الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: الاجتهاد والتقليد:
يستند علماء الشيعة الإمامية على فتح باب الاجتهاد بمرسومين صدرا عن الإمام " المهدي " قبيل غيبته والمرسومان وإن كانا يختلفان في المضمون إلا أنهما يتفقان في المفهوم وهما:
المرسوم الأول: وأما من الفقهاء من كان صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه.
المرسوم الثاني: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة أحاديثنا.
على هذين المرسومين (حيث أولهما يختص بالمجتهدين والثاني يختص بعوام الشيعة) يعتمد علماء المذهب بفتح باب الاجتهاد وعدم الأخذ بآراء الأموات من الفقهاء، وعليهما يستند المجتهدون في وجوب التقليد على عوام الشيعة، وبعد الغيبة الكبرى تصدى لشؤون الشيعة الدينية علماء المذهب واحداً تلو الآخر ولم تنقطع القيادة المذهبية بين المجتهدين والعامة، وإن شئت قل بين القاعدة والقمة حتى كتابة هذه السطور، وذلك بسبب فتح باب الاجتهاد ووجوب تقليد العوام لرأي المجتهدين، أما الفرق الإسلامية الأخرى فسدت هذا الباب لصعوبات بالغة تعترض العمل الاستنباطي اللهم إلا السلفية يجتهدون في الفروع الفقهية التي لا نص فيها وتخضع لأدلة الاستنباط من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، أما علماء الشيعة فاستبدلوا القياس بالدليل العقلي واتخذوه الأصل الرابع من أصول الاستنباط، ومن أغرب الأمور أن فقهاء الشيعة ينسبون أنفسهم إلى المذهب العقلي في استنباط الأحكام الشرعية، ولكنهم في الحقيقة أبعد الناس عن استعمال العقل في طريقة الاستنباط.
وليت شعري أن أعرف كيف يستند علماؤنا - سامحهم الله - على العقل في فهمهم للأحكام الشرعية ولاستنباطهم المسائل الفقهية وهم يسلمون بلا جدل ولا نقاش بروايات نسبت إلى أئمة الشيعة وجاءت في الكتب التي يعتبرونها صحيحة وموثوقة وهي تتناقض مع العقل، نعم إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المقصود من استخدام العقل عند فقهاء الشيعة إنما هو استخدام الأدلة العقلية التي أسس عليها علم أصول الفقه -في التصور الشيعي- العلم الذي لعلماء الشيعة باع طويل في تأسيسه وتأليفه وهي كيفية استخدام الأدلة العقلية لفهم الأحكام الشرعية وبغض النظر عن منطوقها مثل مبحث الظن والقطع والاستصحاب والتعادل والتراجيح وغيرها من الأبحاث الأصولية التي ذكرها علماء " أصول الفقه " في كتبهم، و " أصول الفقه " علم جميل بحد ذاته وله مزاياه العقلية ومع الأسف البالغ إن الفقهاء لم يستخدموها في اللباب بل استخدموها في القشور.
وقبل أن أتحدث في النظرية الاجتهادية أود أن أذكر هنا أمرين لا بد من الإشارة إليهما:
الأمر الأول: أود أن أشير إلى ذلك الخطأ الرهيب الذي وقع فيه كتاب وباحثون كتبوا وأَلَّفُوا ونشروا عن الشيعة في السنوات الأخيرة، فقد عرَّفوا الشيعة بالأصولية أو الإمامية الأصولية وفسروها بأن الشيعة تريد العودة إلى القهقرى لأنهم ترجموا كلمة " الأصول " بالجذور وزعموا أن الشيعة تعود إلى الجذور والماضي في العقيدة ولم يدركوا قط أن الأصولية لا تعني العودة إلى الجذور بل تعني أن الشيعة الإمامية تستخدم قواعداً عقلية اسمها " أصول الفقه " لاستنباط الأحكام الشرعية في العمل الاجتهادي ولذلك لُقِّبوا بِ " الأصوليين " وهناك مئات الكتب أُلِّفَت في " أصول الفقه " وكلها تبحث عن المباحث العقلية التي ذكرت بعضها قبل قليل.
الأمر الثاني: إن هناك فئةً صغيرةً من الشيعة تسمي نفسها " الإخباريين " وهم الذين لم يستخدموا علم الأصول أو بالأحرى الأدلة العقلية في استنباط الأحكام الشرعية، وإن العملية الاجتهادية تتم عندهم بالكتاب والسنة والإجماع ومن أشهر علمائهم الشيخ " حر العاملي " صاحب كتاب (وسائل الشيعة) الذي يعتبر من أهم المصادر الشيعية في الفقه.
ولنعد مرةً أخرى إلى الطريقة الاجتهادية التي تمتاز الشيعة بها عن غيرها ونود أن نضيف هنا بأن الطريقة الاجتهادية بحد ذاتها أمر حسن وجميل يتلاءم مع التطور الاجتماعي والفكري، فكما تسير البشرية نحو الأفضل تتحرك نحو الأكمل، لا بد وأنها تصادف أموراً حديثة هي بحاجة إلى قوانين جديدة لم تذكر في المباحث الفقهية من قبل، فالعملية الاجتهادية تسهل استنباط القوانين الشرعية إذا لم تتعارض مع أصول العقيدة، فإذا كان المجتمع متحركاً فلا بد وأن تتحرك القوانين الاجتماعية معه عندما لا تتعارض مع الكتاب والسنة والإجماع، فلو كان علماء الشيعة يسيرون في العمل الاجتهادي كفقهاء للمذهب الجعفري يبينون حلال الله وحرامه شأنهم شأن سائر فقهاء المسلمين الذين وقفوا أنفسهم لله لم يتخذوا على عملهم أجراً ولم يريدوا عليه جزاءً ولا شكوراً، لكانت الشيعة بخير ولكانت الأمة الإسلامية على أحسن ما يرام، ولكن مع الأسف الشديد إن فقهاءنا -عن عقيدة أو عن جهل أو ضرورة- أضافوا بدعتين صريحتين إلى العمل الاجتهادي ومسخوا كل معالم الإخلاص والعمل لله وهما كما قلنا الجناحان الخفاقان على رؤوس الشيعة ما دامت السموات والأرض: الخمس في أرباح المكاسب. وولاية الفقيه.
المصدر:
الشيعة والتصحيح لموسى الموسوي - ص43