الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: عدم خلو الأرض من حجة
من العقائد الشيعية المعروفة، الخاصة بهم أن الأرض لا تخلو من الحجة، وهو الإمام عندهم فلقد بوب محدثوهم وفقهاؤهم ومتكلموهم أبوابا مستقلة لبيان هذه العقيدة المختلقة المصطنعة، وأوردوا فيها روايات مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى عليّ رضي الله عنه وأولاده، أئمة القوم حسب زعمهم، وآراء كبرائهم، وعبارات قادتهم.
فلقد أورد محدثهم الكبير الكليني - وهو بمنزلة البخاري عند المسلمين السنة – في كافيه الذي هو أحد الصحاح الأربعة الشيعية، وبمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة روايات عديدة تحت عنوان: لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة: ومنها ما رواها عن جعفر بن محمد الباقر أنه قال: (لو لم يكن في الأرض إلا اثنان لكان الإمام أحدهما (1).
كما أورد روايات كثيرة في باب: (أن الأرض لا تخلو من حجة): منها ما رواها أيضا عن جعفر أنه سئل:
(أتخلو الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت بأهلها (2).
وبمثل ذلك روى ابن بابويه القمي المتوفى 381هـ أحد رجال الصحاح الأربعة الشيعية، في عيونه عن علي بن موسى الرضا – الإمام الثامن المعصوم لدى القوم – أنه سئل:(أتخلو الأرض من حجة؟ فقال: لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها (3).
وكذلك بوّب القمي بابا مستقلا في كتابه (كمال الدين وتمام النعمة) العلة التي من أجلها يحتاج إلى إمام: وأورد فيه أكثر من عشرين رواية: منها ما رواها عن الباقر بن علي زين العابدين: (لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله (4).
وأورد الملا باقر المجلسي في بحاره أكثر من مائة حديث عن أئمته في هذا المعنى، منها ما رواها عن علي بن الحسين أنه قال:(ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم عليه السلام من حجة فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله (5).
وكتب القوم مليئة من مثل هذه الروايات والأحاديث، نكتفي على هذا القدر من البيان.
وإن الصوفية لأخذوها منهم بكاملها بدون أيّ تغيير وتبديل، غير أنهم جعلوا الحجة وليّا من أوليائهم، أو صوفيا من جماعتهم بدل الإمام لدى الشيعة، فيقول أبو طالب المكي في قوته، مستعملا حتى الألفاظ الشيعية ومصطلحاتهم نقلا عن علي رضي الله عنه أنه قال:(لا تخلو الأرض من قائم لله تعالى بحجة، إمّا ظاهر مكشوف، وإمّا خائف مقهور لئلا تبطل حجج الله تعالى وبيّناته (6).
ومثل ذلك أورد الطوسي السراج أبو نصر عنه: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة لئلا تبطل آياته، وتدحض حججه (7).
وبمثل ذلك قال الحكيم الترمذي، وأحمد بن زرّوق:(لا تخلو الدنيا في هذه الأمة من قائم بالحجة (8).
(1)((الأصول من الكافي)) للكليني المتوفى 329 هـ (1/ 180) ط دار الكتب الإسلامية طهران الطبعة الثالثة 1388 هـ.
(2)
أيضا كتاب ((الحجة)) (1/ 179).
(3)
((عيون أخبار الرضا)) لابن بابوية القمي (1/ 272 ط انتشارات جهان إيران.
(4)
((كمال الدين وتمام النعمة)) لابن بابويه القمي الباب الحادي والعشرون (1/ 202) ط دار الكتب الإسلامية طهران الطبعة الثانية 1395 هجري قمري.
(5)
((بحار الأنوار)) للمجلسي (ج23 في مواضع شتى.
(6)
((قوت القلوب)) في معاملة المحبوب لأبي طالب المكي (1/ 134).
(7)
كتاب ((اللمع)) للطوسي أبي نصر السراج بتحقيق عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور ص 458 ط دار الكتب الحديثة مصر 1960م، أيضا ((جمهرة الأولياء)) للمنوفي الحسيني (2/ 32).
(8)
كتاب ((ختم الأولياء)) للترمذي الحكيم (ص 360)، ((قواعد التصوف)) لابن زروق ص 48 ط القاهرة 1676 م.
وقال السلمي في مقدمة طبقاته: (واتبع (الله) الأنبياء عليهم السلام بالأولياء، يخلفونهم في سننهم، ويحملون أمتهم على طريقتهم وسمتهم، فلم يخل وقتا من الأوقات من داع إليه بحق أو دال عليه ببيان وبرهان. وجعلهم طبقات في كل زمان، فالوليّ يخلف الوليّ
…
فعلم صلى الله عليه وسلم أن آخر أمته لا يخلو من أولياء وبدلاء، يبيّنون لأمته ظواهر شرائعه وبواطن حقائقه (1).
وقال ابن عربي: (لا يخلو زمان عن كامل (2).
وقال أحد أتباعه البارين علاء الدولة السمناني: (ولا بدّ في كل حين من مرشد يرشد الخلق إلى الحق، خلافة عن النبي المحق، ولابدّ للمرشد من التأييد الإلهي، ليمكن له تسخير المسترشدين، وإفادة المستفيدين، وتعليم المتعلمين
…
وهو العالم، الوليّ، الشيخ. وإلى هذا أشار النبي عليه السلام حيث قال: الشيخ في قومه كالنبي في أمته
…
ولا يكون قطب الإرشاد في كل زمان من الأزمان إلا واحد يكون قلبه على قلب المصطفى صاحب الوراثة الكاملة (3).
وقال صاحب (الجمهرة): (قد صحت الروايات والنصوص المؤكدة الثابتة بالكتاب والسنة على أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة، ومن عارف بالحقيقة الكامنة خلف الظواهر، ومن مميّز بين اللباب والقشور، وعابد لله على الوجه الصحيح، وسائر إلى الله على بصيرة صريحة، وعقيدة وضاءة إلى أن تقوم الساعة (4).
ونقل عن قطب الدين القسطلاني في كتاب له في التصوف: (أن الله بحكمته ونعمته أقام في كل عصر من جعل له لسانا معبرا عن عوارف المعارف الإلهية، مخبرا عن لطائف العواطف الربانية، يصل الله به ما أنقطع من علوم الأنبياء ومعارف الأولياء (5).
وقال لسان الدين بن الخطيب: (ولا بدّ عندهم أن يكون في العالم شخص واصل إليه في كل زمان، وهو الخليفة المتلقي عن الله أسرار الموجودات، أما ظاهرا فنبيّ ورسول أو باطنا فقطب (6).
وقال الشعراني نقلا عن عليّ الخواص أنه قال: (من نعم الله تعالى على عباده كونه تعالى لا يخلي الأرض من قائم له بحجة في دينه، رضية لولايته، واختاره لمعاملته، يبين به دلالاته، يوضح به طرقاته، فطوبى لمن كان كذلك في هذا الزمان (7).
وهذا ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه بعد ذكر كلام الصوفية في هذا الخصوص: (وهذا من جنس دعوى الرافضة أنه لابدّ في كل زمان من إمام معصوم يكون حجة الله على المكلفين، لا يتم الإيمان إلا به (8).
المصدر:
التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير
(1) كتاب ((طبقات الصوفية))، المقدمة للسلمي (ص 7).
(2)
((عقلة المستوفز)) لابن عربي ص 97 ط ليدن.
(3)
كتاب ((العروة)) للسمناني مخطوط ورقة رقم 88 ب المنقول من كتاب ((ختم الأولياء)) ص 489 ط بيروت.
(4)
((جمهرة الأولياء)) (1/ 7).
(5)
أيضا (1/ 94).
(6)
((روضة التعريف)) للسان الدين بن الخطيب (ص 580).
(7)
((الأخلاق المتبولية)) للشعراني (2/ 116، 117).
(8)
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (11/ 439) ط 1398 هـ.