الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولست أعرف إذا كان من المهم أن أضع فى نهاية القرن الثانى الهجرى، الثامن الميلادى (إذ لم يرد ذكره فى الفهرست) من يدعى أبو بكر الوليبى الذى ينسب إليه تنقيح ديوان المجنون الذى توجد منه مخطوطات كثيرة، والذى كان موضوع خمس عشرة طبعة عادية، وطبعة واحدة أكثر دقة بقلم أحمد فراج فى القاهرة (1958 م).
والواضح أن محتوى الديوان لا يمكن أن يكون من عمل شاعر واحد وخصوصًا أن هناك ميلا -كما يلاحظ الجاحظ؛ لأن ينسب إلى مجنون ليلى أشعار أى شاعر غير معروف تكون فيها إشارة إلى ليلى- كما أن سميه قيس بن ذريح قد أحدث بعض البلبلة. . وعلى أية حال فإن هذا الديوان -كما يقول "ر بلاشير" R.Blachere- الذى قام بتحليله "لا يمكن النظر إليه على أنه يحتل مكانا ضئيلًا فى دراسة الشعر القديم". .
راجع: طه حسين: حديث الأربعاء و. م. كامل فريد: مجنون ليلى، تاريخه، علاقته بليلى، أشعاره. [ش. بيلات Pellat].
2 - فى الأدب الفارسى والكردى والباشتو
أصبحت أشعار المجنون، وحكايات حبه وافتتانه بليلى (وتنطق فى الفارسية بكسر اللام الأخيرة) جزءا من التراث الأدبى الفارسى أيضا، حيث استخدمت هذه الأشعار بطرق كثيرة. فكثيرًا ما ترد مقتطفات من شعره فى الأعمال النثرية فى فارس، وهو يعد واحد، من أعظم شعراء الحب والعشق. ويشتهر بشعره فى الغزل. وترد اشارات كثيرة إليه وإلى ليلى فى أعمال كثير من الشعراء قبل أن ينظم "نظامى" قصيدته حول قصة حبهما؛ وهذه القصيدة مهمة جدًا بحيث تعتبر فتحا جديدًا فى تاريخ الشعر -ومانوشِهْرى يقارن عيون المجنون وخدود ليلى بمجموعتين من النجوم.
وتوضح هذه الأمثلة -فى البداية على الأقل- أن القصة لا تتعلق على وجه الخصوص بالتصوف، بالرغم من أن الصوفيين -كما نعرف- قد استخدموها كنموذج منذ القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) إلى ما بعد
ذلك. أما بالنسبة لشاعر دينى مثل ناصرى خسرو" (القرن الخامس الهجرى - الحادى عشر الميلادى)، فإن جوهر الموضوع يستحق الشجب لأنه يرمز إلى الحب الدنيوى الفانى وإلى الشعر العابث.
أما تطور هذه القصة لتصبح واحدة من أكثر الموضوعات المحببة فى التراث الصوفى، والتى عولجت فى أعمال لا تحصى كتبت بالفارسية وبلغات كثيرة أخرى، فهذا موضوع يستحق البحث والتحقيق، وكذلك كان المجنون وليلى أيضًا بالنسبة للشعراء نموذجا للحبيبين مثل عديد من النماذج الأخرى: محمود و"اياز"؛ فرهد وشيرين؛ أو الحبيبين اليونانيين وامق وعذرا. ويقول جلال الدين الرومى إن المجنون ومعه فرهد وغيره ينتمون إلى النماذج الأصلية للعشاق الذين يلجأون إلى الجبال والصحراء ويهيمون فيها وحولها بسبب الحب.
وقد كانت "الأخبار" مصدرا ثريا للحكايات والنوادر "التوضيحية" بالنسبة للكتَّاب والشعراء وقد اعتمد عليها أحمدى غزالى، كما اعتمد الكتَّاب اللاحقون على نظرية الحب ومن بين مؤلفى القصائد المثنوية الصوفية ممن يستحق الاهتمام الخاص فريد الدين عطار وفى عام 584 هـ/ 1188 م ألف "نظامى" جانجا بناء على طلب من شروان شاه اخستيان Shirwan Shah Akhsitam " مثنوية ليلى والمجنون" على وزن "هزجى مقبوض محذوف"، وتضم خمسة آلاف بيت وهذا هو الجزء الثالث من مجموع القصائد المعروفة باسم "الخمسة" وقد اختير الموضوع لأول مرة على أنه مادة لقصيدة قصصية فارسية، ولكن هناك سابقة فى معالجة مثل هذا الموضوع ذى الأصل العربى. وهذه السابقة نجدها فى "ورقا وجلشاة" تأليف "عيوقى".
و"ليلى والمجنون" هذه كانت نقطة البداية لسلسلة طويلة من المحاكاة والقصص المماثلة والتى كتبت بكل لغة فى المنطقة ويتضح فيها التأثير الثقافى للأدب الفارسى. وقد اقتبس الشعراء الذين حاولوا محاكاة النموذج الذى وضعه نظامى، معظم محتوياته والوزن كذلك، بل وعناصر من تركيبته مثل
النصيحة التى تقدم إلى ابن الشاعر، والخطاب (الحديث) الذى يوجه إلى الساقى وكل منهما موجود فى مقدمة نظامى ومع ذلك فإن كل من هؤلاء الشعراء قد بذل جهدًا لإنتاج عمل أصلى بإحداث بعض التغييرات فى مشاهد القصص، وبإضافة قصص جديدة أو عن طريق تغيير التركيز من موضوع إلى آخر. .
وقليل من هذه الأعمال التى حاكت ما سبقها هى التى تستأهل أن تكون أعمالا أدبية. . ومن بين هذه الأعمال المجنون وليلى تأليف "أمير خسرو دهلوى" والتى كتبها فى عام 698 هـ/ 1299 م، وهى تحاكى "الخمسة" محاكاة تامة. وهى أقصر من النموذج الذى حاكته (2660 بيتًا)، ولا تركز كثيرًا على الجوانب التعليمية. وهناك عناصر جديدة مثل التكهن بمصير المجنون عند مولده، والرغبة التى أعرب عنها الحبيبان بأن تقتلع أعينهما الغربان النهمة التى تفترس أجساد الموتى بعد معارك العشائر.
وقد أهدى أمير خسرو هذا العمل إلى مرشده الروحى نظام الدين أولياء وإلى سلطان دهلى. كذلك فإن القصيدة الطويلة التى نظمها "جامى" وأتمها فى عام 889 هـ/ 1484 م، كادت تعالج كل محتويات "الأخبار" الأصلية. . فبداية قصة الحب قريبة جدًا إلى التراث العربى (فلم يكن اللقاء الأول فى مدرسة بل فى معسكر عشيرة ليلى). كما أننا لا نستطيع أن نخطئ المعنى الصوفى اللصيق بالقصة، بالرغم من أن القصة (كما هى) قد نالت كل ما تستحقه وفى الأغنية الموجهة إلى السقى فى المقدمة، يحيى "جامى" ذكرى مشايخ النقشبندية والحكام التيموريين الأوائل. وقد كان معاصر و"جامى" ابنا أخيه "هاتفى الشيرازى". . وكانت قصيدة الأول أثيرة لدى الشعراء العثمانيين وقد ترجمت إلى التركية أما قصيدة ليلى والمجنون التى نظمها هذا الأخير فقد ذاعت وانتشرت قراءتها فى الأزمنة الحديثة وطبعت كثيرًا فى كل من إيران والهند. ومع ذلك فقد قوبلت أعمال الأغلبية العظمى من الشعراء الفرس المقلدين بقليل من النجاح. وقصائدهم موجودة. على أقصى تقدير فى نسخ قليلة أو منفردة. ويبدو أن بعضها قد اختفى تمامًا.