الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع عشر: مسائل الرضاع والطلاق:
قالوا: إن شرب الطفل اللبن خمسة عشرة مرة متوالية يشبع الطفل بكل منها يثبت الحرمة (1)، وإن لم تكن متوالية لا يثبت الحرمة، وإن شبع الطفل بكلّ (2)، مع أن الحكم كان في الابتداء عشر رضعات يحرمن، ثم نسخ وثبت ذلك بإجماع الأمة (3)، وأما قيد التوالي وزيادة الخمس على العشرة، فلم يكن في كلام الله تعالى أصلاً، بل هي من مخترعاتهم، وإبقاء الحكم المنسوخ تشريع من عند أنفسهم، مع أنهم يروون عن الأئمة أن شرب اللبن مطلقاً موجب للحرمة؛ لأن المقام مقام احتياط، وصرح شيخهم المقداد في (كنز العرفان) في بحث كفارة اليمين بوجوب العمل بالأحوط في أمثال هذه المواضع (4).وقالوا: لا يقع الطلاق بغير اللغة العربية (5)، وهو باطل لما قدمنا من أنه لا دخل للغات في العقود. وقالوا: إن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق، أو طلاق، لا يقع، ولو قال ذلك ألف مرة، وإنما يقع إذا قال: طلقتك، مع أن الشارع قد عدّ هذه الصيغ من الطلاق الصريح، وإن كان أصل وضعها للإخبار، وهم قائلون بوقوع الطلاق فيما إذا سأل رجلٌ آخرَ: هل طلقت فلانة؟ فقال: نعم، مع أن الصريح فيه الإخبار (6)، وإلا فكيف يقع في جواب الاستفهام؟.وقالوا: لا يصح الطلاق إلا بحضور شاهدين كالنكاح (7)، مع أن المعلوم قطعاً من الشرع أن الإشهاد في الرجعة والطلاق مستحب قطعاً؛ للنزاع المتوقع، لا أن حضور الشاهدين شرط في الطلاق أو الرجعة كما في النكاح، وهو ما عليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والأئمة. وقالوا: لا يقع الطلاق بالكنايات، إن كان الزوج حاضراً، مع أنه لا فرق بين حضوره وغيبته (8)،
(1) وينسبون ذلك إلى أئمة أهل البيت كما روى الطوسي عن عمر بن يزيد قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: خمسة عشر رضعة لا تحرم ". ((تهذيب الأحكام)) (7/ 314).
(2)
قال المفيد فيما نقله عنه تلميذه الطوسي: " الذي يحرم من الرضاع عشر رضعات متواليات لا يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى ". ثم روى عن الصادق أنه قال: " لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشد العظم ". ((تهذيب الأحكام)) (7/ 312).
(3)
من ذلك ما أخرجه ((مسلم)) عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: ((كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن)). كتاب الرضاع، باب التحريم خمس رضعات (2/ 1075)(1452). وينظر التفاصيل الفقهية عند ابن حزم، ((المحلى)) (10/ 13) ، ابن قدامة ((المغني)) (8/ 138) ، الكاساني ((بدائع الصنائع)) (4/ 7).
(4)
وحرموا ما لم يحرم الله عز وجل، فعندهم إن المولود إذا بلغ لا يحل له الزواج من (القابلة) التي أشرفت على ولادته أو الزواج من ابنتها لأنها تصبح من ضمن المحرمات عليه، حالها كحال الأم من الرضاعة، كما ثبت ذلك في رواية نسبها ابن بابويه عن الصادق، ((من لا يحضره الفقيه)) (3/ 410).
(5)
كما قرر ذلك ابن إدريس، ((السرائر)) (2/ 278)، قال (المحقق) الحلي:" ولا يقع الطلاق بالكناية ولا بغير العربية مع القدرة على التلفظ باللفظة المخصوصة ولا بالإشارة إلا مع العجز عن النطق ". ((شرائع الإسلام)) (3/ 17).
(6)
وهذا ما قرره (شيخ الطائفة) الطوسي، ((النهاية)) (ص512) ، ابن حمزة، ((الوسيلة)) (ص 325).
(7)
قال ابن بابويه: "باب الطلاق، اعلم أن الطلاق لا يقع إلا على طهر من غير جماع بشاهدين عدلين في مجلس واحد بكلمة واحدة، ولا يجوز أن يشهد على الطلاق في مجلس رجل، ويشهد بعد ذلك الثاني ". ((المقنع)) (ص 113).
(8)
قال (شيخ الطائفة) الطوسي: " إذا كتب بطلاق زوجته ولم يقصد بذلك الطلاق لا يقع بلا خلاف، وإن قصد به الطلاق عندنا أنه لا يقع به شيء " .. ((الخلاف)) (2/ 449).
بل هو خلاف قاعدة الشرع، فإن الشارع لم يعتبر في إيقاع الطلاق حضور الزوج وغيبته قط. وقالوا: إن نكح المجبوب - وهو مقطوع الذكر فقط - امرأة، ثم طلقها بعد الخلوة الصحيحة لا تجب العدة عليها، مع أنهم قائلون بثبوت نسب الولد من هذا الرجل إن ولد منها (1)، فاحتمال العلوق من هذا الرجل ثبت أيضاً عندهم، فكيف لا يجب عليها عدة؟.وقالوا: لا يقع الظهار إذا أراد الزوج بإيقاعه إضرار زوجته بترك (126/ ب) الوطء (2)، مع أن الشارع قصد سد باب الإضرار بإيجاب الكفارة على المظاهر، فلو لم يقع الظهار، ولم يجب شيء في الإضرار، لزم المناقضة في مقصود الشارع، ومع ذلك فقولهم مخالف لنص الكتاب والأحاديث والآثار، فإنها وردت بلا تقييد، وهي ثابتة في كتبهم الصحيحة. وقالوا: إن عجز المظاهر عن أداء خصال الكفارة - من تحرير رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا - فليصم ثمانية عشر يوماً (3)، وهذا القدر من الصوم يكفيه، ولا يخفى أن هذا قول من تلقاء أنفسهم، وحكم لم ينزله الله تعالى. وقالوا: يشترط في اللعان كون المرأة مدخولاً بها (4)، مع أن لحوق العار بتهمة الزنا أكثر من غير المدخول بها، وقد تقرر أن اللعان لدفع التهمة، وأنه أيضاً مخالف لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ [النور:6] فقد ورد بغير تقييد بالدخول.
المصدر:
غرائب فقهية عند الشيعة الإمامية لمحمود شكري الألوسي
(1)((شرائع الإسلام)) (3/ 132).
(2)
قال المرتضى: " ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الظهار لا يثبت حكمه إلا مع القصد والبينة ". ((الانتصار)) (ص141)؛ العاملي ((اللمعة الدمشقية)) (5/ 299).
(3)
والروايات في كتبهم منسوبة إلى الأئمة ليس في هذه المسألة فقط، بل في كل كفارة فيها صيام شهرين متتالين أو إطعام ستين مسكيناً، ككفارة الجماع في نهار رمضان، وكفارة القتل الخطأ، والرواية أخرجها الكليني، ((الكافي)) (4/ 385) ، الطوسي ((تهذيب الأحكام)) (4/ 205) ، ابن بابويه، ((من لا يحضره الفقيه)) (2/ 332). قال ابن بابويه:" ومتى عجز عن إطعام ستين مسكيناً صام ثمانية عشر يوماً ". ((من لا يحضره الفقيه)) (3/ 527).
(4)
قال الطوسي: " ولا يكون اللعان بين الرجل وامرأته إلا بعد الدخول بها، فإن قذفها قبل الدخول بها كان عليه الحد وهي امرأته لا يفرق بينهما ". ((النهاية)) (ص 251).