الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: تعريف البداء:
البداء: معناه الظهور بعد الخفاء، كما في قوله تعالى: وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] أي ظهر.
ومعناه أيضاً: حدوث رأي جديد لم يكن من قبل، كما في قوله تعالى: ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ [يوسف:35].
وله معان أخرى كلها لا تخرج عن مفهوم تجدد العلم بتجدد الأحداث.
وهذه المعاني تستلزم سبق الجهل وحدوث العلم تبعاً لحدوث المستجدات لقصور العقول عن إدراك المغيبات.
المصدر:
فرق معاصرة لغالب عواجي 1/ 443
أما معنى البداء والفكرة التي بين ثناياه وما تعنيه في زيارة الإمامين العسكريين هو: أن الإمامة حسب التسلسل الموجود في عقيدة الشيعة الإمامية تنتقل من الأب إلى الابن الأكبر مستثنىً من هذه القاعدة " الحسن " و " الحسين " فالإمامة بعد الإمام " الحسن " انتقلت إلى الإمام " الحسين " ولم تنتقل إلى الابن الأكبر " للحسن " وذلك لنص ورد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حيث قال: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)). فقد حدث أن " إسماعيل " وهو الابن الأكبر للإمام " جعفر الصادق " الإمام السادس عند الشيعة قد توفي في عهد أبيه فانتقلت الإمامة إلى أخيه " موسى بن جعفر " الابن الأصغر للصادق وهذا التغيير في مسار الإمامة التي هي منصب إلهي يسمى " بداءً " حصل لله تعالى فانتقلت الإمامة الإلهية بموجبه من " إسماعيل " إلى موسى بن جعفر " ومن ثم إلى أولاده ولم تأخذ الطريق الطبيعي لها، الذي هو انتقال الإمامة من الأب إلى الابن الأكبر، ولكن السؤال المحيّر هنا لماذا تغير مسار الإمامة بداءً ونسبوا شيئاً كهذا إلى الله تعالى لإثبات أمر لم يكن إثباته بحاجة إلى انتقاص من سلطان الله؟
الجواب: هنا يكمن في تلك الملابسات والظروف التي حصلت في عهد الصراع الأول بين الشيعة والتشيع فالإمامة عندما تكون إلهية لا تخضع للانتخاب المباشر ولا يتغير مسارها بموت الإمام الشرعي فحينئذ تنتقل الإمامة هذه حسب الناموس الإلهي الذي لا يتغير من الأب إلى الابن، ولهذا قيلت في الإمامة إنها تكوينية أي لا تخضع لمتغيرات الزمان والمكان شأنها شأن العلة والمعلول الذاتيين الذين لا ينفك أحدهما عن الآخر، وهذا يعني أن الإمام الأب لا سلطة له في تعيين الإمام الذي سيخلفه لأنه معين بإرادة الله، وهذا الصراع الفكري حدث بين الشيعة أنفسهم قبل أن يمتد نحو آفاق أوسع قبيل عصر الغيبة الكبرى مباشرةً وذلك عندما بدأ المذهب الإسماعيلي يظهر على ساحة الأفكار الإسلامية ويهدد وحدة الشيعة بالتمزق الداخلي وكان المذهب الإسماعيلي يرى أن الإمامة الإلهية مستمرة بالصورة التي أرادها الله منذ الأزل وهي في نسل " علي " وأولاده حسب التسلسل السني وهذا يعني أن الإمام الأب لا سلطة له في تعيين الإمام الذي سيخلفه لأنه معين بإرادة الله فإذا مات الوريث الشرعي الذي هو "إسماعيل" فلا يحق لأبيه " الصادق " أن يعين " موسى " ابنه الأصغر بل تنتقل الإمامة إلى الابن الأكبر من ظهر " إسماعيل " وبما أن الشيعة تبنت فكرة الإمامة الإلهية بالصورة نفسها فلكي تخرج من هذا المأزق قالت بفكرة البداء لكي تلقي مسؤولية انتقال الإمامة من "إسماعيل بن جعفر" إلى موسى بن جعفر على الله وليس على الإمام " الصادق " ولتفنيد العقيدة الإسماعيلية، وكما يعلم الجميع فإن الإمامة لا زالت مستمرة عند الإسماعيليين حتى هذا اليوم والإمام عندهم حي حاضر ومن نسل " إسماعيل " ولم يحيدوا عن هذا المنحنى الفكري الذي أملاه عليهم مذهبهم قيد أنملة.
ونعود إلى فكرة البداء فنقول: إنها ظهرت في إبان ظهور الفرقة الإسماعيلية التي أخذت تناهض الشيعة وتخرق وحدتها ولذلك لا نجد أثراً لفكرة البداء حتى أوائل القرن الثالث الهجري، وأول إمام يخاطب بشموله للبداء هو الإمام العاشر ومن بعده الحادي عشر للشيعة في حين أنه كان من الأجدر والأولى أن يخاطب الإمام " موسى بن جعفر " بشموله للبداء حيث كان هو موضوعه فلا الإمام " موسى " ولا ابنه " علي الرضا " ولا حفيده " محمد الجواد " قد خوطبوا بكلمة فيها إشارة إلى حصول البداء بحقهم الذي يؤكد لنا أن اللجوء إلى تبني فكرة البداء إنما حصل عندما أخذ التيار الإسماعيلي يشق طرقه إلى الوجود والظهور في أوائل القرن الثالث الهجري وهو عصر الإمام العاشر والحادي عشر للشيعة، لقد التجأ بعض أعلام الشيعة إلى البداء حتى يثبتوا تغيير مسار الإمامة من " إسماعيل " إلى " موسى بن جعفر " في حين أن الإمامة وانتقالها من كابر إلى كابر وبالصورة التي رسمها الشيعة قبل عهد الصراع بين الشيعة والتشيع لم تكن بحاجة إلى القول بالبداء وتغيير الإرادة الإلهية، فبوفاة مرشح الإمامة تنتقل الإمامة إلى المرشح الثاني حسب ما يوصي به الإمام " الصادق " الذي شاهد وفاة ابنه المرشح للإمامة ولا شك أنه قال كلمته في الإمام الذي يتولى شؤون الفتيا والفقه بعده، وفي كلام الإمام وتعيينه الوارث الشرعي فصل الخطاب.
إن موضوع البداء احتل جانباً من الكتب الشيعية وأفرد له بعض الأعلام فصولاً أو كتيباً يدافع عن معنى البداء وفحواه، وانتهى الجدل ذاك إلى الأبحاث الفلسفية والكلامية التي احتلت أجزاءً كثيرة من الكتب الكلامية في الإرادة الإلهية، وهكذا الآجال الحتمية والمقدرة والقدر الذي يدفعه الحذر والبلاء الذي تدفعه الصدقات وما إلى ذلك من كلام يعرفه أهل العلم والفضيلة وكل من ألمَّ بالصراع الفكري بين الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم من مفكري الإسلام كما أن بعض أعلام الشيعة وجد الحل للخروج من مأزق البداء بالتفصيل بين النسخ التشريعي والنسخ التكويني وقال: إن البداء هو النسخ في التكوين ولست أدري أن الذين كتبوا في البداء هل وجدوا في الآية الكريمة: يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] حلاً لتلك المعضلة إن كانت معضلة أم لا؟ ومهما يكن من أمر فإن الذين كتبوا وألَّفوا في البداء لم يضيفوا إلا أوهاماً على أوهام وسفسطة إلى سفسطة ولو أنهم وجدوا حل المعضلة بالآية الكريمة التي أسلفناها لكان لهم خير طريق للخروج من مأزق وضعوا أنفسهم فيه ولم ينته الأمر بهم للخروج منه إلى الطعن في سلطان الله وأنه تعالى كان يريد شيئاً ثم بدا له غيره.
المصدر:
الشيعة والتصحيح لموسى الموسوي - ص102