الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن عشر: صلاة الجمعة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9] بهذا النص الصريح القاطع شرَّع الإسلام صلاة الجمعة وفرضها على كل من يؤمن بالله ورسوله وكتابه، غير أن الأكثرية من فقهاء الشيعة - سامحهم الله - اجتهدوا أمام النص الصريح وقالوا بالخيار بين صلاة الظهر والجمعة، وأضافوا أن شرط إقامة الجمعة إنما هو حضور الإمام الذي هو الإمام " المهدي " ففي عصر الغيبة تسقط الجمعة من الوجوب العيني، ويكون للمسلمين الخيار في الإتيان بها أو بصلاة الظهر، وقالت فئةٌ أخرى من فقهائنا: إن صلاة الجمعة حرام في عصر الغيبة ويقوم مقامها صلاة الظهر، وهناك قلة من فقهائنا وبعضهم في القمة مثل الشيخ حر العاملي صاحب كتاب (وسائل الشيعة) الذي أفتى بوجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة، ولا أريد أن أدخل أيضاً في جدل فقهي عقيم لم يحل منذ ألف عام عند فقهاء المسلمين ولن يحل إذا ما أردنا أن نتحدث بلغة الروايات التي يستند عليها فقهاء الشيعة، إن كل ما قيل ويقال في إسقاط صلاة الجمعة في عهد غيبة الإمام يصطدم بنص صريح لا اجتهاد فيه، وذلك إذا كنا ملتزمين بدستور الإسلام، فنحن أمام دستور ثابت وصريح وواضح، لم يكن مقيداً بقيود أو مشروطاً بشروط، ولست أدري كيف استطاع فقهاؤنا أن يجتهدوا في نص قرآنيّ بليغ وواضح بالاستناد إلى روايات نسبت إلى أئمة الشيعة، وموقفي من هذه الروايات كلها الموقف نفسه بالنسبة لكل الروايات الموضوعة، فأنا لا أشك أبداً بأن كثيراً من تلك الروايات وضعت في العصر الأول من الصراع بين الشيعة والتشيع وذلك كي يمنع الشيعة من الحضور في صلوات الجمعة التي هي في حقيقتها تظاهرة إسلامية كبرى وعدم الاختلاط بسائر الفرق الإسلامية والمشاركة معها في شعار الإسلام العظيم.
وهناك دليل واضح لما ذهبت إليه من الرأي، قد خفي على كل أولئك الذين كتبوا في صلاة الجمعة وأرخوها، وهو: أن ملوك الصفويين الذين كانوا حماة التشيع في إيران وكثير من البدع التي ألصقت بالتشيع إنما ألصقت به بمباركتهم وسياستهم كانوا من أشد أنصار صلاة الجمعة وأكبر المساجد الإيرانية وأضخمها بنيت في عهد ملوك الصفويين، وكان المسجد الرئيسي يسمى " مسجد الجمعة " ولا يوجد مدينة كبيرة في إيران إلا وفيها مسجد من هذا الطراز وكان إمام المسجد يلقب (إمام الجمعة) ويعين بمرسوم خاص من الشاه وكان هذا المنصب منصباً محترماً يناط بكبير العلماء أو شيخ الفقهاء في كثير من الأحيان، وكان هذا المنصب موجوداً في بلاط الأسرة المالكة حتى أن انقرضت الملكية في إيران قبل بضع سنوات ويعني هذا أن فكرة حرمة صلاة الجمعة في عصر الغيبة لم تطرح إلا في بلاد كان الاحتكاك شديداً فيها بين الشيعة وغيرها من الفرق الإسلامية الأخرى، حتى تثني الشيعة من الالتحام بالركب الإسلامي الموحد ولكن في إيران حيث كانت الأكثرية من الشيعة فإن الفقهاء لم يعارضوا صلاة الجمعة وكانت تقام في مساجد البلاد بطولها وعرضها، غير أن فكرة الخيار بين الجمعة أو صلاة الظهر كانت موجودة فقهياً وكانت هناك في المدن الإيرانية مساجد تصلى فيها الجمعة وأخرى تصلى فيها صلاة الظهر.
وحتى كتابة هذه السطور فإن بعض فقهاء الشيعة من الأحياء يفتون بوجوب صلاة الجمعة وعدم سقوطها في عصر الغيبة ولكن عدد هؤلاء لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة وكانوا عبر التاريخ الفقهي يعدون بين القلة القليلة، وبعد أن استلم الفقهاء السلطة في إيران أصبحت صلاة الجمعة في ضمن سياسة الدولة الأساسية، وعينت ولاية الفقيه لكل مدينة إماماً يسمى (إمام الجمعة) كما كان يفعل الشاه من قبل، واستحدثوا تسمية جديدة لها وهي " الصلاة العبادي السياسي " فالخطباء في خطبة صلاة الجمعة يتحدثون عن قضايا الساعة والسياسة ومشاكل البلاد وسواها ولا يعني أبداً ماذا يقال في خطبة الجمعة، لأن المهم هو العمل بالفريضة، أما ما يقوله الخطباء فهذا شيء يعود إليهم، ولكن الذي يعنيني أن صلاة الجمعة لا زالت متروكة في كثير من المناطق التي يسكنها الشيعة خارج إيران ولا يصلونها يوم الجمعة في مساجدهم ومن هنا أود أطلب التصحيح والقضاء على هذه الظاهرة التي تتناقض مع روح الإسلام وأهدافه ونص القرآن الكريم.
التصحيح:
إذا ترك الإتيان بهذا الفرض إلى أئمة المساجد في المناطق التي تسكنها الشيعة، فهذه الفريضة تبقى متروكة لقرون أخرى لأن أئمة مساجد الشيعة في كثير من الأحيان يأتمرون بأمر فقيه أو مرجع من مراجع الشيعة، وإمام كهذا لا يستطيع أن يخرج من فتوى المرجع الذي نصبه في هذا المقام، ولاسيما أن حياته المادية منوطة بعمله والإطاعة لمولاه، ولذلك فإن على القاعدة الشيعية أن تفرض على أئمة مساجدها صلاة الجمعة، وأن تطلب منهم الإتيان بهذه الفريضة وإذا لم يستجيبوا فعليهم أن يصلوا في مساجد أخرى تصلى فيها الجمعة فهذه الفريضة الإلهية لا تسقط بحال، ويجب الإتيان بها في كل الأحوال، وإني لا أشك أبداً أن الطبقة الواعية المثقفة من أبناء الشيعة إذا ما التزمت بهذا الشعار الإسلامي العظيم فإنها ستقضي على مظهر كبير آخر من مظاهر التفرقة التي نهى الله ورسوله الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عنها وهم بذلك يجددون عصر الوحدة الإسلامية الكبرى ويكونوا من حماته.
المصدر:
الشيعة والتصحيح لموسى الموسوي - ص88
لا يوجد - حتى - نص متشابه يسوِّغ تركها وتعطيل حكمها، إنما عطلوا نصاً قرآنياً صريحاً بوجوب إقامتها، لا يمكن تأويله أو صرفه عن دلالته، ولا ناسخ له، ولا يوجد نص في القرآن كله عن أي صلاة أخرى يوازيه في صراحته وقوة دلالته. واتبعوا في تعطيله شبهات، يمكن اتباعها لتعطيل أي حكم شرعي!
يقول تعالى عن صلاة الجمعة بصراحة ووضوح: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9] ومن عظمتها عنده سبحانه أطلق عليها اسم (ذكر الله). فصلاة الجمعة خصوص ذكر الله. ومن أعرض عن (ذكر الله) فهو من الخاسرين. كما أخبر تعالى في سورة (المنافقون) التي تلي سورة (الجمعة) فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم [المنافقون: 9 - 10] والمنافقون يمتازون بصفتين: لَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَاّ وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَاّ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: 54]. وأعظم الصلاة صلاة الجمعة (ذكر الله). وإليها الإشارة والتمييز بقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت: 45]. فالتثاقل عنها أو تركها سهواً ولهواً عادة المنافقين. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: ((من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه)) (1). وقال: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين)) (2).
فكيف بمن يعطلها ويتركها ويدعي أن هذا (النفاق) من الشرع!
بل وصل الأمر إلى حد تفسيق من يصليها. كما حصل عندنا مؤخراً عندما أفتى أحد المجتهدين بوجوب إقامتها، وتفسيق تاركها. فقوبل بفتوى تساويها في المقدار وتعاكسها في الاتجاه!
أما صلاة الجمعة في إيران اليوم فإنما هي على أساس الوجوب التخييري، وجود الإمام العادل عندهم!!
ولو سأل سائل عن دليل حرمة صلاة الجمعة، وتعطيل النص القرآني الصريح
الوارد في وجوب إقامتها؟ فالجواب هو:
إن (الإمام) غائب، والحاكم غير عادل. وعدالة الحاكم تتأتى إما من كونه (الإمام المعصوم) أو (نائبه).
وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المنادي المشار إليه في الآية (إذا نودي) هو (الإمام)، وأن المقصود بهذا الإمام المحتمل هو (الإمام المعصوم)!
ولا شك أن هذه شبهة لا تخطر إلا على بال النوادر من البشر! وذلك بعد طول تفكر واعتصار للفكر. والدين لا يقوم على الوساوس والخطرات. ودعائمه لا تهدم بالشبهات. إن المنادي للصلاة هو المؤذن. وجاء التعبير بالبناء للمجهول (نودي) إشارة إلى عدم اعتبار من هو المنادي! بل إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] مجرد نداء من أيٍ كان!
إن شرط (الإمام) ثم استحداث شرط (النائب) مؤخراً أو ما يسمى (بالحاكم العادل) غير موجود في كتاب الله، ولا جاء عن رسول الله، ولا عن علي، ولا غيره من أئمة الدين. إنما هو اجتهاد متأخر لبعض العلماء، دون استناد إلى دليل (ولم يعرف عن أحد من علماء القرن الثالث والرابع قولاً بمقاطعة صلاة الجمعة باعتبار فقدانها لشرط وجود الامام أو إذنه الخاص).
(1) رواه أبو داود (1052) ، والنسائي (3/ 88)(1369) ، والحديث سكت عنه أبو داود، وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (4/ 583): له –طرق- صحيح. وقال ابن القيم في (أعلام الموقعين)(4/ 334): إسناده جيد. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) و ((صحيح سنن النسائي)): حسن صحيح.
(2)
رواه مسلم (865). من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما.
وظل الشيعة يصلون الجمعة إلى منتصف القرن الخامس الهجري. وتحديداً إلى عام (451) هـ أي بعد ذهاب آخر (إمام) بحوالي قرنين من الزمان! وكان أئمة الإسلام كالإمام جعفر بن محمد رحمه الله، وغيره من الأئمة يصلونها في مساجد المسلمين الجامعة. مع أن الحاكم - حسب التفسير الإمامي - لم يكن عادلاً! فما الفرق بين (الإمام الغائب) و (الإمام) المقهور غير المتصرف؟ وما الفرق بينه وبين (الإمام) إذا كان في إقليم آخر، وهو مقهور غير متصرف؟ إذ هو غائب - بكل ما في كلمة غائب من معنى- عن الأقاليم الأخرى. بل لا معنى لوجوده في أي مكان يحل فيه إذا كان ممنوعاً من التصرف مقهوراً-كما يقولون-
فهل كانت الجمعة أيام (الأئمة) ساقطة عن الناس؟ ولماذا تأخروا قرنين من الزمان حتى يعطلوها؟!!
إن هذه المدة المتطاولة ما هي إلا (فترة حضانة) لا بد منها لولادة الفكرة ونضوجها! وإلا فلو كانت من الدين أصلاً لظهرت في حينها تواً ولم تتأخر طيلة هذه المدة قطعاً. مثلها كمثل ولادة فكرة إعطاء خمس المكاسب إلى الفقيه، ليتسلمه نيابة عن (الإمام). إذ لم تظهر إلا بعد قرون! والعجيب أنهم جعلوا الفقيه ينوب عن (الإمام) في أخذ (الخمس)، ولم يجعلوه نائباً عنه في أداء صلاة الجمعة!! مع أن (الخمس) - حسب اعتقادهم - حق خالص لـ (الإمام) - وحق الإنسان لا يجوز التصرف فيه دون إذنه - وصلاة الجمعة حق خالص لله تعالى، لا دخل لأحد من الخلق فيه!
وفي كلتا الحالتين أجازوا لأنفسهم التصرف فيما لا يحل لهم التصرف فيه!
فمن ناحية أسقطوا حق الله سبحانه دون إذنه. وهو اعتداء عظيم وجرم كبير على حد الشرك بالله. كما قال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ [الشورى: 21]. ومن ناحية أخرى تصرفوا في حق (الإمام) دون إذنه! ولا شك أن ذلك غير جائز، كما لا يجوز لأي إنسان أن يتصرف في مال الغير في غيبته بحجة المصلحة دون إذنه الصريح.
ولأجل هذا كانت الفتوى عند قدماء فقهاء الإمامية بعدم جواز التصرف في أموال (الخمس) من قبل الفقهاء! يقول الشيخ المفيد (ت 413) هـ: إن الخمس حق لغائب لم يرسم فيه قبل غيبته رسماً يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه إلى وقت إيابه).
والسبب في تعاكس الحكمين هو أن (الخمس) أمر نفعي، وصلاة الجمعة أمر عبادي. طبقاً للقاعدة أو المنهج الذي ذكرناه عن الإمامية في أول الفصل، في تفسيرهم للنصوص المتعلقة بالمسائل العملية. فما كان متعلقاً بالمال وسَّعوه، وما كان متعلقاً بالعبادة ضيقوه. وكلا الأمرين سلكوا إليه سبيل الشبهة والظن وما تهوى الأنفس.
المصدر:
المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل طه حامد الدليمي