الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً – ولاية الفقيه:
وهنا أكرر ما قلته من قبل وهو أنني أعتقد أنه لم يسبق لفكرة دينية في التاريخ البشري كلفت البشرية من الدماء والأحزان والآلام والدموع بقدر ما كلفته ولاية الفقيه عند الشيعة منذ ظهورها وحتى هذا اليوم، ولا أعتقد أننا بحاجة لكي نطلب من الشيعة أن تقاوم هذه الفكرة وتقف ضدها فالفكرة ولله الحمد بدأت تنسف نفسها بنفسها وعندما يبدأ الهدم الداخلي يتفاعل في نظرية أو فكرة بسبب فشلها في التطبيق أو بسبب المآسي التي ترتكب باسمها تكون النظرية في طريقها إلى الاضمحلال والزوال التام.
المصدر:
الشيعة والتصحيح لموسى الموسوي - ص43
استحدث الدستور الذي ابتدعه الخميني نظرية "ولاية الفقيه"، والتي تزعم بأن الفقيه الذي يرمز له بشخصه يتمتع بولاية عامة وسلطة مطلقة على شئون البشر باعتباره (الوصي) على شئون البلاد والعباد في غيبة الإمام المنتظر.
والمادتان الأولى والثانية من الدستور الذي وضعه الخميني تنصان على أن: تكون ولاية الأمر والأمة في غيبة الإمام المهدي - عجل الله فرجه - (هكذا)، للفقيه العادل وهذا النص في الدستور الذي ابتدعه الخميني يعد من المبتدعات في المذهب الإمامي على كثرة ما فيه من مبتدعات.
فالقدماء والمحدثون من أئمة المذهب أمثال الكليني والصدوق والمفيد والطبرسي ومرتضى الأنصاري والنائيني لم يتجاوزوا بالفقيه العادل مرتبة (الولاية الخاصة) حيث لا يوجد دليل قطعي مستفاد يدل على وجوب طاعة الفقيه طاعة مطلقة في الأحكام العامة والخاصة، كما أن إثبات الولاية العامة للفقيه ينتهي لا محالة إلى التسوية بينه وبين الإمام المعصوم الذي يقولون به، ومن ثم فمنح الإمام لنفسه الولاية العامة يرفعه إلى مقام الأئمة المعصومين الذين يزعمهم المذهب ويقول بوجودهم.
وعليه فالدستور الذي يرمز إليه بدستور الحكومة الإسلامية يستمد مواده وأفكاره من ذاتية واضعه باعتباره فيما ادعاه لنفسه حجة مطلقة ونائبا للإمام الغائب في الفصل بين الأشياء. والعلماء والباحثون يجدون أنفسهم أمام دعوى للقانون أو النظام يقيم الحكومة الإسلامية على أساس (ثيوقراطي) يستند إلى حق إلهي مفروض يسوي بين الدين والمذهب خاصة فيما ورد في المادة الثانية عشرة.
ومعظم مواد الدستور الإيراني، والذي راجع مواده الخميني مادة مادة، تستند إلى رأي منفرد بذاته هو رأي (الحاكم المتأله) الذي يدعي لآرائه واجتهاداته العصمة واليقين، حيث يقوم الزعم بأن السلطة الروحية للإمام الخميني ومن ثم من يخلفه تعتبر خارج النطاق الإنساني، فقد نص الدستور في المادة السابعة والخمسين على أن - السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي عبارة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية التي تمارس تحت إشراف ولاية الأمر وإمامة الأمة -.
إن هذا الاعتقاد كما هو واضح يسد منافذ الاجتهاد ويصادر حرية الرأي والاستنباط أمام أهل العلم من مجتهدي الأمة. وهذا الاعتقاد في الإمام لا يمكن أن يصدر عن اعتقاد إسلامي صحيح أو مبدأ يعترف به فقهاء المذاهب الإسلامية، ولكنه يرتد إلى أصول فارسية تدور حول ما يسمى (التوقير) أو الطاعة المطلقة والانقياد التام للسلطة السياسية الدينية التي يمثلها تراث فارس السياسي والديني (لكسرى) قبل الإسلام.
ومن دراسة الوقائع المستفادة من قراءة تاريخ الحركات السياسية الهدامة التي ظهرت في بلاد فارس يتبين أنها كانت تعتمد جميعا على دعوى (الولاية الروحية) التي تجعل من قيامها بالإنابة عن المهدي أساساً لبرامجها وخططها للسيطرة على السلطة متخذة من زعم يقول: (إن الولاية فيض دائم أو نبوة مستمرة) لكي تفرض على أنصارها وأتباعها الاستسلام المطلق والطواعية العمياء، وتبلغ التبعية الصارمة لمدعي الولاية الروحية صوراً لا يقبلها دين ولا يقرها عقل، لأنها تبعية قائمة في جوهرها على (التوقير الوثني)، ولذا فإن الواقع الذي تعيشه مجتمعات يسيطر عليها مثل هذا الاعتقاد يمثل حالة من حالات (الفوضوية) المعبرة عن (نزعة طوبائية) تتنكر للواقع وضروراته، ومن ثم تتنكر للإسلام وكل تاريخه وتستبيح في هذه العقيدة أو في ظل هذه الفوضوية هتك الحرمات واغتيال الإنسان والتجاوز على مقدرات الأفراد ومصادرة حقوق الأمة.
إن نظرية ولاية الفقيه المطلقة التي قال بها الخميني تنحصر إزاءها إرادة الإنسان وحريته في الاجتهاد والتفكير، وإن الوقائع التي تنكشف كل يوم والتي تنقلها الإذاعات الأجنبية ووكالات الأنباء إنما تشير في محصلتها النهائية إلى حقيقة صارخة ومؤلمة، تلك هي اغتيال الإنسان واغتيال وجوده باسم الإسلام والثورية. والإسلام لا يقر ولا يرضى هذا اللون من القهر السياسي حتى مع خصومه.
إن مما يجب أن تنتبه له الأجيال المسلمة في العالم أجمع، أن الأطماع الفارسية التي تعبر عن نفسها بالعدوان والسيطرة والهيمنة ومحاولة ضرب (السيادة العربية) على أرض الأمصار الإسلامية إنما تهدف إلى تمزيق الأمة الإسلامية، ووأد الصحوة التي كانت تباشيرها تؤذن باتجاه مجتمعات عديدة نحو الإسلام عقيدة وشريعة وخطاب عدل وإنصاف، وإن مما يجب أن تنتبه له الأجيال المسلمة أن عقيدة (الولاية الروحية) قد استغلت مثلما كان يحدث عبر أطوار عديدة من التاريخ الوثني لفارس والتاريخ السياسي للإمامية.
وكانت عقيدة الولاية الروحية تجسد دائماً وأبداً الأطماع الفارسية ضد جيرانها، وخاصة عندما كان يتاح لهذه الأطماع شخصية فارسية (متميزة بحب الدم والعدوان) تلبس الصفات الروحية المتوهمة أداة لها ووسيلة ضد جيرانها.
فدراسة حركات الزنادقة والشعوبية والأبي مسلمية والمقنعية والخرمية والصفوية، تقوم دليلاً على أن هذه الحركات ليست من الإسلام في شيء، متخذة من ادعاء النسب العلوي أداة للتغرير بالسذج والبسطاء لتحقيق مآرب الحقد والأطماع العنصرية وإحياء النزعات الشعوبية التي يفيض بها تاريخ فارس القديم والحديث على السواء.
المصدر:
الأصول العقدية الإمامية لصابر طعيمة