باشا سر عسكرًا لهذه الحملة، غير أن الشائعات ترامت إليه على طريق رستم بأن الأمير مصطفى والى أماسية قد دبر فتنة، فقرر السلطان أن يشترك بشخصه فى هذه الحملة. وخرج فى 18 أغسطس سنة 1553 وفى صحبته الأمير سليم. وحدث فى إركلى Eregli من أعمال قره مان Karamania ذلك الحدث المفجع المفاجئ، وهو مقتل الأمير مصطفى، وكان قد وفد لتحية أبيه (16 أكتوبر). وكان من نتيجة هذا العمل من أعمال العنف الذى أوحت به دسائس الحريم أن حل أحمد باشا مؤقتًا محل رستم باشا (إلى حين مقتله فى 28
سبتمبر عام 1555). ولم تبدأ الأعمال الحربية على نطاق واسع إلا سنة 1554، وقد انتهت بتدمير نخشوان وإريوان وقره باغ (فى يولية).
وبدأت فى سبتمبر مفاوضات الصلح بأرضروم، ولكن لم يتم عقد معاهدة الصلح -الصلح الفارسى الأول- إلا فى مايو سنة 1555 وكان ذلك فى أماسية، واستقبل السلطان فى أماسية البعثة النمسوية المشهورة التى رأسها بوسبك Busbecq وهى البعثة التى لم تفلح إلا فى الحصول على هدنة حربية، وعاد السلطان إلى الآستانة فى شهر أغسطس، ومرت عشر سنوات قبل أن يقوم سليمان بحملته الثالثة عشرة والأخيرة وهى حملة زيكت Szigeth . على أن الحرب فى النمسا ظلت مستعمرة على الرغم من مفاوضات بوسبك المستمرة، ذلك أن الترك أصروا على مطالبهم وخاصة فى زيكت التى حوصرت حصارًا لم ينته إلى شئ سنة 1556. وقد دلل الصدر الأعظم رستم على أنه رجل يصعب التفاوض معه. ولم يتم عقد الصلح إلا بعد وفاته سنة 1561، فقد أبرم سنة 1562 على يد على باشا، وكان أكثر منه لينًا. وقد أصرت النمسا بمقتضاه على الجلاء عن ترانسلفانيا وجدد هذا الصلح بعد وفاة فرديناند، عام 1562 على يد الملك مكسيمليان. وخيم الحزن على حياة سليمان فى سنيه الأخيرة بسبب وفاة خرم سلطان (أبريل عام 1558) وبسبب الحرب التى كانت بين الأمير سليم وبايزيد وانتهت بمقتل بايزيد. واستؤنف القتال مع النمسا سنة 1565، وأحرز المسيحيون فيها بعض الانتصارات، وكان ذلك سببًا فى خروج السلطان المسن مرة أخرى على رأس جيوشه المحاربة. وغادر السلطان الآستانة فى أول مايو عام 1566 وفى صحبته الصدر الأعظم الجديد محمد صوقوللى (عين فى يونيه سنة 1565 بعد وفاة على). وقوبل جون سكسموند John Sigismund ابن زابوليا فى زملن Zemlin مقابلة تنطوى على التكريم البالغ وكانت الخطة الأصلية تقضى بمهاجمة إرلو Erlau (إكرل Egril) إلا أن
الأخبار التى بلغت سليمان جعلته يقرر محاصرة زيكت Szigeth (سكتوار Sigetwar) وكان يدافع عنها نيقولا زرينى Nicolas Zriny . وبدأ الحصار فى الثانى من أغسطس، وسقطت المدينة أمام هجمات الترك فى 8 سبتمبر، غير أن السلطان العظيم أدركته المنية فى مساء يوم 5/ 6 سبتمبر. ولم يعش ليشهد الاستيلاء على هذه المدينة. وأخفى صوقللى خبر وفاة سليمان ثلاثة أسابيع سويًا ليتحاشى قيام المتاعب فى صفوف الجيش وليتيح لسليم الثانى فرصة اعتلاء العرش. ولقى سليم الجيش التركى بالقرب من بلغراد، وحمل جثمان سليمان قبل مسير الجيش إلى الآستانة حيث دفن فى مقبرته بمسجد السليمانية، أما قلبه فقد دفن فى ضريح بالقرب من زيكت (انظر Jacob: Aus Ungarns Turkenzeit ص 24).
وهذه الخلاصة التى أوجزنا بها الكلام عن حروب سليمان تكشف عن الهمة العجيبة التى امتاز بها هذا السلطان الذى يعد أعظم سلاطين الامبراطورية العثمانية، ولكنها لا تزودنا بصورة كاملة لشخصيته. ومن سوء الحظ أن المصادر لا تمدنا بمادة كافية نستطيع أن نعتمد عليها فى إعادة بناء هذه الشخصية. فالمصادر التركية قلما نصادف فيها شيئًا إلا الإغراق فى مدحه والثناء عليه، أما المصادر الأوربية فهى، وإن كانت أكثر نقدًا أقل معلومات، كما أنها تتسم فى الغالب بالغرض. على أن المصادر التركية لا تخلو من بعض لمحات شخصية مقتضبة مثل الدعاء الحار القصير الذى فاه به سليمان قبل وقعة موهاكس (G.O.R جـ 23 ص 25) وما أظهره من خشوع عندما عاون حملة نعش "كل بابا" عقب احتلال بودا 1525 (أوليا، جـ 6، ص 248) ونستدل على ورعه من نسخ القرآن الكريم الثمانية التى نسخها سليمان بنفسه، وهى محفوظة بمسجد السليمانية. أما تمسكه بأهداب السنة فواضح من القصائد الكثيرة التى نظمها فى الغزل ووردت فى ديوانه، ويضيف أصحاب الحوليات أنه كان محبًا للصيد متحمسًا له ومهما يكن من شئ فإن سليمان كان حاكمًا بطبعه،
وقد تجلت عظمة مهابته وتفرد شخصيته وسط بلاطه الزاهر فى مناسبات من قبيل الاحتفالات بختان أولاده كما حدث فى عام 1530 أو بزواج الأميرات أخواته.
وكانت عواطفه وهو بعد شاب منصرفة إلى إبراهيم باشا ومحبوبته خرّم سلطان التى ظهر نفوذها فى السياسة. على أنه لم يكن يؤثر أبناءها بخالص حبه (الأميرين سليم وبايزيد والأميرة مهرماه). وإنما كان ولده الأثير عنده هو الأمير محمد الذى صحبه فى كثير من غزواته، وقد علم بوفاته (6 نوفمبر سنة 1543) فى طريق عودته من الحرب.
وقد شيد سليمان إحياء لذكرى هذا الأمير مسجد شاه زاده فى إستانبول الذى تم بناؤه فى عام 1553، وشيد أحياء لذكرى الأمير جهانكير (توفى عام 1553 بعد مقتل أخيه مصطفى ودفن أيضًا فى مسجد شاه زاده) مسجد، آخر فوق مرتفعات طوب - خانه.
واسم سليمان فى تاريخ الإمبراطورية قد طغى على اسم أى سلطان آخر وهو بداية عهد أصبحت الإمبراطورية فيه قوة لا تنازع سواء فى العالم المسيحى أو فى العالم الإسلامى عهد ترك طابعه على مظاهر التقدم السياسى والثقافى ومن العسير أن نحدد ما كان لسليمان من شأن فى هذا التقدم، على أننا نلاحظ أن تركية فى عهده كانت حافلة بعدد كبير من الرجال الكفاة النابهين أمثال قبودان باشا خير الدين بربروسه، والمفتى كمال باشا زاده ومهندس العمارة سنان وكثيرين غيرهم. بيد أن كل واحد من هؤلاء كان له فيما يظهر شأن فى محيطه الخاص.
ويبدو أنه كان ثمة نقص فى الشخصيات العظيمة المتصلة بالسلطان مباشرة باستثناء الصدر الأعظم إبراهيم باشا.
على إننا نستطيع أن نقول إن معظم السبب فى تقدم الإمبراطورية العثمانية فى عهد سليمان كان راجعًا إلى النظام السياسى الداخلى للدولة. وقد وضع أساس هذا التقدم السلاطين السابقون، إلا أن منشآت الدولة فى عهد سليمان قد بلغت حدًا من الكمال نستطيع أن
نقول معه بحق أنها أصبحت تقوم على نظام مرسوم للحكم. وسار سليمان على مبدأ سلفه، فتوج هذا النظام بسن القانون الذى جمع فيما بعد فى مختلف كتب القانون "قانوننامه". (انظر المصادر).
وهذا العمل التشريعى هو الذى أكسب سليمان لقب القانونى، ويتناول هذا القانون بصفة خاصة تنظيم الجيش والإقطاع الحربى، وقوانين ملكية الأرض والشرطة والقانون الإقطاعى. وكان من مبادئ هذا النظام الإفادة من العنصر المسيحى فى الإمبراطورية عن طريق الدوشرمه، وإسناد مناصب الدولة العليا إلى الأجانب الداخلين فى الإسلام. ولم يخل من ذلك من تأثير فى التقدم الثقافى الذى نتج عن ذلك.
على أن تحقيق هذا المثل الجديد للحكومة العثمانية لم يدرك دون معارضة من قبل ممثلى القديم سواء فى الولايات المفتوحة حديثًا أو فى آسية الصغرى. ونذكر من بين مظاهر هذه المعارضة التى بدت بصفة خاصة فى مستهل عهد سليمان آخر بقايا حركة الاستقلال التى قام بها ذو القدر أوغلى، وقضى عليها فرهاد باشا سنة 1522؛ والفتنة التى نشبت عام 1527 فى إيج إيل؛ وثورة القلندر أوغلى فى العام نفسه التى أخمدها إبراهيم باشا. ويمكن أن ندخل فى ذلك أيضًا تمرد الإنكشارية عام 1525 بالآستانة. وقد تعكر صفو السلام فى الولايات سنة 1521 بفعل غزالى وإلى الشام، ثم بفعل المحاولة التى قام بها قانصوه فى مصر لاستعادة استقلاله ثم الوالى أحمد باشا من بعده سنة 1524. وكان على الحكومة أن تتدخل فى مناسبات عدة فى المنازعات التى قامت بين الأسر الحاكمة فى القريم وفى إمارات الدانوب.
ويرجع السبب فى الاتساع الهائل لرقعة الإمبراطورية فى عهد سليمان إلى هذا النظام، وخاصة إلى الناحية الحربية، فيه ذلك؛ أن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه على حد القول الذى أسنده لسليمان الكتّاب المعاصرون (مثل درنشوام Dernschwam) فقد كانت الدولة خليقة بأن تفتقر إلى ما يقوم
بأودها أو سد نفقات أعطيات الإنكشارية وغيرهم من الجند المشاغبين، ثم إن الانتصارات الكبرى التى أحرزتها أدت إلى تغير جوهرى فى مركز الإمبراطورية فى الشئون الدولية، إذ فقدت الدول الأوربية كل أمل فى إخراج الترك من القارة الأوربية. ففى عهد سليمان تم عقد التحالف المشهور مع فرانسيس الأول ملك فرنسا، وهو التحالف الذى أدى إلى المفاوضات عندما كان فرانسيس يعيش فى إيطاليا أسيرًا فى يد شارل الخامس. وكان من نتائج هذا التحالف إمتيازات عام 1535 المشهورة التى وطدت امتيازات الفرنسيين فى الامبراطورية العثمانية وخاصة فى القضاء القنصلى. وكان هذا الامتياز نقطة البداية للامتيازات التى عقدت بين الدول المسيحية وتركية فى القرون التالية، وإن كان السلاطين العثمانيون كانوا قد منحوا من قبل هذه الامتيازات وخاصة البندقية. ومن النتائج الأخرى لهذا التحالف الفرنسى النشاط البحرى العظيم الذى قام به الأسطول التركى فى البحر المتوسط ضد الأسطول الأسبانى بقيادة أندريا دوريا Andreas Doria وضد الشواطئ الإفريقية والايطالية وشاطئ دلماشيا، وخاصة بعد أن ولى خير الدين بربروسه منصب قبودان باشا (1536 - 1546) فقد خرجت تحت إمرته سنة 1543 الحملة الفرنسية التركية على نيس. وخاض الأسطول التركى فى البحر الأحمر والمحيط الهندى عمار الحرب ضد البرتغال تحت قيادة سليمان باشا (حصار ديو Dui عام 1538) وهى الحملة التى استولى الترك بفضلها على عدن واليمن، وأخذ القبودان بياله باشا وطرغود رئيس وصالح رئيس منذ عام 1550 فى بسط سيادة العثمانيين على البحر المتوسط وخاصة على موانئ المغرب.
وفى عام 1565 خرجت الحملة المشهورة على مالطة، وهى الحملة التى قتل فيها طرغود رئيس، ولم يفلح الأسطول التركى فى الاستيلاء على
الجزيرة. وفى ذلك العهد أيضًا حدثت حملة بيرى رئيس وسيدى رئيس ومغامراتهما فى المحيط الهادى.
وقد اقترن هذا التقدم السياسى فى الداخل وفى الخارج بتقدم الدولة فى الميدان الثقافى، وهو تقدم يمكن أن نقول إنه كان أكثر استقلالًا عما كان عليه فى القرون السابقة إذ اكتسبت الحضارة العثمانية سماتها الخاصة فى ميدان الأدب وميدان الفن. وكان لسليمان شأن فى الحياة الأدبية فى عهده، بوصفه شاعرًا اتخذ لنفسه التخلص (أى الاسم الذى كان يوقع به أشعاره) محبى وراعيًا لفحول الشعراء فى عهده. ثم إن سليمان وعصره الذهبى قد أسهما فى نهضة الأدب، فقد ألهما شعراء من أمثال باقى نظم قصائد المديح والشاهنامات المختلفة، كما أنهم كتاب النثر بتأليف التواريخ. (انظر المصادر). أما فى ميدان العمارة فإن الثقافة التركية مدينة بصفة خاصة بالشئ الكثير لمواهب سليمان الأصيلة. ونذكر فى المحل الأول من المساجد التى شيدها فى العاصمة مسجد السليمانية الذى شيد فيما بين عامى 1550، 1556، وهو يضم قبر سليمان (وقد دفن به أيضًا سليمان الثانى وأحمد الثانى) ثم يأتى من بعده مسجد -سليمية الذى بنى تخليدًا لذكر سليم الأول، وقد تم بناؤه فى سنة 1522، ومسجد شاه زاده الذى أقيم بين عامى 1547 و 1548 تخليدًا لذكر الأمير محمد، وهو يضم أيضًا قبر الأمير جهانكير. أما المسجد الذى بنى تخليدًا لذكر جهانكير فى طوب خانه فقد تهدم بعدئذ. وأما مسجد خاصكى فقد شيد سنة 1534 تخليدًا لذكر خرّم سلطان، ونذكر أخيرًا مسجدين شيد سليمان أحدهما فى إستانبول والآخر فى إسكو دارة تخليدًا لذكر الأميرة مهرماه زوجة رستم باشا. وجميع هذه المساجد باستثناء مسجد سليمية من صنع المهندس المعمارى سنان الذى بنى أيضًا عددًا كبيرًا من المساجد فى قصبة البلاد وفى جهات أخرى لعظماء الإمبراطورية الذين اقتفوا أثر سليمان ونذكر من العمائر الأخرى التى شيدها سنان