الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: تعريف نكاح المتعة لغة وشرعا وحكمه:
أولاً: المتعة لغة اسم مصدر متّع وتدور مادته على معنى الانتفاع والالتذاذ ومنه قول الشاعرالمشعث:
تمتع يا مشعث أن شيئاً
…
سبقت به الممات هو المتاع
أي انتفع وتلذذ. وردت كلمة " المتعة " ومشتقاتها في القرآن (71) مرة، في سور مختلفة (1)، ومعانيها وإن اختلفت راجعة إلى أصل واحد ودائرة حول الانتفاع ولا يستقيم معناها على اعتباره في " المتعة " موضوع البحث (2). فالاستمتاع في اللغة الانتفاع، وكل ما انتفع به فهو متاع، يقال: استمتع الرجل بولده، ويقال فيمن مات في زمان شبابه: لم يتمتع بشبابه قال تعالى في سورة الأنعام: رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ [الأنعام:128] وقال تعالى في سورة الأحقاف: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا [الأحقاف:20] يعني تعجلتم بها. وقال تعالى في سورة التوبة: فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ [التوبة:69] يعني بحظكم ونصيبكم من الدنيا (3). وفي الحديث الشريف قال (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): ((الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة)) (4).
وأما شرعاً فإن لفظ المتعة يطلق على ثلاثة أشياء: 1 - متعة الحج (5).2 - متعة الطلاق (6).
3 -
متعة النساء. وما يهمنا هو " متعة النساء " أو " نكاح المتعة " وهو نكاح المرأة لأجل محدود ثم إخلاء سبيلها بانقضائه. (7).فتعريف المتعة اصطلاحاً: بأن يقول الرجل لامرأة: متعيني نفسك بكذا من الدراهم مدة كذا، فتقول له: متعتك نفسي، أو يقول لها الرجل: أتمتع بك أي لابد في هذا العقد من لفظ التمتع. (8).
ثانياً: حكمه شرعا:
(1)((المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم)) لفؤاد عبد الباقي رحمه الله " باب الميم "(ص 833834 - ).
(2)
((الأصل في الأشياء الإباحة ولكن المتعة حرام)) (ص78 - 80).
(3)
((التفسير الكبير)) أو ((مفاتيح الغيب)) للإمام فخر الدين الرازي (10/ 40).
(4)
رواه مسلم (1467) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
(5)
أي الإحرام بالعمرة في أشهر الحج من عامه.
(6)
وهي مال يجب على الزوج دفعه لامرأته المفارقة في الحياة بطلاق وما في معناه بشروط مخصوصة.
(7)
انظر معاجم اللغة كالجوهري في ((الصحاح)) والزبيدي في ((تاج العروس)) وأحمد فارس في ((معجم مقاييس اللغة)) والفيروزآبادي في ((القاموس)) و ((الجمهرة)) لابن دريد و ((لسان العرب)) وغيرها.
(8)
((النكاح وقضاياه)) لأحمد الحصري (ص 168).
شرع النكاح في الإسلام، لمقاصد أساسية، قد نص القرآن الكريم عليها صراحة، ترجع كلها إلى تكوين الأسرة الفاضلة قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21] حيث أشارت الآية الكريمة إلى أن مناط السكن إنما هو " الزوجة " لا مطلق المرأة! وبذلك يمكن القول بأن " الزوجة الدائمة " هي التي جرت سنة الله تعالى بجعلها سكنا للرجل، وجعل بينها وبين زوجها مودة ورحمة، بحكم العلاقة الزوجية الصحيحة الدائمة في أسرة تنجب البنين والحفدة على ما ينص عليه قوله تعالى: وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72]، وحينما يربط الله تعالى الزواج بغريزة الجنس لم يكن ليقصد مجرد قضاء الشهوة، أي لمجرد سفح الماء، بل قصد أن يكون على النحو الذي يحقق تلك " المقاصد " من تكوين الأسرة التي شرع أحكامها التفصيلية القرآن الكريم من الخطبة، فالزواج، فالطلاق، إذا لم يتفق الزوجان، ثم الرضاعة، والحضانة، والنفقة .... إلخ
فالزواج إذاً تبعات وتكاليف جسام لإنشاء أسرة، يحفز عليه غريزة الجنس، تحقيقا للمقاصد العليا الإنسانية التي أشرنا إليها. وعلى هذا، فإن مجرد قضاء الشهوة و " الاستمتاع " مجرداً عن الإنجاب وبناء الأسرة، يخالف مقصد الشارع من أصل تشريع النكاح، لذلك أطلق عليه القرآن الكريم " السفاح " وحذر من اتباع هذا السبيل بقوله تعالى وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ [النساء:24]، ومعنى الآية الكريمة صريح، إذ مؤداه، أن تتزوجوا النساء بالمهور، قاصدين ما شرع الله النكاح لأجله، من الإحصان، وتحصيل النسل، دون مجرد سفح الماء، وقضاء الشهوة، كما يفعل الزناة! يرشدك إلى هذا أيضا، ما رواه معقل بن يسار قال:((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب، إلا أنها لا تلد، فأتزوجها؟ فنهاه، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فنهاه، فقال: تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم)) (1). إذ ليس المقصد مجرد الاستمتاع بالحسن والجمال، كل ذلك دال دلالة واضحة، لا لبس فيه ولا إبهام على ما ذكرنا من " المقاصد " الاجتماعية الرفيعة التي لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق الزواج الصحيح الدائم الذي شرعه الله تعالى أصلاً (2).
المصدر:
تحريم المتعة في الكتاب والسنة ليوسف جابر المحمدي
(1) رواه أبوداود (2050)، والنسائي (6/ 65)(3227)، والحديث سكت عنه أبو داود. وأشار عبد الحق الإشبيلي في مقدمة ((الأحكام الصغرى)) بأنه صحيح الإسناد. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) و ((صحيح سنن النسائي)): حسن صحيح. وصححه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1143).
(2)
انظر ((الأصل في الأشياء)) لسائح علي بحث محمد الدريني (ص 8 - 12).