الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: موقف الإمام علي من الخلافة:
أولاً: منزلة الإمام علي التي أدت بالروافض إلى الاعتقاد بأولويته الخلافة: قلنا قبل قليل: أن التشيع كان يعني حب الإمام " علي " وأهل بيته وإعطاءه حق الأولوية في الخلافة، وإعطاء أولاده مثل هذا الحق من بعده، ولا أعتقد أن هناك أحد لا يعرف الأسباب الدافعة إلى هذا الاعتقاد، فالإمام " علي " ترعرع ونشأ في بيت الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو يحدثنا عن تلك النشأة بقوله:" وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني إلى فراشه ويُمسني جسده ويشُمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل "(1).
(1)[10526]- ((نهج البلاغة)) (2/ 157).
ويستمر الإمام في بيان منزلته عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ويقول:" ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة"؟ فقال: ((هذا الشيطان أيس من عبادته إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير وإنك لعلى خير)).ولنستمع إليه مرة أخرى وهو يقول:" ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن رأسه لعلى صدري ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله صلى الله عليه وآله وسلم والملائكة أعواني فضجت الدار والأفنية .... ملأٌ يهبط وملأٌ يعرج وما فارقت سمعي هيمنة فهم يصلون عليه حتى واريناه في ضريحه فمن ذا أحق به مني حياً وميتاً فانفذوا على بصائركم"(1). وهذا هو الإمام علي يصف نفسه وموقعه من رسول اللهصلى الله تعالى عليه وآله وسلم مرة أخرى في كتاب بعثه واليه في البصرة " عثمان بن حنيف " جاء فيها:" وأنا من رسول الله كالصنو والذراع من العضد " وبعد كل هذا فالإمام هو زوج " الزهراء "، وأبو الحسنين، وبطل المسلمين، ومن أعظم بناة الإسلام، ودافع عن الرسول الكريم ورسالته، بقلبه ولسانه ودمه وعرقه، وهو بعد غلام لم يبلغ الحلم، وقد شاء الله أن تكون شهادته حيث كان مولده، فقد ولد " علي " في بيت الله واستشهد في بيت الله، وقد تكتمل الصورة المشرقة " لعلي " وجهاده وموقعه من قلب الإسلام عندما نعلم علم اليقين وحسب الأحاديث المتواترة الصحيحة التي رواها رواة الشيعة والسنة على السواء في حب الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم " لعلي " وتقديره إياه، فالنبي زوجَّه " فاطمة الزهراء " بأمر من السماء، ورفض أولئك الذين تقدموا لخطبتها بقوله:((إنما أنتظر بها القضاء)) (2). وعندما نزل القضاء تم ذلك الزواج الميمون بين " علي " و " فاطمة ".وفي غزوة الخندق يصف النبي الكريم " علياً " بجملتين تضاهيان كل الأحاديث التي رويت عنه في فضائل " علي " حقاً عن كل حرف من تلك الكلمات الخالدات المشرقات يعتبر وساماً نبوياً ينصبه محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على صدر " علي بن أبي طالب " إنه وسام أعطى الجهاد والإخلاص والتفاني والإيمان بالله، موقعه السرمدي في حياة الدهر، وتخليد العظماء، والجملتان صدرتا عن الرسول في خلال ساعة أو أكثر منها بقليل، وذلك عندما ذهب " علي " ليلتقي بعدو الإسلام وبطل المشركين " عمرو بن ود " والذي كان يبارز لوحده جماعات ورجالاً قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:((اللهم برز الإسلام كله إلى الشرك كله)) وعندما وقع "عمرو " صريعاً بسيف "علي" قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ((ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين)) (3).
(1)[10527]- ((نهج البلاغة)) (2/ 172).
(2)
[10528]- رواه ابن سعد في ((الطبقات)) (8/ 19) عن علباء بن أحمر اليشكرى.
(3)
[10529]- رواه الحاكم في ((المستدرك)) (3/ 34) بلفظ: (لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة). قال الذهبي في ((التلخيص)): قبح الله رافضيا افتراه. وقال ابن تيمية في ((منهاج السنة)) (8/ 107): موضوع. وأيضاً حكم عليه ابن حجر بالوضع في ((إتحاف المهرة)) (13/ 331). وقال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (400): كذب.
إن المتتبع لحياة الرسول الكريم والإمام يصل إلى نتيجة أكيدة وهي: أن الوشائج التي كانت تربط " محمداً " صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بـ " علي " كانت أقوى بكثير من وشائج القربى، إنها صلات روحية مترابطة متماسكة أصلها في السماء وفرعها في قلبي الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وابن عمه ولذلك لا نستغرب أبداً عندما نلمس في " علي " نفحات من نفحات النبي فهذا هو رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يدافع عن رسالته بكلمته الخالدة التي قالها للمشركين:((والله لو وضعتم الشمس في يميني والقمر عن يساري لأترك هذا الأمر ما فعلت)) (1). وهذا هو " علي " يدافع عن إيمانه بالله ويقول:" فوالله لو أعطيت الأقاليم السبعة وما تحت أفلاكها أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت". وبعد كل ما ذكرناه ورويناه فقد يكون من الطبيعي أن يرى " علي " نفسه أولى بخلافة محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من غيره، ومن الطبيعي أيضاً أن تعتقد فئة من الناس بذلك وتتحمس لها أشد التحمس وتجد الفكرة لها مؤيدين وأنصاراً، كما أن من الطبيعي أيضاً أن نقرأ في قلب محمد صلى الله عليه وسلم ولسانه ما يدل على استخلاف " علي " بعد وفاته.
ثانياً: الإمام علي يؤكد شرعية بيعة الخلفاء:
ولكن هل يعني كل هذا - وهذا بيت القصيد وحجر الأساس في كل ما يتعلق بالإمامة وشؤونها المتفرعة منها - أن هناك نصاً إلهياً بتعيين " علي " لخلافة الرسول صلى الله عليه وسلم أم أنها رغبة شخصية من رغبات رسول الله الخاصة؟ الإمام " علي " كان يقول: لا نص عليه من السماء وصحابة " علي " والذين عاصروه كانوا يعتقدون بذلك أيضاً، وقد استمر هذا الاعتقاد حتى عصر الغيبة الكبرى، وهو العصر الذي حدث فيه التغيير في عقائد الشيعة وقلبها رأساً على عقب. ومرة أخرى نقول: أن هناك فرقاً كبيراً بين أن يعتقد الإمام " علي " والذين كانوا معه أنه أولى بخلافة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من غيره ، ولكن المسلمين اختاروا غيره وبين أن يعتقد أن الخلافة حقه الإلهي ولكنها اغتصبت منه، والآن فلنستمع إلى الإمام " علي " وهو يحدثنا عن هذا الأمر بكل وضوح وصراحة ويؤكد شرعية انتخاب الخلفاء وعدم وجود نص سماوي في أمر الخلافة:" إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد .... وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضىً، فإن خرج من أمرهم خرج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين"(2).
وقبل أن أتحدث عن موقف الإمام علي بالنسبة للخلفاء الذين سبقوه وقبل أن نسهب في هذا الأمر ونستشهد بأقوال أخرى للإمام، حيث أن لهذا الموقف أهميته القصوى في كشف الحقيقة وإنارة الواقع، لا بد من التفصيل حول رغبات النبي الشخصية وذلك الجانب السماوي الذي كان يصدع به بأمر من الله وبوحي منه.
المصدر:
الشيعة والتصحيح لموسى الموسوي - ص10
(1)[10530]- رواه ابن إسحاق كما في ((السيرة النبوية)) لابن هشام (1/ 266). وقال الألباني في ((فقه السيرة)) (ص109): ضعيف.
(2)
[10531]- ((نهج البلاغة)) (3/ 7).