المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: الزواج - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الزواج

- ‌المبحث الثاني: المسيحية وترك الدنيا:

- ‌المبحث الثالث: الزّاويَةُ وَالملْبَسُ:

- ‌المبحث الرابع: المذاهبُ الهنْديّة وَالفَارسيَّة:

- ‌المبحث الخامس: الأفلَاطونيّة الحَدِيثَة:

- ‌الفصل العاشر: التصوف عند الوثنيين وأهل الكتاب

- ‌المبحث الأول: الصوفية عند الوثنيين

- ‌المطلب الأول: الطاوية (منتشرة في الصين)

- ‌المطلب الثاني: الجينينة (نسبة إلى جينا، أي: القاهر والمتغلب)

- ‌المطلب الثالث: الهندوسية

- ‌المطلب الأول: عند اليهود

- ‌المطلب الثاني: عند النصارى

- ‌الفصل الحادي عشر: الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية

- ‌المبحث الأول: الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم

- ‌المطلب الأول: مدة الخلوة

- ‌المطلب الثاني: شروط الخلوة الصوفية

- ‌المبحث الثالث: أقسام الخلوات الصوفية

- ‌المبحث الرابع: تثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر

- ‌الفصل الثاني عشر: كيفية الدخول في المذهب الصوفي

- ‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية

- ‌المبحث الأول: عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود

- ‌المبحث الثالث: الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية

- ‌المبحث الأول: معنى التزكية وأهميتها

- ‌المبحث الثاني: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في مناهج التزكية

- ‌المبحث الثالث: منهج التزكية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في غاية التزكية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشرعيَّة والحقيقة

- ‌المبحث الثاني: الحقيقة المحمَدية

- ‌المبحث الثالث: وحدة الأديان

- ‌المبحث الرابع: الأولياء والكرامات

- ‌المبحث الخامس: الأقطاب والأوتاد

- ‌المبحث السادس: الشطح واللامعقول

- ‌المبحث الأول: تربية ذليلة

- ‌المبحث الثاني: المتصَوفة وعلم الحَديث

- ‌المبحث الثالث: البطالة والانحِلَال

- ‌المبحث الرابع: السَّمَاع وَالذِكر

- ‌المبحَث الخامِس المتصَوفة والجهَاد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني: الغيب في المعتقد الصوفي

- ‌المبحث الثالث: عبدالكريم الجيلي وكتابه (الإنسان الكامل)

- ‌المبحث الرابع: ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية

- ‌المبحث الخامس: ما الذي يريده هؤلاء الملاحدة

- ‌المبحث السادس: الغزالي وطريق الكشف

- ‌المبحث السابع: ابن عربي والكشف الصوفي

- ‌المبحث الثامن: نماذج من الكشف الصوفي

- ‌الفصل التاسع عشر: الشطحات الصوفية

- ‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية

- ‌المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثالث: حجج المجوّزين للذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الخامس: صفة الذكر

- ‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي

- ‌المبحث السابع: مفاسد الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثامن: فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: الوجد والرقص عند الصوفية

- ‌الفصل الثالث والعشرون: الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية

- ‌المبحث الأول: أبو يزيد البسطامي ومعراجه

- ‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني

- ‌المبحث الأول: الولاية الرحمانية

- ‌المبحث الثاني: الولاية الصوفية الشيطانية

- ‌المبحث الثالث: مراتب الولاية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: القطب الغوث واحد في الزمان فقط

- ‌المبحث الخامس: قطب سنة 593هـ من مدينة فاس بالمغرب

- ‌المبحث السادس: وظيفة القطب

- ‌المبحث السابع: الأبدال السبعة ووظائفهم

- ‌المبحث الثامن: مدة حكم القطب ووظيفته

- ‌المبحث التاسع: ابن عربي القطب الأعظم

- ‌المبحث الأول: الحكيم الترمذي وكتابه (ختم الأولياء)

- ‌المبحث الثاني: ابن عربي وختم الولاية

- ‌المبحث الثالث: محمد عثمان الميرغني وختم الولاية

- ‌المبحث الرابع: أحمد التيجاني وختم الولاية

- ‌المطلب الأول: الإسلام لم يأت بتقديس القبور والأضرحة

- ‌المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء

- ‌المطلب الثالث استمرار ما درج عليه الصحابة من الهدي في تسوية القبور والنهي عن تعظيمها إلى نهاية القرون المفضلة

- ‌المطلب الأول هدي اليهود والنصارى في اتخاذ القبور مساجد واستحقاقهم اللعن على ذلك وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فعلهم

- ‌المطلب الثاني: النهي عن التشبه باليهود والنصارى

- ‌المطلب الثالث: الرافضة هم أول من أحدث المشاهد المعظمة في الملة الإسلامية وغلوا في أصحابها حتى عبدت من دون الله تعالى

- ‌المبحث الثالث: واقع القبورية في العالم الإسلامي

- ‌المبحث الرابع: أشهر هذه القبور في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفضائل المفتراة التي يروجون بها لزيارة هود عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: نماذج من أشعار القوم في الترويج لها

- ‌المطلب الثالث: وسائل جذب الزوار لهذه الزيارة

- ‌المطلب الرابع: مظاهر وثنية في هذه الزيارة

- ‌المطلب الخامس: الطقوس الوثنية فيها

- ‌أولا: المناسك الزمانية

- ‌ثانياً: المناسك المكانية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: هيئة الديوان

- ‌المبحث الثاني: زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان

- ‌المبحث الثالث: ساعة انعقاد الديوان

- ‌المبحث الرابع: زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان

- ‌المبحث الخامس: زعمهم حضور الملائكة للديوان

- ‌المبحث السادس: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين أعضاء في الديوان

- ‌المبحث السابع: لغة أهل الديوان

- ‌المبحث الثامن: أولياء يحضرون الديوان بأرواحهم فقط

- ‌المبحث التاسع: الديوان يعقد في صحراء السودان أحياناً

- ‌المبحث العاشر: ماذا لو غاب الغوث

- ‌المبحث الحادي عشر: الغوث الصوفي دكتاتور كبير

- ‌المبحث الثاني عشر: أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

- ‌المبحث الثالث عشر: لماذا يجتمع أهل الديوان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: اتخاذ الشيخ

- ‌المبحث الثاني: مواصفات الشيخ

- ‌المبحث الثالث: آداب المريد

- ‌الفصل الثلاثون: تراجم زعماء الصوفية

- ‌الفصل الحادي والثلاثون: موقف بعض العلماء من التصوف

- ‌المبحث الأول: موقف الإمام الشافعي

- ‌المبحث الثاني: موقف الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المبحث الثالث: موقف الإمام أبو زرعة الدمشقي

- ‌المبحث الرابع: موقف الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبدالكريم البزودي المتوفى سنة 478هـ ببخارى

- ‌المبحث الخامس: موقف الإمام ابن الجوزي

- ‌المبحث السادس: موقف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المبحث السابع: موقف الإمام برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885ه

- ‌المبحث الثامن: شهادة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي

- ‌المبحث التاسع: مع الشيخ الفاطمي الشرادي

- ‌المبحث العاشر: مع الشيخ عبدالعزيز بن إدريس

- ‌المبحث الحادي عشر: شهادة الشيخ عبدالرحمن الوكيل

- ‌المبحث الأول: أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

- ‌المبحث الثاني: دلالة اسم عبدك

- ‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف

- ‌المبحث الرابع: نزول الوحي وإتيان الملائكة

- ‌المبحث الخامس: المساواة بين النبي والولي

- ‌المبحث السادس: تفضيل الولي على النبي

- ‌المبحث السابع: إجؤاء النبوة

- ‌المبحث الثامن: العصمة

- ‌المبحث التاسع: عدم خلو الأرض من حجة

- ‌المبحث العاشر: وجوب معرفة الإمام

- ‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية

- ‌المبحث الثاني عشر: الحلول والتناسخ

- ‌المبحث الثالث عشر: مراتب الصوفية

- ‌المبحث الرابع عشر: التقية

- ‌المبحث الخامس عشر: الظاهر والباطن

- ‌المبحث السادس عشر: نسخ الشريعة ووضع التكاليف

- ‌المبحث السابع عشر: تقديس القبور وزيارة المشاهد

- ‌المطلب الأول: الحلاج والتشيع

- ‌المطلب الثاني: الحلاج داعية الإسماعيلية في المشرق

- ‌المطلب الثالث: شهادة العمار الحنبلي أن الحلاج قرمطي

- ‌المطلب الرابع: الحلول عند الحلاج الصوفي وعند أبي الخطاب الشيعي

- ‌المبحث التاسع عشر: الطرق الصوفية والتشيع

- ‌المطلب الأول: الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثاني: الطريقة البكتاشية تنتشر في مصر

- ‌المطلب الثالث: أصول الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الرابع: مراتب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الخامس: التكية البكتاشية

- ‌المطلب السادس: العهد ودخول الطريقة

- ‌المطلب السابع: آداب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثامن: الأوراد البكتاشية

- ‌المطلب التاسع: دور الفرس في التشيع والتصوف

- ‌المبحث الأول: طلب الهداية في غير الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة

- ‌المبحث الثالث: الغلو الزائد في الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء

- ‌المطلب الأول: غلوهم في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني غلوهم في الأولياء

- ‌المبحث الرابع: تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني

الفصل: ‌المبحث الأول: الزواج

‌المبحث الأول: الزواج

فنبدأ أولا بإبراهيم بن أدهم، وهو من الطبقة الأولى وأئمة التصوف الأوائل، وكثيراً ما تبدأ كتب طبقات الصوفية بذكره واسمه، ولا يخلو كتاب من كتب التصوف وسيرته.

ومما يذكر بيانا لشأنه الرفيع ومكانته السامية أنه كان من أبناء الملوك وملكا لبلخ، وتزوج من امرأة جميلة، وله ولد، ولكنه ترك الملك والزوجة والأولاد، وكل من كان يملكه، للنداء الغيبي، أو للقاء الخضر الذي لقنه ذلك، مثل ما ترك بوذا ملكه وزوجته، وابنه وملاذ الدنيا وزخارفها طبقا بطبق، وحذو القذة بالقذة، خلافا لتعاليم الإسلام وأسوة الرسول وسيرة الصحابة، ولا يوجد له أي مثال في الكتاب ولا في السنة، ولا من السلف الصالح ومع ذلك يبجّل الصوفية ذكره، ولذلك يجعلونه قدوة يقتدى، ومثالا يحتذى، ويفتخرون بذكره وأحواله، مع أن أحواله تلك ليست إلا ناطقة بالبوذية المنسوخة الممسوخة التي لم ينزل الله بها من سلطان.

فنود أن نورد تلك الحكاية الصوفية الباطلة، من التصوف القديم الأصيل، ومن الصوفي الذي يعدّ من الأعلام والأقطاب مقارنة بقصة بوذا، المنقولة من الكتب البوذية، ولبيان أنها تشتمل على ترهات وأكاذيب فاحشة مكشوفة تنطق بكونها مختلقة موضوعة مكذوبة، وننقل هذه القصة من تذكرة صوفية قديمة (تذكرة الأولياء) لفريد اليدن العطار، مقتبسين ترجمتها العربية من صادق نشأت:

ص: 1

(إن إبراهيم بن أدهم كان ملكا لبلخ، وتحت إمرته عالم، وكانوا يحملون أربعين سيفا من الذهب وأربعين عمودا من الذهب من أمامه ومن خلفه، وكان نائما ذات ليلة على السرير، فتحرك سقف البيت ليلا، كأنما يمشي أحد على السطح، فنادى: من هذا .. ؟ فقال: صديق فقدت بعيرا أبحث عنه على هذا السقف، فقال: أيها الجأهل، أتبحث عن البعير فوق السطح

؟ فقال له: وأنت أيها الغافل تطلب الوصول إلى الله في ثياب حريرية وأنت نائم على سرير من ذهب

؟ فوقعت الهيبة في نفسه من هذا الكلام، واندلعت في قلبه نار، فلم يستطع النوم حتى الصباح، وعندما أشرق الصبح ذهب إلى الإيوان وجلس على السرير متحيرا مفكرا حزينا، ووقف أركان الدولة كل في مكانه واصطف الغلمان وأذنوا إذنا عاما، فدخل رجل مهيب من الباب بحيث لم يكن لأي أحد من الخدم أو الحشم الجرأة على أن يقول له من أنت، ولم ينبسوا ببنت شفه، وتقدم الرجل حتى واجه سرير إبراهيم، فقال له: ماذا تريد .. ؟ قال: أنزل في هذا الرباط، قال: ليس هذا برباط، إنما هو قصري، وإنك لمجنون، فقال: لمن كان هذا القصر قبل هذا؟ قال: كان لأبي، قال وقبل ذلك، قال: كان ملكا لجدي

وقبل ذلك؟ قال: ملكا لفلان، قال: أو ليس الرباط هو ما يحل به أحد ويغادره الآخر .. ؟ قال هذا واختفى، وكان هو الخضر عليه السلام، فازدادت حرقة روح إبراهيم ولوعته، وازداد ألمه حدة نتيجة لهذه الحال، وازدادت هذه الحال من واحد إلى مائة ضعف، إذ أنه رأى أنه قد اجتمع ما شاهده نهارا مع ما وقع ليلا ولم يعرف مما سمع، ولم يعلم ماذا رأى اليوم، فقال: أسرجوا الجواد لأني أريد الذهاب للصيد، فقد حدث لي اليوم شيء لست أدري ما هو، فيا إلهي إلى أين تنتهي هذه الحال

؟ فأسرجوا له جوادا، وتوجه للصيد، فكان يتجول في البرية دهشا بحيث لم يعرف ماذا يفعل، فأنفصل عن جيشه وهو في تلك الحال من الدهش، فسمع صوتا في الطريق يقول له: انتبه، فانتبه، ولم يصغ إليه، وذهب وجاءه هذا النداء للمرة الثانية، فلم يعره سمعا للمرة الثالثة نفس ذلك النداء، فأبعد نفسه عنه، وسمع للمرة الرابعة من يقول:(انتبه قبل أن تنبه) ففقد صوابه تماما وفجأة ظهرت غزالة فشغل نفسه بها، فأخذت الغزالة تخاطبه قائلة: إنهم بعثوني لصيدك، وإنك لن تستطيع صيدي، ألهذا خلقت؟ أو بهذا أمرت؟ إنك خلقت للذي للذي تعمله وليس لك عمل آخر، فقال إبراهيم: ترى ما هذه الحال .... ؟ وأشاح بوجهه عن الغزالة، فأرتفع نفس ذلك الصوت الذي قد سمعه من الغزالة من قربوس السرج، فوقر في نفسه الخوف والفزع وأزداد كشفا، وحيث أن الحق تعالى أراد أن يتم الأمر ارتفع ذلك الصوت ثلاث مرات أخر من حلقة جيبه، وبلغ ذلك الكشف هنا حد الكمال، وانفتح عليه الملكوت ونزل، وحصل له اليقين، فابتلت الملابس والجواد من ماء عينيه، وتاب توبة نصوحا، وانتحى ناحية من الطريق، فرأى راعيا يرتدي لبادا، وقد وضع قلنسوة من اللباد على رأسه، وأمامه الأغنام وأخذ منه اللباد ولبسه ووضع قلنسوة اللباد على رأسه وطفق يسير راجلا في الجبال والبراري هائما على وجهه ينوح من ذنوبه، ثم غادر المكان إلى أن بلغ نيسابور، فأخذ يبحث عن زاوية خالية يتعبد فيها حتى وصل إلى ذلك الغار المعروف واعتكف فيه تسعة أعوام.

ص: 2

ومن ذا الذي يعلم ما كان يفعله هناك في الليل والنهار، إنه ينبغي أن يكون رجلا عظيما ذا مادة واسعة حتى يستطيع الإقامة في مثل ذلك المكان، وصعد إبراهيم يوم خميس إلى ظاهر الغار وجمع حزمة حطب واتجه في الصباح إلى نيسابور حيث باعها، وصلى الجمعة واشترى بثمن الحطب خبزا، وأعطى نصفه لفقير وتناول النصف الآخر، وأتخذ منه إفطاره وداوم صيامه حتى الأسبوع التالي، وبعد أن وقف الناس على شأنه هرب من الغار وتوجه إلى مكة، وقيل أنه بقي أربعة عشر عاما يطوي البادية حيث كان يصلي ويتضرع طوال الطريق حتى أشرف على مكة، وروي أنه كان له طفل رضيع عند مغادرته بلخ، ولما أيفع طلب من أمه أباه، فقصت له الأم الحال قائلة: إن أباك قد تاه، ونقل عنه أنه قال: عندما كنت أسير في البادية متوكلا، ولم أتناول شيئا مدة ثلاثة أيام جاءني إبليس وقال: أنت ملك، وتركت هذه النعمة لتذهب جائعا إلى الحج

؟ لقد كان بمقدورك الحج بعز وجلال حتى لا يصيبك كل هذا الأذى، قال: عندما سمعت هذا الكلام منه رفعت صوتي وقلت: إلهي !! سلطت العدو على الصديق حتى يحرقني فأغثني حتى أستطيع قطع هذه البادية بعونك، فسمعت صوتا يقول: يا إبراهيم ! ألق ما في جيبك حتى تكشف ما هو في الغيب فمددت يدي إلى جيبي فوجدت أربعة دوانيق فضية كانت قد بقيت منسية، ولما رميتها جفل إبليس مني وظهرت قوة من الغيب) (1) وورد ذكره وحكايته أيضا في (طبقات الصوفية) للسلمي (2).وفي (حلية الأولياء) للأصبهاني ((3).وفي (الرسالة) للقشيري (4).وفي (جمهرة الأولياء) للمنوفي الحسيني (5).وفي (نفحات الأنس) للجامي (6).وفي (طبقات الأولياء) لابن الملقن المتوفى 804 هـ (7).وفي (الطبقات الكبرى) للشعراني (8).

فهذه هي قصة إبراهيم بن أدهم، وفيها ما فيها من ترك الأهل والزوج والولد بدون جريمة ارتكبوها، وإثم اقترفوه، خلافا لأوامر القرآن وإرشادات الرسول صلى الله عليه وسلم، المشهورة المعروفة شبها ببوذا، وهاهي خلاصة قصته:

(1)[11519] انظر ((تذكرة الأولياء)) لفريد الدين العطار (ص 53) وما بعد ط باكستان.

(2)

[11520]((طبقات السلمي)) (ص 12) مطابع الشعب القاهرة 1380هـ.

(3)

[11521]((حلية الأولياء)) للأصبهاني (ج7 ص 367) وما بعد ط دار الكتاب العربي لبنان.

(4)

[11522]((الرسالة القشيرية)) (1/ 54) وما بعد ط دار الكتب الحديثة - القاهرة بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود.

(5)

[11523]((جمهرة الأولياء)) (2/ 125) ط مؤسسة الحلبي - القاهرة 1967م.

(6)

[11524]((نفحات الأنس)) للجامي (ص41) الطبعة الفارسية إيران.

(7)

[11525]((طبقات الأولياء)) لابن ملقن (ص 5) نشر مكتبة الخانجي - القاهرة الطبعة الأولى 1393 هـ.

(8)

[11526]((الطبقات الكبرى)) للشعراني (1/ 69).

ص: 3

(وكانت قبيلة ساكياس تقطن في شمال بنارس، وهي التي ولد فيها أواسط القرن السادس قبل الميلاد، وقد مات في سنة 478 قبل الميلاد بعد أن عمر ثمانين عاما. وتزوج بوذا في سن التاسعة عشرة ابنة عمه، وكان في رغد وسعادة. وبينما كان يسير يوما إلى الصيد وهو في التاسعة والعشرين شاهد رجلا قد بلغ من كبر سنه منتهي الضعف والعجز، ورأى في وقت آخر شخصا مبتلى بمرض استعصى علاجه ويحتمل الآلام وبعد مدة أخرى تأثر واشمأز لرؤية منظرا كريها لجثة في حالة من الفساد، وكان خادمه وصاحبه الوفي المسمى (جانا) يذكره وينبهه في كل هذه الحالات ويقول له: (هذا هو مصير حياة البشر) وشاهد بوذا أحد النساك يمر عليه وهو في منتهي الراحة والأبهة والكرامة فسأل جانا ما حال هذا الرجل .. ؟ فحكى له جانا تفصيلا عن أخلاق الزهاد الذين أعرضوا عن كل شيء وعن أحوالهم، وقال له: إن هؤلاء الجماعة في سير وأرتحال دائم وهم يعلمون الناس أثناء سياحتهم ورحلاتهم تعاليم هامة بالقول والعمل.

والخلاصة أنه برغم إختلاف الروايات لا شك في أن ذهن هذا الأمير الشاب قد أخذ يضطرب تدريجيا وينفر من الحياة وضوضائها.

ووفد عليه رسول يوما في أثناء أزماعه العودة من النزهة وبشره بميلاد ولد هو أول مولود له، فقال بوذا لنفسه في تلك الحالة النفسية المضطربة دون أن يشعر:(ما هي ذي رابطة جديدة تربطني بالدنيا). والخلاصة أنه عاد إلى المدينة بينما كان المطربون يلتفون حوله. فطرب ورقص في تلك الليلة أقاربه وذوو رحمه فرحا بالمولود الجديد. لكن بوذا كان من الامتعاض والاضطراب بحيث لم يكترث بتلك الأوضاع أبدا. وأخيرا نهض من فراشه في آخر الليل كمن التهمت النار داره وأوعز إلى جانا أن يحضر له الفرس ومد رأسه في هذه الأثناء إلى غرفة زوجته وولده الوحيد من غير أن يوقظهما وعلى العتبة أخذ على نفسه عهدا ألا يعود إلى داره ما لم يصبح (بوذا) أي (حكيما مستنيرا) وقال:

ص: 4

(أذهب لأعود إليكم معلما وهاديا لا زوجا ووالدا) والخلاصة أنه خرج مع جانا وهام في البراري، وفي هذه اللحظة ظهر في السماء (مارا) أي الوسواس الكبير (إبليس أو النفس الأمارة) ووعده بالملك والعز في الدنيا بأسرها لكي يرجع عن عزمه لكنه لم يقع في شرك الوسوسة. فسار بوذا قليلا في تلك الليلة على شاطئ النهر ثم وهب لجانا جوهرة وملابسه الفاخرة وأعاده ومكث سبعة أيام بلياليها في غابة ثم التحق إلتحق بخدمة برهمي يدعى (الارا) كان في تلك البقعة واختار بعد ذلك صحبة برهمي آخر يسمى (أودراكا) وتعلم من هذين الرجلين حكمة وعلوم الهند كلها، ولكن قلبه لم يستقر بعد فذهب إلى غابة كانت في أحد الجبال، وهناك صحب خمسة من التلاميذ الذين كانوا يحيطون به ومارس التوبة والرياضات الشاقة ست سنين حتى اشتهر في تلك الناحية، فاعتزم لهذا أن يهجر ذلك المكان ولما قام ليذهب سقط على الأرض لشدة ضعفه وعجزه، وغاب عن وعيه بحيث ظن تلاميذه أنه فارق الحياة، ولكنه عاد إلى رشده فترك الرياضات الشاقة منذ ذلك الحين وأخذ يأكل طعامه بانتظام، ولما رأى التلاميذ الخمسة الذين كانوا في صحبته أنه مل من الرياضة نفضوا أيديهم من احترامه وتركوه وذهبوا بنارس. أما بوذا فإنه ترك ملذات الدنيا وثروتها والمقام فيها حتى ينال الضمير والطمأنينة عن طريق التعلم والفلسفة وحكمة الآخرين فلم يستطع أن ينال بتلك الرياضة والتوبة طمأنينة القلب التي كان يصبوا إليها والحاصل أنه بقي حيران في أمره ذاهلا وفي نفس ذلك اليوم الذي تفرق فيه عن تلامذته مكث بوذا تحت شجرة يتأمل ويفكر في نفسه، ماذا يعمل

؟ وأي طريق يتبع .. ؟ وهاجمته وساوس كثيرة وتاقت نفسه إلى الزوجة والولد والجاه والثروة والترف والنعيم، واستمر هذا الكفاح والجهاد مع النفس حتى غروب الشمس. ونتيجة لهذا الكفاح اتصل (بنير فانا) وتأكد لديه أنه أصبح (بوذا) أي أنه نال الإشراق واستنار، وحينئذ نال بوذا ما كان يصبو إليه من الراحة والطمأنينة. لذلك عزم أن يمارس الإرشاد. وأن يعرض رغبته على الآخرين، وكان بوذا وقتئذ في الخامسة والثلاثين من عمره فقصد في بادئ الأمر أستاذيه (الارا) و (أودراكا) ولكنه علم بعد، بأنهما قد توفيا، فذهب إلى تلامذته الخمسة من بنارس وأرشدهم وجعلهم من أتباعه، وآمن به أبوه وأمه وزوجته كذلك، ثم أمر زمرة من خواص مريديه أن يقوموا بإرشاد الناس) (1).فهذه هي خلاصة قصة بوذا، وهي عين ما ذكره الصوفية عن إبراهيم بن أدهم ابن الأمير البلخي الذي طلق الدنيا وتزيّا بزيّ الدراويش، وبلغ درجة أكابر الصوفية برياضته الطويلة، وتلك صورة طبق الأصل لما كانوا قد سمعوه عن حياة بوذا (2).

(1) انظر للت دستر الباب الحادي والعشرون فقرات (125، 126، 127، 131)، أيضا ((دائرة المعارف البريطانية)) نقلا عن ((تاريخ التصوف في الإسلام)) للدكتور قاسم غني ترجمة عربية (ص 223) وما بعد، أيضا جستجودر تصوف إيران (فارسي) للدكتور عبد الحسين زرين كوب (ص 6، 7) ط مؤسسة انتشادات امير كبير طهران 1363 هجري قمري.

(2)

([11528]) انظر للت دستر الباب الحادي والعشرون فقرات (125، 126، 127، 131)، أيضا دائرة المعارف البريطانية نقلا عن ((تاريخ التصوف في الإسلام)) للدكتور قاسم غني ترجمة عربية (ص 223) وما بعد، أيضا جستجودر تصوف إيران (فارسي) للدكتور عبد الحسين زرين كوب (ص 6، 7) ط مؤسسة انتشادات امير كبير طهران 1363 هجري قمري.

ص: 5

ثم علّق عليه الدكتور قاسم غني الباحث الإيراني بقوله: (وحدس (جولدزيهر) يمكن أن يكون صحيحا وهو من الاحتمالات القريبة من الواقع، وقد شوهدت لها نظائر كثيرة - إلى أن قال -: وإذا ما قارن أحد بين قصة بوذا كما وردت في مدونات البوذيين بقصة إبراهيم بن أدهم ذات الطابع الأسطوري، الواردة في كتب تراجم العارفين مثل (حلية الأولياء) للأصفهاني، و (تذكرة الأولياء) للشيخ العطار وجد شبها عجيبا بين تلك القصتين يستلف نظرة) (1).

هذا وهناك أقوال لإبراهيم بن أدهم وغيره من كبار الصوفية وأقطابهم في الزواج والأولاد تخبر بجلاء عن مواردها ومنابعها، فها هي تلك الأقوال من أهم كتب الصوفية:

ينقل الطوسي والعطار عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: (إذا تزوج الفقير فمثله مثل رجل قد ركب السفينة، فإذا ولد له ولد قد غرق)(2).ونقل السهروردي عنه أنه قال: (من تعود أفخاذ النساء لا يفلح)(3).

ونقل أبو طالب المكي - وهو من أعلام الصوفية البارزين وأئمتهم المتوفى سنة 386 هـ - عن قطب من أقطاب الصوفية الأوائل عن أبي سليمان الداراني المتوفى سنة 215 هـ: (من تزوج فقد ركن إلى الدنيا)(4).ونقل السهروردي في (عوارفه) الذي هو أشهر كتاب في التصوف عن أبي سليمان الداراني أيضا أنه قال: (ما رأيت أحدا من أصحابنا تزوج فثبت على مرتبته)(5).ونقل المكي عن سيد الطائفة الجنيد البغدادي أنه قال: (أحب للمريد المبتدي أن لا يشغل قلبه بالتزوج)(6).

كما نقل عن بشر بن الحارث أنه قيل له: (إن الناس يتكلمون فيك، فقال: وما عسى يقولون؟ قيل: يقولون: إنك تارك السنة يعنون النكاح.

فقال: قل لهم: إني مشغول بالفرض عن السنة، وقال مرة: ما يمنعني من ذلك إلا آية في كتاب الله تعالى قوله: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، ولعسى أن لا أقوم بذلك، وكان يقول: لو كنت أعول دجاجة لخفت أن أكون جلاداً على الجسر هذا. يقوله في سنة عشرين ومائتين والحلال والنساء أحمد عاقبة، فكيف بوقتنا هذا؟ فالأفضل للمريد في مثل زماننا هذا ترك التزويج) (7).

ويقول السهروردي: (التزوج انحطاط من العزيمة إلى الرخص، وجوع من الترمح إلى النقص، وتقيدا بالأولاد والأزواج، ودوران حول مظان الاعوجاج، والتفاف إلى الدينا بعد الزهادة، وانعطاف على الهوى بمقتضى الطبيعة والعادة)(8).

(1) انظر ((تاريخ التصوف في الإسلام)) للدكتور قاسم غني عربية (ص 223).

(2)

((كتاب اللمع)) للطوسي (ص 265) باب آداب المتأهلين ومن ولد بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور، و ((تذكرة الأولياء)) للعطار (ص 57) ط باكستان.

(3)

((عوارف المعارف)) للسهروردي (ص 166)، أيضا غيث المواهب العلمية للنفزي الرندي (1/ 208).

(4)

((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (1/ 252) ط دار صادر بيروت، غيث المواهب العلية (1/ 208).

(5)

((عوارف المعارف)) للسهروردي الباب الحادي والعشرون (ص 165) ط دار الكتاب العربي بيروت 1983 م.

(6)

([11534]) انظر ((قوت القلوب)) في ((معاملة المحبوب)) لأبي طالب المكي (1/ 267).

(7)

([11535])((قوت القلوب)) (2/ 238)، أيضا ((عوارف المعارف)) (ص 165)، أيضا الطبقات الكبرى للشعراني (1/ 73) ط دار العلم للجميع - القاهرة 1954 م.

(8)

([11536]) انظر ((عوارف المعارف)(ص 164، 165).

ص: 6

ثم نقل حديثا مكذوبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خيركم بعد المائتين رجل خفيف الحاذ، قيل: يا رسول الله وما خفيف الحاذ؟. قال: الذي لا أهل له ولا ولد)) (1). وقال بعض الفقراء - لما قيل له: تزوج -: أنا إلى أن أطلق نفسي أحوج مني إلى التزوج) (2).

وصوفي آخر محمد بن إبراهيم النفزي الرندي المتوفى سنة 792 هـ ينقل عن صوفي قديم آخر، وهو سهل بن عبد الله التستري أنه قال:

(إياكم والاستمتاع بالنساء، والميل إليهن، فإن النساء مبعّدات من الحكمة، قريبات من الشيطان، وهي مصايده وحظه من بني آدم، فمن عطف إليهن بكليته فقد عطف على حظ الشيطان، ومن حاد عنهن يئس منه، وما مال الشيطان إلى أحد كميله إلى من استرق بالنساء، وإن الشر معهن حيث كنّ، فإذا رأيتم في وقتكم من قدركن إليهن فايأسوا منه. قيل له: فحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((حبب إلي من دنياكم ثلاث، فذكر النساء)) (3)؟.فقال: النبي صلى الله عليه وسلم معصوم، وقد بلّغكم ما كان فيه معهن، هي عدوّة الرجل ظاهرا وباطنا، إن ظهرت له لمحبة أهلكته، وإن أضمر تهاله، وإن الله عز وجل جعلهن فتنة، فنعوذ بالله من فتنتهن) (4).

ونقل عن صوفي آخر حذيفة المرعشي المتوفى 207 هـ أنه قال: (كان ينبغي للرجل لو خيّر بين أن يضرب عنقه، وبين أن يتزوج امرأة في الفتنة لاختار ضرب العنق على تزويج امرأة في الفتنة)(5).

ونقل ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر علي المصري المتوفى 804 هـ في كتابه عن أحد كبار الصوفية: (ما تزوج أحد من أصحابنا إلا تغير)(6).ونقل الشعراني عن رباح بن عمرو القيسي - من الصوفية الأوائل - أنه قال: لا يبلغ الرجل إلى منازل الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، وأولاده كأنهم أيتام، ويأوي إلى منازل الكلاب (7).

(1) رواه البيهقي في الشعب (12/ 550) وقال تفرد به رواد بن الجراح العسقلاني، عن سفيان الثوري، ورواه أبو يعلى وقال البوصيري في إتحاف الخيرة (4/ 3) إسناده في مقال وقال أبو حاتم باطل كما في العلل لابنه (1890) ومثله قال الألباني في الضعيفة (3580)

(2)

([11538])((عوارف المعارف)) (ص 165).

(3)

رواه النسائي (3939) وأحمد (3/ 128)(12315) والحاكم (2676) والبيهقي في الكبرى (7/ 78) واللفظ له، قال الحاكم صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (5435)

(4)

((غيث المواهب العلية في شرح حكم العطائية)) لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم النفزي (1/ 209) بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور محمود الشريف ط مطبعة السعادة القاهرة.

(5)

([11541])((غيث المواهب العلية في شرح حكم العطائية)) لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم النفزي (1/ 209) بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور محمود الشريف ط مطبعة السعادة القاهرة ..

(6)

([11542])((طبقات الأولياء)) لابن الملقن ص 36 نشر مكتبة الخانجي القاهرة الطبعة الأولى 1393 هـ.

(7)

([11543])((طبقات الشعراني)) (1/ 46).

ص: 7

وكتب صوفي قديم آخر، وهو أبو الحسن علي الهجويري المتوفى قريبا سنة 465 هـ قصة غريبة في العزلة والتجرد نقلا عن إبراهيم الخواص أنه قال:(وصلت إلى قرية بقصد زيارة عظيم كان هنالك، ولما ذهبت إلى داره رأيت بيتا نظيفا مثل معبد الأولياء، وقد جعل في زاويتين من البيت محرابين، وجلس في أحدهما شيخ، وفي الآخر عجوز نظيفة وضيئة، وقد ضعف كلاهما من كثرة العبادة، فأظهر السرور بقدومي، وبقيت هنالك ثلاثة أيام، ولما أردت العودة سألت الشيخ: من تكون لك تلك العفيفة؟ قال: هي من ناحية ابنه عمي، ومن ناحية أخرى زوجي، فقلت: رأيتكما خلال هذه الأيام الثلاثة كالغربيين تماما في الصحبة، قال: نعم، منذ خمسة وستين عاما ونحن كذلك فسألته عن سبب ذلك، فقال: إعلم إننا كنا عاشقين لأحدنا الآخر في الصغر، ولم يكن أبوها يعطيها لي لأن محبتنا صارت معروفة، فتحملت ذلك حتى توفي أبوها، وكان والدي عمها، فزوجها لي، فلما كانت الليلة الأولى من تلاقينا قالت لي: أنت تعلم آية نعمة أنعمها الله علينا إذ أوصل كلامنا إلى الآخر، وأفرغ قلبينا من القيود والآفات السيئة، فقلت: نعم، قالت: فلنمنع أنفسنا الليلة عن هوى النفس، وندس على مرادنا، ونعبد الله شكراً على هذه النعمة، فقلت: هذا صواب، وقالت هذا نفسه في الليلة التالية. وقلت أنا في الليلة الثالثة: لقد أدينا الشكر ليلتين من أجلك، فلنقض ليلتين أيضا في العبادة من أجلي. وقد تمت الآن خمسة وستون عاما لم يمس أحدنا الآخر، ونحن نقضي كل العمر في شكر النعمة)(1).

وقال بعد نقلها ونقل أشياء أخرى: (وفي الجملة: إن أول فتنة قدرت على آدم في الجنة كان أصلها امرأة. وأول فتنة ظهرت في الدنيا - أي فتنة هابيل وقابيل - كانت أيضا بسبب امرأة. وحين أراد الله تبارك وتعالى أن يعذب إثنين من الملائكة جعل سبب ذلك امرأة. وهن جميعا إلى يومنا هذا سبب جميع الفتن الدينية والدنيوية، لقوله عليه السلام: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)) (2)، فإذا كانت فتنتهن بهذا القدر في الظاهر، فكيف تكون في الباطن؟

وأنا علي بن عثمان الجلابي، من بعد أن حفظني الحق تعالى من آفة الزواج أحد عشر عاما، قدر أن وقعت في الفتنة، وصار ظاهري وباطني أسير الصفة التي كانوا عليها معي، دون أن تكون هنالك رؤية، وقد استغرقت في ذلك عاما، بحيث كان يفسد على ديني، إلى أن بعث الحق تعالى بكمال فضله وتمام لطفه عصمته لاستقبال قلبي المسكين، ومنَّ عليّ بالخلاص برحمته، والحمد لله على جزيل نعمائه.

وفي الجملة فإن قاعدة هذا الطريق وضعت على التجريد، وعندما جاء التزويج اختلف أمرهم، ولا يوجد أي عساكر الشهوة إلا ويمكن إخماد ناره بالاجتهاد، لأن الآفة التي تنشأ منك تكون آلة دفعها معك أيضا، ولا يلزم الغير حتى تزول عنك تلك الصفة.

(1)([11544])((كشف المحجوب)) للهجويري (ص 610، 611).

(2)

رواه البخاري (5096) ومسلم (2740)

ص: 8

وزوال الشهوة يكون بشيئين: واحد يدخل تحت دائرة التكلف، وواحد يخرج عن دائرة الكسب والمجاهدة، فما يدخل في تكلف الآدمي ومقدوره هو الجوع، وأما ما يخرج من التكلف الهمم، وتنشر المحبة سلطانها في أجزاء الجسد، وتعزل كل الحواس عن أوصافهم، وتجذب كل العبد، وتغني عنه الهزل. وإن الحمد بن حماد السرخسي، الذي كان رفيقي في ما وراء النهر، رجلا محتشما، قيل له: أبك حاجة إلى التزويج، قال: لا، قالوا: لم؟ قال: إنني في حالي إما أن أكون غائبا عن نفسي، وإما أن أكون حاضرا بنفسي. وحين أكون غائبا لا أفكر في الكونين، وحين أكون حاضرا فإنني أجعل نفسي بحيث إذا وجدت رغيفا تعتبر أنها وجدت ألفا من الحور. فانشغال القلب بكل ما تريده يكون عظيما، فتنبه) (1).وذكر السراج الطوسي أيضا قصة صوفي تزوج من امرأة فبقيت عنده ثلاثين سنة وهي بكر (2).وذكر العطار عن عبد الله بن خفيف الصوفي المشهور أنه تزوج أربعمائة امرأة ولكنه لم يجامع واحدة منهن (3).

وهل لسائل أن يسأل: ما الغرض الذي كان من نكاحه إياهن؟.وذكر الشعراني أيضا عن صوفي آخر ياقوت العرشي أنه تزوج ابنة شيخه أبي العباس المرسي فمكثت عنده ثماني عشرة سنة لا يقربها حياء من والدها ومنها، وفارقها بالموت وهي بكر (4).

ونقل عن الشعراني أيضا عن أحد المتقدمين من الصوفية مطرف بن عبد الله الشغير المتوفى سنة 207 هـ أنه قال: (من ترك النساء والطعام فلابد له من ظهور كرامة)(5).

ونقل أيضا في كتابه (تنبيه المغتربين) من أحد الصوفية أنه قال: من تزوج فقد أدخل الدنيا بيته

فاحذروا من التزويج (6).

وينقل ابن الجوزي عن أبي حامد الغزالي أنه قال: (ينبغي أن لا يشغل المريد نفسه بالتزويج، فإنه يشغله عن السلوك ويأنس بالزوجة، ومن أنس بغير الله شغل عن الله تعالى)(7).

هذا ومثل هذا كثير.

ولقد بوب الصوفية في كتبهم أبوابا مستقلة في مدح العزوبة وذم التزويج، وهذا الأمر لا يحتاج إلى بيان أنه لم يأخذه المتصوفة إلا من رهبان النصارى ونساك المسيحية الذين ألزموا أنفسهم التبتل، خلافا لفطرة الله التي فطر الناس عليها.

تقليدا لهم واتباعا لسنتهم، واقتداء لمسالكهم ومشاربهم، مخالفين أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم الناسخ لجميع الشرائع والأديان، المبعوث بمكارم الأخلاق وفضائل العادات، فالله يأمر المؤمنين في محكم كتابه بنكاح النساء مثنى وثلاث ورباع وعند الخوف من عدم العدل بواحدة، فيقول جل من قائل:

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُواْ [النساء:3].

وقال وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32].

وجعل الزواج سببا لحصول السكون والطمأنينة حيث قال عز وجل:

(1)([11546])((كشف المحجوب)) الطبعة العربية (610، 611).

(2)

([11547])((اللمع للسراج)) الطوسي (ص 264).

(3)

([11548]) انظر ((تذكرة الأولياء)) لفريد الدين العطار (ص 241) ط باكستان.

(4)

([11549])((الأخلاق المتبولية)) لعبد الوهاب الشعراني (ج3 ص 179) بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ط مطبعة دار التراث العربي - القاهرة 1974 م.

(5)

([11550])((طبقات الشعراني)) (ص 34).

(6)

([11551])((تنبيه المغتربين)) للشعراني (ص 29).

(7)

([11552]) انظر ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص 286).

ص: 9

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]

ورسوله صلوات الله وسلامه عليه يحذر المعرضين عنه في حديث طويل أورده البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: ((إن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي عليه السلام عن عمله في السر فأخبرهم فقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر، فحمد الله النبي عليه الصلاة والسلام وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (1) وقال: ((تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)) (2).وقال عليه الصلاة والسلام: ((حبب إلي من الدنيا الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة)) (3).

وعن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يأتي أحدنا شهوته ويكون فيها له أجر؟. قال: أفرأيتم لو وضعه في حرام، هل عليه وزر؟ قالوا: نعم. قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)) (4).

وما أحسن ما قال إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمة الله عليه: (ليس العزوبة من أمر الإسلام في شيء، النبي عليه الصلاة والسلام تزوج أربع عشرة امرأة ومات عن تسع، ثم قال: لو كان بشر بن الحارث تزوج قد تم أمره كله، لو ترك الناس النكاح لم يغزوا ولم يحجوا ولم يكن كذا، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يصبح وما عنده شيء، وكان يختار النكاح ويحث عليه، وينهي عن التبتل، فمن رغب عن عمل النبي عليه الصلاة والسلام فهو على غير الحق. ويعقوب عليه السلام في حزنه قد تزوج وولد له. والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ((حبب إلي النساء)) (5).

فهذه هي تعاليم شريعة الإسلام المستقاة من أصلين أساسيين لشرع الله الكتاب والسنة.

وتلك هي أقوال الصوفية، التي لم يأخذوها من هذا المورد العذب، والمنهل الصافي، بل أخذوها من الكهنة والبوذية كما مر ذلك، ونساك الجينية، ورهبان المسيحية. وأمر أولئك في هذا الباب مشهور ومعروف لا يحتاج إلى كثير من البيان، ولكن لإقامة البرهان ننقل بعض آيات من الإنجيل، فقال المسيح:(ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات، من استطاع أن يقبل فليقبل)(6).

ويقول رسول المسيحيين في رسالته إلى أهل كورنتوس: (وأما من جهة الأمور التي كتبتم عنها فحسن للرجل أن لا يمس امرأة)(7).

وكذلك يقول: (أقول لغير المتزوجين والأرامل: إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا (8).

(1) رواه البخاري (5063) ومسلم (1401)

(2)

رواه أبو داود (2050) والحاكم (2685) والبيهقي (7/ 81) دون قوله يوم القيامة، ورواه أحمد (3/ 158)(12634) وابن حبان (4028) بلفظ الأنبياء بدل الأمم، وأما بهذا اللفظ فأخرجه الخطيب (12/ 377) قال الهيثمي في المجمع (4/ 258) إسناده حسن، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود))

(3)

رواه النسائي (3939) وأحمد (3/ 128)(12315) والحاكم (2676) والبيهقي في الكبرى (7/ 78) قال الحاكم صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (5435)

(4)

رواه مسلم (1006)

(5)

((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص 285، 286).

(6)

([11558]) الآية 12 من ((إنجيل متى من العهد الجديد)).

(7)

([11559]) رسالة بولس في رسالته إلى أهل كورنتوس من ((العهد الجديد الإصحاح السابع)) الآية 1.

(8)

([11560]) أيضا الآية 8.

ص: 10

ويقول: (فأريد أن تكونوا بلا هم. يهتم في ما للرب كيف يرضى الرب. وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضى امرأته. إن بين الزوجة والعذراء فرقا. غير المتزوجة تهتم في ما للرب لتكون مقدمة جدا وروحا. وأما المتزوجة فتهتم في ما للعالم كيف ترضى رجلها. هذا أقوله لخيركم ليس لكي ألقى عليكم وهقا، بل لأجل اللياقة والمثابرة للرب من دون ارتباك. ولكن إن كان يظن أنه يعمل بدون لياقه نحو عذرائه إذا تجاوزت الوقت، وهكذا لزم أن يصبر فليفعل ما يريد. إنه لا يخطئ فيتزوجا. وأما من أقام راسخا في قلبه وليس له سلطان على إرادته، وقد عزم على هذا في قلبه أن يحفظ عذراء فحسنا يفعل. إذن من زوج فحسنا يفعل. ومن لا يزوج يفعل أحسن (1).

هذا ومثل هذا كثير.

هذه هي تعاليم المسيحية، المنقولة منهم تجاه الزواج، ومن هذه التعاليم تأثر وليّ من أولياء المسيحية اوريغن ( O IGEN) الذي يعدونه أحد القديسين، العائش ما بين 185 و 254، وجبَّ ذكره (2).

والجدير بالذكر أن أحد المتصوفة أتى بمثل هذا العمل، وفعل فعلته فيه كما ذكر الشعراني أن عبد الرحمن المجذوب:(كان رضي الله عنه من الأولياء الأكابر، وكان سيدي على الخواص رضي الله عنه يقول: ما رأيت قط أحدا من أرباب الأحوال دخل مصر إلا ونقص حاله إلا الشيخ عبد الرحمن المجذوب، وكان مقطوع الذكر قطعه بنفسه أوائل جذبه (3).

وصوفي هندي آخر أيضا فعل ذلك (4).وكتب هينس ( HANS)( أن المسيحيين القدامى كانوا يعدون ترك الزواج من الأمور الواجبة والمحببة إلى الله، والمقربة إلى ملكوته (5).

(1)((الإصحاح السابع)) الآية 31 إلى 39.

(2)

([11562]) Oxford History Christian Church P 992 London ، 1958.

(3)

([11563])(( انظر طبقات الشعراني)) (2/ 142).

(4)

([11564]) انظر ((تذكرة أولياء)) بر صغير لميرزه محمد اختر الدهلوي (3/ 33).

(5)

([11565]) Bookings of the Christian Churchs P. 135 London. 1955.

ص: 11