المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الزواج

- ‌المبحث الثاني: المسيحية وترك الدنيا:

- ‌المبحث الثالث: الزّاويَةُ وَالملْبَسُ:

- ‌المبحث الرابع: المذاهبُ الهنْديّة وَالفَارسيَّة:

- ‌المبحث الخامس: الأفلَاطونيّة الحَدِيثَة:

- ‌الفصل العاشر: التصوف عند الوثنيين وأهل الكتاب

- ‌المبحث الأول: الصوفية عند الوثنيين

- ‌المطلب الأول: الطاوية (منتشرة في الصين)

- ‌المطلب الثاني: الجينينة (نسبة إلى جينا، أي: القاهر والمتغلب)

- ‌المطلب الثالث: الهندوسية

- ‌المطلب الأول: عند اليهود

- ‌المطلب الثاني: عند النصارى

- ‌الفصل الحادي عشر: الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية

- ‌المبحث الأول: الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم

- ‌المطلب الأول: مدة الخلوة

- ‌المطلب الثاني: شروط الخلوة الصوفية

- ‌المبحث الثالث: أقسام الخلوات الصوفية

- ‌المبحث الرابع: تثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر

- ‌الفصل الثاني عشر: كيفية الدخول في المذهب الصوفي

- ‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية

- ‌المبحث الأول: عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود

- ‌المبحث الثالث: الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية

- ‌المبحث الأول: معنى التزكية وأهميتها

- ‌المبحث الثاني: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في مناهج التزكية

- ‌المبحث الثالث: منهج التزكية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في غاية التزكية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشرعيَّة والحقيقة

- ‌المبحث الثاني: الحقيقة المحمَدية

- ‌المبحث الثالث: وحدة الأديان

- ‌المبحث الرابع: الأولياء والكرامات

- ‌المبحث الخامس: الأقطاب والأوتاد

- ‌المبحث السادس: الشطح واللامعقول

- ‌المبحث الأول: تربية ذليلة

- ‌المبحث الثاني: المتصَوفة وعلم الحَديث

- ‌المبحث الثالث: البطالة والانحِلَال

- ‌المبحث الرابع: السَّمَاع وَالذِكر

- ‌المبحَث الخامِس المتصَوفة والجهَاد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني: الغيب في المعتقد الصوفي

- ‌المبحث الثالث: عبدالكريم الجيلي وكتابه (الإنسان الكامل)

- ‌المبحث الرابع: ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية

- ‌المبحث الخامس: ما الذي يريده هؤلاء الملاحدة

- ‌المبحث السادس: الغزالي وطريق الكشف

- ‌المبحث السابع: ابن عربي والكشف الصوفي

- ‌المبحث الثامن: نماذج من الكشف الصوفي

- ‌الفصل التاسع عشر: الشطحات الصوفية

- ‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية

- ‌المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثالث: حجج المجوّزين للذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الخامس: صفة الذكر

- ‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي

- ‌المبحث السابع: مفاسد الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثامن: فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: الوجد والرقص عند الصوفية

- ‌الفصل الثالث والعشرون: الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية

- ‌المبحث الأول: أبو يزيد البسطامي ومعراجه

- ‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني

- ‌المبحث الأول: الولاية الرحمانية

- ‌المبحث الثاني: الولاية الصوفية الشيطانية

- ‌المبحث الثالث: مراتب الولاية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: القطب الغوث واحد في الزمان فقط

- ‌المبحث الخامس: قطب سنة 593هـ من مدينة فاس بالمغرب

- ‌المبحث السادس: وظيفة القطب

- ‌المبحث السابع: الأبدال السبعة ووظائفهم

- ‌المبحث الثامن: مدة حكم القطب ووظيفته

- ‌المبحث التاسع: ابن عربي القطب الأعظم

- ‌المبحث الأول: الحكيم الترمذي وكتابه (ختم الأولياء)

- ‌المبحث الثاني: ابن عربي وختم الولاية

- ‌المبحث الثالث: محمد عثمان الميرغني وختم الولاية

- ‌المبحث الرابع: أحمد التيجاني وختم الولاية

- ‌المطلب الأول: الإسلام لم يأت بتقديس القبور والأضرحة

- ‌المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء

- ‌المطلب الثالث استمرار ما درج عليه الصحابة من الهدي في تسوية القبور والنهي عن تعظيمها إلى نهاية القرون المفضلة

- ‌المطلب الأول هدي اليهود والنصارى في اتخاذ القبور مساجد واستحقاقهم اللعن على ذلك وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فعلهم

- ‌المطلب الثاني: النهي عن التشبه باليهود والنصارى

- ‌المطلب الثالث: الرافضة هم أول من أحدث المشاهد المعظمة في الملة الإسلامية وغلوا في أصحابها حتى عبدت من دون الله تعالى

- ‌المبحث الثالث: واقع القبورية في العالم الإسلامي

- ‌المبحث الرابع: أشهر هذه القبور في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفضائل المفتراة التي يروجون بها لزيارة هود عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: نماذج من أشعار القوم في الترويج لها

- ‌المطلب الثالث: وسائل جذب الزوار لهذه الزيارة

- ‌المطلب الرابع: مظاهر وثنية في هذه الزيارة

- ‌المطلب الخامس: الطقوس الوثنية فيها

- ‌أولا: المناسك الزمانية

- ‌ثانياً: المناسك المكانية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: هيئة الديوان

- ‌المبحث الثاني: زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان

- ‌المبحث الثالث: ساعة انعقاد الديوان

- ‌المبحث الرابع: زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان

- ‌المبحث الخامس: زعمهم حضور الملائكة للديوان

- ‌المبحث السادس: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين أعضاء في الديوان

- ‌المبحث السابع: لغة أهل الديوان

- ‌المبحث الثامن: أولياء يحضرون الديوان بأرواحهم فقط

- ‌المبحث التاسع: الديوان يعقد في صحراء السودان أحياناً

- ‌المبحث العاشر: ماذا لو غاب الغوث

- ‌المبحث الحادي عشر: الغوث الصوفي دكتاتور كبير

- ‌المبحث الثاني عشر: أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

- ‌المبحث الثالث عشر: لماذا يجتمع أهل الديوان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: اتخاذ الشيخ

- ‌المبحث الثاني: مواصفات الشيخ

- ‌المبحث الثالث: آداب المريد

- ‌الفصل الثلاثون: تراجم زعماء الصوفية

- ‌الفصل الحادي والثلاثون: موقف بعض العلماء من التصوف

- ‌المبحث الأول: موقف الإمام الشافعي

- ‌المبحث الثاني: موقف الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المبحث الثالث: موقف الإمام أبو زرعة الدمشقي

- ‌المبحث الرابع: موقف الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبدالكريم البزودي المتوفى سنة 478هـ ببخارى

- ‌المبحث الخامس: موقف الإمام ابن الجوزي

- ‌المبحث السادس: موقف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المبحث السابع: موقف الإمام برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885ه

- ‌المبحث الثامن: شهادة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي

- ‌المبحث التاسع: مع الشيخ الفاطمي الشرادي

- ‌المبحث العاشر: مع الشيخ عبدالعزيز بن إدريس

- ‌المبحث الحادي عشر: شهادة الشيخ عبدالرحمن الوكيل

- ‌المبحث الأول: أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

- ‌المبحث الثاني: دلالة اسم عبدك

- ‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف

- ‌المبحث الرابع: نزول الوحي وإتيان الملائكة

- ‌المبحث الخامس: المساواة بين النبي والولي

- ‌المبحث السادس: تفضيل الولي على النبي

- ‌المبحث السابع: إجؤاء النبوة

- ‌المبحث الثامن: العصمة

- ‌المبحث التاسع: عدم خلو الأرض من حجة

- ‌المبحث العاشر: وجوب معرفة الإمام

- ‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية

- ‌المبحث الثاني عشر: الحلول والتناسخ

- ‌المبحث الثالث عشر: مراتب الصوفية

- ‌المبحث الرابع عشر: التقية

- ‌المبحث الخامس عشر: الظاهر والباطن

- ‌المبحث السادس عشر: نسخ الشريعة ووضع التكاليف

- ‌المبحث السابع عشر: تقديس القبور وزيارة المشاهد

- ‌المطلب الأول: الحلاج والتشيع

- ‌المطلب الثاني: الحلاج داعية الإسماعيلية في المشرق

- ‌المطلب الثالث: شهادة العمار الحنبلي أن الحلاج قرمطي

- ‌المطلب الرابع: الحلول عند الحلاج الصوفي وعند أبي الخطاب الشيعي

- ‌المبحث التاسع عشر: الطرق الصوفية والتشيع

- ‌المطلب الأول: الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثاني: الطريقة البكتاشية تنتشر في مصر

- ‌المطلب الثالث: أصول الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الرابع: مراتب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الخامس: التكية البكتاشية

- ‌المطلب السادس: العهد ودخول الطريقة

- ‌المطلب السابع: آداب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثامن: الأوراد البكتاشية

- ‌المطلب التاسع: دور الفرس في التشيع والتصوف

- ‌المبحث الأول: طلب الهداية في غير الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة

- ‌المبحث الثالث: الغلو الزائد في الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء

- ‌المطلب الأول: غلوهم في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني غلوهم في الأولياء

- ‌المبحث الرابع: تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني

الفصل: ‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني

‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني

ذكرنا في باب الكشف الصوفي ما افتراه عبدالكريم الجيلي في كتابه (الإنسان الكامل) فيما زعمه أنه عرج به إلى السماوات ورأى هنالك الملائكة والأنبياء وكلمهم واستفاد منهم فوائد، وأفادهم كذلك فوائد فيما زعمه، وقد نقلنا في ذلك الباب نقولاً مستفيضة مما كذبه، وقد جاء من نسج على منوال الجيلي تماماً وكتب كتاباً يكاد يكون نسخة منه وهو إسماعيل بن عبدالله السوداني والذي ألفه سنة 1261هـ أي منذ مائة وسبع وثلاثين سنة تقريباً وسماه (مشارق شمس الأنوار ومقارب حسها في معنى العلوم والأسرار).

وقد سلك إسماعيل بن عبدالله السوداني هذا مسلك الجيلي نفسه حيث زعم أنه عرج به إلى السماء سماء سماء. والعجيب أنه جعل هذه السماوات هي الكواكب السبعة التي كانت معروفة في ذلك الوقت (القمر، والزهرة، والمشتري، والمريخ، وعطارد، وزحل). والتي كان يظن قديماً أنها هي السماوات السبع فجعل لكل سماء من هذه (روحانية) كما يعتقده الصابئة عبدة النجوم، وشوه معراج الرسول صلى الله عليه وسلم فنقل منه أسماء الأنبياء والرسل الذين التقى بهم الرسول في معراجه، فزعم إسماعيل هذا أنه التقى بهم أيضاً وأفادوه وباركوه واحتفلوا بمجيئه إليهم، وأنه شاهد بعد ذلك العرش والكرسي وسدرة المنتهي، والملائكة الذين لم يسجدوا لآدم تماماً كما زعم الجيلي من قبله مكذباً بذلك القرآن حيث يقول سبحانه وتعالى: ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ [الأعراف:11] ويبدو أنه لم يقرأ هذه الآية قط واكتفى بقراءة كتاب الجيلي ونقل عنه مشاهداته وزعمها لنفسه وجعلها كشفاً خاصاً به هو ..

وهذا هو شأن مشايخ التصوف ينقل بعضهم عن بعض نفس الدعاوي التي يدعيها من قبله فإذا قال أحدهم أنا خاتم الأولياء قال من بعده بل أنا خاتم الأولياء، وإذا قال أحدهم رفعني الله وأجلسني عنده وأعطاني وقربني جاء من يدعي هذه الدعاوي ويزيد على ذلك وهكذا. وهأنذا أنقل فقرات من هذه الأكاذيب المفتراة التي افتراها إسماعيل بن عبدالله السوداني: قال:

المغرب السابع: في عين العروج إلى السماء السادسة

اعلم أيها الابن البار المبرور والمهدي إلى طريق الملك الغفور أن العبد إذا طرح جميع الأكوان العارضة له في السماء الخامسة في حالة عروجه إلى حضرة الرحمن فإن الرب الكريم يصلح له السريرة ويحد له عين البصيرة فيعرج منها إلى السماء السادسة فيجد البواب فيسلم عليه فيرد عليه السلام ويرحب به، ويفتح له الباب.

فافهم يا بني فإنه يدخل فينظر ما فيها من الغرائب ويتعجب من تلك العجائب فإن هذه السماء فيها من الكواكب المشتري ولونها في غاية السواد قد يرى وهو جوهر شفاف من بديع الصنائع على الاستواء من غير اختلاف ودورها أوسع يزيد على دور سماء المريخ بألفين عام ومائتين سنة وثلاثة وثلاثين سنين (كذا والصواب: بألفي عام، ومئتي سنة وثلاث سنين!) وأربعة أشهر، وفيها نبي الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام (هكذا).

نفائس حقية من علوم ذوقية:

فنقول بحسب كشفنا، فإن العبد الراقي إلى تلك المراقي إذا وصل إلى هذه السماء يرى نفسه مغيباً في أنوار القدس موشحة بأنوار الهيبة والأنس حوله جملاً من ملائكة الرحمن ناطقاً بغميض الأسرار والعلوم معهم في حالة عروجه إلى حضرة الملك الديان. فيرى ملائكة هذه السماء متنوعة من عدة أصناف، فيهم ملائكة الرحمة الألطاف، يدرون ملائكة هذه السماء في هذه الأرض لرفع الوضيع وزيادة الرفيع، منهم من وكله الله تعالى بإيصال الرزق إلى المرزوق، ووكل غيرهم بما اقتضته الحكمة بين الخالق والمخلوق ..

ص: 221

وقد اجتمعت بالملك الحاكم عليهم وهو روحانية المشتري (كوكب معروف)، رأيته جالساً على منبر من نور الحكمة ملتحفاً بثوب أصفر من أنوار الهمة، وهم مطيعون له في سره وجهره وممثلون له في جميع نهيه وأمره لا يفعل منهم أحد شيئا إلا بإذنه ولا يتقدم إلا بأمره لتنفيذ ما وكل به من شأنه، فسألته عن عدة علوم فأجابني برمز مكتوم ففهمته منه بوساطة مظهر اسم الله القيوم، بفهم لا من حيث مطلق المفهوم فوثبت قائماً وسرت منه بفضل الله تعالى عالماً، فاجتمعت من بعده بنبي الله موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فوجدته فانياً في الشهود والمكالمات غالباً في أنوار المشاهدات جالساً على كرسي من أنوار الوقار ولونه أصفر مخلوط عليه خطوط مرموزة جامعة لما حواه من الفخار من حضرة الأسرار متأدباً مع استهلاكه مع شهود مولاه، مناجياً له ومستغرقاً في فناه، تجلي الأنية فيحضره إظهار مظاهر الحق في حقيقة سره، إنني أنا الله، فقد عرفته بعدما عرفني فسلمت عليه ورد علي السلام وقربني وانتصب لي قائماً وأهل بي حيث جئته حافظاً ملازمة أدبي، فسألته سؤال من دخل حضرة الأدب وعرف سر البسط والغضب.

فقلت له: يا سيدي بحق من نبأك وزكاك وأورثك هذا المقام وتولاك بأن تجود علي بإجابة مقالي وإفادتي في سؤالي، فإن رسولنا الصادق الكريم بلغنا ما قصه له ربه في الكتاب الحكيم بأنك طلبت رؤية مولاك حيث قلت له: أرني أنظر إليك. فأتاك منه الخطاب حيث قال: لن تراني، فما معنى طلبك له ومجيء هذا الخطاب إليك فاستفدنا عدم حصول الرؤية لك في حالة مجيء الخطاب فشتان ما بين حالتك هذه وحالة أهل الحجاب، فكيف هذا السر، وباطن هذا الأمر؟

فقال لي: يا عبدالله إن السر غريب والأمر عجيب، فافهم أرشدك مولاك وأورثك أسرار علومه وتولاك، فإن ربي حين أمرني بعبادته بمطلق العبودية وعرفني سر ظهور أسراره مظاهره في عموم الآنية حين أبصرت نار سر دلالتي ورجوت إتياني لأهلي بشعلة منا كي يصدقوني بها في مقالتي أو أجد عليها هدى من ضلالتي، فنوديت بعد إتياني بها من جانب طور قلبي بما اقتضت الحكمة من ربي، يا موسى إني أنا ربك الصادر أمري لك، فاخلع نعليك الكائنتين في عضويك بأن لا تشرك بعبادتي أحداً ولا يدخلك ريب فيما آمرك به أبداً إنك بالواد الذي هو فضاء سر الظهور الظاهر من ربك إلى قلبك من جانب الطور المقدس عن حلول الأغيار فيه، المطهر لك حيث اقتضت الحكمة بأنك في هذا الوادي المسمى بطوى توافيه، وأنا اخترتك حيث أمرتك فاستمع لما يوحى من الإيحاء، فلما حققت هذا المقال من حضرة القرب على لسان الحال استعددت إلى تنزله في داخل قلبي وفنيت نفسي في الاستماع لما يوحى إلى من حضرة ربي، جاءني منه الأمر بالاستفراغ لعبادته حيث قال لي: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:14]. فقبلت ذلك وعبدته كما أمرني، فلما صدق الإخلاص مني وحسن في الله ظني أردت بقاء نفسي في مقام لقاه وأيقنت بأن لا إله معبود بحق سواه. فقلت: ربي أرني أنظر إليك. فما طلبت سوى تجلي الذات للذات. وذلك من أسرار الكبريائية من التجليات، فلما علم الله استحالة بقاء القديم في الحادث وما ثم غيري في هذا المقام محادث. قال لي: لن تراني في الحال بحيث أبقى فيك، لأني قديم وأنت حادث ولكن انظر إلى الجبل المستقر حولك إذ تنكشف لك حقيقة ذلك، فإن استقر مكانه بعد ظهور سلطاني له فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقا، أي فلما ظهر سلطان القديم للجبل ساخ في الأرض حيث نزل وقد حصل لموسى ما حصل من الصعق والوجل. وفي هذا المقام سر لطيف وتعلمت من موسى عليه السلام مائة ألف علم من العلوم التي تجول في الأفكار تعذر النطق بها.

ص: 222

ثم تعلمت منه في هذا المشهد علوماً لم يسعني الوقت أن أفشيها فيه، وما أظن أحداً من الأولياء المتقدمين تكلم على حقيقة هذا المشهد على ما هو عليه أبداً إلى وقتنا هذا، وإن تكلم البعض عليه فذلك في شيء منه فلا يستطيع أحد منهم أن يستوفيه لشدة ما رأيته من عظمة حقيقته ورقة دقيقته، وقد اجتمعت برجال من الأولياء الأكابر حين تقييدي لهذا المحل فوجدته له معرفة تامة في بعض المظاهر من هذا المشهد وقدمه موسوي متحقق بإحدى وخمسين اسماً من أسماء الله الحسنى له تعبير لطيف وبحث ظريف فسألته عن مقامه والذي حازه من علوم هذا المقام، فأخبرني بدقائق من علومه فحققت أن له حظاً وافراً وأخبرني أن لما وصل من هذا المقام إلى هذا المحل وجدنا سيدنا موسى عليه السلام.

وسأله فبحث فيه فاستفاد بوساطته خمسة آلاف علماً وفي كل علم أسرار لا تحصى فلما سألني عن علومي في هذا المشهد وبحثت له في ذروته من دقائق العلوم والأسرار والمظاهر والأنوار غاب عن نفسه غيبة عظيمة حتى خفت عليه من أن يذوب، فلما صحا تعجبت من ثباتي مع شدة التمكين فحمدت على ذلك الملك المعين، فلما حققت زيادتي عليه وتمكني في المشاهد بالذي ظهر مني إليه طلبني اسماً من المخفيات لأجل التبرك فأعطيته ذلك الاسم بأنواره وعلوم حضراته وأسراره فانتفع به" (كتاب مشارق شموس الأنوار ص128 - 131) انتهي منه بلفظه.

ويستطرد إسماعيل بن عبدالله السوداني مبيناً مشاهداته المزعومة في السماء السابعة فيقول:

"فنقول بحسب كشفنا، قد اجتمعت فيها (أي في السماء السابعة) بجملة من الملائكة فعرفتهم وعرفوني وسألتهم عن علوم لا تحصى، ورأيت فيها كوكباً له توقد من شدة عظمته ولكنه خفي عن أعين الناظرين، لأن معرفته لم تحصل لأحد سوى الكاملين من العارفين أهل الفتح ولم يظفر به إلا أرباب المعارف الراقين ذروة السطح ومن ثم فعلت كيفية حلول زحل في فلكه، وعلم كيفية سيره فيه، وعلم السر الذي وضعه الله فيه وغير ذلك.

واجتمعت في هذه السماء بنبي الله سيدنا إبراهيم الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فوجدته جالساً على منبر من نور أحمر متكئ على نمارق من نور أخضر لائحة على وجهه أنوار المعارف والكمال متوجهاً بتاج أسرار النبوة والإجلال بيده قضيب من سر علوم الكنوز معتقلاً سيف فتق طلاسم الرموز مسنداً ظهره إلى البيت المعمور مشاهداً ما هو له من حضرة الغفور، فلما وصلت إليه وسلمت عليه، رد علي السلام وأكرمني بالقيام إكراماً لنبينا أشرف الأنام فعرفني ورحب بي وبشرني ببلوغ مطلبي .. " انتهي منه بلفظه (كتاب مشارق شموس الأنوار ص135).

ويستطرد إسماعيل هذا في بيان مشاهداته في السماء السابعة والدعوة إلى طريقته الخاصة قائلاً:

"وفي باطن هذا سر لا أطيق ذكره في هذا الكتاب وفي هذا المشهد سر لطيف ومقام طريف ما تكلم عليه أحد الأولياء المتقدمين إلى وقتنا هذا، وإن أردت التكلم على بعض منه في حين تقييدي لهذا المحل اجتمعت بسيدنا إبراهيم عليه السلام فأشار إلى بتركه وبشرني بمقام كبير أبلغه وأنال به في الآخرة مما لا يعطي لغير المقربين من الكاملين المحبوبين فأنعم به أنا ومن معي من أولادي وإخواني وأصحابي المجدين في طريقتي" أ. هـ (كتاب مشارق شموس الأنوار ص135).

ويستطرد إسماعيل هذا في بيان مشاهداته المزعومة فيزعم رؤية سدرة المنتهي والعرش والكرسي فيقول:

ص: 223

"فنقول بحسب كشفنا إن العبد الراقي إلى مقام هذه السدرة يراها عظيمة جداً وبها (نويراً خارقاً) ممتداً فيعلم السر الذي وضعه الله سبحانه وتعالى فيها وعلم السبب الذي ينتهي إليها الصاعد والهابط. ويعلم مقام الملائكة الكروبيين منها ومنازلهم وكيفية حالتهم، فهم على أنواع مضعفة، وحالات مختلفة، فمنهم مدهوش في هويته، ومنهم مستغرق في آنيته، ومنهم واقع على جنبه، ومنهم واقع على وجهه، ومنهم حاث على ركبتيه قد غمروا في أنوار المشاهدات وانفنوا في انطباق تكرر التجليات فلا يستطيع أحد منهم حركة لعدم شعورهم وشدة استغراقهم فيما هم فيه، فهم عالون في الملائكة فما أمروا بالسجود لآدم عليه السلام ولا سجدوا له قط، وقد اجتمعت بالملك الحاكم عليهم وهو مقدمهمالذي يأتي منه الأمر، والنهي إليهم وينظره من المتقدمين على غيرهم أعمدة النور لأجل تأديب الدون منهم وغيرهم من الآدميين، فسألته عن السر الذي سرى في ذوات هؤلاء الملائكة حتى لازمتهم تلك الحالة، فأفادني بأحسن مقال، ثم سألته عن دقائق العلوم ومن خفي السر المكتوم فأفادني بحول الله وقوته فيها وفي بعض أمور مما هي من المستور، وقد حزت في هذا المشهد علوماً لم أطق إبداءها ولم أستطع إفشاءها.

ثم نرجع إلى ما كنا في سبيله فنقول: إن من هنا يرقى العبد إلى فلك الكرسي إلى كرسي جبريل عليه السلام، فمن ذلك يعلم حقيقة كل ستر كان وموجبه وسر حقيقته، فيرى عن ذلك أنهاراً جارية فيغترف من أكبرها وينال الشرب من أشهرها، فيحصل له بذلك التحقق بما يحويه من الأسرار التي لا تحصي والعلوم التي لا تستقصي ثم يرقى إلى الفلك المحيط الذي هو العرش.

وهو أول الأفلاك وأعظم السماك، فمن ثم يتضح له مظهر الاسم الرحمن، فهنالك يعلم ما شاء الله تعالى من مناسبة مصاحبة بعض الملائكة والأنبياء صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم، فحينئذ ينظر حملة العرش، ويتعلم من علم السر الذي يحملونه به وكيفية صورهم الباقين بها، وقبل هذا يعرف مظاهر كثيرة، منها ما يتعلق بالأجسام المتغذية، ومنها ما يتعلق بالأرواح، وفي هذا المقام أشياء لا يصح إبداؤها ولا سبيل للتكلم إلى مجاوزة ما فوق ذلك مخافة أن يدعيها أهل الدعاوي المحجوبون الذين لم يصلوا إليها، فالسكوت عنها أولى والتلذذ بمطالعة مشاهدة تجليات صانعها أحلى، والله على ما نقول وكيل وهو يهدي السبيل" انتهي منه بلفظه (كتاب مشارق شموس الأنوار ص140 - 141).

وبعد كل هذه السخافات والخرافات التي يسرقها إسماعيل بن عبدالله السوداني من عبدالكريم الجيلي وينقلها أحياناً بالنص ولا سيما في ألوان كل سماء، وأن كلا منها كوكب من الكواكب المشهورة يعود فيذكر مشاهداته المزعومة أيضاً في الأرضين السبع .. إلى أسفل سافلين تماماً كما فعل عبدالكريم الجيلي، فيزعم إسماعيل هذا أيضاً أنه طاف بالطبقة الأولى من الأرض وهي أرض في زعمه ناصعة البياض لم يعص فيها الله قط، وأن الفجر يطلع بعد الغروب بمقدار يسير جداً وذلك على حد زعمه في زمن الشتاء.

قلت من يعلم جغرافية الأرض يعلم أن هذا وصف للقطب الشمالي وبياض الأرض هو الثلج الذي يغطيها، وكون الليل يكون نحو ساعة واحدة نعم ولكن هذا لا يحصل في الشتاء كما زعم إسماعيل هذا ولكنه يحدث في الصيف حيث يصبح الليل ساعة والعكس تماماً في الصيف حتى لا يكون بقاء الشمس إلا نحو ساعة أو أقل أحياناً في بعض مناطق القطب .. ، ولكن هذه المعارف الجغرافية العادية التقطها هؤلاء الشيوخ وجعلوها كشفاً صوفياً لا يتأتى إلا بالمجاهدة المزعومة وبانكشاف حجب القلب، وليتهم إذ نقلوها أيضاً نقلوها صحيحة بل لم يستطيعوا أن يميزوا بين ما عليه هذه المناطق في الصيف والشتاء.

ص: 224

ثم يذكر إسماعيل هذا أن الأرض الثانية مسكونة بالجن وأن ليلهم نهارنا ونهارنا ليل عندهم. وهذا خلط بين معارف الجغرافية وبين أغاليط الصوفية.

وأما الطبقة الثالثة من الأرض فيزعم أنها مسكونة بالجن كذلك (كتاب مشارق شموس الأنوار ص143)، وينتقل هذا الشيخ الصوفي هكذا بين الأرضين المزعومة أرضاً أرضاً يطلعنا على مشاهدته وتخريفاته فيقول مثلاً ففي الأرض السادسة:

"فنقول بحسب كشفنا: إن هذه الطبقة مسكونة بالمردة من الشياطين وهم أقوى حالاً من العفاريت وكل منهم مسلط على إنسان للعداوة السابقة، فكثير يدخلون في حوزهم فلا ترى منهم متحركاً ولا ساكناً إلا قد قيده حكمهم بما اقتضته الحكمة الإلهية بمثابة تقلباتهم ودخولهم على الخلق بالأنواع المختلفة بحسب أجناسهم، فمنهم من يظهر للآدميين في الخواطر، ومنهم من يظهر لهم في عالم المثال لسوقهم إلى غاية الخذلان والضلال إلى غير ذلك مما لا يدركه على الحقيقة إلا الأولياء أهل الكمال وقد يتكلمون بحسب ما يؤذن لهم فيه من هذه الأبواب والمقامات من العوالم العلويات والسفليات والله على ما نقول وكيل وهو يهدي السبيل" انتهي (كتاب مشارق شموس الأنوار ص148).

ويستطرد أيضاً فيذكر مشاهداته في الأرض السابعة فيقول:

"نقول بحسب كشفنا: إن هذه الطبقة مسكونة بالحيات والعقارب وهي التي وردت بها الأخبار من أنها كأمثال الجبال وأعناق البخت وغير ذلك، فإن العبد العارف حين يدخل هذه الطبقة يدخله هم شديد مخافة أن يرى مقاماً في النار لبعض أصحابه ومريديه، فحينئذ يتطلع على جميع المقامات فإذا وجد مقاماً في النار لبعض مريديه أو بعض أصحابه سعى في هتكه بالتضرع إلى الله تعالى إلى أن يبدله الله سبحانه وتعالى (له) مقاماً في الجنة.

كما أنه إذا وقف على الفلك الكوكب المسكون بطائفة من الذين هم معدودون في نعم الجنة يتطلع على مقامات الجنات، فإذا رأى مقاماً من مقامات بعض أصحابه سعى في رفعته وزيادته، وهذا كله يكون كرامة في الحق الولي العارف وشرفاً للوساطة الكبرى والوصلة الفخري عين حقائق السعود وجنة نعيم التجليات والشهود سيدنا ومولانا محمد الأسعد عليه أفضل الصلاة والسلام من البر الأوحد لأن بشرفه على أمثاله شرف أمته على سائر الأمم فإن الولي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يطوف على جميع العوالم العلويات والسفليات ويطلع على مكنون غيب السبع السماوات والسبع طبقات (هكذا والصواب: سبع السماوات، وسبع الطبقات)، ويعلم منازل أهل الجنة ومنازل أهل النار، وعلم ما كان وما يكون وما هو كائن وغير ذلك ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، فإنه يعلمهم قدر ما تقتضيه حكمته وتعمهم به رحمته بالوهب والتفضيل، والله على ما نقول وكيل وهو يهدي السبيل" انتهي منه بلفظه (كتاب مشارق شموس الأنوار ص153).

ولا يكتفي أيضاً بكل هذا الإفك والتخريف بل يذهب ليطلعنا أيضاً على كشفه المزعوم في بحار العلوم، فيقول:

ص: 225

"وقد اجتمعت مرة في بقعة من ساحل البحر المحيط الذي هو من وراء جبل قاف برجل من النقباء أصفر اللون مربوع القامة كثيف اللحية صبيح الوجه، فوجدته فانياً في التجليات، غائباً في أنوار المشاهدات وقدمه على قدم سيدنا يعقوب عليه السلام، وورده القائم به آخر سورة الحشر، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [الحشر:22] .. الخ السورة. وهو مسقي بثلاثة عشر اسماً من أسماء الله تعالى الحسنى، ولكنه متحير في مقامه، ويطلب التخلص منه فما وجد له سبيلاً، فسلمت عليه، فإذا هو في غاية الاستغراق شاخصاً ببصره إلى الطباق، فإنه يشير إلى البحر الذي هو بساحله ففهمت منه أنه يشتكي إلى بصعوبة تخليصه من هذا المقام، كأنه يقول إن خلاصه منه أصعب حالاً من شراب ماء هذا البحر، لأنه هو البحر الأخضر، ماؤه مر لا يستطيع أحد الشراب منه، لأن الذي يشرب منه يهلك حالاً من شدة مرارته، فوجدت بيد الرجل رمانة مغلوقة وأكلت معه منها، فلما عرفته بوسمه وخاطبته باسمه قلت له ما المقصود؟

قال: مشاهدة الملك المعبود.

فلما عرفني فهمت لغزه وأدركت رمزه، وتحقق أنني مفيده فيما يريده أخذ يطلبني من غير انفكاك عني وصحبني إلى محل بعيد، فأخذت له في المقال وأطلقت له لسان الحال إلى أن شاهدنا الكنوز المستورة تحت قباب الرموز من البحر الأسود الذي انتهي إليه المورد، فإن هذا البحر رسمه معدوم وظاهره مكتوم فلا أستطيع فيه التعبير ولم أتعرض إلى البيان فيه والتفسير فمن ثم أخذ مني بعض أذكار مصاحبة أنواره وانصرف بسبيله إلى مشاهدة دليله، وفي حين تقييدي لهذا المحل اجتمعت معه فوجدته في حال عظيم ومقام فخيم فأخبرني أنه حصلت له مني مفاتحات عظيمة وإمدادات كريمة حين أكلت معه في تلك الرمانة، فحكى لي شيئا من حاله، ووجدته سقى بخمسة وثلاثين اسماً من أسمائه تعالى، وصار في زيادة بابتهاج طريقه الأعلى. وقد اجتمعت في ساحل البحر الأحمر برجال من أرباب الأحوال لم يزالوا في دلالة المخلوقين إلى طريق معرفة رب العالمين فإذا أمعن ناظرهم فكرة يحقق أنهم ليس لهم اشتغال أبداً بغير هذا، ثم أمور لا سبيل إلى ذكرها بقصور الوقت وضيقه عنها، فانتهج أيها العاقل وكابد في خوض المقامات والمنازل فإن الله تعالى حكيم كريم يورثك من علم سره العظيم أنه واهب جليل والله على ما نقول وكيل وهو يهدي السبيل" انتهي (كتاب مشارق شموس الأنوار ص159،160).

وقد يسأل السائل ما الداعي لكل هذا الكذب والانحراف، وما الذي يدفع هؤلاء إلى كل هذا التخريف والتكلف، هل هم عقلاء أو مجانين وإن كانوا عقلاء فماذا يريدون. وقطعاً لهذه التساؤلات يجيب المؤلف نفسه عن مراده وذلك في آخر كتابه فيقول:

المغرب التاسع: في عين خاتمة الكتاب:

كيفية صفة الخلوة للمؤلف وغير ذلك من الأدعية المرجية

اعلم أيها الابن المجتهد والمحتسب المقتصد، أن كل خير لا ترقى ذروته إلا بجهد النفس وأتعابها فيه، وقد تكلمنا لك فيما تقدم من المجاهدات والمكابدات، وأن الطرق الموصلة إلى الله تعالى لا تحصى، وكل صاحب طريقة أدرى بما فيه الصلاح لمن يسلكها، ولما أنعم الله علي بنيل هذا المقام وجعلني من خواصه الكرام أذن لي في التكلم والظهور وإبداء طريقة أستقبل بها وأسلك بها المريدين لأجل أن يصلوا بها، إلى حضرة الغفور، فحصل الأمر كما أمر واشتهر ذلك واستمر، فلما أذنت من الحضرتين بإظهار كل ما نراه يصلح لأهل طريقتي بلامين وأفاض علي الوهاب بوارد تأليف هذا الكتاب أردت أن أختمه بصفة خلوتي التي تصلح لأهل طريقتي كما فعل قبلي أهل الطرق بنظرهم الذي يصلح لأهل طرائقهم، وجعلت كيفية هذه الخلوة رسالة مستقرة وأفردتها في هذا المغرب لأجل أن يسهل نقلها ونظرها لمن له رغبة فيها، فمن أراد نقل جميع الكتاب فهي من جملته، ومن أراد الاستقلال بها فليفردها منه من أول البسملة إلى حد الخاتمة الآتية، وهي هذه" انتهي منه بلفظه (كتاب مشارق شموس الأنوار ص161).

الخلاصة أن الرجل يريد أن يبني له طريقة خاصة لتسليك المريدين، وجمع الأغبياء والمغفلين ومن ثم جمع النذور والقرابين، وبالتالي جعل نفسه في مكان الملوك والسلاطين!!! هذه هي النهاية التي يسعى إليها ملوك التصوف، وأئمة الضلالة ومن أجل هذا كذبوا على الله هذا الكذب المبين ولا يسع المسلم إلا أن يحمد الله على العافية مما ابتلي به هؤلاء المارقون الكاذبون والحمد لله رب العالمين.

‌المصدر:

الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق- ص207 - 218

ص: 226