الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجنون ليلى
أو مجنون بنى عامر- وهو الاسم الذى يطلق على بطل قصة حب رومانسية يرجع تاريخها إلى النصف الثانى من القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى)
1 - زودت المراجع العربية القديمة هذه الشخصية بسلسلة كاملة من الأنساب
تجرى على هذا النحو: قيس بن الملوح ابن مزاحم بن قيس بن عداس بن ربيعة ابن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر ابن صعصعة. . وبالرغم من أننا يمكن أن نقبل هذا الفرع من النسب من نقطة البدء عند قيس بن عداس، فإن هذا الأخير -كما تشير الدلائل ليس له وليس بمن يدعى بمزاحم- وأكثر من ذلك فقد أطلقت عليه أسماء أخرى أقل شهرة مثل:"البحترى بن الجعد"، و"مهدى بن الملوح" و"الأقرع"، و"قيس ابن معاذ". ولكن الجاحظ يقسم الشخصية إلى اثنين ويعمد إلى التفرقة بين مجنون بنى عامر، ومجنون بنى جعدة حيث أن "جعدة" ينحدر من عامر أما فيما يتعلق بمحبوبته، فقد جاء نسبها على النحو التالى: ليلى بنت سعد ابن مهدى بن ربيعة بن الحارث بن كعب بن ربيعة بن عامر.
ومضمون قصة الحب هذه، بقدر ما استطعنا أن نستخلصه من الروايات القديمة بسيط نسبيا وعادى -ومع ذلك توجد روايتان متعارضتان- تقول الأولى إن الشابين قضيا صباهما معا، يرعيان قطعانهما فى جبل التوباد الذى كان يخص قبيلة محارب (الأصفهانى: بلاد العرب) أما الرواية الأخرى فتقول: إن قيسا كان يقابل ليلى عن غير قصد لا سابق ترتيب عند جمع من النساء، ويكون تأثيرها عليه شديدا، ويذبح جملة إسهاما فى الوليمة.
وتشارك ليلى -التى تشارك قيسا عواطفه ومشاعره، توليه الاهتمام كله. وعلى إثر ذلك يطلب يدها، غير أن أباها كان قد أعطى لتوه وعدا بتزويجها إلى من يدعى "ورد بن محمد العقيلى". ويفقد قيس صوابه بعد أن تملكه الحزن والألم المبرح ويهيم على وجهه، رافضا أن يأكل، لائذا بالحيوانات البرية يعيش
بينها. ويأخذه أبوه فى رحلة للحج عساه أن ينسى ليلى، ولكن جنونه يتضاعف ومع ذلك تعاوده لحظات من وضوح الفكر فينظم الأشعار فيها ويشتد حزنه مع عجزه عن رؤيتها ولو مرة واحدة أخرى حتى يوافيه أجله.
إن من العسير أن نثبت أصل الحكاية. . وثمة إشارة فى "الأغانى" تقول إن المؤلف الأصلى شاب أموى وأنه كتب هذه الأشعار فى ابنة عمه ولكن هذا الرأى مشكوك فى صحته فذكر بعض الشخصيات التاريخية مثل "نوفل بن مساحق" حاكم المدينة فى عام 82 هـ/ 702 م، فى التراث الذى يتعلق بمغامرات قيس، يشير إلى أن هذا الأخير عاش فى تلك الفترة تقريبًا، وهذا هو كل ما يمكن أن يقال عن الموضوع. وسوف يظل مؤلف أو مؤلفو الأشعار التى تنسب إلى المجنون وما يدور حولها من تفسيرات شيئًا مجهولا دائما -ومن المحتمل أن تكون هذه الإبداعات نابعة من رغبة عرب الشمال- الذين يمثلهم "عامر بن صعصعة" فى أن يظهروا أن قصص الحب غير السعيدة ليست شيئًا مقصورًا على هؤلاء الذين فى الجنوب -قبيلة عذرة مثلا- وإنهم يستطيعون أن يفرزوا ما يتماثل مع من يدعى "جميل العذرى".
ومنذ اللحظة التى تحقق فيها للأشعار والأخبار التى تتعلق بالشخصيات الخيالية، هذا الوضع المعيارى، فإنه لا يكون من الصعب أن نتصور الدور الذى لعبه الرواة، والذين يلفقون القصص ذات الخيال المبدع، والذين يتهمهم الأصمعى بأنهم لفقوا هذه القصة، التى تدخل ضمن سلسلة طويلة من الأعمال الخيالية والسير الذاتية التى تصب فى قالب روائى، والتى يقدم لنا "الفهرست" بيانًا مفصلا عنها. .
وقصة المجنون وليلى -مثل كل حكايات العصور الوسطى، لم تأخذ أبدًا شكلا محددا؛ والواقع أن ناقلى التراث من أمثال ابن وهب وعمر بن شبة وابن الكلبى والزُّبير بن بكار، قد بدأوا فى مرحلة مبكرة يكتبون العناصر العديدة المتفرقة لهذه القصص، ولكن الأخبار المنفردة بدأت فى التداول والانتشار شفويا، ويضاف إليها حسب أذواق الرواة. وقد جاء الدليل على ذلك فى
دراسة للمصادر من أجل تنقيح الأغانى الذى يعتبر بعد الشعر والشعراء لابن قتيبة- الأقدم والأكثر تطورا. فقد احتاط أبو الفرج حتى يحيى نفسه من النقاد بأن ذكر الآراء المؤيدة والمعارضة التاريخية (لا أسطورية) للشخصية، ثم جمع -دون اعتبار للتسلسل الزمنى مجموعة من المصادر الشفهية والمكتوبة، والتى بينها تفصيلا أ. ى كراتشكوفسكى فى مقال نشره بالروسية فى ليننجراد عام 1946 م.
ويبدو أن قصة المجنون وليلى قد احتلت الأسبقية على معظم الأعمال الأخرى من نفس النوع وتصدرتها حتى نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) أو أوائل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). . وأن التغنى بالعديد من أشعارها بالإضافة إلى الأهمية التى أولاها إياه كتاب الأغانى لا يتركان مجالا للشك فى أن هذا الرواج الذى تمتعت به بعد ذلك لم يكن شيئًا جديدا.
وفى الأدب العربى اللاحق للأغانى، تتكرر أخبار المجنون فى عدد من الأعمال الأدبية وخصوصًا فى تلك التى تتعلق بقصص الحب الشهيرة "مثل تزيين الأسواق"(لداود الأنطاكى) ولكننا لا نعرف إلا القليل من الدراسات المستقلة بصرف النظر عن "الديوان" واثنين من الأعمال لم يحققا بعد وهما "نزهة المسامر فى ذكر بعض أخبار مجنون بنى عامر" تأليف "يوسف بن الحسن المبرادى"(الذى مات عام 909 هـ/ 1503 م) وكتاب "بسط السامع المسامر فى أخبار مجنون بنى عامر" تأليف "ابن طولون"(المتوفى عام 953 هـ/ 1546 م). . ومما هو جدير بالملاحظة -وإن لم يكن متوقعا أبدًا- ألا تثير قصة المجنون وليلى أى عمل أدبى بالعربية فى العصور الوسطى. . ولم يحدث قبل وقتنا الحاضر أن عالج هذا الموضوع عدد من كتاب المسرح منهم إبراهيم الأحدب وسليم البستانى، وأبو خليل القبانى الذى يبدو أن أعماله لم تمثل بل ولم تطبع. . أما رواية "مجنون ليلى" للكاتب محمد منجى خير اللَّه فقد مثلت فى الإسكندرية ونشرت فى عام 1898 م ولكن أشهر الأعمال فى هذا الصدد هى مسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقى.