المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الزواج

- ‌المبحث الثاني: المسيحية وترك الدنيا:

- ‌المبحث الثالث: الزّاويَةُ وَالملْبَسُ:

- ‌المبحث الرابع: المذاهبُ الهنْديّة وَالفَارسيَّة:

- ‌المبحث الخامس: الأفلَاطونيّة الحَدِيثَة:

- ‌الفصل العاشر: التصوف عند الوثنيين وأهل الكتاب

- ‌المبحث الأول: الصوفية عند الوثنيين

- ‌المطلب الأول: الطاوية (منتشرة في الصين)

- ‌المطلب الثاني: الجينينة (نسبة إلى جينا، أي: القاهر والمتغلب)

- ‌المطلب الثالث: الهندوسية

- ‌المطلب الأول: عند اليهود

- ‌المطلب الثاني: عند النصارى

- ‌الفصل الحادي عشر: الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية

- ‌المبحث الأول: الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم

- ‌المطلب الأول: مدة الخلوة

- ‌المطلب الثاني: شروط الخلوة الصوفية

- ‌المبحث الثالث: أقسام الخلوات الصوفية

- ‌المبحث الرابع: تثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر

- ‌الفصل الثاني عشر: كيفية الدخول في المذهب الصوفي

- ‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية

- ‌المبحث الأول: عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود

- ‌المبحث الثالث: الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية

- ‌المبحث الأول: معنى التزكية وأهميتها

- ‌المبحث الثاني: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في مناهج التزكية

- ‌المبحث الثالث: منهج التزكية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في غاية التزكية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشرعيَّة والحقيقة

- ‌المبحث الثاني: الحقيقة المحمَدية

- ‌المبحث الثالث: وحدة الأديان

- ‌المبحث الرابع: الأولياء والكرامات

- ‌المبحث الخامس: الأقطاب والأوتاد

- ‌المبحث السادس: الشطح واللامعقول

- ‌المبحث الأول: تربية ذليلة

- ‌المبحث الثاني: المتصَوفة وعلم الحَديث

- ‌المبحث الثالث: البطالة والانحِلَال

- ‌المبحث الرابع: السَّمَاع وَالذِكر

- ‌المبحَث الخامِس المتصَوفة والجهَاد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني: الغيب في المعتقد الصوفي

- ‌المبحث الثالث: عبدالكريم الجيلي وكتابه (الإنسان الكامل)

- ‌المبحث الرابع: ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية

- ‌المبحث الخامس: ما الذي يريده هؤلاء الملاحدة

- ‌المبحث السادس: الغزالي وطريق الكشف

- ‌المبحث السابع: ابن عربي والكشف الصوفي

- ‌المبحث الثامن: نماذج من الكشف الصوفي

- ‌الفصل التاسع عشر: الشطحات الصوفية

- ‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية

- ‌المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثالث: حجج المجوّزين للذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الخامس: صفة الذكر

- ‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي

- ‌المبحث السابع: مفاسد الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثامن: فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: الوجد والرقص عند الصوفية

- ‌الفصل الثالث والعشرون: الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية

- ‌المبحث الأول: أبو يزيد البسطامي ومعراجه

- ‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني

- ‌المبحث الأول: الولاية الرحمانية

- ‌المبحث الثاني: الولاية الصوفية الشيطانية

- ‌المبحث الثالث: مراتب الولاية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: القطب الغوث واحد في الزمان فقط

- ‌المبحث الخامس: قطب سنة 593هـ من مدينة فاس بالمغرب

- ‌المبحث السادس: وظيفة القطب

- ‌المبحث السابع: الأبدال السبعة ووظائفهم

- ‌المبحث الثامن: مدة حكم القطب ووظيفته

- ‌المبحث التاسع: ابن عربي القطب الأعظم

- ‌المبحث الأول: الحكيم الترمذي وكتابه (ختم الأولياء)

- ‌المبحث الثاني: ابن عربي وختم الولاية

- ‌المبحث الثالث: محمد عثمان الميرغني وختم الولاية

- ‌المبحث الرابع: أحمد التيجاني وختم الولاية

- ‌المطلب الأول: الإسلام لم يأت بتقديس القبور والأضرحة

- ‌المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء

- ‌المطلب الثالث استمرار ما درج عليه الصحابة من الهدي في تسوية القبور والنهي عن تعظيمها إلى نهاية القرون المفضلة

- ‌المطلب الأول هدي اليهود والنصارى في اتخاذ القبور مساجد واستحقاقهم اللعن على ذلك وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فعلهم

- ‌المطلب الثاني: النهي عن التشبه باليهود والنصارى

- ‌المطلب الثالث: الرافضة هم أول من أحدث المشاهد المعظمة في الملة الإسلامية وغلوا في أصحابها حتى عبدت من دون الله تعالى

- ‌المبحث الثالث: واقع القبورية في العالم الإسلامي

- ‌المبحث الرابع: أشهر هذه القبور في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفضائل المفتراة التي يروجون بها لزيارة هود عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: نماذج من أشعار القوم في الترويج لها

- ‌المطلب الثالث: وسائل جذب الزوار لهذه الزيارة

- ‌المطلب الرابع: مظاهر وثنية في هذه الزيارة

- ‌المطلب الخامس: الطقوس الوثنية فيها

- ‌أولا: المناسك الزمانية

- ‌ثانياً: المناسك المكانية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: هيئة الديوان

- ‌المبحث الثاني: زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان

- ‌المبحث الثالث: ساعة انعقاد الديوان

- ‌المبحث الرابع: زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان

- ‌المبحث الخامس: زعمهم حضور الملائكة للديوان

- ‌المبحث السادس: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين أعضاء في الديوان

- ‌المبحث السابع: لغة أهل الديوان

- ‌المبحث الثامن: أولياء يحضرون الديوان بأرواحهم فقط

- ‌المبحث التاسع: الديوان يعقد في صحراء السودان أحياناً

- ‌المبحث العاشر: ماذا لو غاب الغوث

- ‌المبحث الحادي عشر: الغوث الصوفي دكتاتور كبير

- ‌المبحث الثاني عشر: أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

- ‌المبحث الثالث عشر: لماذا يجتمع أهل الديوان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: اتخاذ الشيخ

- ‌المبحث الثاني: مواصفات الشيخ

- ‌المبحث الثالث: آداب المريد

- ‌الفصل الثلاثون: تراجم زعماء الصوفية

- ‌الفصل الحادي والثلاثون: موقف بعض العلماء من التصوف

- ‌المبحث الأول: موقف الإمام الشافعي

- ‌المبحث الثاني: موقف الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المبحث الثالث: موقف الإمام أبو زرعة الدمشقي

- ‌المبحث الرابع: موقف الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبدالكريم البزودي المتوفى سنة 478هـ ببخارى

- ‌المبحث الخامس: موقف الإمام ابن الجوزي

- ‌المبحث السادس: موقف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المبحث السابع: موقف الإمام برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885ه

- ‌المبحث الثامن: شهادة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي

- ‌المبحث التاسع: مع الشيخ الفاطمي الشرادي

- ‌المبحث العاشر: مع الشيخ عبدالعزيز بن إدريس

- ‌المبحث الحادي عشر: شهادة الشيخ عبدالرحمن الوكيل

- ‌المبحث الأول: أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

- ‌المبحث الثاني: دلالة اسم عبدك

- ‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف

- ‌المبحث الرابع: نزول الوحي وإتيان الملائكة

- ‌المبحث الخامس: المساواة بين النبي والولي

- ‌المبحث السادس: تفضيل الولي على النبي

- ‌المبحث السابع: إجؤاء النبوة

- ‌المبحث الثامن: العصمة

- ‌المبحث التاسع: عدم خلو الأرض من حجة

- ‌المبحث العاشر: وجوب معرفة الإمام

- ‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية

- ‌المبحث الثاني عشر: الحلول والتناسخ

- ‌المبحث الثالث عشر: مراتب الصوفية

- ‌المبحث الرابع عشر: التقية

- ‌المبحث الخامس عشر: الظاهر والباطن

- ‌المبحث السادس عشر: نسخ الشريعة ووضع التكاليف

- ‌المبحث السابع عشر: تقديس القبور وزيارة المشاهد

- ‌المطلب الأول: الحلاج والتشيع

- ‌المطلب الثاني: الحلاج داعية الإسماعيلية في المشرق

- ‌المطلب الثالث: شهادة العمار الحنبلي أن الحلاج قرمطي

- ‌المطلب الرابع: الحلول عند الحلاج الصوفي وعند أبي الخطاب الشيعي

- ‌المبحث التاسع عشر: الطرق الصوفية والتشيع

- ‌المطلب الأول: الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثاني: الطريقة البكتاشية تنتشر في مصر

- ‌المطلب الثالث: أصول الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الرابع: مراتب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الخامس: التكية البكتاشية

- ‌المطلب السادس: العهد ودخول الطريقة

- ‌المطلب السابع: آداب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثامن: الأوراد البكتاشية

- ‌المطلب التاسع: دور الفرس في التشيع والتصوف

- ‌المبحث الأول: طلب الهداية في غير الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة

- ‌المبحث الثالث: الغلو الزائد في الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء

- ‌المطلب الأول: غلوهم في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني غلوهم في الأولياء

- ‌المبحث الرابع: تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني

الفصل: ‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية

‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية

يزعم المتصوفة: كما هو شأن كل الطوائف المفارقة للمنهج الرباني أنهم على حق وأن ما يدينون به من أفكار وخرافات إنما هي نابعة من تمسكهم بالكتاب والسنة وفهم حقائق الإسلام، وهذه الدعوى ينتحلها زعماء الطوائف بغرض ترويج مبادئهم وإظهارها بمظهر الحق مهما كانت بعيدة عنه.

وذلك أن دعوى التمسك بالكتاب والسنة سهلة على اللسان ولكن التطبيق هو الذي يصدق ذلك أو يكذبه. وقد ذكر أحد أعلامهم وهو السيد محمود أبو الفيض المنوفي بعض مستنداتهم فقال: "والتصوف الإسلامي نبعه القرآن أولاً وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ثانياً والفقه في الدين فروعاً وأصولاً ثالثاً ولهم – أي المتصوفة – فوق ذلك قواعد وقوانين صوفية استمدوها من حقائق اليقين وخفي معاني القرآن، ومن دقائق السنة عملية معملية، ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، وهذا في الواقع مستمد علم التصوف الإسلامي (1).

أي أنهم يرجعون في جملة مستنداتهم إلى تلك الدعوى العريضة وهي أخذهم الأحكام من حقائق اليقين وخفي معاني القرآن، وفي الحقيقة إنما يرجعون إلى الهوى، وإلى تفسير القرآن باطنياً غير مستندين إلى المعاني التي ذكرها العلماء من أهل الحق لمعاني تلك النصوص.

ثم يذكر المنوفي مستنداً آخر لهم بقوله:"ومستمد الصوفية هم أهل الصفة، وإن كان تعريف الاسم يناسب لبس الصوف من حيث الاشتقاق. وهذا صحيح؛ لأن أهل الصفة وغيرهم من الروحيين في الإسلام وقبل الإسلام، ومن قديم الزمان كانوا يلبسون الصوف لخشونة فيه وهم متخوشنون، أو قل لسبب لونه الأبيض الذي يرمز إلى الطهارة والصفاء، وكان أيضاً لباس الحواريين"(2).

ويذكر الغزالي أن مستندات الصوفية وأصولهم مشاهدة الملائكة وأرواح الأنبياء، والخضر بخصوصه ومخاطبتهم فهو يقول: ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد، ثم تترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها النطاق، ولا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظة خطأ صريح لا يمكن الاحتراز عنه إلا لمن رسخ فيه ونهل منه منهله" (3).

(1) انظر كتاب ((جمهرة الأولياء)) و ((أعلام أهل التصوف)) (1/ 154).

(2)

انظر: ((جمهرة الأولياء)) (1/ 154).

(3)

((جمهرة الأولياء)) (1/ 155). نقلاً عن الغزالي.

ص: 76

وبطلان هذا الكلام واضح، وربما أن الذين يشاهدونهم بزعم أنهم الملائكة أو أرواح الأنبياء وسماع الأصوات إنما هي شياطينهم تتلاعب بهم وتتراءى لهم ليضلونهم، وما أكثر خدع الشياطين لإغواء الناس. وكذلك من مزاعمهم وأصولهم في مستندهم إلى الطريق إلى الله علم الباطن الذي أفضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي رضي الله عنه، وعلي أفضى به إلى الأئمة المذكورين في كتبهم، وذلك فيما يزعمون أن جبريل عليه السلام نزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا بالشريعة فلما تقررت الشريعة واستقرت نزل إليه بالحقيقة (1) المقصودة والحكمة المرجوة من أعمال الشريعة وهي الأيمان والإحسان، ثم خص الرسول صلى الله عليه وسلم بتعليم باطن الشريعة بعض أصحابه كعلي ثم الحسن دون بعض. وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب هؤلاء، وقد سرد المنوفي أسماء السلسلة التي تداولتها الصوفية ابتداءً بالإمام علي إلى أحمد بن عطا الله السكندري (2)، صاحب (لطائف المنن)، أورد بعض النصوص المرفوعة كذباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيها أن كل آية لها ظاهر وباطن وظاهر الآية ما ظهر من معانيها، وباطنها ما تضمنته من أسرار إلهية لا يطلع عليها إلا أهل المعرفة بالله ممن سرد أسماءهم من أوليائه الذين يعلمون علم الباطن في زعمه.

ولقد نفى عليّ رضي الله عنه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خصهم بعلم دون سائر البشر، وقد سبق إبطال الباطنية في دعواهم أن النصوص لها ظاهر وباطن.

ويقول المنوفي أيضاً في دعواهم الالتصاق بأهل الصفة:"وكان عظماء أهل الصفة بل جلهم من أوائل الصوفية وأهل طريق الله، وحسبنا في ذلك أن نزل فيهم قرآن عند قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ [الكهف:28] "(3).

ويقول الشعراني في مستند القوم:"مقدمة في بيان أن طريق القوم مشيدة بالكتاب والسنة، وأنها مبنية على سلوك أخلاق الأنبياء والأصفياء، وبيان أنها تكون مذمومة إلا إن خالفت صريح القرآن أو السنة أو الإجماع لا غير"(4).

لكنه أضاف بعدما تقدم قوله عن مستند جديد:"ثم اعلم يا أخي رحمك الله أن علم التصوف عبارة عن علم انقدح في قلوب الأولياء"، إلى أن قال:" فمن جعل علم التصوف علماً مستقلاً صدق ومن جعله من عين أحكام الشريعة صدق"(5)

ومستند آخر أيضاً يذكره بقوله:"ثم إن العبد إذا دخل طريق القوم وتبحر فيها أعطاه الله هناك قوة الاستنباط نظير الأحكام الظاهرة على حد سواء، فيستنبط في الطريق واجبات ومندوبات، وآداباً ومحرمات، ومكروهات وخلاف الأولى، نظير ما فعله المجتهدون"(6).

(1) يزعم الصوفية أن الشريعة هي ما أوحاه الله إلى رسوله، وأما الحقيقة فهي عندهم المعرفة العقلية التي وصلوا إليها بذوقهم وصارت من الدين بغض النظر عن موافقتها للشريعة أو مخالفتها، ويجب التنبيه إلى أن وسيلة المعرفة عند الصوفية هي الذوق؛ ولهذا اختلفت أفكارهم لاختلاف أذواقهم.

(2)

انظر: ((جمهرة الأولياء)) (1/ 159 – 160).

(3)

((جمهرة الأولياء)) (1/ 162).

(4)

((طبقات الشعراني)) المسمى ((الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار)) (1/ 4).

(5)

((طبقات الشعراني)) المسمى ((الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار)) (1/ 4).

(6)

((طبقات الشعراني)) المسمى ((الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار)) (1/ 4).

ص: 77

ومن هنا نجد أن الصوفية ينفرون أشد النفور من العلم عن طريق التعلم، ويفضلون ما يسمونه علم الكشف بلا واسطة وهو ما عبر عنه محيي الدين بن العربي حينما كتب إلى الرازي كتاباً جاء فيه:" إن الرجل لا يكمل عندنا في مقام العلم حتى يكون علمه عن الله عز وجل بلا واسطة من نقل أو شيخ، فإن كان علمه مستفاداً من نقل أو شيخ فما برح عن الأخذ عن المحدثات، وذلك معلوم عند أهل الله عز وجل"، إلى أن يقول:"فلا علم إلا ما كان عن كشف وشهود لا عن نظر وفكر وظن وتخمين"(1).ويقول الشعراني في هذا المعنى ناقلاً عن شيخه البسطامي، موضحاً مصادر التشريع في ذوقهم:"وكان الشيخ كامل أبو اليزيد البسطامي رضي الله عنه يقول لعلماء عصره: أخذتم علمكم من علماء الرسوم ميتاً عن ميت وأخذنا علمنا من الحي الذي لا يموت"(2).

وبعد هذا الكلام لا يلام من احتار في أمر الصوفية ومصادرهم، فبينما هم يحضون على التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعدم الخروج عنهما إذا بهم يفصحون بالحقيقة في النهاية وهي أن مصادرهم في التشريع إنما هو الكشف والإلهام وهو فعلاً ما سلكوه في كل سلوكهم وتشريعاتهم. وعلى نفس المعنى السابق يقول الفوتي:"إن الولي المفتوح عليه لا يتقيد بمذهب معين من مذاهب المجتهدين بل يدور مع الحق عند الله تعالى أينما درا"(3)، أي حسب تجدد الكشف له والإلهام الرباني المتكرر عليه، وهو كذلك يشير إلى قول أحمد بن المبارك في الإبريز حيث قال:"إن الولي المفتوح عليه يعرف الحق والصواب ولا يتقيد بمذهب من المذاهب، ولو تعطلت المذاهب بأسرها لقدر على إحياء الشريعة، وكيف لا وهو الذي لا يغيب عنه النبي صلى الله عليه وسلم طرفة عين ولا يخرج عن مشاهدة الحق جل جلالة لحظة"(4).

والواقع أن كل منصف له أدنى إلمام بالشريعة الإسلامية لو حكم في دعاوى الصوفية وفي زعمهم شرعيه شطحاتهم، ومستنداتهم في ذلك كله لا تضح له بما لا خفاء به أن المتصوفة قد جانبوا الصواب في كثير من أمور الدين، وأنه لا مستند لهم إلا هواهم الذي يسمونه الكشف والإلهام الصريح، دلك أن قولهم: أن التصوف نبعه القرآن والسنة والفقه في الدين، وفوق ذلك أن له قواعد وقوانين استمدوها من حقائق اليقين دعاوى غير ثابتة.

فليس في القرآن آية واحدة في شريعة غلو التصوف، وليس في السنة النبوية عبارة واحدة جاءت دليلاً يسند شطحات الصوفية وأورادهم وترنيماتهم وحلقات رقصهم، وليس في علوم الفقه الإسلامي وأصوله شيء من هذا القبيل، ثم هم لا يذكروا أيضاً أدلة من القرآن تدل فعلاً على ما يذهبون إليه.

وقد تلمسوا بعض الأدلة من السنة أساءوا الفهم فيها؛ ولهذا جعلوا القواعد والقوانين الصوفية فوق المصادر الثلاثة: القرآن، والسنة، والفقه الإسلامي، كما قال المنوفي:

"ولهم فوق ذلك قواعد وقوانين صوفية استمدوها من حقائق اليقين"؛ ولهذا تجد السلسلة عندهم حدثني قلبي عن ربي: "وهذه الحقائق اليقينية التي ذكرها المنوفي في الحقيقة من جنس الهوى والاضطراب الفكري، ثم حرفوا معاني القرآن إلى ما يوافق أهوائهم كما فعلت الباطنية تماماً.

(1)((الطبقات الكبرى)) (1/ 5).

(2)

((الطبقات الكبرى)) (1/ 5).

(3)

((رماح حزب الرحيم)) (1/ 96).

(4)

((رماح حزب الرحيم)) (ص 96) نقلاً عن الإبريز.

ص: 78

إن ما زعمه القطب الصوفي صاحب كتاب (جمهرة الأولياء) من أن مستمد الصوفية هم أهل الصفة إنما هو دليل على خواء علمي بالكتاب والسنة وسيرة الصحابة الكرام، فهل كان لأهل الصفة تشريع خاص بهم، وهل كان لهم شرف يحبون الحفاظ عليه والانتساب إليه غير شرف الانتساب إلى الإسلام وطاعة الله وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم. وأهل الصفة الذين ذكرهم المنوفي هم خيار الصحابة كأبي هريرة وخباب بن الأرت وبلال وسلمان الفارسي وأبي سعيد الخدري وأبى برزة الأسلمي وصهيب بن سنان وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص وعقبة بن عامر وأبو فكيهة ووابصة بن معبد الجهني وأنس بن مالك" (1).

فهل هؤلاء الأعلام الأبرار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أهل الصوفية وهل كان هؤلاء على الزعم الصوفي هم سلف الحلاج وابن عربي وابن الفارض وابن سبعين، وغيرهم من عتاة الصوفية الذين يأخذ أحدهم السكر بالله كما يزعمون إلى حد أن يقول لا إله إلا أنا – أو ما في الجبة إلا الله – أو قولهم – العبد رب والرب عبد، يا ليت شعري من المكلف هل يمكن أن يكون أساس هؤلاء هم أولئك الأخيار.

بل إن المنوفي زعم أن الله عز وجل أمر نبيه أن يكون صوفياً فقال: "وأيضاً قد أمر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بعد أن رباه وكمل خلقه وأتم عليه نعمته بأن يتصوف ويندمج في الصوفية بقوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28].

ومع بعد هذا الاستدلال عن ما يهدف إليه المنوفي فإنه يواصل ما يعتبره أدلة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من مشى على الطريق الصوفي فقال: "وأن الله عز وجل قبل أن يرسل محمداً برسالته الكبرى، والملة العظمى أمره بدخول الخلوة (غار حراء) " إلى أن يقول: "فلما دخل الرسول الخلوة وتعبد وتحنث في غار حراء، وفيه قد أكثر من الذكر والاستغفار والاعتكاف وما نعتبر هذا النمط من العبادة الخاصة إلا أن نعده تصوفاً إسلامياً رفيعاً. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بدأ متدرجاً في الكمال كمريد ثم تهيأ لحمل الرسالة؛ ولذا وصفه الله في كتابه بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وحتى بعد أن حمل الرسالة وأصبح سيد المرسلين أمره الله بأن يصاحب أهل الصفة، وذلك واضح في قوله وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28] أي يا محمد"(2).

لقد قالب المنوفي الأمور وحاول جاهداً أن يقيم الأدلة على أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم كان صوفياً قولاً وفعلاً قبل إن تأتيه الرسالة وبعد ما جاءته أيضاً، وأنه ابتدأ كأي صوفي "مريداً" ثم تدرج في الكمال.

(1)((جمهرة الأولياء)) (1/ 134 - 135).

(2)

((جمهرة الأولياء)) (1/ 267 - 268).

ص: 79

وإذا أمعنا النظر في هذا التصوف الذي سار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة حسب رأي المنوفي فلا نجد للمنوفي مستنداً إلا إلى منشأ التصوف الذي كان قبل الإسلام متمثلاً في شتى الديانات المنحرفة على حد قوله الآتي: " وإن تعرجت تعاليم التصوف وتلونت بعض فروعه ألواناً عدة، واتجهت تلك الفروع اتجاهات مختلفة بسبب المذاهب الموروثة للداخلين المحدثين في الإسلام من هنود وفرس وإسرائيليين ومسيحيين، الذي شجع عليه المأمون ومن بعده من الخلفاء العباسيين. فترجم المسلون كتباً كثيرة من التصوف الهندي واليوناني والفارسي، وطمعت بعض فروع التصوف الإسلامي الخالص بما دخل عليها من النزعات الأفلاطونية الحديثة أو القديمة، وبعض المذاهب الهندية والفارسية في التصوف كنظرية الحلول والاتحاد والتقمص والتناسخ وما إلى ذلك"(1).

وبلا ريب فإن هذه الشهادة منه على ما في التصوف من خلط واضطراب وتعاليم خارجة عن الإسلام لا تحتاج إلى تعليق أحد عليها فكيف تتفق بعد هذا مفاهيم التصوف مع المفاهيم الإسلامية المنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم، ويبقى أن ما قرره المنوفي من أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من سن قواعد التصوف حينما كان يخلو بنفسه ويتعبد في غار حراء وهو منتهي الجهل وأشنع القياس.

ولاحظ تناقض المنوفي في كتابه (جمهرة الأولياء) حينما لم يستطيع أن يخفي حقيقة التصوف حيث باح بأن الصوفية قد تأثرت إلى حد كبير بعقائد الداخلين في الإسلام من هنود وفرس وإسرائيليين ومسيحيين، ولا سيما في عصر الترجمة لفلسفة هؤلاء؛ حيث أخذ التصوف منها جوانب لم ينكرها المنوفي وهو في كل كتاباته عنهم يكيل المدح للصوفية، وأن أول متصوف في الإسلام هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الله أمره بذلك ليسنّ الطرق الصوفية ابتداء بالخلوة في غار حراء ثم الزهد.

وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول المتصوفة فكان ينبغي عليهم أن يقدروا هذا الموقف فيقبلون سنته لا أن يردوها ويعيبون أهل الظاهر كما يسمونهم ممن يخالفهم من أهل الحق حين يقولون لهم: أنتم تأخذون الحديث بسند ميت عن ميت، حدثني فلان وقد مات عن فلان وقد مات، على نحو ما قاله البسطامي ناعياً على علماء الشريعة ومفاخراً لهم حين قال لهم:

"أخذتم علمكم ميتاً عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت؛ ويقول أمثالنا: حدثني قلبي عن ربي، وأنتم تقولون: حدثني فلان وأين هو؟ قولوا: مات، عن فلان وأين هو؟ قالوا: مات".

وهذا القول إنما يدل على جهل وبغض للسنة النبوية ولأهلها وللطريقة التي يتداولها أهل الحق في تلقي دينهم من مصدره الفياض.

كما أنه من غير الإنصاف أن يقصروا ذلك المسلك عليهم فقط؛ لأنه في استطاعة كل شخص من الناس أن يقول حدثني قلبي عن ربي، وأن يدعي من الزهد والقرب من الله مثل ما يدعون، ثم أنه يلزم على قولهم الأسانيد الثابتة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أصحابها قد ماتوا فيقال لهم: والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه قد مات أيضاً.

وينبغي على قولهم هذا أن نأخذ بالأحاديث التي يرونها عن قلوبهم عن ربهم مباشرةً، وهذا القول منهم وإن كان يبدوا ساذجاً تافهاً إلا أنه يحمل في طياته أخطاراً جسيمة بالنسبة للإسلام وللمسلمين لو تحقق لهم ما يهدفون إليه من التفاف الناس حولهم، والأخذ بمبادئهم وتشريعاتهم وإلهائهم بها عن كتاب الله عز وجل وعن سنة نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم.

‌المصدر:

فرق معاصرة لغالب عواجي 3/ 975

(1)((جمهرة الأولياء)) (1/ 266).

ص: 80