المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تاريخ المدينة حتى سنة 1926 م: - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الماتريدى

- ‌المصادر:

- ‌الماتريدية

- ‌الماذرائى

- ‌المصادر:

- ‌الـ ماردينى

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌مارية القبطية

- ‌المازنى

- ‌المصادر:

- ‌مالك بن أنس

- ‌المصادر:

- ‌مالك بن عوف

- ‌المصادر:

- ‌مالك بن نويرة

- ‌المصادر:

- ‌المالكية

- ‌1 - المذهب:

- ‌المصادر:

- ‌انتشار المذهب

- ‌السند القيروانى:

- ‌السند الأندلسى:

- ‌السند العراقى:

- ‌ السند المصرى

- ‌المبادئ والنظرية الفقهية:

- ‌المالكية والمخالفين

- ‌المالكية والتصوف

- ‌الطبقات والمصادر الأخرى للمالكية وأتباعها

- ‌2 - انتشار المذهب:

- ‌الغرب الإسلامى:

- ‌الأندلس:

- ‌أفريقيا وبلاد السودان:

- ‌المصادر:

- ‌مالى

- ‌المصادر:

- ‌المبرد

- ‌ومن أشهر أعمال المبرد:

- ‌المصادر:

- ‌المبرز

- ‌المصادر:

- ‌المبرقع

- ‌المنتقى الهندى

- ‌المصادر:

- ‌متى بن يونس

- ‌المصادر:

- ‌المثل

- ‌أولا: تعريفه

- ‌ثانيًا: الأمثال العربية

- ‌ثالثا: المجموعات العربية

- ‌رابعًا: مجموعات حديثة

- ‌ المصادر

- ‌مجاهد بن جبر

- ‌المصادر:

- ‌مجاهد الموفق

- ‌المصادر:

- ‌مجاور

- ‌المصادر:

- ‌المجتهد

- ‌أولًا: - بالنسبة للسنة:

- ‌ثانيًا: - الشيعة الأمامية الاثنا عشرية:

- ‌المصادر:

- ‌المجرة

- ‌المصادر:

- ‌مجنون ليلى

- ‌1 - زودت المراجع العربية القديمة هذه الشخصية بسلسلة كاملة من الأنساب

- ‌2 - فى الأدب الفارسى والكردى والباشتو

- ‌المصادر:

- ‌3 - فى الأدب التركى:

- ‌المصادر:

- ‌المحاسن والمساوئ

- ‌1 - المجادلات العقيدية (المناظرات):

- ‌2 - المجادلات الدنيوية (مفاخرات، مناظرات):

- ‌كتابات الجاحظ:

- ‌وتبلور فن المحاسن والمساوئ

- ‌الثعالبى وفن المحاسن والأضداد

- ‌المحاسن والأضداد بعد الثعالبى:

- ‌المصادر:

- ‌محكمة

- ‌1 - مدخل عام:

- ‌المصادر:

- ‌2 - الدولة العثمانية:

- ‌(أ) ما قبل إصلاح النظام القضائى

- ‌أثر تدهور الإمبراطورية على المحاكم الشرعية

- ‌(ب) عصر الإصلاح:

- ‌المصادر:

- ‌3 - إيران

- ‌المصادر:

- ‌4 - فى بعض البلدان العربية فى العصر الحديث

- ‌1 - مصر

- ‌المصادر:

- ‌2 - سوريا

- ‌المصادر:

- ‌3 - لبنان

- ‌المصادر:

- ‌4 - العراق

- ‌المصادر:

- ‌5 - فلسطين

- ‌المصادر:

- ‌6 - الأردن

- ‌المصادر:

- ‌7 - المملكة العربية السعودية

- ‌المصادر:

- ‌8 - اليمن

- ‌المصادر:

- ‌9 - دول الخليج

- ‌المصادر:

- ‌10 - مراكش

- ‌المصادر:

- ‌تعديلات القوانين المطبقة فى المحاكم الشرعية

- ‌11 - إندونيسيا

- ‌المصادر:

- ‌محمد [صلى الله عليه وسلم] نبى الإسلام

- ‌المصادر:

- ‌محمد بن إبراهيم بن طهماسب

- ‌محمد بن حازم

- ‌ المصادر

- ‌محمد بن الحسن بن دينار

- ‌محمد بن الحنفية

- ‌محمد بن خلف

- ‌المصادر:

- ‌محمد بن طاهر الحارثى

- ‌المصادر:

- ‌محمد عبده

- ‌المصادر:

- ‌محمد على باشا

- ‌محمد على حاكما لامبراطورية اقليمية (1828 - 1841 م):

- ‌المصادر:

- ‌محمد بن القاسم

- ‌محمد بن محمود أبو شجاع

- ‌المصادر:

- ‌محمد بن مروان

- ‌محمد بن وصيف

- ‌المصادر:

- ‌المحمل

- ‌المصادر:

- ‌مخا

- ‌مخزوم، بنو

- ‌المصادر:

- ‌المخزومى

- ‌المصادر:

- ‌المدائنى

- ‌المصادر:

- ‌مدراس

- ‌1 - التسمية:

- ‌2 - التاريخ:

- ‌المصادر:

- ‌مدين شعيب

- ‌المصادر:

- ‌المدينة الزاهرة

- ‌المدينة المنورة

- ‌تاريخ المدينة حتى سنة 1926 م:

- ‌المدينة من 661 م إلى 1929 م:

- ‌المصادر:

- ‌المرابطون

- ‌1 - أصلهم وتاريخهم فى الشمال الإفريقى:

- ‌2 - سقوط المرابطين:

- ‌مراد، بنو

- ‌المصادر:

- ‌مراسم

- ‌مراسم الخلافة والفاطميين:

- ‌فى أسبانيا الإسلامية

- ‌فى إيران

- ‌فى الامبراطورية العثمانية:

- ‌فى بلاد الهند الإسلامية

- ‌المصادر:

- ‌مرثية

- ‌ فى الأدب العربى:

- ‌ فى الأدب الفارسى:

- ‌فى الأدب التركى:

- ‌فى الأدب الأردى:

- ‌فى الأدب السواحيلى:

- ‌مرج دابق

- ‌المصادر:

- ‌مرداس بن أدية

الفصل: ‌تاريخ المدينة حتى سنة 1926 م:

بحيرة، وتسببت السيول فى هدم بعض الأبنية، وفى عهد عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه، تم تشييد سد على أحد هذه المسيلات لحماية المدينة من السيول (فتوح البلدان للبلاذرى) وسجلت كتب التاريخ حدوث فيضانات مدمرة فى أعوام 40 هـ/ 660 م و 116 هـ/ 734 م، و 156 هـ/ 722 م. ومياه بعض العيون والآبار مالحة لا تستساغ، لذا فقد أمر عدد من الولاة والحكام بمد قنوات لمد المدينة بالمياه المستساغة من آبار وعيون تقع إلى الجنوب منها. وتتكون تربة المدينة من رمال مالحة وكلس وطمى طفلى، وهى تربة خصبة خاصة فى الأنحاء الجنوبية، وكانت المدينة معروفة بنخيلها الوافر منذ ما قبل أيام محمد صلى الله عليه وسلم، كما كانت معروفة بزراعة الحبوب، وبعد ذلك عرفت المدينة زراعة البرتقال والليمون والرمان والموز والخوخ (الدرّاق) والمشمش، وشتاء المدينة بارد قليل مطره، وصيفها حار لكنه قلما يكون محرقًا ممعنًا فى قسوته. وكان هواؤها فى أزمنة مضت منعشًا. لكنه -فيما يقول البلاذرى- سبب للحمّى (Wensinch: Mohammed en de Joden، 31 Goldzihen، Muh. stud. II. 234) وكان الأمويون يسمونها (الخبيثة) وهذا اللفظ مقابل (معاكس) للاسم الذى أطلقه الرسول [صلى الله عليه وسلم] وهو طيبة (1)(Goldziher. op.cit،II).

‌تاريخ المدينة حتى سنة 1926 م:

كانت تسمى قبل الإسلام يثرب رغم أن السمهودى يذكر أن (يثرب) كانت تطلق -فقط- على جزء من الواحة. وقد ورد اسم يثرب فى القرآن الكريم مرة واحدة {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا. . .} سورة الأحزاب الآية 13. وقد أشار بطلميوس وستيفانوس Stephanus إليها باسم يثريبا Iathrippa، كما وردت فى

(1) ربما كان هذا اللفظ القبيح الذى أطلقه الأمويون -إن صحت الرواية- مرتبطًا بظروف سياسية معينة، وانقهى اللفظ القبيح بعدها، لأن المدينة المنورة طيبة الطيبة تحظى بكل الاحترام والحب من كل المسلمين الذين يُرددون ذكرها بقولهم "على ساكنها أفضل الصلاة والسلام" المترجم

ص: 9214

النقوش المعينية بدون تحريك يثرب Ythrb. أما لفظ المدينة فيعنى -عامة- موطن الحكم وهى كلمة ذات صلة بالكلمة الآرامية مدنتا Medinta، ولقد ورد لفظ مدينة فى القرآن الكريم مرات عشر كما ورد جمعها (مدائن) ثلاث مرات. وكان ورودها جميعًا -مفردًا وجمعًا- فى سياق الحديث عن الأنبياء السابقين على محمد [صلى الله عليه وسلم]، وفى آيات متأخرة فى نزولها نسبيًا وردت لتشير إلى الواحة (المدينة المنورة المقصودة هنا) التى أصبح غالب سكانها من المسلمين سورة التوبة الآيات: 101، 102، 120، 121 وسورة الأحزاب الآية: 60 وسورة المنافقون الآية: 8). لكن هناك احتمالا ألا تكون قد أصبحت حتى ذلك الحين اسم علم لا يقصد به إلا المدينة المنورة التى نتناولها فى هذا المقال. وفى بعض مواثيق المدينة التى اوردها ابن هشام (انظر ص 341 - 344 من طبعة ابن هشام التى حققها فستنفلد) ورد اسم يثرب فقط، وهناك افتراض أن (المدينة) مجرد اختصار لعبارة (مدينة النبى) لكن هذا لا يتفق مع الاستخدام القرآنى للكلمة خاصة فى الآية الثامنة من سورة المنافقون {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} أما فيما يتعلق بشعراء هذه الواحة (المدينة المقصودة فى مقالنا هذا) فلم يذكرها الشاعر الجاهلى قيس بن الخطيم إلا باسم يثرب، بينما ذكرها الشعراء المعاصرون للرسول [صلى الله عليه وسلم] مثل حسّان بن ثابت وكعب بن مالك بالاسمين معًا: يثرب والمدينة.

ولم تكن المدينة المنورة فى البداية مدينة متصل عمرانها وإنما كانت مجموعة من المستقرات المتناثرة تحيطها بساتين النخيل والحقول، لهذا فقد تم تشييد عدد كبير من القلاع والحصون لدرء الأخطار عنها، وربما يكون عدد هذه القلاع والحصون قد بلغ المائتين وكان اللفظ الدال على واحدها هو أُطُمُ (بضم الألف والطاء) وجمعه آطام أو أجُمُ (بضم الألف والجيم). وربما كانت

ص: 9215

فكرة الآطام أو الآجام مأخوذة عن أهل اليمن وفقًا لاستنتاج المستشرق لامنس، ولا يبدو المؤرخون المسلمون المتأخرون زمنًا على دراية موثقة بالتاريخ الباكر للمدينة المنورة (انظر السمهودى، الباب الثالث، الفصل الأول) فمعلوماتهم تتسم بالتخمين غير الموثق، فالسمهودى مثلًا يذكر أن أول من زرعها كانوا هم العماليق، ويبدو منطقيًا أنه كان فى المدينة عدد من العرب قبل وصول أى من اليهود إليها، ولا شك أنه وقت استقرار الأوس والخزرج بالمدينة كان أجداد بعض أجداد هؤلاء العرب السابقين على استقرار الأوس والخزرج، تابعين لليهود، وربما فسرت لنا هذه العلاقة الوثيقة بين هؤلاء العرب واليهود، لِمَ رُفضت بعض العشائر العربية الصغيرة نبوة محمد [صلى الله عليه وسلم](خطمه، ووائل، وواقف، وأمية ابن زيد، وقسم من عمرو بن عوف) ويلف الغموض تاريح يهود المدينة الباكر، فربما كان بعضهم اللاجئين القادمين من فلسطين، وربما كانوا من الذين غادروا فلسطين هاربين بعد هزيمة بار كخبه Bar Kokhba، لكن ربما كان بعضهم أيضًا من العرب الذين اعتنقوا اليهودية كدين، خاصة وأن يهود المدينة تزاوجوا مع العرب وكانت عاداتهم -اليهود والعرب- متشابهة. وعلى أية حال فإنه يتضح لنا من القرآن الكريم (على سبيل المثال: سورة البقرة، آية 44 وما بعدها) أنهم كانوا يدعون الانتساب إلى بنى إسرائيل أى أنهم من أصول عبرية، رغم حقيقة أن معظم أسماء يهود المدينة أسماء عربية، وتنسب بعض القصائد العربية الجاهلية إلى شعراء يهود، وهى قصائد يمكن تمييز بنائها الأدبى ومحتواها عن قصائد عرب الصحراء.

(Noldeke: Beitrage Zur Kenntnis der poesie der alten Araber، 52 ff)

وعند هجرة الرسول [صلى الله عليه وسلم] كان فى المدينة المنورة ثلاث قبائل يهودية رئيسية هى: بنو قريظة، وبنو النضير،

ص: 9216

وبنو قينقاع، وكانت أراضى بنى قريظة أخصب أراضى الواحة، وكان بنو قينقاع صانعى أسلحة وصاغة وتجارًا، ويعدد لنا السمهودى بالإضافة لهؤلاء اثنتى عشرة عشيرة يهودية أخرى، ويذكر لنا بعضًا منها ذات سلاسل نسب عربية.

وبعد استقرار الأوس والخزرج (أحيانًا يطلق عليهما معًا اسم بنى قيلة) تلاشى النفوذ اليهودى فى المدينة ويقال: إن الأوس والخزرج قد قدما من اليمن بعد انهيار سد مأرب. وظل الأوس والخزرج هما القوى المسيطرة فى المدينة حتى قبل الهجرة بفترة طويلة، وقد تدخل اليهود فى الخلافات التى نشبت بينهما كما كان اليهود يؤازرون بعض القبائل المتحاربة ضد قبائل أخرى.

لقد وصلت معلومات عن رسالة [صلى الله عليه وسلم] إلى المدينة المنورة فى وقت باكر من ظهور الدعوة، إذ يقال: إن سويد بن الصامت الذى توفى قبل يوم بُعاث قد أسلم وقبل بالقرآن الكريم فيما يقول ابن هشام. أما أول من تحول للإسلام بشكل واضح ومحدد فهم ستة رجال من الخزرج التقوا بمحمد [صلى الله عليه وسلم] سنة 620 م تقريبًا، وفى موسم حج سنة 621 م أحضروا معهم مجموعة من اثنى عشر رجلا (منهم اثنان من الأوس) أسلموا جميعًا، وفى سنة 622 م قدم للرسول ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان وأسلموا جميعًا فى موسم حج هذا العام. وتعاهدوا على حماية الرسول [صلى الله عليه وسلم] وصحبه كما يحمون أهليهم. وبناء على هذا بدأ أصحاب الرسول فى الهجرة إلى المدينة فى جماعات صغيرة بلغ عدد أفرادها حوالى سبعين وأخيرًا هاجر الرسول [صلى الله عليه وسلم] وصاحبه أبو بكر فوصلا قُباء فى جنوب الواحة (المدينة) فى 12 ربيع الأول (24 سبتمبر سنة 622 م)، وقد رجب مسلمو المدينة بالمهاجرين القادمين من مكة المكرمة، أما الرسول [صلى الله عليه وسلم] فترك ناقته تبرك حيث شاءت ثم اشترى الأرض التى بركت فيها وبنى

ص: 9217

بها مسجدًا ودارًا، ولم يقبل تبرعًا من أحد حتى لا يسخط عليه واحدة من القبيلتين المتنافستين، وربما للسبب نفسه لم يكن من بين زوجات محمد [صلى الله عليه وسلم] واحدة من الأوس أو الخزرج.

ولاشك أن أثر التكوين الاجتماعى كان واضحًا فى الوثيقة المعروفة بميثاق المدينة (دستور المدينة) الذى ناقشه المستشرق فلهوزن Wellhausen فى مبحثه 83 - 65. Skirzen and Vorabeiten. IV وفنسنك Wenssinck فى مبحثه Mohammed en de Joden، ص 74 - 81 وكيتانى Caetani، ووات Watt فى كتابه عن محمد رسول اللَّه فى المدينة Mohammead at Madina وأفراد سيرجانت R.B. Serjeant مبحثا لهذا الموضوع The Constitution of Madina وغيرهم.

ويبدو من الصياغة والتعبيرات المستخدمة أن النص الذى بين أيدينا يرجع إلى تاريخ لاحق لقضية بنى قريظة سنة 5 هـ/ 627 م، وإن كانت بعض البنود عائدة إلى بيعة العقبة الثانية (بيعة الحرب). ووفقًا لبنود هذا الميثاق فإن كل الذين يعيشون فى المدينة يشكلون أمة (جماعة متكاملة) بمعنى أن يكونوا متحالفين وفقًا للمفاهيم العربية التقليدية عن التحالف، وكان هذا التحالف يضم ثمانى عشائر محلية (ثلاث من الأوس وخمس من الخزرج) وجماعة المهاجرين القادمين من مكة المكرمة، ولقد آمنوا جميعًا بنبوءة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هنا اختلف هذا التحالف عن التحالف الجاهلى باصطباغه بصبغة إيمانية. فقد أشار الميثاق لكل هذه العشائر والجماعات باسم المؤمنين، بالإضافة لإشارات لقدرة اللَّه سبحانه وتوحيده وعبادته وحده. وورد ذكر حوالى عشر جماعات يهودية فى بنود منفصلة تقرهم على دينهم وتعطيهم بعض الحقوق وتفرض عليهم بعض الواجبات، بل وبدا أن الوثنيين كانوا مقبولين فى هذا المجتمع الجديد إلا أن حقوقهم لم تكن واسعة، وكانوا مقيدين فى ممارسة نشاطاتهم،

ص: 9218

ولم يكن للرسول [صلى الله عليه وسلم] فى هذا الميثاق سوى رسول ونبى يرجعون إليه فى أمور دينهم ودنياهم، وحتى سنة 5 هـ/ 627 م كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] لا يصدر أمرًا إلا بعد مناقشة رؤساء العشائر الآنف ذكرهم، لكن بعد فتح مكة 8 هـ/ 630 م كان لانتصار الإسلام بشكل رائع أثره فلم يعد أحد من غير المسلمين بقادر على تحدى قراراته. وسمى أهل المدينة بالأنصار تمييزًا لهم عن القبائل الأخرى التى أسلمت ودخلت فى (الأمة) الإسلامية.

وقد شهدت الفترة من هجرة الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى موته سلسلة من الغزوات تزيد على السبعين كان عدد المحاربين المسلمين فيها يتراوح بين بضعة أفراد إلى ثلاثين ألفًا. وكان مقاتلو الغزوات الأولى الصغيرة من المهاجرين فقط، لكن فى غزوة بدر 2 هـ/ 624 م كان مقاتلو المدينة المنورة (الأنصار) يشكلون ثلاثة أرباع قوة المسلمين المقاتلة، وبعد انتصار بدر أصبح أهل المدينة جميعًا متقبلين لسياسة الرسول [صلى الله عليه وسلم] فيما عدا قلة من المنافقين. وبعد غزوة تبوك لم يغادر الرسول المدينة إلا ليحج حجة الوداع فى ذى الحجة/ مارس 632 م، وبعد شهرين مرض ولقى ربه فى 8 يونية سنة 632 م، ولم يكن قد أوصى بمن يخلفه إلا أنه فهم من إنابته أبابكر ليصلى بالناس أنه قد استخلفه.

وقد أقام أبو بكر ومن بعده عمر وعثمان رضى اللَّه عنهم فى المدينة فأصبح من الواضح أن المدينة -فى عهودهم- كانت هى عاصمة الدولة الإسلامية، وبعد مقتل عثمان لم يحظ على رضى اللَّه عنه بالقبول من بعض الولاة، فقد فضل الشوام أن يحكمهم معاوية، كما عارض طلحة والزبير عليًا رضى اللَّه عنه فى مكة ثم فى البصرة، وغادر على المدينة إلى الكوفة فى أكتوبر سنة 656 م، ولم يعد، وهكذا حلت الكوفة محل المدينة المنورة كعاصمة، وعندما تم الاعتراف بمعاوية

ص: 9219