الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(12)
الثعالبى: ملوك فارس. ص 727.
(13)
الثعالبى لطائف المعارف، طبعة De Jong الفهرس.
(14)
زينب فواز: الدر المنثور، ص 244.
(15)
الشبلنجى: نور الأبصار فى مناقب آل بيت النبى المختار، القاهرة سنة 1298 ص 259 - 263.
(16)
الصفدى، المكتبة الأهلية بباريس، مخطوط رقم 2064، ورقة رقم 151.
(17)
Femmes Arabes: Perron.
(18)
Kulturgesch: Kremer جـ 2، ص 100.
(19)
المجلة الأسيوية، سنة 1832، ص 47، 50 سنة 1884، ص 173، رقم 1.
الشنتناوى [ماسيه H.Masse]
السلاجقة
أسرة من الأمراء الترك حكمت أقاليم مترامية الأطراف فى آسية الوسطى والدنيا من القرن الحادى عشر إلى القرن الثالث عشر ومن أهم هذه الأسر: (1) السلاجقة العظام، (2) سلاجقة العراق (3) سلاجقة كرمان (4) سلاجقة الشام (5) سلاجقة آسية الصغرى (الروم).
التاريخ القديم للأسرة: كان جد هؤلاء الأمراء سلجوق بن دقاق (تقاق)، وقد عرف بـ "تيموريلغ" أى "ذى القوس الحديده"، وكان دقاق هذا من قبيلة غز قنق التى ذكرت أولا فى ثبت هذه القبائل فى ديوان لغات الترك (جـ 1، ص 56) للكاشغرى، وقال عنه ابن الأثير فى كتابه الكامل، طبعة تورنبرغ، (جـ 9، ص 322) ما يأتى: "وكان مقدم الأتراك الغز ومرجعهم إليه لا يخالفون له قولا ولا يتعدون أمرا، فاتفق يوما من الأيام أن ملك الترك الذى يقال له بيغو جمع عساكره وأراد المسير إلى بلاد الإسلام فنهاه تقاق عن ذلك، وطال الخطاب بينهما فيه، فأغلظ له ملك الترك الكلام فلطمه تقاق فشج رأسه، فأحاط به خدم ملك الترك وأرادوا أخذه فمانعهم وقاتلهم واجتمع معه من أصحابه من منعه فتفرقوا عنه ثم صلح الأمر بينهما وأقام عنده". ثم
ذكرت رواية مشابهة لهذه عن ابنه سلجوق، ولكن خاتمتها تختلف، ذلك أن سلجوق ترك الملك وقومه ودخل بلاد الإسلام ونزل فى جوار "جند" عند مصب نهر سيحون؛ ويقول ماركار (Ostturkische Dialektstudien: Marquar، ص 46) إن اللقب التركى "يبغو" متضمن فى "بيغو"، وتنصرف الإشارة هنا إلى الشيخ الأكبر للغز الكفرة، وهو الذى اعترف أيضا بسيادة خاقان الأويغور، على أنه يبدو لى أن القصة كلها مختلقة بقصد تعليل نزول القنق قرب جند، وسواء كانت هذه القبيلة أو على الأقل شيخها سلجوق، قد دخل فى الإسلام فى هذا الوقت أم لم يدخل فأمر ليس محققا أيضا، فإن كانت الرواية تفترض هذا افتراضا، ولعل دخول هذه القبيلة أو شيخها فى الإسلام لم يحدث إلا بعد أن نشأت الصلات مع أهل جند المسلمين، ويذهب بعض علماء الروس إلى أن السلاجقة دخلوا فى الإسلام بعد أن اعتنقوا المسيحية، وهم يستشهدون فى تأييد ذلك بالأسماء ميكائيل وموسى وإسرائيل التى سمى بها أولادهم، وهى من الأسماء التى وردت فى الكتاب المقدس، كما يستشهدون بملحوظة عابرة وردت فى القزوينى (طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 394) وبانتشار المسيحية بين الأتراك فى سمريجية، على أن الروايات لا تذكر شيئا مما ذهب إليه هؤلاء العلماء.
وكانت الأحوال السياسية فيما وراء النهر، حيث كان السامانيون والقره خانية الأتراك يتقاتلون فى سبيل السيادة عليها، ملائمة لنمو سلطان سلجوق وقبيلته الغز، وقد اشتركا فى هذا القتال الذى كان دائرا بين الطرفين، وكانا ينضمان عادة إلى صفوف السامانية، إلا أنهما كانا فى الوقت نفسه ينتهزان الفرصة لتحسين أحوالهما ورعاية مصالحهما. ومات سلجوق أثناء ذلك فى جند، وقد بلغ فيما يقال السنة السابعة بعد المائة؛ ونحن نجد أولاده الذين تقدم ذكرهم (وتضيف إليهم بعض الروايات ابنا رابعا هو يونس) لا فى جند بل قرب بخارى، أى فى نور بخارى (ويقال لها الآن نوراتا، وهى شمالى بخارى
بشرق؛ انظر Turkestan، etc: Barthold، ص 122 حوالى سنة 755 هـ (985 م)، على حد قول حمد اللَّه القزوينى فى تاريخ كزيده، (طبعة براون، ص 1434) ويبدو أن إسرائيل، وكان اسمه الأصلى أرسلان، قد تبوأ مركز الزعامة بين هؤلاء الأبناء، ونجد اسمه أحيانا متبوعا بلقب بيغو، والأرجح أنه يدل فى هذا المقام أيضا على اللقب يبغو؛ وقد ورد ذكره بهذا الاسم فحسب فى الكرديزى (طبعة بارتولد ص 13)، بوصفه أمير الغز الذين عاونوا سنة 1003 القائد السامانى المنتصر على قهر القره خانية (انظر Turkeston etc: Barthold، ص 283) ونجد له بعد ذلك ذكرا بوصفه حليف على تكين الذى كان قد استولى على مدينة بخارى؛ وقام محمود الغزنوى سنة 416 هـ (1025 م) بحملة إلى ما وراء النهر لخلع تكين عن عرشه ولقى قادرخان القره خانى، وعقد معه اتفاقا فيما يختص بموقفهما المشترك حيال شئون الناحية؛ وأخذ يجمع المعلومات فى هذه الرحلة عن قوة السلاجقة؛ وثمة حكاية مشهورة تقول إن أرسلان عندما سأله الغزنوى عن هذا الأمر أبرز له سهمين وقال له: لو أن هذين السهمين أرسلا إلى قومه لاجتمع منهم مائة ألف رجل، ولو أن القوس أضيف إليهما لاجتمع من الرجال قدر ما يشتهى المرء، فتملك محمودا شئ من القلق، واستشار حاجبه أرسلان جاذب فيما يجب اتخاذه حيال هؤلاء الناس، فنصحه جاذب بأن يقطع إبهام الرجال جميعا حتى لا يستطيعوا من بعد شد القوس أو أن يفرقهم جميعا فى جيحون، بحسب ما يزيده ابن الأثير على هذه الحكاية؛ ورأى محمود أن هذا الفعل بالغ القسوة، بل قد يكون عسير التنفيذ؛ وفضل أن يدعهم يجتازون جيحون ويتفرقون فى البقاع المترامية من خراسان حتى يسهل كبح جماحهم، وأخذ معه أرسلان عند عودته إلى غزنة، وأبقاه أسيرا فى قلعة كالنجار من أعمال ملتان رهينة تكفل له إخلاد السلاجقة إلى الهدوء والسكينة. على أن هذا الفعل لم يحقق الأغراض التى استهدفوها، وظل الغز على شغبهم وفتنتهم بالرغم مما أنزله بهم تاش فراش من عقاب صارم (انظر البيهقى:
تاريخ طبعة Morley، ص 544)، وخرج الغز عن ولاية حكامهم الغزنويين، وشرعوا فى غزو بلاد الإسلام تحت إمرة قوادهم يغمر وقزل وبقا وككتاش وغيرهم، وأنزلت غاراتهم الكثير من التلف بمدن دامغان وسمنان والرى وإصفهان ومراغة وهمذان وغيرها من مدن العراق وأذربيجان. ويطلق البيهقى على هؤلاء الغز اسم الغز العراقيين، ولا يذكر شيئا عن أرسلان فى ذلك الجزء الذى بقى لنا من تاريخه، وهو يفرق أيضا بينهم وبين الغز الذين بقوا فيما وراء النهر، ويصفهم بقوله أنهم قوم طغرل بك (وهذه هى الصيغة الصحيحة حسبما ورد فى الكاشغرى Diwan etc ص 400) وداود، وهم أيضا النياليون؛ وطغرل بك ومحمد وجغرى بك داود هم أبناء ميكائيل بن سلجوق، وتقول بعض الوثائق إن ميكائيل هذا قتل فى وقت مبكر فى حرب نشبت بينه وبين الأتراك الكفار؛ أما النياليون فهم قوم إنيال أو ينال وهو خال طغرل بك، ومن ثم فربما كانت القراءة الصائبة "يناليون" صحيح أن إينال لم يرد ذكره إلا فى هذا الموضع، غير أن ابنه إبراهيم ابن اينال معروف جيدا، وقد عاون ولدى أخته فى بادئ الأمر معاونة صادقة، ولم نعلم إلا القليل عن موسى الابن الثالث لسلجوق، ولكن أولاده ناصروا أيضا طغرل بك.
وكان هؤلاء السلجوقيون يقيمون آمنين فى نور بخارى طوال حياة على تكين، على أن المراعى فى تلك الناحية لم تكفهم فأذن لهم هارون بن ألتونتاش أمير خوارزم بشفاعة الوزير أحمد بن محمد بن عبد الصمد أبى نصر، وهو الذى أضحى فيما بعد وزير مسعود الغزنوى، بالإقامة فى إقليم خوارزم فى الشتاء.
على أنه لما مات على تكين سنة 435 هـ (1034 م) اختلفوا مع أبنائه وخلفائه، لكن هارون بن ألتونتاش سرعان ما قتل بعدئذ، فهاجم شاه ملك، وكان فى ذلك الحين حاكم جند، خوارزم بأمر من مسعود، وأكره أبناء ألتونتاش على الفرار، وكانوا قد جاهروا بالعصيان، وعضدهم فى ذلك السلاجقة، وما عتم السلاجقة وجدوا أنفسهم مكرهين على السعى إلى بلاد
أخرى يقيمون فيها، ومن ثم أرسلوا التماسا مكتوبا (انظر البيهقى، المصدر المذكور، ص 583) إلى أبى الفضل السورى (السوارى) أمير خراسان الذى كانت سمعته قد ساءت لما عمد إليه من ابتزاز الأموال طالبين منه أن يسأل مسعودا أن يقطعهم نسا وفراوة، وكان طغرل وداود وأخ ثالث لهما يدعى يبغو يطلقون على أنفسهم فى تلك الوثيقة المشهورة اسم المحتمين بأمير المؤمنين، ويستطيع القارئ الرجوع إلى رواية البيهقى للوقوف على ما كان من أمر تلك المفاوضات التى لم تنته إلى النتيجة المرجوة وما جرى بعدها من الأحداث، وقد سرد البيهقى أخبارها يوما بعد يوم تقريبا، على أنه لا مناص من أن نلتزم الإيجاز فى هذا المقام وأن نحيل القارئ على الرواية الكاملة التى ذكرها كزيمرسكى (Kazimirski) فى مقدمة طبعته لديوان منوجرى. وصفوة القول أن النتيجة كانت حربا سافرة بين السلاجقة والغزنويين، وقد منى قواد مسعود بالهزيمة تلو الهزيمة، ثم منى مسعود نفسه بهزيمة نكراء فى وقعة دندانقان (رمضان سنة 431 هـ - مايو سنة 1040 م)، وما إن حلت نهاية عام 429 هـ (أغسطس 1038 م) حتى كان السلاجقة قد استولوا على نيسابور، وذكر اسم طغرل بك فى الخطبة فيها، وجاء رسول من الخليطة يشكو أعمال التخريب التى كان يقوم بها الغز العراقيون وهكذا ثبت حكم السلاجقة العظام وتوطد.
1 -
السلاجقة العظام: 1038 - 1157. طغرل بك 1063؛ ألب أرسلان 1072؛ ملك شاه 1092، محمود وبركيارق 1104؛ ملك شاه الثانى ومحمد 1117؛ سنجر 1157.
وقد عالجنا فى مواد مستقلة تاريخ هؤلاء الحكام كل على انفراد، فيما عدا محمودا وملك شاه الثانى، فإن اسميهما لم يردا فى الخطبة إلا فترة وجيزة، ونكتفى فى هذا المقام ببعض الملحوظات العامة: ففيما يتصل باتساع رقعة دولة سلجوق، خضع جل الحكام المسلمين من أمراء الولايات الشرقية والوسطى فى الأراضى التى كان يحكمها الخلفاء
قديما لطغرل بك، إما طواعية أو كرها. وما إن حلت سنة 433 هـ (1041/ 42 م) حتى كان أمير جرجان وطبرستان قد خضعا له، وفتحت خوارزم سنة 434 هـ (1042/ 43 م)، وتلتها أراض أخرى من بلاد فارس الحديثة، وفى سنة 440 هـ (1048 م) أخذ لبيارتيس Liparites، زعيم الأبخاز، أسيرا، وشنت غارات على آسية الصغرى، وورد اسم طغرل فى الخطبة فى بغداد فى رمضان سنة 447 هـ (ديسمبر 1055 م)، وقد خاطبه الخليفة "بملك الشرق والغرب" فى محفل عام سنة 449 هـ، وكان الخليفة قد تزوج فى ذلك الوقت ابنة جغرى بك أخى طغرل، وقد اعترفت العراق بأسرها، وكذلك الموصل ودياربكر، بسيادة سلطان السلاجقة، وبلغت فتوحات السلاجقة فى عهد ألب أرسلان إلى نهر سيحون، ثم انتقلت آسية الصغرى كلها تقريبا إلى حكم الترك بعد هزيمة الأرمن والبوزنطيين، وأضيفت إليها الشام آخر الأمر، بل إن عدن واليمن فتحتا عام 485 هـ (1092 م)، وإن كنا لا نستطيع القول بأن السلاجقة قد حكموا بلاد العرب حكما فعليا؛ وقد كانت وفاة ملك شاه فى ذلك السنة نفسها وما نشب من خلاف بين أبنائه على اعتلاء العرش بعد وفاته، وقيام الحروب الصليبية السبب فى وقف فتوحات السلاجقة.
أما فيما يتعلق بالبلاد المفتوحة فإن الولاة الذين خضعوا للغز كانوا فى معظم الحالات يستمرون فى الحكم ويؤدون الجزية، على أنه حدث فى كرمان، ثم فى الشام وآسية الصغرى من بعد، أن قام الأمراء الذين فتحوا تلك البلاد من أنفسهم حكاما استقلوا بأمر أقاليمهم ولم يحفلوا بالسلاجقة العظام، بل إنهم شهروا عليهم الحرب (انظر فيما يلى)، وقد حدث ذلك أيضا فى النواحى النائية الأخرى من الدولة التى أقطعها السلاطين -كما فعل ألب أرسلان سنة 458 هـ (1066 م) - إخوانهم وأقاربهم الآخرين، مع فارق واحد وهو أن هؤلاء لم يفلحوا فى إقامة أسر حاكمة؛ وكان حق الحكم، من وجهة النظر التركية، من نصيب الأسرة
كلها، وكان لأكبر أفراد الأسرة سنا حق معين بوصفه كبير قومه فى أن يقتضى أقاربه الذكور الطاعة له، على أنه لم يكن من الميسور فى أسرة كاسرة السلاجقة لها فروع عدة أن يسود الانسجام بين أعضائها مدة طويلة، بل لقد حدث فى عهد طغرل بك نفسه أن انتقض عليه ابن أخيه إبراهيم بن إينال، فإن كان جغرى بك وببغو، أخوا طغرل بك ظلا على إخلاصهما له، ولعل السبب فى ذلك أن طغرل لم يعقب ولدا ذكرا، وكان خليفته مكرها على قتال قتلمش ابن أرسلان جد سلاجقة الروم. وقد حدث هذا أيضا فى عهد ملك شاه، فبعد وفاته تميز عهد بركيارق، الذى لم يطل كثيرا، بالقتال المتصل بينه وبين عمه تنش وأخيه محمد، ومن ثم فإن دولة السلاجقة العظام كانت تشتمل فحسب على الولايات الشرقية التى كانت تدخل ضمن بلاد الخلفاء القديمة، فيما عدا كرمان؛ وكان مقر حكمهم فى إصفهان وبغداد، ثم مرو فى عهد سنجر. وكان سنجر قد تنازل لأولاد أخيه محمد عن حكم العراق وفارس وخوزستان والولايات الغربية فى مرو؛ وكان سنجر أيضا آخر السلاجقة العظام، وقد أكره أكثر من مرة بوصفه رأس الأسرة على امتشاق الحسام ليفرض سلطانه فى فض الخلافات التى كانت تنشب بين أولاد أخيه؛ أما فيما عدا هذا فقد كان قانعا بسيادته على خراسان والولايات الشرقية التى على الحدود؛ وإذا شاء القارئ الوقوف على أنباء قتاله مع الغزنويين وأمراء ما وراء النهر والغوريين والغز فليرجع إلى مادة "سنجر"؛ وقد توفى سنجر دون أن يعقب سنة 552 هـ (1158 م) فانتهى بموته فرع السلاجقة العظام.
وكان قيام السلاجقة فى نظر المسلمين، معناه غلبة المذهب السنى فى جميع الأراضى التى امتد إليها سلطانهم، على المذاهب الشيعية كانت تمكن لنفسها شيئا فشيئا فى عهد البويهيين والفاطميين؛ صحيح أن البويهيين كانوا قد سمحوا للخلافة العباسية أن تستمر فى البقاء بالاسم فى بغداد، على أنه حدث فى سنة 450 هـ (1058 م) أن عمل البساسيرى على ذكر اسم الخليفة الفاطمى فى
الخطبة فى العراق أيضًا، وقد أكره القائم بأمر اللَّه العباسى على مغادرة بغداد، وأخذت يد السلب والنهب تعمل بقصره فيها بضعة أيام؛ وكان طغرل بك فى أثناء ذلك على صلات وثيقة بالخليفة، وكان مشغولا فى الوقت نفسه بقتاله مع إبراهيم بن إينال، وما إن أخذ إبراهيم أسيرا ثم قتل حتى أعاد طغرل الخليفة إلى بغداد؛ أما فى الفترة التالية، وعلى الأخص فى السنوات الأخيرة من حكم ملك شاه، فقد كان ثمة خلاف مستحكم بين الخليفة والسلطان؛ على أن هذا الخلاف لم يكن يرجع إلى أسباب دينية بل كان يرجع إلى أسباب شخصية (انظر Houstma فى Journal of indian History جـ 3، ص 147، 106) وكان السلاجقة يعتبرون الخليفة بصفته هذه إمام أهل السنة الذين كان من الواجب على السلاجقة أن يدافعوا عنهم بحد السيف، وقد تذرعوا بالشدة فى القضاة على النشاط الخطير الذى كان يقوم به الإسماعيلية، وأيدوا مصالح فقهاء السنية، ولم يكن الفضل فى ذلك لهم بل لوزرائهم، وعلى الأخص نظام الملك ذلك الرجل العظيم، أما هم أنفسهم فكانوا أبعد الناس عن التعصب للإسلام، كما يتضح من إطلاقهم سراح ليبارتيس الذى تقدم بنا ذكره، ثم إطلاق سراح الإمبراطور البوزنطى رومانوس ديوجينس (Romanus Diogenes)، وكما يتبين أيضًا من معاملتهم لرعاياهم من النصارى؛ ويصدق هذا أيضًا على الثناء الذى وجه إلى بعض السلاطين، مثل ملك شاه لرعايتهم للعلم، ومع أن هؤلاء السلاطين لم يصيبوا شيئا من العلم فقد أوتوا القدرة على تقدير قيمة ما حرموا منه، ومن ثم عهدوا بتسيير دفة الأمور فى دولتهم إلى وزرائهم، وكان وزراؤهم كنظام الملك مثلا يحكمون أحيانا حكما لا يحده قيد؛ أما الطريقة التى كان هؤلاء الوزراء يحكمون بها فقد حدثنا عن ذلك نظام الملك نفسه فى مصنفه "سياست نامه"؛ وأما عن الفنون فإنه لم يبق من عمارة السلاجقة شئ يشهده الخلف إلا القليل جدا، ويستثنى من ذلك مرو وحدها، فقد بقى فيها آثار عظيمة من عهد
سنجر، وإذا شئنا أن نعمم القول وجب علينا أن نعترف بأن سلاطين السلاجقة قد تمكنوا من هداية الغز الغلاظ القلوب الذين كانوا هم أنفسهم شيوخا لهم، فقد استطاعوا فى شئ كثير من البراعة وبعد النظر أن يستغلوا مزايا الحضارة العربية الفارسية ويصطنعونها لمنفعتهم.
2 -
سلاجقة العراق 1148 - 1194؛ توفى محمد سنة 511 هـ (1118 م)، فخلفه ابنه الأكبر محمود، وكان غلاما فى الثالثة عشرة من عمره، وغدا سلطانًا على الدولة بأسرها فيما عدا خراسان والولايات الشمالية الشرقية التى على الحدود، فقد كان يحكمها سنجر أخو محمد كما تقدم بنا القول؛ وحمل لقب السلطان بعده ابنه داود 1131 - 1132، ثم طغرل الأول سنة 1134 (وقد أخطأ البندارى فقال إنه اعتلى العرش فى مستهل عام 528 = 1133 م، انظر Recueil de textes etc جـ 2 ص 172)، ثم مسعود 1152، ثم ملك شاه الثانى 1153، فمحمد الثانى 1159، فسليمان شاه 1161، ثم أرسلان شاه 1175. فطغرل الثانى 1194، وكل هؤلاء السلاطين تقريبا قد اعتلوا العرش وهم بعد أحداث، وقد لقوا حتفهم فى سن مبكرة، وكثيرا ما انتهت حياتهم بالقتل، ومن ثم فمن المتعذر علينا أن نقول عن معظمهم إنهم حكموا فعلا، بل إنهم كانوا مجرد أداة فى يد الأتابكة والأمراء التابعين لهم، وقد نشّئ أولاد محمد الأربعة، وهم محمود وطغرل ومسعود وسليمان، على السنّة التركية القديمة، فقد عهد بكل منهم إلى أمير تركى من الأمراء البارزين كان له بمثابة الأب، ومن ثم عرف بـ "الأتابك"، وكانت النتيجة الطبيعية أن كلا من هؤلاء الأتابكة كان يسعى إلى الفوز للأمير الذى كان فى رعايته بلقب السلطان حتى تزيد بذلك هيبته هو، وانتهى الأمر بأن اتصلت الحروب بين الأخوة وكان يحسمها سنجر إلى حين بتدخله لمصلحة واحد من هؤلاء المطالبين بالعرش وإذا أراد القارئ الوقوف على تفاصيل الحروب فليرجع إلى المواد المختلفة على انفرادها فى دائرة المعارف الإسلامية، ويكفينا فى هذا المقام أن نشير إلى أن الخلفاء
العباسيين اشتركوا أيضا فى هذه الحروب، وأن اثنين من هؤلاء الخلفاء وهما المسترشد والراشد لقيا حتفهما فيها، وقد حدث هذا فى عهد السلطان الباسل مسعود، إلا أن خلفيته محمد الثانى (لم يحمل ملك شاه الثانى لقب سلطان إلا ثلاثة أشهر فقط)، أكره على فك الحصار عن بغداد سنة 551 هـ (1157 م)، وأخذ سلطان الخلفاء يقوى بعد هذا مرة أخرى ولم يصبح السلطان السلجوقى يقيم فى بغداد، بل أصبح يقيم فى همذان، وكان هؤلاء السلاطين بوجه عام إنما يحكمون بالاسم فقط منذ زمن بعيد يرجع إلى عهد محمود، وكان الأمراء الترك العظام يملكون معظم الولايات بوصفها إقطاعيات عسكرية؛ وكان السلاطين يعوزهم المال، كما كانوا يفتقرون إلى العدد اللازم من الجنود ليفرضوا سلطانهم إذا أبى الأتابكة الذين كانوا يتبعونهم فى ذلك الوقت تقديم العون لهم؛ وقد عهد السلاطين أيضا إلى الأتابكة بمحاربة أعدائهم الأجانب، مثل الصليبيين فى الشام، على أن الأتابكة كانوا هم أنفسهم مضطرين دائما إلى النضال مع أعدائهم فى الداخل، وقد أفلح هؤلاء الأمراء فى إقامة أسر وراثية، واستقلوا بأمر أنفسهم واتخذوا لقب أتابك مضافا إليه لقب شاه أو ملك، ونذكر من هؤلاء بنى أرتق فى ماردين وحصن كيفا، والأرمنشاهية فى خلاط، وكانوا قد أفلحوا فعلا فى إقامة الأسر الوراثية فى العهد السابق، أما الأتابكة الأسبقون فنذكر منهم بنى زنكى فى الموصل وغيرها من النواحى، والسلغرية فى فارس وأتابكة أذربيجان، وكان أول هؤلاء الأتابكة، واسمه شمس الدين إلدكز، قد تزوج بأرملة طغرل الأول، فلما مات سليمان شاه سنة 1162 نادى بابن زوجته أرسلان بن طغرل سلطانًا على أنه لم يخوّله شيئا من النفوذ، ثم اتضح فيما بعد أنه سيصبح مصدر خطر فعمد بهلوان بن إلدكز إلى التخلص منه بأن دس له السم وأسند العرش إلى ابنه القاصر طغرل الثانى (571 هـ = 1175 م)، فلما شب عن الطوق ومات بهلوان، سعى إلى فرض
سلطانه، ولكنه لم يكن كفؤا لقزل أرسلان خليفة بهلوان بالرغم من أنه أوقع الهزيمة بجند الخليفة حليف قزل فى دايمرك 584 هـ (1188 م) وأسره قزل أرسلان ولكن حريته ردت إليه بعد موت قزل، إلا أنه ما لبث أن قتل فى حرب قامت بينه وبين تكش شاه خورزام (590 = 1194 م) بعد ذلك بوقت قصير.
3 -
سلاجقة كرمان: 1041 - 1186، كان جد هذا الفرع من السلاجقة ومنشئ دولتهم قاورد قرده أرسلان بك، أحد أبناء جغرى بك، وكان قاورد قد ذهب إلى كرمان مع قومه الغز حوالى سنة 433 هـ (1041 م)، واحتل بعد بضع سنوات (440 = 1048/ 49 م) القصبة بردسير، ثم أشهر حروبا أخرى بدافع من نفسه هو على الشبانكارية وعلى "القف" فى كرمسير (منطقة الساحل الحارة)، بل أصبح اميرا لعمان دون أن يحفل كثيرا بطغرل بك، ولما اعتلى ألب أرسلان أخو طغرل بك عرش السلاجقة، حاول قاورد (459 = 1067 م) الظهور بمظهر الأمير المستقل برأسه، إلا أنه أذعن لألب أرسلان عندما هرع ألب بشخصه إلى كرمان لإكراهه على الطاعة، وقد ظن عند وفاة ألب أرسلان، أنه هو صاحب الحق فى عرش السلاجقة، ولعل الذى دفعه إلى ذلك أنه كان أكبر أعضاء الأسرة سنا، فقاد جيشه لقتال ملك شاه ولكنه منى بهزيمة نكراء فى جوار همذان، وأخذ أسيرا ثم قتل بعد ذلك خنقا (1074 = 1074 م)، وسار الفائز فى الحرب أيضا إلى بردسير حيث كان كرمان شاه ومن بعده سلطان شاه، ولدا قاورد، قد توليا الحكم نيابة عن أبيهما، ولكن ملك شاه رجع عن بردسير عندما أظهر سلطان شاه خضوعه له وترك أملاك أبيه فى حوزته، وقد ظل سلطان شاه فى الحكم حتى سنة 477 هـ (1084 م) وأعقبه توران شاه سنة 1097، فإيران شاه سنة 1100 (1101)، فأرسلان شاه سنة 1142، فمحمد سنة 1186؛ وكانت نهاية الأسرة على يد جيش من
الغز هبطوا البلاد، ذلك أن الغز بعد هزيمة سنجر نزلوا كالطوفان المدمر على ولايات فارس، وكانوا يذهبون إلى حيث كان ضعف السلطان يزين لهم الحصول على غنائم عظيمة، وكانت مهمتهم سهلة فى كرمان، فقد كانت الفوضى قد أتت عليها أو كادت فى عهد آخر السلاجقة، فهزموا توران شاه الذى سار لملاقاتهم، وشرعوا ينهبون فى طول البلاد وعرضها وقتل توران شاه وخلفه محمد شاه، وسرعان ما وجد محمد نفسه مكرها على مغادرة البلاد للاستنجاد بالأمراء المجاورين، إلا أنهم لم ينجدوه؛ ثم أصبح أمير من الغز، يدعى ملك دينار، سيدا على كرمان.
4 -
سلاجقة الشام، 1078 - 1117: خضع نصر الحلبى المروانى لألب أرسلان سنة 463 هـ (1070/ 71 م)، ثم غزا جيش من التركمان تحت إمرة أتسز بن أبق (أو أوق) فلسطين، واستولوا على الرملة وبيت المقدس وعلى سائر نواحى فلسطين فيما عدا عسقلان، حيث صمد لهم الفاطميون؛ ثم ولى أتسز وجهه شطر دمشق، بيد أنه لم يستطع الاستيلاء عليها إلا فى سنة 468 هـ (1076 م) وقد باء بالفشل أيضا فى محاولته غزو مصر فى السنة التالية، ذلك أن القائد الفاطمى بدر الجمالى هزمه شر هزيمة ثم ضيق عليه الخناق فى الشام تضييقا شديدا حتى استنجد أتسز بتتش بن ألب أرسلان، فجاء إلى الشام عام 470 هـ وسلمه مدينة دمشق (471 = 1078 م)، وقتل تتش أتسز بعدئذ، وأصبح هو نفسه أمير المدينة، وكذلك باءت بالفشل محاولة بذلت للاستيلاء على حلب، بل أن أمير هذه المدينة مسلم بن قربش العقيلى هاجم تتش فى دمشق (485 هـ = 1082 م)، وعندما اشتبك مسلم فى القتال مع سليمان سلجوق آسية الصغرى، هرع ملك شاه بنفسه إلى حلب وأقام أقسنقر جد بنى زنكى فيها، أميرا عليها، مما أثار حقد تتش إثارة عظيمة، وكان فى الوقت نفسه قد تخلص من منافسه على تلك
المدينة فى وقعة جرت فى عين سلم (سَيْلَم) وهى لا تبعد كثيرا عن حلب (479 هـ = 1086 م)، حيث لقى سليمان حتفه، وإنما استطاع تتش بعد موت ملك شاه (485 هـ = 1092 م)، أن يشبع طموحه وأن يشرع فى فتوحاته العظيمة، بل أن يدعى بالحق فى عرش السلطنة مناضلا بذلك ابن أخيه بركيارق، حتى منى آخر الأمر بالهزيمة عام 488 هـ (1095 م)، وسقط فى ميدان المعركة، ثم أصبح ابنه رضوان أمير حلب، وأصبح ابن آخر من أبنائه يقال له دقاق أمير على دمشق (أما الإشارة التى وردت فى أبى المحاسن، طبعة بوبر Popper، جـ 2، ص 344، من أن دقاق هذا هو دقماق فمخطئة)، إلا أن المنية عاجلت دقاق فتوفى سنة 497 هـ (1104 م)، بيد أن السلطان الفعلى كان فى يد وزيره الأتابك طغتكين، الذى أمر بعدئذ بأن تكون الخطبة إلى حين باسم طفل رضيع، ثم باسم أخ لدقاق يسمى أرتاش (وقد ورد فى ابن الأثير باسم بكتاش)، واستقل آخر الأمر بنفسه، وأنشأ دولة بنى بورى. ومات رضوان أمير حلب سنة 507 هـ (1114 م) وتبعه ابنه ألب أرسلان، الذى قتله خادمه لؤلؤ بعد وفاة أبيه بمدة وجيزة، وعمل لؤلؤ على أن ينادى بأخيه سلطان شاه سلطانًا على المدينة، ولكنه قتل هو نفسه سنة 511 هـ (1117 م) ثم سلم المدينة إلى إيلغازى أهلها، وهكذا انتهى حكم السلاجقة.
5 -
سلاجقة آسية الصغرى (الروم) 1078 - 1302:
إن جد هذه الدولة ومنشئها هو سليمان بن قتلمش بن أرسلان (إسرائيل) بن سلجوق وكان أبوه قتلمش من أبطال السلاجقة الذين عملوا تحت إمرة طغرك بك، ولكنه انتقض من بعد على ألب أرسلان، وانتهى به الأمر إلى أن سقط فى ميدان المعركة قرب الرى (456 هـ = 1064 م)؛ وجاء سليمان نفسه إلى آسية الصغرى بعد وقعة ملازكرد الكبرى سنة 1071 م (منى فيها البوزنطيون "الروم" بهزيمة منكرة ووقع إمبراطورهم فى الأسر
إبانها) وكان شأنه فى هذا شأن كثير من أمراء الترك الذين كانوا يذهبون إلى آسية الصغرى للقيام بفتوحات جديدة وإقامة مملكة وقد أفلح فى غرضه لأنه كان أميرا من أمراء البيت المالك، ومن ثم نجده أميرا على نيقية حوالى سنة 1077 م حين بدا أن الصراع حول العرش البوزنطى قد هيأ له فرصة عظيمة ليلعب دورا بارزا فى الحوادث، ولكن هذا الأمل خاب باعتلاء ألكسيوس كومنينوس (Alexius Comnemus) العرش، فاتجه صوب الشرق وانتزع مدينة أنطاكية من فيلا ريتوس (Philaretus) الأرمنى سنة 477 هـ (1085 م) ومن ثم وقع القتال بينه وبين مسلم بن قريش، فقهره وانتهى الأمر بوفاة مسلم، ثم وقع القتال بينه وبين تتش مما أدى إلى موته فى السنة التالية (1086)، وكان من شأن هذه الأحداث أن أكره ملك شاه على تجشم مشاق السفر إلى حلب ليعمل على استتاب الأمر فيها وفى غيرها من المدن، كأنطاكية والرهاء، وقد أخذ معه فى عودته قلج أرسلان بن سليمان، ولم يعد قلج إلى آسية الصغرى إلا فى عهد بركيارق بعد موت ملك شاه. ونحن لا نجد من المعلومات فى المصادر العربية إلا النزر اليسير عن الأحداث التى وقعت فى تلك الفترة فى آسية الصغرى، ومن هنا يجب علينا أن نعتمد على الأصول البوزنطية والشامية والأرمنية، ولا نستطيع أن نتناولها بالبحث فى هذا المقام؛ وليس هذا موضع الكلام عن تاريخ قلج أرسلان وخلفائه، ومن ثم نحيل القارئ إلى المواد الخاصة بكل منهم، ونكتفى هنا بذكر أسمائهم ومدد حكمهم: قلج أرسلان الأول سنة 1107 - ملك شاه ومسعود سنة 1155 - قلج أرسلان الثانى سنة 1192 (فترة خلو العرش من السلطان، انظر ما يلى) - ركن الدين سليمان الثانى سنة 1204 - قلج أرسلان الثالث وغياث الدين كيخسرو الأول 1210 - عز الدين كيكاوس الأول سنة 1219 - علاء الدين كيقباد 1237 - عز الدين كيخسرو الثانى 1245 -
عز الدين كيكاوس الثانى (ودام حكمه بضع سنوات مع أخويه) سنة 1256 - ركن الدين قلج أرسلان الرابع 1266 - غياث الدين كيخسرو الثالث سنة 1284 - غياث الدين مسعود الثانى وعلاء الدين كيقباد الثالث حتى سنة 702 (1302 م).
وقد عانت دولة هؤلاء السلاجقة كثيرا من تصاريف الدهر، فقد بدأ للأعين أكثر من مرة أن سقوطها وشيك، ولكنها كانت لا تلبث أن تحيا مرة أخرى حتى ذهبت ريحها آخر الأمر بعد أن غزاها المغول، فانهارت انهيارا تاما، وخسر السلاجقة نيقية قصبة سليمان فى الحرب الصليبية الأولى سنة 1097، ولم تعد إلى حظيرة السلاجقة قط، وهكذا انتهى حكم الترك فى غرب آسية الصغرى بأسره، ذلك أن البوزنطيين استطاعوا فى عهد أسرة كومنينوس أن يخضعوا هذه المنطقة لسلطانهم، وتمكنوا من أن يحتفظوا بها طوال حكم السلاجقة، وقد عزلت إمارتا أنطاكية والرهاء النصرانيتان السلاجقة الذين كانوا يقيمون فى الجنوب الشرقى عن بقية العالم الإسلامى، وكانت هاتان الإمارتان قد أنشئتا منذ عهد قريب، وكذلك عزلهم قيام مملكة أرمينية الصغرى، وإنما بقى قلب آسية الصغرى وحده تقريبا فى أيدى السلاجقة، على أنهم فى هذا المكان نفسه لم يستأثروا بالحكم فقد كان لهم منافسون خطرون فى شخص الدانشمندية، وقد انتهت هجمة قلج أرسلان صوب الموصل نهاية غير حميدة، ذلك أنه لقى حتفه قبل الأوان، وكان ابنه مسعود هو أول من أفلح فى إقامة دولة فى قونية ثابتة الأركان، وذلك بعد أن قهر أخوته وبسط سلطانه شيئا فشيئا، وواصل خليفته قلج أرسلان الثانى عمله وأكره الدانشمندية على الخضوع لحكمه بالرغم من أن نور الدين القوى الشكيمة كان يظاهرهم، وكذلك لم يفشل فى حروبه مع البوزنطيين، بل أفلح فى أن ينزل بالأمبراطور مانويل (Manuel) ضربة شديدة فى جوار موريو كيفالون Muriokephalon (ممر جردك) سنة 752 (1176 م)، بيد أن السن تقدمت به
فأصبح ألعوبة فى أيدى أبنائه الكثيرين، فتولى كل منهم حكم ناحية من النواحى، أضف إلى هذا أن الصليبيين غزوا أراضيه، بل استولوا على قونية قصبة بلاده (1190 م) ثم وافته المنية بعد ذلك بقليل (1192 م)، وهو فى صحبة ابنه الأصغر غياث الدين كيخسرو وترك مملكته نهبا للفوضى، ذلك أن أبناءه كانوا يتقاتلون فيما بينهم، وانتهى الأمر بأن أفلح أحدهم، وهو ركن الدين سليمان، فى التغلب على أخوته وانتزع أرضروم من السلتقية، ثم وهب هذه المدينة لأخيه طغرل شاه الذى حكمها حتى توفى سنة 1125 بوصفه أميرا مستقلا برأسه، وجعل السكة تضرب باسمه هو، إلا أن كيقباد الأول خلع جهان شاه بن طغرل شاه عن العرش إبان الحرب التى اشتعلت بين كيقباد وجلال الدين شاه خوارزم، وضمت مملكته إلى أملاك الفائز، وأشهر ركن الدين حربا فاشلة على سكان بلاد الكرج مات بعدها، فخلفه على العرش أخوه غياث الدين، وكان قد ساح كثيرا فى البلاد، واستقر به المقام آخر الأمر بين الروم، وقد حدث هذا قرابة الوقت الذى كانت دولة اللاتين فى سبيلها إلى الظهور ببوزنطة. وقد هيأ له هذا الظرف الفرصة لبسط سلطان السلاجقة، واستولى سنة 1207 على ثغر أنطالية الكبير الشأن، واستولى خليفته عز الدين كيقاوس على سينوب أيضا، وهكذا فتحت الدولة التركية أبوابها للتجارة العالمية، فأنشئت العلاقات بينها وبين الجمهوريات التجارية الإيطالية، وعظمت حركة تصدير منتجات الإقليم ذات القيمة، وازدادت التجارة العابرة مع أرمينية الصغرى زيادة عظيمة، وأصبحت "تركية" فى ذلك العهد تعد أغنى بقاع الأرض طرًا، وتعهد أمير نيقية وأطرا بزندة وملوك أرمينية الصغرى فى صقلية بأن يؤدوا الجزية طوعا أو كرها، وسلم بنو أرتق والأيوبيون الذين كانوا يقيمون فى مدن التخوم على الحد الجنوبى الشرقى بسلطان السلاجقة فى سكتهم وفى الخطبة، وتنافس السلاطين وأمراؤهم
العظام فى إقامة العمائر والمساجد والمدارس والجسور ومحطات القوافل البديعة. وصفوة القول أن دولة السلاجقة مرت بعصر مجيد لم يكن لآسية الصغرى به عهد منذ قرون طويلة. على أن هذا العصر لم يخل من المساوئ، فقد عاش الحكام عيشة بذخ وترف انتهت بضعفهم وتخنثهم حتى أثاروا عليهم سخط الطبقات الدنيا وحنق أهل الورع والتقوى، بل إن كيقاوس الأول وكيقباد الأول، على قدرتهما وعلو همتهما، لم يجدا بدا فى سبيل تحقيق مشروعاتهما العسكرية من الاستعانة بالمرتزقة من الأجانب واليونان والأرمن والعرب، وازداد الاعتماد على هؤلاء المرتزقة عندما اعتلى كيخسرو الثانى التافه الشأن عرش البلاد سنة 1237، وكان الطوفان المغولى قد بلغ فى الوقت نفسه حدود آسية الصغرى؛ وسقطت أرزن الروم (أرضروم) ذلك الحصن الواقع على الحدود قبل أن يشرع المغول فى غزوتهم، ومنى الجيش التركى بعد ذلك بهزيمة ساحقة فى كوزاداغ (1243)، ومن ثم بت فى مصير الدولة صحيح أن الصلح قد عقد ومنح السلطان مظهرا من مظاهر الاستقلال على أن يؤدى جزية كبيرة، إلا أن ثروة البلاد كانت تثير دائما جشع المغول فتدفعهم إلى غزوات جديدة كانوا يتذرعون فى سبيل القيام بها بوجود صراع بين أولاد كيخسرو على اعتلاء العرش، وانتهى الأمر بأن قسمت الدولة قسمين فى عهد هولاكو، فأصبح عز الدين يحكم الأراضى التى على جانب من نهر قزل إيرمق، فى حين أخذ ركن الدين يحكم الأراضى التى على الجانب الآخر للنهر. فلما عمد عز الدين إلى مفاوضة المماليك المصريين فى السر، وكانوا أعداء المغول الألداء، وضع المغول فى الحال حدا لحكمه وأكره على الالتجاء إلى بوزنطة، وانفرد ركن الدين بالحكم بعد ذلك، ولكن السلطان الفعلى كان فى يد معين الدين سليمان الذى تلقب بلقب يروانه بوصفه عاملا من عمال المغول؛ عندما أضحى ركن الدين مصدر تعب
له عمل على إقصائه من طريقه سنة 1266 حتى يستطع أن يحكم مطلق اليد أكثر من ذى قبل باسم غياث الدين، ابن ركن الدين الرضيع، وأخذ الترك فى الوقت نفسه فى الانتقاض على المغول فى لرندة وفى غيرها من النواحى، ومن ثم استنجد بعض بكوات الترك بيبرس سلطان المماليك، وأشاروا عليه بأن ينفذ حملة إلى آسية الصغرى فيجد أهل البلاد جميعا فى صفه، وذلك إذا قدر له أن يوقع الهزيمة بالجيش المغولى المرابط فى البلاد، ووافق بيبرس على ذلك، وهزم المغول فى وقعة ألبستان الدامية، وتقدم حتى بلغ قيصرية (1277) ولكن بروانه هو والسلطان ظلا بعيدين أحدهما عن الآخر ولم يحرك الناس ساكنا، فاضطر بيبرس إلى الرجوع من حيث أتى بسبب افتقاره إلى الزاد، وترك الأمور على حالتها التى كانت عليها من قبل. وقد حدث بعد هذا بقليل أن ظهر أباقا فى آسية الصغرى وانتقم شر انتقام من الترك الذين كانوا فى ظنه قد تآمروا مع المصريين، وكذلك دفع بروانه حياته ثمنا لتوانيه وكسله وأضحى الحكم المغولى بعد ذلك أشد صرامة، وأقر عمال الأموال من قبل المغول الضرائب التى كان يستخدم جلها فى الإنفاق على الجيش المرابط فى البلاد، ولم يبق لسلاطين السلاجقة الذين ضربت أسماؤهم على السكة حتى سنة 702 هـ (1302 م) نفوذ يذكر، وكان أمراء الترك يثيرون الشغب، وشرهم فى ذلك بنوقره مان وبنو أشراف، إلا أن الأميرين المغوليين كنكقرطاى وكيخاتو سارا إليهم على رأس حملات تأديبية صارمة وأخضعوهم أكثر من مرة، بيد أنهم كانوا يعودون ثانية إلى مكانهم ويقيمون إمارات مستقلة، وانتهى الأمر بأن تقلص سلطان المغول. وهكذا قام على أنقاض دولة السلاجقة اثنتا عشرة أسرة تركمانية (انظر فيما يتصل بها المواد المستقلة من هذه الدائرة)، أما آخر أحفاد أسرة السلاجقة الذين ورد ذكرهم فى التاريخ فنجدهم فى سينوب وربما فى علاية، وقد نفى قلج أرسلان