الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سفيان الثورى
أبو عبد اللَّه سفيان بن سعيد (وفى رواية سعد) بن مسروق الثورى الكوفى: فقيه ومحدث وزاهد مشهور من أهل القرن الثانى للهجرة. ويقول كتاب السير بوجه عام أن نسبته الثورى ترد إلى سلف من أسلافه هو ثور بن عبد منات. . ابن إلياس بن مضر (انظر Register zu den genealog. Tabellen d. arab. Stamme u Familien: Wustenfeld، سنة 1853، ص 452؛ ابن دريد الاشتقاق، طبعة فستنفلد سنة 1854، ص 113؛ السمعانى: الأنساب، مجموعة كب التذكارية، جـ 2، ورقة رقم 217). ويذكر ابن خلكان (الوفيات، طبعة فستنفلد، رقم 265، ترجمة ده سلان، سنة 1842 جـ 1، ص 576 وما بعدها) أنه ولد 95 أو 96 أو 97 هـ على حين تتفق المصادر الأخرى جميعا على أنه ولد عام 97 هـ (715 أو 716) ويجعل كيتانى
(Chonographia Islamica: Caetani جـ 1، ص 5؛ 1180، رقم 26) مولده سنة 96 مستندا فى ذلك إلى مخطوط وحيد، وتلقى سفيان دروسه الأولى فى الحديث على والده. وكان عالمًا كوفيا توفى عام 126 (وفى رواية آخرين عام 128، انظر Cotoni المصدر السابق 1067 رقم 73) وذكرته كتب الطبقات التى سنوردها بعد بأسماء مختلفة سالكة إياه فى عداد شيوخ سفيان. كان سفيان من أهل الورع القدماء الذين أفصحوا عن مقتهم للحكم الجديد بعزوفهم عن المناصب الحكومية فجزوا على أنفسهم سخط رجال البلاط. ويقول ابن سعد فى الطبقات (طبعة zettersepeen، سنة 1909، جـ 6، ص 258) إن سفيان قبل فى مناسبة بعض المال والهدايا من أحد الولاة ولكنه أمسك عن ذلك كل الإمساك فيما بعد. وغادر سفيان الكوفة عام 150 وجاوز هو وكثير غيره حدود العراق ليتحاشى ولاية القضاء (انظر Die Renaissane des Islam: Mez، سنة 1922 ص 209). وذهب إلى اليمن، وتكسب بالتجارة إذ كان يقدم السلع للتجار لبيعها نظير جعل له، ثم يسوى الحساب معهم
سنويا، وبذلك بلغت ثروته آخر الأمر حوالى مائتى دينار.
ويذكر ابن قتيبة (كتاب المعارف، طبعة فستنفلد سنة 1850، ص 250) أن أمواله عند وفاته بلغت ما يقدر بمائة وخمسين دينارًا من السلع. غير أن سفيان لم يكن آمنا على نفسه من اضطهاد رجال البلاط فى بغداد حتى وهو يقيم فى اليمن؛ فقد كانوا يتحرون عنه، فغادرها إلى مكة. وأمر الخليفة أمير مكة محمد بن إبراهيم عام 158 (وهو العام الذى خلف فيه المهدى المنصور، ومن ثم تختلف المصادر أيهما أصدر هذا الأمر) أن يطلبه "يطلبه" وهذه العبارة هى التى وردت فى معظم المصادر، وفى النووى، تهذيب الأسماء، طبعة فستنفلد 1842 - 1847، ص 287، وابن حجر: تهذيب التهذيب؛ 1325 هـ، جـ 4، ص 114 أن الخليفة المنصور أمر بعض تجار الخشب وكانوا ذاهبين إلى مكة أن يصلبوه (فاصلبوه)؛ ومن المؤكد أن هذا القول من الخليفة ليس مجرد خطأ وقع فيه الناسخ ولكنه يدل على قصة أخرى). على أن الأمير لم ينفذ أمر الخليفة بل حذر سفيان كما يقول ابن سعد (الموضع المذكور) فبادر إلى الاختفاء، فى حين يذكر الطبرى (جـ 3، ص 385 وما بعدها) أن الأمير كان قد سجن سفيان ولكنه عاد فأطلق سراحه. والقصة كلها قد أدخلت عليها فى الروايات المختلفة تفصيلات تهم من يدرس الحياة فى ذلك العهد. ومهما يكن من شئ فإنه يكاد يكون من المؤكد أن سفيان اضطر إلى الاحتماء بالكعبة هربا من مطارديه (ابن سعد، ص 259). مع ذلك فإن سفيان قد وجد آخر الأمر أن الظروف فى مكة أصبحت أصعب من أن يطيقها، فرحل عنها إلى البصرة عند يحيى بن سعيد، وهناك أقبل عليه كثير من الفقهاء ليأخذوا عنه الحديث. واضطر أيضًا وهو فى البصرة أن يغير مكان إقامته طلبا للسلامة. وقد أشار عليه حماد بن زيد أن يسالم رجال الحاشية فى بغداد، فبدأ يتفاوض معهم بالمراسلة وكانت النتيجة طيبة، ولكنه مرض وتوفى، قبل أن يرحل إلى بغداد، بالغًا من العمر 64 عاما. وكانت
وفاته فى شهر شعبان عام 161 الموافق شهر مايو عام 778 (عام 169 فى كتاب الذهبى السيوطى: طبقات الحفاظ طبعة فستنفلد سنة 1833، جـ 1، ص 45، رقم 40، ولعل ذلك خطأ وقع فيه من تولى نشر هذا الكتاب على الحجر) ونخرج من ذلك بأن المصادر كافة تجمع على أن سفيان ظل مختفيا عن أصحاب السلطان حتى أدركته المنية. وقد توفى ولده الذى كان يؤثره على كل شئ قبل موته، وبذلك ترك ثروته كلها لأخته وولدها عمار بن محمد ولم يترك شيئًا لأخيه المبارك الذى توفى عام 180 هـ. ودفن سفيان ليلا كما جاء فى عدة مصادر. وذكر كثير من الجغرافيين قبره بالبصرة، ولم ير سفيان الكوفة مسقط رأسه منذ عام 150 هـ (انظر ابن حجر، الكتاب المذكور).
وهذا المجمل الذى ذكرناه عن سفيان هو كل ما نستطيع أن نقطع به فى سيرته. غير أن كثيرا من السمات الأسطورية وجدت طريقها إلى قصة حياته بالنظر إلى ما كان له من سلطان عجيب على النفوس، ويجب أن ننظر إلى هذه السمات بعين الشك حتى ولو لم تظهر عليها مسحة الاختراع أو بدت محتملة الوقوع من الناحية التاريخية. وأبين هذه السمات حديثه مع الخليفة المهدى الذى أورده ابن خلكان فى السيرة التى خص بها سفيان نقلا عن كتاب مروج الذهب للمسعودى (جـ 6 باريس سنة 1871، ص 257). ذلك أن هذا الحديث لا يستند إلى التاريخ، إذ من المحقق أن هذين الرجلين لم يلتقيا قط فى حياتهما، فضلا عن أن ثمة أسبابًا أخرى تدعو إلى عدم الثقة فى هذه الرواية. وسنناقش بعد ما روى عن سيرة سفيان بالنسبة للحركات العقلية المخللفة فى الإسلام، وهى الحركات التى زعمت أن سفيان كان يؤيد ما نادت به، والتى كان لها من ثم مصلحة كل التماس الصفات التى تتطلبها فى حياته.
أما فى ميدان الحديث فقد أثنى عليه الناس فى كل مكان الثناء المستطاب لما
عرف به من اطلاع واسع عجيب وعلم غزير يرتفع به إلى مقام الثقات الأثبات. وأفضل نقد له ما ذكره الذهبى (ميزان الاعتدال، سنة 1325، رقم 3266) فقد قال فيه إنه حجة ثبت.
ويتصف سفيان فى الوقت نفسه بصفات أخرى من الطراز الأول جمعها كولدسيهر Goldziher فى كتابه (Muhamm. Stud، جـ 2، ص 142). وهو يوضع فى مرتبة سامية وأن كان قد جرى سفيان على أن يذكر أحاديثه منسوبة إلى رواتها الأثبات مباشرة مع أنه كان إنما يأخذها بطريق غير مباشر من محدثين أقل من هؤلاء حجية (انظر القاموس، تحت هذه المادة (1)، Goldziher: كتابه المذكور، ص 48، والفقرات الواردة فيه نقلًا عن ابن خلدون). ويضعه ابن حجر فى كتابه طبقات المدلسين (القاهرة سنة 1322، ص 9) فى الطبقة الثانية من طبقات المدلسين، أى من أولئك الذين صفح الأئمة عن تدليسهم لكونهم من الشخصيات البارزة وبسبب قلة هذا التدليس، وهو يقول إن سنده فى الحديث النسائى (Geschichte der arabi schen Litteratur: Brockelmann، جـ 2، ص 199) والبخارى. غير أن تدليس سفيان لم يمنع كتاب السير من ذكر قصص فيها مفخرة له. ولقد كان سفيان من أوائل الذين دونوا ذخيرة الأحاديث التى وعتها ذاكرته (انظر تاريخ أبى المحاسن، طبعة Juynboll جـ 1، سنة 1855، ص 387 وما بعدها؛ حاجى خليفة، طبعة Flugel جـ 1، ص 80 وما بعدها) وقد أورد ابن النديم صاحب الفهرست (طبعة Flugel جـ 1، ص 225) على سبيل المثال عددًا من مؤلفاته وهى:
(1)
الجامع الكبير (2) الجامع الصغير (3) كتاب الفرائض (4 و 5) رسالتان لم يذكر موضوعهما.
ولسفيان أيضًا تفسيره للقرآن وهو التفسير الذى استشهد به الثعلبى كما
(1) ليس واضحا ما يريد أن يشير اليه الكاتب هنا: فالذى فى القاموس (المحيط) تحت مادة "سفن" هو "لقب إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمذانى، لقب به لأنه إذا أتى محدثا كتب جميع حديثه". وتحت مادة "سفى": "وسافاه": سافهه وداواه، والمسفى: النمام" [مهدى علام]
يقول حاجى خليفة (رقم 3248). على أن هذه المؤلفات لم تصل إلينا إذ يذكر كثير من كتاب السير أن سفيان عهد وهو على فراش الموت إلى صديق لم يذكر اسمه (انظر الفهرست، جـ 2، ص 98، تعليق رقم 3 فى صفحة 225) بأن يحرق كتبه، وقد فعل الصديق ما أمره به، والسبب فى ذلك كما يقول حاجى خليفة (جـ 1 ص 126) هو أن سفيان أحس بتبكيت الضمير على ما أورده فى مصنفاته من أحاديث ضعيفة السند، ونخرج من ذلك بأن ما أخذ عليه من تدليس أشرنا إليه آنفا لم يؤخذ عليه بغير حق فيما يظهر. وأوفى ثبت بشيوخه وتلاميذه هو الذى ذكره ابن حجر (كتابه المذكور، ص 111 وما بعدها).
وقد أوردت مؤلفات أخرى من كتب الطبقات الأسماء التى لم ترد فى هذا الثبت.
ويذكر النووى وابن حجر أن خير سند كوفى هو: سفيان عن منصور [ابن المعتمر، انظر النووى ص 578] عن إبراهيم [النخعى، انظر النووى، ص 135] عن علقمة [الراوى، انظر النووى، ص 433] عن ابن مسعود.
أما من حيث الفقه فقد كان سفيان صاحب مذهب اختفى فيما بعد (انظر Mez: كتابه المذكور، ص 202 وما بعدها) وقد كان من الأتباع المتزمتين لمذهب أهل الحديث. أما فى ميدان علم الكلام فكان من الصفاتية أى من أولئك الذين يرون أن صفات اللَّه الواردة فى القرآن الكريم متحققة بالمعنى الظاهر للفظ، وأنها من خصائص ذاته (انظر الشهرستانى: الملل والنحل، طبعة Cureton جـ 1، ص 65، 160؛ ترجمة Haabrucher جـ 1، ص 97، 242).
وسفيان من أهل السنة، يثبت ذلك -إذا كان الأمر محتاجا إلى إثبات- رأيه فى العقيدة، وهو الرأى الذى أملاه فيما يقال على شعيب بن جرير (انظر الذهبى: تذكرة الحفاظ، جـ 1، حيدر آباد سنة 1333 هـ، ص 193). ويقول فيه بعد كلام عن عدم خلق القرآن، وإن القول والعمل والنية (انظر سهل
التسترى) هى الصفات التى يتصف بها الإمام وهى قابلة للزيادة والنقصان (انظر Vorlesungen: Goldziher، الطبعة الثانية، سنة 1925، ص 81) وأن تفضيل علىّ (انظر Arendonk: Van de opkonut uan het Zaidie tische imamaat in Yemen سنة 1919 الفهرس، تحت مادة saihks) يرجع إلى الشيخين أبى بكر وعمر، وأنه فى الوضوء الأصغر يجوز المسح على الخفين بدلا من القدمين (Goldziher: كتابه المذكور، ص 369) وأن تلاوة البسملة بصوت خفيض خير من تلاوتها بصوت جهير (انظر Gold Beitrdge zur Litteratur geschichte der S. i a. S. B. W. A: ziher جـ 78، سنة 1874 ص 451 وما بعدها، 457) وأن على المرء أن يعتقد فى القدر، ويصح له أن يصلى الجمعة والعيدين خلف أى إمام، أما فى الأوقات الأخرى فيتعين عليه أن يختار الإمام الذى يثق فى ورعه ويعلم أنه من أهل السنة. وهو يقول أخيرا إن الجهاد باق إلى يوم القيامة (انظر Dict. of Islam: Hughes سنة 1885، ص 244) وأن على المرء طاعة أولى الأمر سواء اتصفوا بالعدل أو بالجور. ومن اليسير أن نتبين أن أكثر هذه المبادئ تمثل نقاط الخلاف المعروفة بين أهل السنة والشيعة، وقد أخذ فيها كلها بمذهب أهل السنة، ومع ذلك فإن سفيان يوصف بميله إلى الشيعة، فصاحب كتاب طبقات الحفاظ (الموضع المذكور) يذكر من شيوخه الإمام جعفرا الصادق ويذكر ابن قتيبة سفيان فى كتاب المعارف (ص 301) بين طائفة من الشيعة، ويورد الطبرى (جـ 3، ص 2516) قصة مؤداها أن سفيان كان شيعيًا ولكنه لقى فقيهين فى البصرة فأغرياه بالتحول إلى مذهب أهل السنة. ومهما يكن من شئ فإنه يوصف أيضًا بأنه من الزيدية (انظر الفهرست، ص 178 Van Arendonk: كتابه المذكور، ص 284. والفهرس تحت هذه المادة؛ Corpus Juris di Zaid ibn Ali طبعة Grifini سنة 1919، ص 175 تعليق رقم 3 والفهرس تحت هذه المادة). وهذه الأقوال بلا شك مختلفة من أساسها. ويرى ماسينيون Massignon La Passion d Al-Hallaj) سنة
1922، ص 72) أن أصلها راجع إلى أن تبجيل أناس من أمثال سفيان والشافعى للنبى [صلى الله عليه وسلم] ينطوى أيضًا على احترامهم لأهل البيت ومن بينهم العلويين بطبيعة الحال، ويبدو لى أن التعليل الذى ذكره (بركستراسر Bergstrasser فى عرضه لفقه زيد بن على Orientalische Literaturzeitung Corpus Juis سنة 1922، عمود رقم 122 وما بعده) أكثر إيضاحا، أعنى أن فقه زيد كان فى حالات كثيرة مطابقا لآراء فقهاء العراق، وقد كان سفيان واحدًا منهم، ولما كان سفيان قد نادى فى كثير من الأحوال بأقوال مماثلة لما جاء فى هذا الفقه (باستثناء أن صاحب الفقه هو الذى أخذ عنه فى واقع الأمر) فإنه يجوز أن ننسبه إلى الزيدية. ولا جدال فى أن هذا يصدق على القول بأنه كان من الشيعة. أما قوله الذى نوهنا به من قبل من أن العمل من الصفات التى يجب أن تتوفر فى الإمام فموجه إلى المرجئة (انظر فى ذلك Vorlesungen: Goldziher ص 351) حيث جاء فيه نقلا عن ابن سعد كيف أن سفيان قد أبى أن يشترك فى جنازة أحد المرجئة.
وليس من شك فى أن سفيان كان من الزهاد ولا يستطيع كتاب السير فى هذا المقام أيضًا ذكر كثير من القصص التى تدور حوله وخير شاهد على زهده هو أن الصوفية قالوا إنه من أئمتهم الأوائل. وقد خصه فريد الدين العطار فى كتاب "تذكرة الأولياء"(طبعة Nicholson جـ 1 سنة 1905 ص 188 وما بعدها) بمقال يقع فى تسع صفحات تقريبا، ولكنه لا يحوى مع ذلك شيئا خاصا به يميزه عن غيره. وقد لاحظ شيدر Islam) H. H. Schaeder جـ 14، ص 1) أن تراجم أهل الورع القدامى الواردة فى كتاب العطار تتصف عامة بأنها صيغت على نمط واحد تقريبا يتجلى فيه الورع المأثور عن المتصوفة. على أن سفيان قد ذكر فى كتاب الفهرست (جـ 1، ص 183) بين الزهاد لابسى الصوف. واتخذه أبو نصر السراج فى كتاب اللمع (طبعة Nicholson، مجموعة كب التذكارية جـ 22، سنة 1914، ص 22) شاهدًا على قدم الصوفية. وقد نوقشت أكثر