المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: الزاوية والملبس: - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الزواج

- ‌المبحث الثاني: المسيحية وترك الدنيا:

- ‌المبحث الثالث: الزّاويَةُ وَالملْبَسُ:

- ‌المبحث الرابع: المذاهبُ الهنْديّة وَالفَارسيَّة:

- ‌المبحث الخامس: الأفلَاطونيّة الحَدِيثَة:

- ‌الفصل العاشر: التصوف عند الوثنيين وأهل الكتاب

- ‌المبحث الأول: الصوفية عند الوثنيين

- ‌المطلب الأول: الطاوية (منتشرة في الصين)

- ‌المطلب الثاني: الجينينة (نسبة إلى جينا، أي: القاهر والمتغلب)

- ‌المطلب الثالث: الهندوسية

- ‌المطلب الأول: عند اليهود

- ‌المطلب الثاني: عند النصارى

- ‌الفصل الحادي عشر: الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية

- ‌المبحث الأول: الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم

- ‌المطلب الأول: مدة الخلوة

- ‌المطلب الثاني: شروط الخلوة الصوفية

- ‌المبحث الثالث: أقسام الخلوات الصوفية

- ‌المبحث الرابع: تثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر

- ‌الفصل الثاني عشر: كيفية الدخول في المذهب الصوفي

- ‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية

- ‌المبحث الأول: عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود

- ‌المبحث الثالث: الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية

- ‌المبحث الأول: معنى التزكية وأهميتها

- ‌المبحث الثاني: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في مناهج التزكية

- ‌المبحث الثالث: منهج التزكية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في غاية التزكية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشرعيَّة والحقيقة

- ‌المبحث الثاني: الحقيقة المحمَدية

- ‌المبحث الثالث: وحدة الأديان

- ‌المبحث الرابع: الأولياء والكرامات

- ‌المبحث الخامس: الأقطاب والأوتاد

- ‌المبحث السادس: الشطح واللامعقول

- ‌المبحث الأول: تربية ذليلة

- ‌المبحث الثاني: المتصَوفة وعلم الحَديث

- ‌المبحث الثالث: البطالة والانحِلَال

- ‌المبحث الرابع: السَّمَاع وَالذِكر

- ‌المبحَث الخامِس المتصَوفة والجهَاد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني: الغيب في المعتقد الصوفي

- ‌المبحث الثالث: عبدالكريم الجيلي وكتابه (الإنسان الكامل)

- ‌المبحث الرابع: ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية

- ‌المبحث الخامس: ما الذي يريده هؤلاء الملاحدة

- ‌المبحث السادس: الغزالي وطريق الكشف

- ‌المبحث السابع: ابن عربي والكشف الصوفي

- ‌المبحث الثامن: نماذج من الكشف الصوفي

- ‌الفصل التاسع عشر: الشطحات الصوفية

- ‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية

- ‌المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثالث: حجج المجوّزين للذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الخامس: صفة الذكر

- ‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي

- ‌المبحث السابع: مفاسد الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثامن: فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: الوجد والرقص عند الصوفية

- ‌الفصل الثالث والعشرون: الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية

- ‌المبحث الأول: أبو يزيد البسطامي ومعراجه

- ‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني

- ‌المبحث الأول: الولاية الرحمانية

- ‌المبحث الثاني: الولاية الصوفية الشيطانية

- ‌المبحث الثالث: مراتب الولاية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: القطب الغوث واحد في الزمان فقط

- ‌المبحث الخامس: قطب سنة 593هـ من مدينة فاس بالمغرب

- ‌المبحث السادس: وظيفة القطب

- ‌المبحث السابع: الأبدال السبعة ووظائفهم

- ‌المبحث الثامن: مدة حكم القطب ووظيفته

- ‌المبحث التاسع: ابن عربي القطب الأعظم

- ‌المبحث الأول: الحكيم الترمذي وكتابه (ختم الأولياء)

- ‌المبحث الثاني: ابن عربي وختم الولاية

- ‌المبحث الثالث: محمد عثمان الميرغني وختم الولاية

- ‌المبحث الرابع: أحمد التيجاني وختم الولاية

- ‌المطلب الأول: الإسلام لم يأت بتقديس القبور والأضرحة

- ‌المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء

- ‌المطلب الثالث استمرار ما درج عليه الصحابة من الهدي في تسوية القبور والنهي عن تعظيمها إلى نهاية القرون المفضلة

- ‌المطلب الأول هدي اليهود والنصارى في اتخاذ القبور مساجد واستحقاقهم اللعن على ذلك وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فعلهم

- ‌المطلب الثاني: النهي عن التشبه باليهود والنصارى

- ‌المطلب الثالث: الرافضة هم أول من أحدث المشاهد المعظمة في الملة الإسلامية وغلوا في أصحابها حتى عبدت من دون الله تعالى

- ‌المبحث الثالث: واقع القبورية في العالم الإسلامي

- ‌المبحث الرابع: أشهر هذه القبور في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفضائل المفتراة التي يروجون بها لزيارة هود عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: نماذج من أشعار القوم في الترويج لها

- ‌المطلب الثالث: وسائل جذب الزوار لهذه الزيارة

- ‌المطلب الرابع: مظاهر وثنية في هذه الزيارة

- ‌المطلب الخامس: الطقوس الوثنية فيها

- ‌أولا: المناسك الزمانية

- ‌ثانياً: المناسك المكانية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: هيئة الديوان

- ‌المبحث الثاني: زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان

- ‌المبحث الثالث: ساعة انعقاد الديوان

- ‌المبحث الرابع: زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان

- ‌المبحث الخامس: زعمهم حضور الملائكة للديوان

- ‌المبحث السادس: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين أعضاء في الديوان

- ‌المبحث السابع: لغة أهل الديوان

- ‌المبحث الثامن: أولياء يحضرون الديوان بأرواحهم فقط

- ‌المبحث التاسع: الديوان يعقد في صحراء السودان أحياناً

- ‌المبحث العاشر: ماذا لو غاب الغوث

- ‌المبحث الحادي عشر: الغوث الصوفي دكتاتور كبير

- ‌المبحث الثاني عشر: أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

- ‌المبحث الثالث عشر: لماذا يجتمع أهل الديوان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: اتخاذ الشيخ

- ‌المبحث الثاني: مواصفات الشيخ

- ‌المبحث الثالث: آداب المريد

- ‌الفصل الثلاثون: تراجم زعماء الصوفية

- ‌الفصل الحادي والثلاثون: موقف بعض العلماء من التصوف

- ‌المبحث الأول: موقف الإمام الشافعي

- ‌المبحث الثاني: موقف الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المبحث الثالث: موقف الإمام أبو زرعة الدمشقي

- ‌المبحث الرابع: موقف الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبدالكريم البزودي المتوفى سنة 478هـ ببخارى

- ‌المبحث الخامس: موقف الإمام ابن الجوزي

- ‌المبحث السادس: موقف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المبحث السابع: موقف الإمام برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885ه

- ‌المبحث الثامن: شهادة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي

- ‌المبحث التاسع: مع الشيخ الفاطمي الشرادي

- ‌المبحث العاشر: مع الشيخ عبدالعزيز بن إدريس

- ‌المبحث الحادي عشر: شهادة الشيخ عبدالرحمن الوكيل

- ‌المبحث الأول: أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

- ‌المبحث الثاني: دلالة اسم عبدك

- ‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف

- ‌المبحث الرابع: نزول الوحي وإتيان الملائكة

- ‌المبحث الخامس: المساواة بين النبي والولي

- ‌المبحث السادس: تفضيل الولي على النبي

- ‌المبحث السابع: إجؤاء النبوة

- ‌المبحث الثامن: العصمة

- ‌المبحث التاسع: عدم خلو الأرض من حجة

- ‌المبحث العاشر: وجوب معرفة الإمام

- ‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية

- ‌المبحث الثاني عشر: الحلول والتناسخ

- ‌المبحث الثالث عشر: مراتب الصوفية

- ‌المبحث الرابع عشر: التقية

- ‌المبحث الخامس عشر: الظاهر والباطن

- ‌المبحث السادس عشر: نسخ الشريعة ووضع التكاليف

- ‌المبحث السابع عشر: تقديس القبور وزيارة المشاهد

- ‌المطلب الأول: الحلاج والتشيع

- ‌المطلب الثاني: الحلاج داعية الإسماعيلية في المشرق

- ‌المطلب الثالث: شهادة العمار الحنبلي أن الحلاج قرمطي

- ‌المطلب الرابع: الحلول عند الحلاج الصوفي وعند أبي الخطاب الشيعي

- ‌المبحث التاسع عشر: الطرق الصوفية والتشيع

- ‌المطلب الأول: الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثاني: الطريقة البكتاشية تنتشر في مصر

- ‌المطلب الثالث: أصول الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الرابع: مراتب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الخامس: التكية البكتاشية

- ‌المطلب السادس: العهد ودخول الطريقة

- ‌المطلب السابع: آداب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثامن: الأوراد البكتاشية

- ‌المطلب التاسع: دور الفرس في التشيع والتصوف

- ‌المبحث الأول: طلب الهداية في غير الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة

- ‌المبحث الثالث: الغلو الزائد في الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء

- ‌المطلب الأول: غلوهم في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني غلوهم في الأولياء

- ‌المبحث الرابع: تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني

الفصل: ‌المبحث الثالث: الزاوية والملبس:

‌المبحث الثالث: الزّاويَةُ وَالملْبَسُ:

وأما التزام الصوفية لبس الصوف لكونه شعارا وعلامة لهم فأيضا مأخوذ من رهبنة المسيحية لأنه كان زيهم الخاص بهم كما أقر بذلك الصوفي المشهور في طبقاته عن أبي العالية أنه كان (يكره للرجل زي الرهبان من الصوف، ويقول: زينة المسلمين التجمل بلباسهم (1)

ومثل ذلك نقل ابن عبد ربه في (العقد الفريد) عن حماد بن سلمة أنه قال لفرقد السنجي حينما رآه لابسا الصوف: (دع عنك هذه النصرانية (2).

وأورد ابن الجوزي مثل هذه الرواية بسنده حيث قال:

(أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد، حدثنا حمد بن أحمد الحداد، حدثنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا حمد بن إسحاق، حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا هارون بن معروف، عن ضمرة، قال: سمعت رجلا يقول: قدم حماد بن سلمة البصرة، فجاءه فرقد السنجي وعليه ثوب صوف، فقال له حماد: ضع عنك نصرانيتك هذه، فلقد رأيتنا ننتظر إبراهيم – يعني النخعي – فيخرج علينا وعليه معصفرة (3).

وأورد أيضا رواية أخرى مسندة بطريق البخاري رحمة الله عليه قال:

أخبرنا محمد بن ناصر وعمر بن ظفر، قالا: حدثنا محمد بن الحسن الباقلاوي، حدثنا القاضي أبو العلاء الواسطي، حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد السازكي، حدثنا أبو الخير أحمد بن حمد البزار، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا علي بن حجر، حدثنا صالح بن عمر الواسطي عن أبي خالد، قال: جاء عبد الكريم أبو أمية إلى أبي العالية وعليه ثياب صوف، فقال له أبو العالية:(إنما هذه ثياب الرهبان، إن المسلمين إذا تزوروا تجملوا (4).

ونقل الشعراني عن سهل التستري حكاية باطلة غريبة تدل على أن الصوف كان لباس أصحاب المسيح، وهذا هو نصها: أن سهل بن عبد الله التستري كان يقول:

(اجتمعت بشخص من أصحاب المسيح عليه السلام في ديار قوم عاد فسلمت عليه، فرد علي السلام، فرأيت عليه جبة من صوف فيها طراوة، فقال لي: إن لها علي من أيام المسيح، فتعجبت من ذلك.

فقال: يا سهل إن الأبدان لا تخلق الثياب، إنما يخلقها رائحة الذنوب، ومطاعم السحت، فقلت له: فكم لهذه الجبة عليك؟ فقال: لها سبعمائة سنة (5).

وذكر السهر وردي أيضا أنه كان الصوف لباس عيسى عليه السلام فقال: (كان عيسى عليه السلام يلبس الصوف، ويأكل من الشجرة، ويبيت حيث أمسى (6).

ومثل ذلك ذكر الكلاباذي (7).

(وعلى ذلك قال نولدكة ونيكلسون وماسينيون إن التصوف الإسلامي أخذ لبسة الصوف من الرهبان النصارى).

(1)((طبقات الشعراني)) (1/ 35).

(2)

((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (3/ 378) ط القاهرة 1293 هـ.

(3)

((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي المتوفى 596 هـ ص 219 ط دار الوعي المربى بيروت.

(4)

((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص 219، 220).

(5)

((الطبقات الكبرى)) للشعراني (1/ 78).

(6)

((عوارف المعارف)) للسهر وردي (ص 59) باب في ذكر تسميتهم بهذا الاسم ط دار الكتاب العربي.

(7)

((التعرف لمذهب أهل التصوف)) لأبي بكر محمد الكلاباذي (ص 31).

ص: 22

وزاد نيكلسون أشياء في مقالاته العديدة التي نشرت في دوائر المعارف، وجمعت بعضها باسم (الدراسات في التصوف الإسلامي وتاريخه) منها ما قاله تحت عنوان: الزهد في الإسلام: (كان عرب الجاهلية على حظ قليل من التفكير الديني، وكان تفكيرهم في هذه الناحية مضطرباً وغامضاً. وقد شغلهم انهماكهم في متع الحياة ومتاعبها عن التفكير في حياة أخروية، ولم يخطر ببالهم أن يعدوا أنفسهم لحياة روحية وراء حدود القبر. وقد غرست المسيحية – لا الكنيسة المسيحية، بل المسيحية غير التقليدية وغير المنظمة – بذور الزهد في بلاد العرب قبل البعثة المحمدية، وظل أثرها يعمل عمله في تطور الزهد في الإمبراطورية الإسلامية في عصورها الأولى. ونحن نعلم أن المسيحية كانت منتشرة قبل الإسلام بين قبائل شمالي الجزيرة العربية، وأن كثيراً من العرب كانوا على شيء من العلم – مهما كان قليلا وسطحيا – بعقائد الديانة المسيحية وطقوسها. بل إن الإشارات التي وردت في الشعر الجاهلي عن رهبان المسيحيين لتدل على أن عرب البادية كانوا يجلون هؤلاء الرهبان ويعظمونهم، وكانوا يهتدون بأنوارهم المنبعثة من صوامعهم في ظلام الليل وهم يسيرون في الصحراء فضرب هؤلاء الرهبان وغيرهم من الزهاد الهائمين على وجوههم، مثلا للعرب الوثنيين في الزهد، وحركوا في نفوس بعضهم، وهم المعروفون بالحنفاء، ميلاً إلى النفور من الأوثان ورفض عبادتها. فدان هؤلاء بعقيدة التوحيد، واصطنع بعضهم الزهد ومجاهدة النفس، ولبسوا الصوف وحرموا على أنفسهم بعض أنواع الطعام (1).

وقال أيضا:

(كانت الثياب المصنوعة من خشن الصوف علامة على الزهد قبل الإسلام، وفي هذا حاكى العرب رهبان المسيحيين. وقد شاع استعمال هذا النوع من الثياب بين زهاد المسلمين الأوائل، ومنه اشتق اسم الصوفية الذي استعمل قبل نهاية القرن الثاني الهجري. على أن اسما آخر أطلق على هؤلاء الزهاد وإن كان أقل شيوعا من اسم الصوفي وهو (مسوحي) نسبة إلى مسوح جمع مسح وهو اللباس من الشعر.

وقد جرت العادة بأن يلبس الزهاد، رجالا كانوا أو نساء، جبة مدرعة من الصوف وأن تلبس المرأة أحيانا غطاء على الرأس من القماش نفسه، وهذا الغطاء هو المعروف بالخمار. وقد استنكر سفيان الثوري المتوفى سنة 161 هـ لبس الصوف، وعده بدعة، واستنكر كذلك غيره من المسلمين لأنهم اعتبروه رمزا للمسيحية وعلامة على الرياء (2).

وقال أيضا تحت عنوان التصوف باحثا عن كلمة الصوفي نقلا عن نولدكه:

(إن المسلمين في القرنين الأولين للإسلام كانوا يلبسون الصوف، وبخاصة من سلك منهم طريق الزهد، وأنهم كانوا يقولون: لبس فلان الصوف: بمعنى تزهد ورغب عن الدنيا.

فلما انتقل الزهد إلى التصوف قالوا: لبس فلان الصوف بمعنى: أصبح صوفيا. وكذلك الحال في اللغة الفارسية: فإن قولهم (بشمينا بوش) معناه: يلبس لباس الصوف.

وقد أخذ زهاد المسلمين الأوائل عادة لبس الصوف عن رهبان المسيحيين ونساكهم، يدل على ذلك أن حماد بن أبي سليمان قدم البصرة، فجاءه فرقد السنجي وعليه ثياب صوف فقال له حماد ضع عنك نصرانيتك هذه. وقد أطلقوا على هذه الثياب (زي الرهبان)، واستشهدوا بحديث معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عيسى كان يلبس ثياب الصوف (3).

(1)((دراسات في التصوف الإسلامي وتاريخه)) لنيكلسون ترجمة أبي العلاء العفيفي (ص 42، 43).

(2)

((دراسات في التصوف الإسلامي وتاريخه)) لنيكلسون ترجمة أبي العلاء العفيفي (ص 48).

(3)

((دراسات في التصوف الإسلامي وتاريخه)) لنيكلسون ترجمة أبي العلاء العفيفي (ص 67، 68).

ص: 23

وقال جولدزيهر: (وقد حاكى هؤلاء الزهاد المسلمون وعبادهم نساك النصارى ورهبانهم، فارتدوا الصوف الخشن (1).

هذا وبمثل هذا قال الدكتور قاسم غني: (إن ارتداء الملابس الصوفية أو التصوف الذي نشأ عنه كلمة الصوفية كما تقدم كان من عادات الرهبان المسيحيين، ثم صار فيما بعد شعارا للزهد عند الصوفية. والدلق الذي ورد ذكره في أشعار الصوفية وكتبهم استعمل في معنى لباس الصوفية في كل مكان. أي الخرقة التي كانوا يرتدونها فوق جميع الملابس والظاهر أنها كانت من صوف. والدلق إما أن يكون من قطعة واحدة أو مرقعا، ويسمى بالدلق المرقع في هذه الحال، وإذا كان من ألوان مختلفة يسمى حينئذ (الدلق الملمع) والدلق عند صوفية الإسلام سواء كان لونه أزرق أو كان أسود يسمى دائما: (بالدلق الأزرق) وخرقة الرهبان التي كانت على ما يظهر بيضاء في بادئ الأمر صارت بعد ذلك سوداء وزمرة (السوكواران) أي المفجوعون، الذين يتكلم عنهم الفردوسي في الشاهنامة ليسوا إلا أساقفة المناظرة المسيحيين ممن لجأوا إلى إيران في القرن الثالث الميلادي وهم الذين كانوا يلبسون ملابس الصوف الخشنة على أجسامهم كي يكون ذلك نوعا من التقشف والأخششان، فكان إصطلاح (صوفي) و (صوفية) الذي هو بالفارسية (بشمينه بوش) أي لابس الصوف وكان يطلق على رجال المسيحيين ونسائهم (2).

ولا بأس من إيراد تعليقة ذكرت تحت هذه العبارة:

(ويقول ياقوت في كتاب (معجم البلدان) في حواشي (دير العذارى): وقال أبو الفرج: ودير العذارى بسر من رأى إلى الآن موجود يسكنه الرواهب. وحدث الجاحظ في كتاب (المعلمين) قال: حدثني ابن الفرج الثعلبي: أن فتيانا من بني ملاص من ثعلبة أرادوا القطع على مال يمر بهم قرب دير العذارى فجاءهم من أخبرهم أن السلطان قد علم بهم وأن الخيل قد أقبلت تريدهم، فاستخفوا في دير العذارى، فلما صاروا فيه سمعوا وقع حوافر الخيل التي تطلبهم راجعة، فأمنوا ثم قال بعضهم لبعض: ما الذي يمنعكم أن تأخذوا بالقس فتشدوا وثاقه ثم يخلو كل واحد منكم بهذه الأبكار، فإذا طلع الفجر تفرقنا في البلاد، وكنا جماعة بعدد الأبكار اللواتي كن أبكارا في حسابنا. ففعلنا ما اجتمعنا عليه، فوجدناهن جميعا ثيبات قد فرغ منهن القس قبلنا .. فقال بعضنا:

ودير العذارى فضوح لهن

وعند القسوس حديث عجيب

خلونا بعشرين صوفية

نيك الرواهب أمر غريب

إذا هن يرهزن رهز الظراف

وباب المدينة فج رحيب

ويبدو من تعبير (الصوفية) في هذا الشعر أن المقصود منه الراهبات المسيحيات (3).

ولذلك خالف علماء الأمة وفقهاؤها لبسه.

فلقد نقل الإمام ابن تيمية عن أبي الشيخ الأصبهاني عن إسناده أن ابن سيرين بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف فقال: (إن قوما يتخيرون الصوف يقولون إنهم متشبهون بعيسى ابن مريم، وهدي نبينا أحب إلينا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس القطن وغيره (4).

كما نقل ابن الجوزي عن أحمد بن أبي الجواري أنه قال: قال لي سليمان بن أبي سليمان: (أي شيء أرادوا بلباس الصوف؟

قلت: التواضع.

قال: ما يتكبر أحد إلا إذا لبس الصوف.

ونقل عن سفيان الثوري أنه قال لرجل عليه صوف: لباسك هذا بدعة.

كما روى عن الحسن بن الربيع أنه قال:

(1)((المجلة الآسيوية الملكية)) 1891 (ص 153) نقلا عن ((نشأة الفلسفة الصوفية)) للدكتور عرفان عبد الحميد (ص 111) ط المكتب الإسلامي بيروت 1974 م.

(2)

((تاريخ التصوف في الإسلام)) لقاسم غني ترجمة عربية لصادق نشأت (ص10110، 10201) ط مكتبة النهضة القاهرة 1970 م.

(3)

أيضا تعليقه رقم 2 ص 102.

(4)

((الصوفية والفقراء)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 7) ط دار الفتح القاهرة 1984 م.

ص: 24

سمعت عبد الله بن المبارك يقول لرجل رأى عليه صوفا مشهورا: أكره هذا، أكره هذا.

وروي عن بشر بن الحارث أنه سئل عن لبس الصوف.

فشق عليه، وتبين الكراهة في وجهه، ثم قال: لبس الخز والمعصفر أحب إلى من لبس الصوف في الأمصار.

وروي عن أبي سليمان الداراني أنه قال لرجل لبس الصوف: إنك قد أظهرت آلة الزاهدين، فماذا أورثك هذا الصوف.

كما روي عن النضر بن شميل أنه قال لبعض الصوفية:

تبيع جبتك الصوف؟ فقال: إذا باع الصياد شبكته بأي شيء يصطاد (1).

هذا ونقل عن غيره مثل هذا.

هذا من ناحية الملابس.

وأما اتخاذهم الخانقاوات والتكايا والزوايا، وانعزالهم عن الدنيا فلم تكن إلا مأخوذة من الرهبنة المسيحية أيضا كما ذكرنا فيما مر نقلا عن الجامي في نفحاته أن أول خانقاه بنيت هي التي بناها أمير مسيحي من الرملة في الشام (2).

وهي تشبه تماما أديرة الرهبان النصارى ذات الأسوار العالية البعيدة عن عالم الناس والعمران، نتيجة للهروب من عالم الترف المادي إلى عالم الترف الروحي، ومن هذه الأديرة تطورت كثير من الأفكار الإيجابية، خرج بها رهبان لفتح حقول جديدة على مبادئ من الطهارة والفقر والخضوع.

(أما الطهارة فكان معناها ليس تطهير الجسد بالصوم، بل كانت تعني فوق ذلك قطع علاقات محبة الأب أو الأم أو الابن أو الأخت حتى يكون الراهب أقدر على خدمة البشر، وتصبح المحبة هنا ديانة إنسانية شاملة زأما الفقر فكان يعني التحرر المطلق من قيود الأشياء، ورفض المصالح المادية من أجل خدمة الإنسان، وكان الخضوع يعني الاستسلام الكامل لإرادة الله للقيام بالواجبات (3).

ولقد صرح الدكتور قاسم غني أن المسيحية: (استطاعت أن تعلم صوفية المسلمين آدابا وعادات كثيرة عن طريق زمرة المتقشفين وفرق الرهبان المتجولين، ولا سيما الجماعات السورية المتجولة في كل مكان ممن كانوا على الأغلب من فرق النصارى النسطوريين، في حين أن تأثير كنائس المسيحية في المسلمين كان في نطاق محدود جدا. وأن الحياة في الصوامع والخانقاوات كانت أيضا مقتبسة من المسيحية إلى حد كبير (4).

(1) انظر ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص 221، 222).

(2)

انظر ((نفحات الأنس)) للجامي (فارسي).

(3)

((الفلسفة الصوفية في الإسلام)) للدكتور عبد القادر محمود (ص39) ط دار الفكر العربي القاهرة.

(4)

((تاريخ التصوف في الإسلام)) للدكتور قاسم غني ترجمة عربية (ص 103).

ص: 25

وبمثل ذلك قال نيلكسون، المستشرق الإنجليزي الكبير الذي عرف باختصاصه في الدراسات عن التصوف، حيث يذكر تحت تطور الزهد في العصور الوسطى: (لم يخرج الصوفية كثيرا على الحديث القائل: لا رهبانية في الإسلام إلا بعد مضي عدة قرون – إلى أن يقول -: وإننا لا نعلم إلا القليل عن نظام الزهد الرهباني ونشأته في العصور الإسلامية الأولى، ويقال: أن أول خانقاه أسست لمتصوفة المسلمين كانت برملة في فلسطين قبل نهاية المائة الثامنة الميلادية على ما يظهر، وأن مؤسسها كان راهبا مسيحيا

وقد أخذ الصوفية بعض الأحاديث المدخولة على النبي، التي تشير لإباحة العزوبة لجميع المسلمين بعد المائتين من الهجرة فقد ظهر نظام الرهبنة في الإسلام حوالي هذا التاريخ تقريبا. نعم لم يعم الزهد في العالم الإسلامي، ولم تظهر فيه الربط والزوايا المنظمة إلا في عصر متأخر، لأن القارئ للكتب التي ألفت في التصوف حتى منتصف القرن الخامس الهجري، مثل قوت القلوب لأبي طالب المكي، وحلية الأولياء لأبي نعيم، والرسالة للقشيري، قلما يجد فيها إشارة إلى هذا الربط والزوايا، ومع ذلك نجد أن كبار الصوفية من رجال القرنين الثالث والرابع قد اجتمع حولهم المريدون ليأخذوا عنهم الطريق ويتأدبوا بآدابه. ومن الطبيعي أن هؤلاء المريدين أقاموا في بيوت دينية من نوع ما، كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا. ويذكر المقريزي أن الخانقاوات وجدت في الإسلام في القرن الخامس الهجري المقابل للقرن الحادي عشر الميلادي. وإذا سلمنا بقول المقريزي فعلى معنى أن خانقاوات الصوفية التي كان يجتمع فيها المريدون تحت إشراف مشايخهم، لم تكثر وتنتشر في بلاد المملكة الإسلامية إلا في هذا التاريخ، وهذا يتفق مع ما ورد في كتاب (آثار البلاد) للقزويني حيث يقول إن أبا سعيد بن أبي الخير (المتوفى 1049 م لا حوالى 815 كما يقول دي ساسي خطأ – ولا كما يقول دوزي وفون كريمر نقلا عن دي ساسي) يذكر عنه أنه مؤسس نظام الرهبنة في التصوف الإسلامي وأول واضع لقواعده وقوانينه. وبعد ذلك بمائتي سنة – أي بين 450، 650 – زيد في نظام الرهبنة وانتشر هذا النظام على أيدي رجال الطرق، كالعدوية والقادرية والرفاعية وغير ذلك من الطرق التي توالى ظهورها سريعا (1).

هذا بالنظر إلى أنه لا يوجد في تعاليم القرآن والسنة رسم ولا أثر لهذه التكايا والزوايا والخانقاوات والربط، بل أمر المسلمين ببناء المسجد للعبادة كما أمروا بتعمير بيوتهم بقراءة القرآن فيها والعبادة.

وأما بناء الأمكنة الخاصة للتعبد والذكر والأوراد فليس إلا تقليلا لشأن المساجد، وصرف الناس عنها، وإعطاء التكايا والزوايا والربط مكانتها وشأنها، وفي هذا مخالفة لأوامر الله وتعاليم رسوله صلوات الله وسلامه عليه. وعلى ذلك قال ابن الجوزي:

(أما بناء الأربطة فإن قوما من المتعبدين الماضين اتخذوها للانفراد بالتعبد، وهؤلاء إذا صح قصدهم فهم على الخطأ من ستة أوجه:

أحدها: أنهم ابتدعوا هذا البناء وإنما بنيان أهل الإسلام المساجد.

والثاني: أنهم جعلوا للمساجد نظيرا يقلل جمعها.

والثالث: أنهم أفاتوا أنفسهم نقل الخطى إلى المساجد.

والرابع: أنهم تشبهوا بالنصارى بانفرادهم في الأديرة.

والخامس: أنهم تعزبوا وهم شباب وأكثرهم محتاج إلى النكاح.

(1) في ((التصوف الإسلامي وتاريخه)) لنييكلسون ترجمة عربية للدكتور أبي العلاء العفيفي (ص 56، 57)، 58).

ص: 26

والسادس: أنهم جعلوا لأنفسهم علما ينطق بأنهم زهاد فيوجب ذلك زيارتهم والتبرك بهم. وإن كان قصدهم غير صحيح فإنهم قد بنوا دكاكين للكوبة ومناخا للبطالة وأعلاما لإظهار الزهد. وقد رأينا جمهور المتأخرين منهم مستريحين في الأربطة من كد المعاش متشاغلين بالأكل والشرب والغناء والرقص يطلبون الدنيا من كل ظالم ولا يتورعون من عطاء ماكس. وأكثر أربطتهم قد بناها الظلمة، ووقفوا عليها الأموال الخبيثة. وقد لبس عليهم إبليس أن ما يصل إليكم رزقكم فاسقطوا عن أنفسكم كلفة الورع. فهمتهم دوران المطبخ والطعام والماء البارد. فأين جوع بشر، وأين ورع سري، وأين جد الجنيد. وهؤلاء أكثر زمانهم ينقضي في التفكه بالحديث أو زيارة أبناء الدنيا، فإذا أفلح أحدهم أدخل رأسه في زرمانقته فغلبت عليه السوداء، فيقول: حدثنا قلبي عن ربي. ولقد بلغني أن رجلا قرأ القرآن في رباط فمنعوه، وأن قوما قرأوا الحديث في رباط، فقالوا لهم: ليس هذا موضعه (1).

هذا وقد أورد ابن الجوزي حديثا بسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أبي أمامة أنه قال:

خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية من سراياه، قال: فمر رجل بغار فيه شيء من ماء، قال: فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه، وفيه شيء من ماء، ويصيب ما حوله من البقل، ويتخلى عن الدنيا. ثم قال: لو أني أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فإن أذن لي فعلت، وإلا لم أفعل، فأتاه فقال: يا نبي الله، إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى من الدنيا. قال: فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكنني بعثت بالحنيفية السمحة، والذي نفس محمد بيده، لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها)) (2).

وأما استماعهم إلى نصائح الرهبان ودروسهم ومواعظهم، وإنصاتهم لهم وتلمذهم عليهم، وتمجيدهم إياهم، والثناء عليهم فمنقول عنهم بكثرة، فإن إبراهيم بن أدهم – وهو من أوائل الصوفية – صرح بذلك حيث قال:

(تعلمت المعرفة من راهب يقال له: سمعان، دخلت عليه في صومعته فقلت له: يا سمعان، منذ كم وأنت في صومعتك هذه؟.

قال: منذ سبعين سنة.

قلت: ما طعامك؟

قال: يا حنيفي وما دعاك إلى هذا؟

قلت: أحببت أن أعلم.

قال: في ليلة حمصة. قلت: فمن الذي يهيج من قلبك حتى تكفيك هذه الحمصة؟

قال: ترى الذين بحذائك؟ قلت: نعم، قال إنهم يأتونني في كل سنة يوما واحدا فيزنون صومعتي، ويطوفون حولها، يعظمونني بذلك، وكلما تثاقلت نفسي عن العبادة ذكرتها تلك الساعة، فأنا أحتمل جهد سنة لعزّ ساعة، فاحتمل يا حنيفي جهد ساعة لعزّ الأبد، فوقر في قلبي المعرفة، فقال: أزيدك؟

قلت: نعم، قال: أنزل عن الصومعة، فنزلت فأدلى إلى ركوة فيها عشرون حمصة.

فقال لي: أدخل الدير فقد رأوا ما أدليت إليك، فلما دخلت الدير اجتمعت النصارى، فقالوا: يا حنيفي، ما الذي أدلى إليك الشيخ؟ قلت: من قوته، قالوا: وما تصنع به؟ نحن أحق به. ساوم، قلت: عشرين دينارا، فأعطوني عشرين دينارا، فرجعت إلى الشيخ، فقال: أخطأت لو ساومتهم عشرين ألفا لأعطوك، هذا عز من لايعبده، فانظر كيف تكون بعز من تعبده يا حنيفي، أقبل على ربك (3).

(1)((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي الباب العاشر (ص 195، 196).

(2)

رواه أحمد (5/ 266)(22345) والطبراني (7868) قال الهيثمي في ((المجمع)) (5/ 279) فيه علي بن يزيد وهو ضعيف وصححه الألباني كما في الصحيحة (2924)

(3)

((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي الباب العاشر (ص 170، 171).

ص: 27

ونقل الهجويري عن صوفي قديم آخر، وهو: إبراهيم الخواص أنه قال: (سمعت ذات مرة أن ببلاد الروم راهبا مقيما بالدير منذ سبعين سنة بحكم الرهبانية، فقلت: واعجبا ! شرط الرهبانية أربعون سنة. بأي شرف أخلد هذا الرجل إلى الدير سبعين سنة؟ وقصدته، فلما اقتربت من ديره فتح كوة وقال لي: يا إبراهيم! عرفت لأي أمر جئت. أنا لم أقم هنا رهبانية في هذه السبعين عاما، بل لأن لي كلبا هائجا، فأقمت هنا أحرسه وأكفي الخلق شره، وإلا فلست أنا هذا (الذي تظن). فلما سمعت منه هذا الكلام قلت: يا إلهي تعاليت! أنت قادر على أن تهدي العبد طريق الصواب في عين الضلالة، وتكرمه بالصراط المستقيم. فقال لي: يا إبراهيم! إلام تطلب الناس؟ إمض واطلب نفسك، وإذا وجدتها فاحرسها، لأن الهوى يرتدي ثوب الإلهية كل يوم على ثلثمائة وستين لونا، ويدعو العبد إلى الضلالة (1).

وذكر الشعراني أن بعض أسلاف الصوفية حاولوا تقرير مذهب رهبان النصارى، وكونهم على الحق والصواب، ومن قبل رسول الله الناطق بالوحي صلوات الله وسلامه عليه – كذبا وزورا -:(أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((دعوا الرهبان وما انقطعوا إليه))، تقرير لهم على ما هم عليه من حيث عموم رسالته صلى الله عليه وسلم كما قرر أهل الكتاب على سكنى دار الإسلام بالجزية. قالوا: وهي مسألة خفية جليلة في عموم رسالته صلى الله عليه وسلم. لا ينتبه لها إلا الغواصون على الدقائق (2).

هذا ولقد ذكر في طبقاته عن صوفي آخر – وهو إبراهيم بن عصفير – الذي يقول عنه: (كان كثير الكشف، وله وقائع مشهورة، وظهرت له الكرامات وهو صغير، وكان يأتي البلد وهو راكب الذئب أو الضبع، وكان يمشي على الماء لا يحتاج إلى مركب، وكان بوله كاللبن الحليب أبيض،

وما ضبطت عليه كشفا أخرم فيه. يكتب عن هذا الصوفي الذي بلغ أقصى درجات الولاية: (كان أكثر نومه في الكنيسة، ويقول: النصارى لا يسرقون النعال في الكنيسة بخلاف المسلمين، وكان رضي الله عنه يقول: أنا ما عندي من صوم حقيقة إلا من لا يأكل لحم الضأن أيام الصوم كالنصارى، وأما المسلمون الذين يأكلون لحم الضأن والدجاج أيام الصوم فصومهم عندي باطل (3).

وكذلك وجد مدح الرهبان النصارى في كتب صوفية كثيرة مثل ما ذكر الأصبهاني في حليته عن عبد الله بن الفرج أنه قال له رجل:

(يا أبا محمد، هؤلاء الرهبان يتكلمون بالحكمة وهم أهل كفر وضلالة، فمم ذلك؟ قال: ميراث الجوع، متعت بك (4).

وأيضا ذكر عن إبراهيم بن الجنيد أنه قال:

وجدت هذه الأبيات على ظهر كتاب لمحمد بن الحسين البرجلاني:

(مواعظ رهبان وذكر فعالهم

وأخبار صدق عن نفوس كوافر

مواعظ تشفينا فنحن نحوزها

وإن كانت الأنباء عن كل كافر

مواعظ بر تورث النفس عبرة

وتتركها ولهاء حول المقابر

مواعظ أنَّى تسأم النفس ذكرها

تهيج أحزانا من القلب ثائر)

ومثل ذلك ما نقله أبو طالب المكي عن عيسى عليه السلام أنه قال:

(المحب لله يحب النصب. وروى عنه أنه مر على طائفة من العباد قد احترقوا من العبادة كأنهم الشنان البالية، فقال: ما أنتم؟

فقالوا: نحن عباد. قال: لأي شيء تعبدتم؟

قالوا: خوفنا الله من النار فخفنا منها، فقال: حق على الله أن يؤمنكم ما خفتم.

ثم جاوزهم فمر بآخرين أشد عبادة منهم، فقال: لأي شيء تعبدتم؟

(1)((كشف المحجوب)) للهجويري ترجمة عربية (ص439) ط دار النهضة العربية بيروت.

(2)

((الجواهر والدرر)) للشعراني (ص237) بهامش الابريز للدباغ ط مصر.

(3)

((الطبقات الكبرى)) للشعراني (2/ 140).

(4)

((حلية الأولياء)) للأصبهاني (10/ 151) الطبعة الثالثة دار الكتاب العربي بيروت لبنان 1980 م.

ص: 28

قالوا: شوقنا الله إلى الجنان وما أعد فيها لأوليائه، فنحن نرجو ذلك، فقال: حق على الله أن يعطيكم ما رجوتم.

ثم جاوزهم، فمر بآخرين يتعبدون، فقال: ما أنتم؟ قالوا: نحن المحبون لله لم نعبده خوفا من نار، ولا شوقا إلى جنة ولكن حبا له وتعظيما لجلاله، فقال: أنتم أولياء الله حقا، معكم أمرت أن أقيم، فأقام بين أظهرهم وفي لفظ آخر قال للأولين: مخلوقا خفتم، ومخلوقا أحببتم. وقال لهؤلاء: أنتم المقربون (1). (ويستخلص من هذا أن الصوفية المسلمين لم يجدوا حرجا في الاستماع إلى مواعظ الرهبان وأخبار رياضاتهم الروحية والإستفادة منها، رغم أنها صادرة عن نصارى، ونحن نجد فعلا كثيرا من أخبار رياضات الرهبان وأقوالهم في ثنايا كتب الصوفية وطبقات الصوفية (2).

وقبل هذا كتب الدكتور البدوي في هذا الكتاب الذي اقتبسنا منه الأسطر الأخيرة، والذي دافع فيه عن التصوف دفاعا شديدا، وحاول فيه محاولة فاشلة لإثبات أصول التصوف ومصادره في الإسلام، ومن تعاليمه، كتب فيه:(الاختلاط بين المسلمين والنصارى العرب في الحيرة والكوفة ودمشق ونجران وخصوصا في مضارب القبائل العربية التي انتشرت فيها المسيحية قبل الإسلام وبعده: بنو تغلب، قضاعة، تنوخ، وتتحدث بعض الأحبار عن أن بعض الصوفية المسلمين الأوائل كانوا يستشيرون بعض الرهبان النصارى في أمور الدين: كما يروي عبد الواحد بن زيد، والعتابي، وأبي سليمان الداراني (3).

وهذه هي الأشياء التي جعلت نيلكسون الإنجليزي، وفون كريمر الألماني، وجولد زيهر النمساوي يضطرون إلى أن يقولوا، واللفظ للأول:(ويجب ألا ننسى في هذا المقام أثر المسيحية في الزهد الإسلامي في العصر المبكر فإن الأمر لم يقتصر على اللباس وعهود الصمت وكثير من آداب طريق الزهد التي يمكن ردها إلى أصل مسيحي، بل إننا نجد في أقدم كتب تراجم الصوفية – إلى جانبي الحكايات العديدة التي تمثل الراهب المسيحي يلقي المواعظ في صومعته أو عموده على زهاد المسلمين السائحين في الصحراء – أدلة قاطعة على أن مذاهب هؤلاء الزهاد كانت إلى حد كبير مستندة إلى تعاليم وتقاليد يهودية ومسيحية. ومن ذلك آيات كثيرة من التوراة والإنجيل مذكورة بين الأقوال المنسوبة إلى أولياء المسلمين، وأن القصص الإنجيلية التي كان يقصها رهبان المسيحيين على طريقتهم الخاصة كان يتلهف على قراءتها المسلمون: مثال ذلك المجموعة المعروفة باسم الإسرائيليات التي يقال إن وهب بن منبه (المتوفى سنة 628 م) قد جمعها، وكتاب (قصص الأنبياء) الذي كتبه الثعالبي (المتوفى سنة 1036 م)، وهذا الأخير لا يزال موجوداً (4).وأما قضية المصطلحات التي روجوها بين الناس، واستعملوها فيما بينهم فلا يشك أحد في كونها أجنبية في الإسلام ولغة الإسلام العربية، ومقتبسة مأخوذة من المسيحية بحروفها وألفاظها، معانيها ومدلولاتها مثل:(ناموس، رحموت، رهبوت، لا هوت، جبروت، رباني، روحاني، نفساني، جثماني، شعشعاني، وجدانية، فردانية، رهبانية، عبودية، ربوبية،، ألوهية، كيفوية (5).

(1)((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (2/ 56).

(2)

((تاريخ التصوف الإسلامي)) للدكتور عبد الرحمن بدوي (ص35) ط وكالة المطبوعات بالكويت 1978 م.

(3)

أيضا (ص33، 34).

(4)

في ((التصوف الإسلامي وتاريخه)) (ص47)، أيضا ((تاريخ الأفكار الواردة في الإسلام)) لفون كريمر (ص52)، أيضا ((المجلة الملكية الآسيوية)) مقال جولد زيهر.

(5)

((تاريخ التصوف الإسلامي)) للبدوي (ص333).

ص: 29

والجدير بالذكر، ومن الأشياء اللافتة للأنظار أن كل من حاول تبرئة التصوف عن كونه مأخوذا ومقتبسا من الرهبنة المسيحية لم يسعه الإنكار عن كون المسيحية إحدى مصادر التصوف، وأنه استفاد منها، ولو أنهم أصروا مع ذلك كونه إسلاميا بحتا، معارضين مع ما قالوه، ومناقضين مع ما أثبتوه، مقرين عليهم بالتعارض الفكري، والتضارب القولي، وإنكار ما هو ثابت لا يمكن رده ولا إنكاره، فيقول واحد من هؤلاء – ولا حظ الزحزحة الفكرية، والتناقض الشديد، والتعارض الغريب، والعجز الظاهر عن الدفاع، وضعف القوة وقلة الحيلة، مع الإنكار والإقرار في وقت واحد، لاحظ واقرأ واستمع – فيقول أحد الكتاب - وهو دكتور في العلوم – ردا على من يجعل النصرانية إحدى مصادر التصوف:

(لم يقتصر الكلام في المصادر الصوفية على المصدر الفارسي أو الهندي بل ذهب فريق آخر من الباحثين إلى أن ثمة عناصر أخرى روحية يمكن أن ترد أصولها إلى أصول نصرانية.

ويؤيد هذا الفريق مذهبه بما كان يوجد من صلات بين العرب والنصارى سواء في الجاهلية أو في الإسلام، وبما يلاحظ من أوجه الشبه الكثيرة بين حياة الزهاد والصوفية وتعاليمهم وفنونهم في الرياضة والخلوة والتعبد. وبين ما يقابل هذا كله في حياة المسيح وأقواله وأحوال الرهبان والقسيسين وطرقهم في العبادة واللباس.

ومن الباحثين والمؤيدين: لهذا الاتجاه (فون كريمر، وجولدزيهر، ونيكولسون وفلسنك وآسين وبلاسيوس، وأندريه وأوليري.

ويرى: (فون كريمر): أن التصوف الإسلامي والأقوال المأثورة عن الصوفية على أنهما ثمرات نمت وترعرعت ونضجت في بلاد العرب تحت تأثير جاهلي، حيث كان كثير من العرب الجاهلين نصارى، وكان كثير من هؤلاء النصارى قسيسين ورهباناً.

وجولد زيهر: يستند إلى ما تقرره النصرانية من إيثار الفقر والفقراء على الغنى والأغنياء، فيزعم أن ما ورد في الحديث النبوي من هذا المعنى مستمد من النصرانية، ويعني هذا أن يترتب عليه أن الفقر والتخشن في الحياة إنما يرجع إلى أصل نصراني، ويضيف عليه نيكولسون أيضاً. ما يصطنعه الصوفية من صمت وذكر فيزعم أنه مأخوذ من النصرانية.

هذا من حيث: أن التصوف زهد وطريقة في العبادة والرياضة واللباس.

أما فيما يتعلق بها من حيث هي مذاهب تصور منازع أصحابها الفلسفية واتجاهاتهم الروحية والفلسفية معاً: فإن هناك طائفة من القصص والأقوال التي تروي عن المسيح مما ورد في كتب الصوفية أنفسهم، ويمكن أن يؤخذ على أنه مصدر لبعض المذاهب الصوفية الإسلامية ....

على أننا لا ننكر ولا أحد يستطيع أن ينكر ما يوجد من أوجه الشبه بين حياة الزهاد ولباسهم وبعض تعاليم الصوفية وطرقهم في العبادة ومذاهبهم في الحب الإلهي، وبين حياة الرهبان ولباسهم، وبعض ما اثر عن المسيح وحوارييه من أقوال في المحبة وغيرها من شيءون الحياة الروحية.

فإننا لا نستطيع مع ذلك أن نجزم بأن مصدر التصوف والحياة الروحية في الإسلام إنما هو نصراني صرف.

فصحيح أيضا أنه كان ممن مال إلى الرهبنة من العرب من يبني الأديرة – فقد روى عن حنظلة الطائي أنه فارق قومه وتنسك، وبنى ديراً بالقرب من شاطئ الفرات حيث ترهب فيه حتى مات، وكذلك قيل عن قس بن ساعدة كان يتقفر القفار، ولا تكنه دار، يتحسس بعض الطعام، ويأنس بالوحوش والهوام.

ص: 30

وصحيح أنه يروي عن أمية بن أبي الصلت أنه ليس بالمنسوخ تعبداً وأن لكل من قس وأمية نثرا وشعراً وطبعاً بطابع ديني، وأصطبغا بصبغة الزهد في الدنيا والنظر في الكون، وصحيح بعد هذا كله، وفوق هذا كله، أن القسس والرهبان كانوا ينبثون منا وهناك في أسواق العرب ويبشرون ويتحدثون عن العبث والحساب والجنة والنار كما يدل على ذلك كثير من آيات القرآن الكريم التي تتحدث عنهم وتحكي أقوالهم وتفند مذاهبهم.

وتصور إلى أي حد كانت تعاليمهم بين العرب، فهذا كله صحيح لا شبهة فيه ولا غبار عليه ولكن الذي ليس بصحيح هو أن نجعل منه أساساً يبني عليه القول بأن وحدة مصدر التصوف الإسلامي.

ولكن هناك تساءلاً وهو لماذا يقصر الباحثون أنظارهم على حياة المسيح وأقواله والرهبان وأحوالهم حين يحاولون ربط الصوفية بالمصادر النصرانية ولم لا يجوز أن يكون هذا التصوف أيضاً كان مسايرة لطبيعة الحياة العربية الجاهلية.

وقد كانت وقتئذ حياة خشنة لا حظ لها من ترف، ولا أثر فيها لنعومة بحيث يمكن أن يقال: إن حياة الزهاد والصوفية في الإسلام إنما هي استمرار لهذه الحياة الخشنة البعيدة عن الزخرف والنعيم، والتي كان يحياها العرب الجاهليون بصفة عامة، والتي تصطبغ عند بعضهم بصبغة الخلوة والانقطاع عن الناس، إلى التفكر والتقرب من الآلهة يلتمسون عندهم الخير والحكمة؟

بل وما الذي يمنع أيضاً من أن يكون مرجع الحياة الروحية الإسلامية هو مذهب الحياة التي كان يحياها قوم في الجاهلية يعرفون ببني صوفة، الذين انفردوا لخدمة الله عند بيته الحرام؟

ومع هذا لا أحد ينكر ما للمسيحية والرهبان من تأثير بالغ في الحياة الجاهلية السابقة.

وبالإضافة إلى ما نلتقي به في ثنايا بعض النظريات الصوفية في الحب الإلهي ببعض الألفاظ والعبارات والعقائد التي هي من أصل نصراني مثل القول: (باللاهوت والناسوت) أو (حلول اللاهوت في الناسوت) أي حلول الإله (اللاهوت) في المسيح الإنسان (الناسوت) أو حلول الأول في الثاني إذا بلغ هذا درجة معينة من الصفاء الروحي.

ومثل القول (بالكلمة) التي هي في النصرانية واسطة بين الله والخلق، والتي اصطنعها بعض الصوفية في التعبير عن نظرياتهم في الحقيقة المحمدية، باعتبارها أول مخلوق خلقه الله، أو: أول تعين للذات الإلهية فاضت منه بقية التعيينات الأخرى من روحية ومادية، ولم تظهر هذه العناصر النصرانية وأشباهها إلا بعد أن كان المسلمون قد اختلطوا بالنصارى وأخذوا يحاورونهم ويجادلونهم في العقائد، فكان طبيعيا أن ينتشر بعض هذه العقائد النصرانية، وأن يعمل عمله في البيئة الإسلامية، ويتردد صداه في أقاويل الصوفية ومذاهبهم في الحب الإلهي وفيما يتصل به، من اتحاد بين الرب والعبد، ومن حلول الرب في العبد. وهذا أمر طبعي ملازم لسنة الحياة وتطورها: إذ لا يمكن وقد تطور التصوف وقد استحال إلى علم له مناهجه ومذاهبه ومنازعه الروحية المصطبغة بصبغة فلسفية، أن يظل الصوفية بمعزل عن هذا الجو الذي امتلأ بالأفكار والعقائد النصرانية وما يدور حولها وجدل بين المسلمين والنصارى دون أن يكون له أثر فيما صدر عنهم من أقوال، وما ذهبوا إليه من مذاهب، لا سيما إذا كانت هذه الأقوال والمذاهب تدور حول مسائل تتصل من قريب أو بعيد بالعقائد (1).

ويقول الدكتور التفتازاني بعد الرد على المستشرقين القائلين بأن كثيرا من أمور التصوف مأخوذة من النصرانية، يقول بعد الرد عليهم:

(ومع هذا لا ننكر تأثر بعض الصوفية المتفلسفين بالمسيحية، على نحو ما نجد عند الحلاج الذي استخدم في تصوفه اصطلاحات مسيحية كالكلمة واللاهوت والناسوت وما إليها، ولكن هذا لم يظهر إلا في وقت متأخر (أواخر القرن الثالث الهجري) بعد أن كان زهد الزهاد قد استقر في القرنين: الأول والثاني الهجريين، واصبح دعامة لكل تصوف لاحق. ولذلك فإن من الإنصاف العلمي القول بأن مذاهب الصوفية في العلم، ورياضاتهم العلمية، ترد إلى مصدر إسلامي، إلا أنه بمرور الوقت وبحكم التقاء الأمم واحتكاك الحضارات، تسرب إليها شيء من المؤثرات المسيحية أو غير المسيحية، فظن بعض المستشرقين خطأ أن الصوفية أخذوا أول ما أخذوا عن المسيحية (2).

فهذه هي خلاصة الكلام في ذلك، نكتفي بها ظانين بأنها كافية لجلاء الموضوع، وتنوير الطريق لمن أراد أن يتقدم إليه ويسلك فيه.

‌المصدر:

التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير

(1)((أضواء على التصوف)) للدكتور طلعت غنام (ص84 إلى 88) ط عالم الكتب القاهرة.

(2)

((مدخل إلى التصوف الإسلامي)) للدكتور أبي الوفاء الغنيمي التفتازاني (ص29، 30) ط دار الثقافة للنشر والتوزيع القاهرة.

ص: 31