المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: الأمثال العربية - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الماتريدى

- ‌المصادر:

- ‌الماتريدية

- ‌الماذرائى

- ‌المصادر:

- ‌الـ ماردينى

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌مارية القبطية

- ‌المازنى

- ‌المصادر:

- ‌مالك بن أنس

- ‌المصادر:

- ‌مالك بن عوف

- ‌المصادر:

- ‌مالك بن نويرة

- ‌المصادر:

- ‌المالكية

- ‌1 - المذهب:

- ‌المصادر:

- ‌انتشار المذهب

- ‌السند القيروانى:

- ‌السند الأندلسى:

- ‌السند العراقى:

- ‌ السند المصرى

- ‌المبادئ والنظرية الفقهية:

- ‌المالكية والمخالفين

- ‌المالكية والتصوف

- ‌الطبقات والمصادر الأخرى للمالكية وأتباعها

- ‌2 - انتشار المذهب:

- ‌الغرب الإسلامى:

- ‌الأندلس:

- ‌أفريقيا وبلاد السودان:

- ‌المصادر:

- ‌مالى

- ‌المصادر:

- ‌المبرد

- ‌ومن أشهر أعمال المبرد:

- ‌المصادر:

- ‌المبرز

- ‌المصادر:

- ‌المبرقع

- ‌المنتقى الهندى

- ‌المصادر:

- ‌متى بن يونس

- ‌المصادر:

- ‌المثل

- ‌أولا: تعريفه

- ‌ثانيًا: الأمثال العربية

- ‌ثالثا: المجموعات العربية

- ‌رابعًا: مجموعات حديثة

- ‌ المصادر

- ‌مجاهد بن جبر

- ‌المصادر:

- ‌مجاهد الموفق

- ‌المصادر:

- ‌مجاور

- ‌المصادر:

- ‌المجتهد

- ‌أولًا: - بالنسبة للسنة:

- ‌ثانيًا: - الشيعة الأمامية الاثنا عشرية:

- ‌المصادر:

- ‌المجرة

- ‌المصادر:

- ‌مجنون ليلى

- ‌1 - زودت المراجع العربية القديمة هذه الشخصية بسلسلة كاملة من الأنساب

- ‌2 - فى الأدب الفارسى والكردى والباشتو

- ‌المصادر:

- ‌3 - فى الأدب التركى:

- ‌المصادر:

- ‌المحاسن والمساوئ

- ‌1 - المجادلات العقيدية (المناظرات):

- ‌2 - المجادلات الدنيوية (مفاخرات، مناظرات):

- ‌كتابات الجاحظ:

- ‌وتبلور فن المحاسن والمساوئ

- ‌الثعالبى وفن المحاسن والأضداد

- ‌المحاسن والأضداد بعد الثعالبى:

- ‌المصادر:

- ‌محكمة

- ‌1 - مدخل عام:

- ‌المصادر:

- ‌2 - الدولة العثمانية:

- ‌(أ) ما قبل إصلاح النظام القضائى

- ‌أثر تدهور الإمبراطورية على المحاكم الشرعية

- ‌(ب) عصر الإصلاح:

- ‌المصادر:

- ‌3 - إيران

- ‌المصادر:

- ‌4 - فى بعض البلدان العربية فى العصر الحديث

- ‌1 - مصر

- ‌المصادر:

- ‌2 - سوريا

- ‌المصادر:

- ‌3 - لبنان

- ‌المصادر:

- ‌4 - العراق

- ‌المصادر:

- ‌5 - فلسطين

- ‌المصادر:

- ‌6 - الأردن

- ‌المصادر:

- ‌7 - المملكة العربية السعودية

- ‌المصادر:

- ‌8 - اليمن

- ‌المصادر:

- ‌9 - دول الخليج

- ‌المصادر:

- ‌10 - مراكش

- ‌المصادر:

- ‌تعديلات القوانين المطبقة فى المحاكم الشرعية

- ‌11 - إندونيسيا

- ‌المصادر:

- ‌محمد [صلى الله عليه وسلم] نبى الإسلام

- ‌المصادر:

- ‌محمد بن إبراهيم بن طهماسب

- ‌محمد بن حازم

- ‌ المصادر

- ‌محمد بن الحسن بن دينار

- ‌محمد بن الحنفية

- ‌محمد بن خلف

- ‌المصادر:

- ‌محمد بن طاهر الحارثى

- ‌المصادر:

- ‌محمد عبده

- ‌المصادر:

- ‌محمد على باشا

- ‌محمد على حاكما لامبراطورية اقليمية (1828 - 1841 م):

- ‌المصادر:

- ‌محمد بن القاسم

- ‌محمد بن محمود أبو شجاع

- ‌المصادر:

- ‌محمد بن مروان

- ‌محمد بن وصيف

- ‌المصادر:

- ‌المحمل

- ‌المصادر:

- ‌مخا

- ‌مخزوم، بنو

- ‌المصادر:

- ‌المخزومى

- ‌المصادر:

- ‌المدائنى

- ‌المصادر:

- ‌مدراس

- ‌1 - التسمية:

- ‌2 - التاريخ:

- ‌المصادر:

- ‌مدين شعيب

- ‌المصادر:

- ‌المدينة الزاهرة

- ‌المدينة المنورة

- ‌تاريخ المدينة حتى سنة 1926 م:

- ‌المدينة من 661 م إلى 1929 م:

- ‌المصادر:

- ‌المرابطون

- ‌1 - أصلهم وتاريخهم فى الشمال الإفريقى:

- ‌2 - سقوط المرابطين:

- ‌مراد، بنو

- ‌المصادر:

- ‌مراسم

- ‌مراسم الخلافة والفاطميين:

- ‌فى أسبانيا الإسلامية

- ‌فى إيران

- ‌فى الامبراطورية العثمانية:

- ‌فى بلاد الهند الإسلامية

- ‌المصادر:

- ‌مرثية

- ‌ فى الأدب العربى:

- ‌ فى الأدب الفارسى:

- ‌فى الأدب التركى:

- ‌فى الأدب الأردى:

- ‌فى الأدب السواحيلى:

- ‌مرج دابق

- ‌المصادر:

- ‌مرداس بن أدية

الفصل: ‌ثانيا: الأمثال العربية

علينا أن نفهم من كلمة "مثل" شيئا أوسع دائرة من:

1 -

المثل بمعناه الغربى، فالمثل يشمل أيضًا:

2 -

الأقوال السائرة، كما يشمل مجموعة واسعة من المقارنات التى تصاغ على وزن "أفعل من".

3 -

الحكم والأقوال التى يمكن أن تصادفها فى "الأحاديث" من قبيل الحكم والأقوال المأثورة بما فى ذلك الشعارات والحكمة الشخصية.

4 -

صنع الكلام الجاهز أو الكلمات والمحاورات -فى صيغة التمنى أو التعجب- التى نستخدمها فى مخاطبة الآخرين وتحيتهم، وفى الصلاة، أى التى نستخدمها فى الكلام بصفة عامة.

5 -

الحكاية الرمزية ذات المغزى الأخلاقى كما هو الحال فى الشرق القديم.

‌ثانيًا: الأمثال العربية

يعد كتاب "الأمثال" لأبى عبيد (ت 224 هـ/ 838 م) أقدم مجموعة أمثال تم تجميعها وهو يضم ما يقرب من 1.400 مثل أو أقل قليلا، ورتبت ترتيبًا منهجيا إذ قسمها إلى تسعة عشر بابا تتفرع إلى 259 فصل فرعيا بالإضافة إلى أحد عشر فصل فى الملحق. ويمكن تقسيم هذه الأمثال إلى ثلاث طبقات:

1 -

أمثال ما قبل الإسلام.

2 -

أمثال نشأت فى فجر الإسلام ومراكزه الدينية السياسية.

3 -

أمثال ترجع إلى فترة حكم الخلفاء العباسيين الأوائل.

1 -

أما أمثال الطبقة الأولى (ما قبل الإسلام) فهى رغم نسبتها لفترة ما قبل الإسلام مستمدة فى معظمها من مرويات فى القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى. ففى سياق التغنى بماضى العرب المجيد والذى شجعته الميول الباكرة المعادية للشعوبية كانت رواية الأخبار والأشعار وبعض الآثار الخاصة بعصر ما قبل الإسلام، تجرى على أشدها فى مراكز الحضر كما كان الطلب عليها شديدًا سواء فى البلاط أو فى مراكز السلطة المختلفة. وأيًّا ما حوت هذه القصص والأخبار من أفكار

ص: 9011

مخالفة للمفاهيم الإسلامية، فهى تبرر نظام الحلال والحرام بأنه كان قائما فى أيام الجاهلية وأنه جدير أن يظل قائما. وتشدد على التضامن بين رجال القبائل مهما كان الثمن فى ظل ظروف الصحراء والصراع من أَجل البقاء "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" ولا بد للأب أن يكون قدوة للابن: من شابه أباه فما ظلم، وكل فتاة بأبيها معجبة، والبدوى فى سعيه الدائب من أَجل مراع جديدة لماشيته التى لا تشبع أبدًا، لا بد أن ينزعج إذا عثر على مرعى ولم يجد ناقته إلى جانبه: عشبٌ ولا بعير، وهو يقيس جودة المرعى بوجود عشب "السَّعدان" المفضل لدى الإبل "مرعى ولا كالسّعدان".

أما الكلام المجازى أو الرمزى فيقف على أرض صلبة للغاية عند الساميين وبصفة خاصة عند العرب ويلعب دورا مهما فى أرقى أشكال الأدب. ومن اليسير على البدوى أن ترد على خاطره صور مستقاة من عالم الحيوان المحيط به. فهو يعرف العادات السائدة فى عالم الحيوانات البرية وردود أفعالها من واقع خبرته الطويلة وملاحظاته، "ما يجمع بين الأدوى والأنعام" وثمة إشارات تشير إلى الإنسان صراحة فيقال إنه لأخدع من ضبٍّ أو يقال "ليس قطًا مثل قُطىٍّ" أو "الذئب يأدو للغزال". وقد يأتى التعبير فى صياغة بدوية فظة "لقد ذلّ مَنْ بالت عليه الثعالب". ويشيع استخدام المقارنة بصيغة "أفعل من، مثل أنْوم من فهد أو إنه لأحذر أو أدهى أو أبصر من غراب".

أ) مثل هذا النوع من الأمثال التى يدور محورها حول الحيوان نجده مرتبطا بالحكايات الخرافية. وقد أنيط -فى هذه الأمثال- بالحيوانات، على اختلافها، القيام بأدوار محددة ومتفق عليها، فالضبع يلعب دور الذكى.

ب) ويوجد نوع من القصص أكثر وفرة من هذه الحكايات الخرافية التى تلعب فيها الحيوانات دور الشخصيات وهى أخبار أيام العرب التى عالجها بصورة خاصة المفضّل الضَّبِّى أو ابن الكلبْى ونحن نعرف "أبطال" هذه

ص: 9012

القصص إما من التراث أو من أنساب العرب، مثل البسوس التى تسببت ناقتها فى نشوب حرب دامت أربعين عامًا بين بنى بكر بن وائل وأقربائهم بنى تغلب بن وائل، أو المنذر أو النعمان ابن المنذر أمير اللخميين الذى قتل الشاعر عبيد بن الأبرص -الذى لم يرتكب ذنبا- حتى لا يحنث فى يمين سبق أن أقسمه وكثير من هذه القصص -وأغلبها قصير- هو فى الأصل حدث حقيقى غير أن الزمان والمكان ظلا غير محددين فيها بوجه عام فالراوى لا يسأل عن استخدام الممر لأول مرة أو كيف تم صكه على الإطلاق، أى أنه لا يهتم بمشكلة "الأوائل". الكثير من هذه القصص تغلفها الأساطير ومن هنا وجدت بعض الموضوعات الذائعة عالميا طريقها إليها، وأغلب الظن أن هذا قد حدث من خلال بلاط اللخميين بالحيرة الذى لعب دور الوسيط فى هذا الشأن. مثال ذلك: صحيفة المتلمِّس، أسطورة زنوبيا، جزاء سنمار، ومن اللافت للنظر أن هذه الأمثال ارتبطت فى بعض الأحيان "بالعماليق"، ومنهم مثلا عرقوب الذى يعد أخاه بوعود وهمية "مواعيد عرقوب" ولعل هذا يذكرنا بقصة يعقوب عيسو فى سفر التكوين. وكثيرا ما نجد أخبارا عن المثل وتفسيرات يختلف بعضها عن بعض اختلافًا شاسعا لأن أصل المثل وأصل معناه قد طواهما النسيان منذ مدة طويلة.

جـ) مما لا شك فيه أن الأمثال التى ثبت أنها وردت فى نقوش أو كتابات ثمود هى أمثال ترجع إلى عصر ما قبل الإسلام. والأمثال التى صاغها شعرا شعراء ما قبل العصر الإسلامى -إذا كانت صحيحة- ترجع إلى نفس الفترة -أما معرفة ما إذا كان الشاعر قد ابتكر هذه الأمثال أو أنها كانت سادية من قبل على الألسن، فهذا أمر يصعب تحديده. مثال ذلك ما ورد فى بيت من الشعر لامرئ القيس من بحر الوافر "وحسبك من غِنًى ودىُّ". أو ما ورد فى شعر للنابغة الذبيانى من بحر الطويل أى الرجال المهذّب أو ما أشبه الليلة

ص: 9013

بالبارحة الذى ورد فى شعر لطرفة من بحر السريع. وقد لوحظ أيضًا وجود أمثال معروفة عالميا فى أشعار هذا العصر.

مثال ذلك المثل الذى يعنى أن العنز (أو الشاة أو الثور) تحفر فى الأرض بحوافرها بحثا عن سكين ذبحها؛ نجد له أربع أوردها أبو عبيد: لا تكن كالعنز تبحث عن المدية كطالب القرن فجُدعت أذنه وله معادل يونانى ورد فى التلمود (عن الجمل) وله صيغ مختلفة فى كليلة ودمنة (الحمار بدلا من الجمل)، كان زهير بن أبى سلمى ميالا لإدخال الأمثلة فى شعره، وكعب بن سعد الغنوى الذى عاش حتى ظهور الإسلام كان يلقب بكعب الأمثال. ومعظم هذه الأمثال هى من فئة الأقوال المأثورة مثل ما جاء فى شعر زهير. . . ومن لا يظلم الناس يُظلم.

د) والمرجح أن الأمثال من هذا النوع قد سبق أن سجلت كتابة فى العصور القديمة بوصفها "حكمة" وذلك على لفافات صغيرة من الجلد أو الرق أو البردى أو سعف النخيل أو العظام أو الألواح الخشبية أو الأحجار. وعادة ما ترد هذه الحكم فى القرآن الكريم على لسان لقمان (سورة لقمان)، كما وردت بعد ذلك فى "سفر الأمثال" لسليمان فى العهد القديم، وكذلك العربى القديم أكثم الصيفى. إذ نجد مجموعة صغيرة من أمثاله فى كتب الأدب مثل كتاب المعمرين لأبى حاتم السِّجستانى، وذلك جنبًا إلى جنب مع أمثال الساسانى وزير يزدجِمْهرِ فى كتاب العِقْد الفريد لابن عبد ربه. ومن أمثال أكثم إنك لا تجنى من الشوك العنب.

2 -

ولقد كان تشكل الجماعة الإسلامية الفتية لتصبح مجتمعا جديدا إنما جاء نتيجة للكلمة. وينعكس هذا فى أمثال الطبقة الثانية فى صدر الإسلام فقد تم تطويع التراث الوثنى لهذه الطبقة وإدماجه، وملئت المفاهيم القديمة بمعان جديدة أو أضيف إليها أو تم تغييرها أو أعيد صياغتها بطرق مختلفة. فالأخ فى الجاهلية -على سبيل المثال- أصبح أخا فى الإيمان أى أخا فى الإسلام. فإذا كانت الصيغة الشائعة حتى ذلك الوقت هى "أخوك من

ص: 9014

صدقك" فإن النبى [صلى الله عليه وسلم] الآن يقول "المؤمن مرآة أخية" أى يصارحه بما يرى أو بصورة أخرى صريحة "رحم اللَّه رجلا أهدى إلىّ عيوبى".

والتضامن العربى القديم فى القضايا -سواء أكانت صوابا أم خطأ- أصبح تفسيره هو معاونة الأخ حين يكون على صواب ومنعه من الوقوع فى الخطأ. وبهذه الطريقة أمكن للحكمة القديمة التى يوافق عليها الرسول أن تعيش وأن تتطور على يديه. لقد أدرك النبى [صلى الله عليه وسلم] قوة الكلمات "أن من البيان لسحرا".

أ) عدد الأمثال من هذا النوع التى تنسب إلى على بن أبى طالب -ومعظمها حكم وأمثال مأثورة- ضخم كما هو معروف. وثمة مجموعة ذائعة على نطاق واسع تضم مائة حكمة ولها ترجمة فارسية وأخرى تركية "اللغة البهية"(استانبول 13020 هـ/ 1884 م).

ب) وإلى هذه الفترة تمتد جذور الأمثال التى هى أقرب ما تكون إلى تعابير الكلام الجاهزة ولا يخلو منها لفظ الجلالة نجدها فى مجموعات الأمثال مسبوقة بكلمة "من دعائهم"، مثال ذلك "بلغ اللَّه بك أكلأ العمر" أى مد اللَّه فى عمرك، ومن الأمثال ذات المعنى السلبى "جدع اللَّه مسامعه" صم اللَّه أذنيه.

جـ) والمثل القديم "أنجز حر ما وعد" يصح سريانه فى الإسلام شأنه شأن المثل القائل "آفة المرء خلف الوعد" وإن كان الاستشهاد بهما يأتى فى مقام الكلام العادى فحسب مثل الصيغة الإسلامية لنفس المعنى "الوفاء من اللَّه بمكان"[إنه كان صادق الوعد. . . القرآن الكريم مريم 54] وإذا كان من الجائز حتى ذلك الوقت ترديد المثل "ليس عبد بأخ لك" أى لك أن تعامله كيفما تشاء بأن المسلم الآن يردد المثل القائل "عبدُ غيرك حرُّ مثلك" أو "ساواك عبدُ غيرك" كذلك كان لانتصارات المسلمين على الكفار أثر فى بث الثقة فى نفوسهم، فيقولون "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" وهو حديث نبوى.

3) كان من شأن إضفاء الطابع العربى على مناطق الشرق الأدنى ذات

ص: 9015

الحضارات القديمة بعد أن فتحها الخلفاء الراشدون -إثراء الأمثال فى هذه المناطق ثراء عظيمًا، وذلك إما بابتداع أمثال جديدة أو باستعارة أمثال قديمة أو تطويرها، وهذا النوع من الأمثال يشكل الطبقة الثالثة للعصر العباسى الأول من الأمثال وتمتد جذورها حتى عصر أبى عبيد أى إلى أوائل العصر العباسى.

أ) فقد سمح أبو عبيد لكثير من هذه الأمثال أن ترددها أفواه الناس خلال تبادل الأحاديث. وبدأ يرصد من حين إلى حين ما يطلق عليه "من أمثال العوام أو العامة" أو "ابتذلته العوام أو العامة أو الناس" مثال ذلك "اسمع جعجعة ولا أرى طحنا" أو "إن البغاث بأرضنا يستنسر" أى أن الطائر الصغير يلعب دور النسر. أو "بعتُ جارى ولم أبع دارى أو أكلًا وذمًّا" أو "الناس شجرة بَغْى".

ب) وإذا كان من الجائز القول -بوجه عام- إن نظائر الأمثال العربية فى اللغات والثقافات الأخرى القريبة منها تكون أكثر ظهورا كما كانت هذه الثقافات يافعة، فإن التساؤل حول ما إذا كان هذا المثل أو ذاك قد صك صكا جديدًا أو استعير أو صيغ على منوال مثل قائم بالفعل هذا التساؤل يظل -فى كثير من الحالات- بغير جواب. ذلك أنه لا يكاد يوجد فرق بين الخلفية أو المحيط الاجتماعى الذى نشأ عليها مثل ما من الأمثال وذلك الذى نشأ فيه آخر. وفى حالة ما إذا تبادر إلى الذهن -بصورة تلقائية- وجود تشابه أو برز وجه من وجوه المقارنة فلا يعنى هذا أن ثمة نموذجا أجنبيا صيغ على منواله هذا المثل أو ذاك بالضرورة. ولكن إذا ما لاحظنا وجود مجاز نادر فعندئذ علينا أن نفترض -بقدر أكبر من الترجيح- أن تعديلا ما قد أدخل على مثل أو حكمة أجنبية مثال ذلك:"إن كنت ريحا فقد لقيت إعصارا". فهو مثل له ما يشبهه -مع تغير طفيف فى المعنى- فى العهد القديم، بل وربما فى العهد الجديد أيضًا. وثمة احتمال كبير فى أن المثل القائل "صار الأمر إلى النزعة"[أى عاد الأمر إلى أهله] له نظيره فى الآيكنية. ولكن المشكلة تبدو أكثر صعوبة فى حالات أخرى، مثل: "من

ص: 9016

استرعى الذئب ظلم" وهو قول شائع فى اللغة اليونانية القديمة، وكذلك فى الانجليزية والفرنسية أما الرومان فلديهم الصقر الذى يعهد إليه بالحمائم. فنحن لا نملك إزاء هذه الأمثلة سوى تسجيل التشابه بين النظائر.

ولقد أضاف جامع الأمثال العرب فى القرون الثلاثة التالية أمثالا أخرى على الأمثال التى جمعها أبو عبيد من الطبقات الثلاث بحيث بلغ ما جمعوه خمس أضعاف العدد الأولى أى وصل إلى ما يقرب من 7000 مثل من هذه الأمثال يوجد أكثر من 1.200 مثل بصيغة، "أفعل من" وأكثر من 1.500 مثل يطلق عليها العم "الأمثال المولَّدة" -وأما الفئة الأولى فقد ظهر معظمها فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى، والفئة الثانية ظهرت فى القرنين التاليين. ومن الواضح أنها تنطوى على أفكار "جوّالة" ومتداولة عالميا.

4 -

الأمثال فى صيغة "أفعل من" سوف تتداعى إلى أذهاننا لو أننا اطلعنا على المثل القائل أخْرق من ناكتة غَزْلها وهو تشبيه نجده فى القرآن الكريم (النحل - 92)، كما يتداعى إلى أذهاننا "سيزن" لو أننا اطلعنا على المثل القائل أطمع من قلب لصخرة. وقد تكاثر هذا النوع من الأمثال بصيغة أفعل من حتى يومنا هذا، ونجدها تستخدم النعوت (من ذكاء أو غباء) والأسماء (جحا)، والألعاب والحيوانات والنباتات، مثال ذلك: أمْحل من حديث خرافة" أى حافل بالأخبار المختلفة مثل حكايات خرافة.

5 -

أمثال مولَّدة: إذا ذكرت الذئب فالتفت مثل يذكرنا بمثل لا تينى بنفس المعنى، وقد سبق أن ذكره أبو عبيد ولكن فى صيغته التجريدية "أذكر الغائب يقترب" أو "غائبًا تره" وثمة مثل فى الانجليزية شبيه به يقول "اذكر ملاكًا تسمع أجنحته" وهناك أمثلة ذات شهرة دولية منها "إن للحيطان آذنا" فله نظيره فى المدراشى [التفسير اليهودى التقليدى للتوراة] والفارسية، كما أن المثل الانجليزى يقول "للجدران آذان" أو "إذا كنت سندانا فاصبر وإذا كنت مطرقة فأوذع" فله شبيهه

ص: 9017

بالانجليزية "المطرقة والسندان" أو "فرّ من المطر وقعد تحت الميزاب" وله نظيره فى الأمانية الانجليزية. أو "الحركة بركة" وشبيهه فى الانجليزية فى الحركة بركة، ويندرج تحت هذه الطائفة أمثلة لا تعد مولَّدة تمامًا مثل:"إن كنت كذوبا فكن ذكورا" وله نظيره فى الانجليزية "على الكاذب أن تكون ذاكرتة قوية" وكذلك فى اللاتينية، أو "كالسّاقط بين الفراشين" وله شبيه فى الانجليزية واللاتيتية.

6 -

بوسعنا أن نجد فى مجموعة الأمثال التى جمعها الميدانى أمثال مجهولة المصدر وهى مستقاة من العهد الجديد، وبصفة خاصة من "موعظة على الجبل" منها أمثال وثيقة الصلة بل تكاد تتطابق حرفيا مع نص العهد الجديد، ومنها أمثال لا تنقل سوى المعنى فحسب. فنحن نجد أمثالا قريبة الشبه بما جاء فى إنجيلى متى ولوقا مثل "كيف تُبصر القذَى فى عين أخيك وتدع الجذْع المعترض فى عينك" ومثل (يعد. يعقد) فى مثل الصؤاب [بيض القمل] وفى عينه مثل الجّرة.

7 -

والأخبار التى تروى عن الأمثال إما أنها اسطورة دنيوية أو حكاية دينية أو خرافة أو طرفة من الطرائف، أو نادرة عن النوادر والكثير من الأمثال لو تتبعنا أصولها لوجدناها -من حيث فكرتها المحورية- مستقاة من أفكار وموضوعات "جوالة" عبر العالم. ومن الحقائق اللافتة للنظر أن جامعى الأمثال لم يسجلوا حكاية ومثلا له صلة بالأحداث التى وقعت بعد الخليفة المهدى.

8 -

وقد لاحظ جامعو الأمثال الوانا من الأمثال يتردد على الألسنة فى بقاع محلية بعينها كأن يتردد فى سوريا أو عمان أو المدينة أو مكة أو البصرة. ومن الطريف أن نعلم أن كلمة يونانية معينة كانت منتشرة فى سوريا فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى وتشبه تعبير أوكى المتداول فى عصرنا الحاضر. وكان جامعو الأمثال يعترفون -أحيانًا- بأن معنى المثل غامض أو أن رجل الشارع يستخدمه دون أن يفهمه أو أنهم غيروا المثل القديم، مثال ذلك قد يروى أحدهم المثل "تجوع الحُرة ولا

ص: 9018

تأكل بثديَيْها" ولكن بتحريف ليصبح "لا تأكل ثديَيْها" وهو مثل لا معنى له.

9 -

بما فى ذلك الشكل الداخلى -أى تشكيل الأفكار- والشكل الخارجى الذى يتجسد فى التشكيل اللغوى والأسلوبى وخصائص الوزن وهناك أشعار لها شهرة واسعة وحازت الإعجاب يقتبسها الكثيرون وتسمى "الأبيات السائرة"، وقد جمعت فى مجموعات خاصة منها على سبيل المثال: مجموعة حمزة الأصفهانى "كتاب الأمثال الصادرة عن بيوت الشعر"، وثمة شعراء استخدموا الكثير من هذه الأبيات السائرة فى أشعارهم، منهم صالح بن عبد القدوس أو أبو العتاهية. والأقوال المجازية فى ديوان المتنبى قد سبق أن استخرجها وجمعها الطالقانى فى بلد الشاعر نفسه وقد انتشرت مثل هذه الأبيات السائرة والأمثال انتشارا واسعا فى الأدب العربى بأكمله ونجدها بكثرة بوجه خاص فى أدب الأدباء بدءا من الجاحظ وحتى الثعالبى وبدءا من شعراء المقامات وحتى أصحاب الموسوعات -فى فترة ما بعد المغول- مثل النويرى والسيوطى وبهاء الدين العاملى.

10 -

أما عن الأمثال التى وردت فى القرآن الكريم أو فى الحديث النبوى الشريف وتسمى بـ "الأمثال النبوية" فقد تناولتها كتب خاصة بها مثل "المثل من الكتاب والسنة" للحكيم الترمذى. القرن الثالث الهجرى/ القرن التاسع الميلادى و"كتاب المثل" لمحمد الرامهمزى (ت حوالى 360 هـ/ 970 م) وكتاب المثل لأبى الشيخ (ت 369 هـ/ 979 م)، وكتاب "المثل فى القرآن الكريم" لابن القيم الجوزية (ت 751 هـ/ 1350 م)، و"أمثال الحديث" لعبد المجيد محمود، و"الأمثال النبوية" لمحمد الغَزَوى.

أ) وقد صدرت حديثًا كتب تناولت "الحكمة" المستقاة من المصادر الكلاسيكية، منها الغربى ومنها العربى مثل "أدب الفلاسفة الحنين بن اسحق - اختصار محمد بن على الأنصارى (ت قبل 594 هـ/ 1198 م) تحقيق

ص: 9019