المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الزواج

- ‌المبحث الثاني: المسيحية وترك الدنيا:

- ‌المبحث الثالث: الزّاويَةُ وَالملْبَسُ:

- ‌المبحث الرابع: المذاهبُ الهنْديّة وَالفَارسيَّة:

- ‌المبحث الخامس: الأفلَاطونيّة الحَدِيثَة:

- ‌الفصل العاشر: التصوف عند الوثنيين وأهل الكتاب

- ‌المبحث الأول: الصوفية عند الوثنيين

- ‌المطلب الأول: الطاوية (منتشرة في الصين)

- ‌المطلب الثاني: الجينينة (نسبة إلى جينا، أي: القاهر والمتغلب)

- ‌المطلب الثالث: الهندوسية

- ‌المطلب الأول: عند اليهود

- ‌المطلب الثاني: عند النصارى

- ‌الفصل الحادي عشر: الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية

- ‌المبحث الأول: الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم

- ‌المطلب الأول: مدة الخلوة

- ‌المطلب الثاني: شروط الخلوة الصوفية

- ‌المبحث الثالث: أقسام الخلوات الصوفية

- ‌المبحث الرابع: تثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر

- ‌الفصل الثاني عشر: كيفية الدخول في المذهب الصوفي

- ‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية

- ‌المبحث الأول: عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود

- ‌المبحث الثالث: الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية

- ‌المبحث الأول: معنى التزكية وأهميتها

- ‌المبحث الثاني: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في مناهج التزكية

- ‌المبحث الثالث: منهج التزكية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في غاية التزكية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشرعيَّة والحقيقة

- ‌المبحث الثاني: الحقيقة المحمَدية

- ‌المبحث الثالث: وحدة الأديان

- ‌المبحث الرابع: الأولياء والكرامات

- ‌المبحث الخامس: الأقطاب والأوتاد

- ‌المبحث السادس: الشطح واللامعقول

- ‌المبحث الأول: تربية ذليلة

- ‌المبحث الثاني: المتصَوفة وعلم الحَديث

- ‌المبحث الثالث: البطالة والانحِلَال

- ‌المبحث الرابع: السَّمَاع وَالذِكر

- ‌المبحَث الخامِس المتصَوفة والجهَاد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني: الغيب في المعتقد الصوفي

- ‌المبحث الثالث: عبدالكريم الجيلي وكتابه (الإنسان الكامل)

- ‌المبحث الرابع: ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية

- ‌المبحث الخامس: ما الذي يريده هؤلاء الملاحدة

- ‌المبحث السادس: الغزالي وطريق الكشف

- ‌المبحث السابع: ابن عربي والكشف الصوفي

- ‌المبحث الثامن: نماذج من الكشف الصوفي

- ‌الفصل التاسع عشر: الشطحات الصوفية

- ‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية

- ‌المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثالث: حجج المجوّزين للذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الخامس: صفة الذكر

- ‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي

- ‌المبحث السابع: مفاسد الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثامن: فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: الوجد والرقص عند الصوفية

- ‌الفصل الثالث والعشرون: الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية

- ‌المبحث الأول: أبو يزيد البسطامي ومعراجه

- ‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني

- ‌المبحث الأول: الولاية الرحمانية

- ‌المبحث الثاني: الولاية الصوفية الشيطانية

- ‌المبحث الثالث: مراتب الولاية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: القطب الغوث واحد في الزمان فقط

- ‌المبحث الخامس: قطب سنة 593هـ من مدينة فاس بالمغرب

- ‌المبحث السادس: وظيفة القطب

- ‌المبحث السابع: الأبدال السبعة ووظائفهم

- ‌المبحث الثامن: مدة حكم القطب ووظيفته

- ‌المبحث التاسع: ابن عربي القطب الأعظم

- ‌المبحث الأول: الحكيم الترمذي وكتابه (ختم الأولياء)

- ‌المبحث الثاني: ابن عربي وختم الولاية

- ‌المبحث الثالث: محمد عثمان الميرغني وختم الولاية

- ‌المبحث الرابع: أحمد التيجاني وختم الولاية

- ‌المطلب الأول: الإسلام لم يأت بتقديس القبور والأضرحة

- ‌المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء

- ‌المطلب الثالث استمرار ما درج عليه الصحابة من الهدي في تسوية القبور والنهي عن تعظيمها إلى نهاية القرون المفضلة

- ‌المطلب الأول هدي اليهود والنصارى في اتخاذ القبور مساجد واستحقاقهم اللعن على ذلك وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فعلهم

- ‌المطلب الثاني: النهي عن التشبه باليهود والنصارى

- ‌المطلب الثالث: الرافضة هم أول من أحدث المشاهد المعظمة في الملة الإسلامية وغلوا في أصحابها حتى عبدت من دون الله تعالى

- ‌المبحث الثالث: واقع القبورية في العالم الإسلامي

- ‌المبحث الرابع: أشهر هذه القبور في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفضائل المفتراة التي يروجون بها لزيارة هود عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: نماذج من أشعار القوم في الترويج لها

- ‌المطلب الثالث: وسائل جذب الزوار لهذه الزيارة

- ‌المطلب الرابع: مظاهر وثنية في هذه الزيارة

- ‌المطلب الخامس: الطقوس الوثنية فيها

- ‌أولا: المناسك الزمانية

- ‌ثانياً: المناسك المكانية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: هيئة الديوان

- ‌المبحث الثاني: زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان

- ‌المبحث الثالث: ساعة انعقاد الديوان

- ‌المبحث الرابع: زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان

- ‌المبحث الخامس: زعمهم حضور الملائكة للديوان

- ‌المبحث السادس: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين أعضاء في الديوان

- ‌المبحث السابع: لغة أهل الديوان

- ‌المبحث الثامن: أولياء يحضرون الديوان بأرواحهم فقط

- ‌المبحث التاسع: الديوان يعقد في صحراء السودان أحياناً

- ‌المبحث العاشر: ماذا لو غاب الغوث

- ‌المبحث الحادي عشر: الغوث الصوفي دكتاتور كبير

- ‌المبحث الثاني عشر: أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

- ‌المبحث الثالث عشر: لماذا يجتمع أهل الديوان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: اتخاذ الشيخ

- ‌المبحث الثاني: مواصفات الشيخ

- ‌المبحث الثالث: آداب المريد

- ‌الفصل الثلاثون: تراجم زعماء الصوفية

- ‌الفصل الحادي والثلاثون: موقف بعض العلماء من التصوف

- ‌المبحث الأول: موقف الإمام الشافعي

- ‌المبحث الثاني: موقف الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المبحث الثالث: موقف الإمام أبو زرعة الدمشقي

- ‌المبحث الرابع: موقف الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبدالكريم البزودي المتوفى سنة 478هـ ببخارى

- ‌المبحث الخامس: موقف الإمام ابن الجوزي

- ‌المبحث السادس: موقف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المبحث السابع: موقف الإمام برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885ه

- ‌المبحث الثامن: شهادة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي

- ‌المبحث التاسع: مع الشيخ الفاطمي الشرادي

- ‌المبحث العاشر: مع الشيخ عبدالعزيز بن إدريس

- ‌المبحث الحادي عشر: شهادة الشيخ عبدالرحمن الوكيل

- ‌المبحث الأول: أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

- ‌المبحث الثاني: دلالة اسم عبدك

- ‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف

- ‌المبحث الرابع: نزول الوحي وإتيان الملائكة

- ‌المبحث الخامس: المساواة بين النبي والولي

- ‌المبحث السادس: تفضيل الولي على النبي

- ‌المبحث السابع: إجؤاء النبوة

- ‌المبحث الثامن: العصمة

- ‌المبحث التاسع: عدم خلو الأرض من حجة

- ‌المبحث العاشر: وجوب معرفة الإمام

- ‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية

- ‌المبحث الثاني عشر: الحلول والتناسخ

- ‌المبحث الثالث عشر: مراتب الصوفية

- ‌المبحث الرابع عشر: التقية

- ‌المبحث الخامس عشر: الظاهر والباطن

- ‌المبحث السادس عشر: نسخ الشريعة ووضع التكاليف

- ‌المبحث السابع عشر: تقديس القبور وزيارة المشاهد

- ‌المطلب الأول: الحلاج والتشيع

- ‌المطلب الثاني: الحلاج داعية الإسماعيلية في المشرق

- ‌المطلب الثالث: شهادة العمار الحنبلي أن الحلاج قرمطي

- ‌المطلب الرابع: الحلول عند الحلاج الصوفي وعند أبي الخطاب الشيعي

- ‌المبحث التاسع عشر: الطرق الصوفية والتشيع

- ‌المطلب الأول: الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثاني: الطريقة البكتاشية تنتشر في مصر

- ‌المطلب الثالث: أصول الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الرابع: مراتب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الخامس: التكية البكتاشية

- ‌المطلب السادس: العهد ودخول الطريقة

- ‌المطلب السابع: آداب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثامن: الأوراد البكتاشية

- ‌المطلب التاسع: دور الفرس في التشيع والتصوف

- ‌المبحث الأول: طلب الهداية في غير الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة

- ‌المبحث الثالث: الغلو الزائد في الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء

- ‌المطلب الأول: غلوهم في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني غلوهم في الأولياء

- ‌المبحث الرابع: تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني

الفصل: ‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية

‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية

وتشابه آخر بين الصوفية والشيعة هو أن الصوفية أضفوا على أوليائهم عين تلك الأوصاف والاختيارات التي أضفى الشيعة على أئمتهم وأوصيائهم، فإن الشيعة يقولون:(أن الأئمة ولاة أمر الله، وخزنة علم الله، وعيبة وحي الله (1).

ويروي أبو جعفر محمد بن الحسن الصفار المتوفى 290هـ شيخ الكليني، في بصائره، عن محمد الباقر بن علي زين العابدين أنه يقول:(نحن جنب الله ونحن صفوته ونحن خيرته ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن أمناء الله ونحن حجّة الله، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام، ونحن من رحمة الله على خلقه، ونحن الذين بنا يفتح الله وبنا يختم، ونحن أئمة الهدى، ونحن مصابيح الدجى، ونحن منار الهدى، ونحن السابقون، ونحن الآخرون، ونحن العلم المرفوع للخلق، من تمسك بنا لحق، ومن تخلف عنا غرق، ونحن قادة الغر المحجلين، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق، وصراط الله المستقيم إلى الله، ونحن من نعمة الله على خلقه، ونحن المنهاج ونحن معدن النبوة، ونحن موضع الرسالة، ونحن الذين إلينا مختلف الملائكة، ونحن السراج لمن استضاء بنا، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا، ونحن الهداة إلى الجنة، ونحن عز الإسلام، ونحن السنام الأعظم، ونحن الذين بنا تنزل الرحمة وبنا تسقون الغيث، ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب، فمن عرفنا ونصرنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهو منا وإلينا (2).

وروى الكليني عنه أيضا أنه قال: (نحن خزان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض (3).

ورووا عنه أيضا أنه قال: (نحن المثاني التي أعطاها الله النبي صلى الله عليه وآله، ونحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم، عرفنا من عرفنا، وجهلنا من جهلنا، من عرفنا فإمامه اليقين، ومن جهلنا فإمامه السعير (4).

والروايات في هذا المعنى كثيرة جدا، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتبنا الأربعة في هذا الموضوع، أو كتب الشيعة كبصائر الدرجات للصفار، والكافي للكليني، وبحار الأنوار للمجلسي، والفصول المهمة للعاملي، والبرهان للبحراني وغيرها من الكتب الشيعية الكثيرة.

مع العلم بأن كتاب الله القرآن الكريم، وكتب السنة النبوية المطهرة، وتراجم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خالية عن مثل هذه الخرافات والهفوات، والشركيات واليهوديات.

(1)((الأصول من الكافي)) للكليني (1/ 193).

(2)

((بصائر الدرجات الكبرى)) للصفار الجزء الثاني ص 83 ط منشورات الأعلمي طهران 1404 هجري قمري.

(3)

((الكافي)) للكليني كتاب الحجة (1/ 192).

(4)

((بحار الأنوار)) للمجلسي (2/ 114).

ص: 402

ولكن الصوفية استقوا مبادئهم وأفكارهم ومعتقداتهم من التشيع والشيعة، بدل الكتاب والسنة، فقالوا في أوليائهم ومتصوفيهم نفس ما قاله الشيعة في أئمتهم وأوصيائهم، فانظر ما كتبه أعظم مؤرخ صوفي في التاريخ القديم والحديث أبو نصر السراج الطوسي – حسب ما قاله طه عبد الباقي، والدكتور عبد الحليم محمود – ولاحظ التوافق الكامل والتشابه التام بين ألفاظه وعبارته وبين عبارة الشيعة وألفاظهم فهو ينبئ عن المصدر الأصلي، والمأخذ الحقيقي، والمنبع الأصيل، فيكتب: أن هذه العصابة أعني الصوفية هم أمناء الله عز وجل في أرضه، وخزنة أسراره وعلمه وصفوته من خلقه، فهم عباده المخلصون، وأولياءه المتقون، وأحباءه الصادقون الصالحون، منهم الأخيار والسابقون، والأبرار والمقربون، والبدلاء والصديقون، هم الذين أحيا الله بمعرفته قلوبهم، وزيّن بمعرفته جوارحهم، وألهج بذكره ألسنتهم، وطهر بمراقبته أسرارهم، سبق لهم منه الحسنى بحسن الرعاية ودوام العناية، فتوجهم بتاج الولاية، وألبسهم حلل الهداية، وأقبل بقلوبهم عليه تعطفاً، وجمعهم بين يديه تلطفاً، فاستغنوا به عما سواه،، وآثروا على ما دونه، وانقطعوا إليه، وتوكلوا عليه، وعكفوا ببابه، ورضوا بقضائه، وصبروا على بلائه، وفارقوا فيه الأوطان، وهجروا له الإخوان، وتركوا من أجله الأنساب، وقطعوا فيه العلائق، وهربوا من الخلائق، مستأنسين به مستوحشين مما سواه: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21] الآية: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ [فاطر:32] الآية: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:59](1).

ونقلوا عن ذي النون المصري أنه قال: (هم حجج الله تعالى على خلقه، ألبسهم النور الساطع عن محبّته، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته، وأفرغ عليهم الصبر عن مخالفته، وطهر أبدانهم بمراقبته، وطيبهم بطيب أهل مجاملته، وكساهم حالا من نسج مودّته، ووضع على رؤوسهم تيجان مسرته، ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب، فهي معلقة بمواصلته، فهمومهم إليه ثائرة، وأعينهم إليه بالغيب ناظرة، قد أقامهم على باب النظر من قربه، وأجلسهم على كرسي أطباء أهل معرفته (2).وأيضا: (هم خرس فصحاء، وعمي بصراء، عنهم تقصر الصفات، وبهم تدفع النقمات، وعليهم تنزل البركات، فهم أحلى الناس منقطعا ومذاقا، وأوفى الناس عهدا وميثاقا، سراج العباد، ومنار البلاد، ومصابيح الدجى، معادن الرحمة، ومنابع الحكمة (3).

وقال ابن عجيبة: (هم باب الله الأعظم، ويد الله الآخذة بالداخلين إلى حضرة الله، فمن مدحهم فقد مدح الله، ومن ذمّهم فقد ذمّ الله (4).

(1) كتاب ((اللمع)) للطوسي مقدمة ص 19).

(2)

((جمهرة الأولياء)) للمنوفي الحسيني (1/ 102).

(3)

((جمهرة الأولياء)) (ص 103).

(4)

((إيقاظ الهمم)) لابن عجيبة (ص 272).

ص: 403

وقال ابن قضيب البان: (القطب فاروق الوقت، وقاسم الفيض، وإليه مفوّض أزمّة الأمور، وقلب قطب خزانة أرواح الأنبياء، وله بكل وجه وجه، وأرواح الأنبياء خزائن أسرار الحق .... الكون كله صورة القطب

وهو الباب الذي لا دخول ولا خروج إلا منه

وفؤاد القطب شمعة نصبت لفراش أرواح العالم، ونطقه شهد حقائق المعارف، الذي فيه شفاء أسرار المقربين، وصلاح مشاهد العارفين، وغذاء أفئدة الواصلين

نفس القطب صور برزخ الشئون الصفاتية، وعقله اسرافيله، ومن نفسه قيام عمود السماوات الروحية والأرضين الجسمية، وإرادته المأثرة فيهما، ومن إختياره همم أهل زمانه

القطب الفرد الواحد في كل زمان الحقيقة المحمدية، ولكل زمان قطب منها، وهو خطيب سر الولاء بكلمة: بلى (1).

هذا وأن ابن عربي قال بصراحة ووضوح بدون إبهام ولا إيهام:

(أنا القرآن والسبع المثاني

وروح الروح لا روح الأواني

فؤادي عند معلومي مقيم

يشاهده وعندكم لساني) (2)

ويعتقد الشيعة أن أئمتهم يعرفون جميع الألسن واللغات، وحتى لغات الطيور والوحوش.

فيذكر الصفار في بصائره العناوين الأربعة لبيان علوم أئمته:

(باب في الأئمة عليهم السلام أنهم يعرفون الألسن كلها).

(باب في الأئمة أنهم يتكلمون الألسن كلها).

(باب في الأئمة أنهم يعرفون منطق الطير). (باب في الأئمة عليهم السلام أنهم يعرفون منطق البهائم، ويعرفونهم، ويجيبونهم إذا دعوهم (3).

ثم يورد تحتها روايات كثيرة تنبئ وتدل على كل ما ذكره في العناوين.

فمثلا يروي عن جعفر بن الباقر أنه قال: (قال الحسن بن علي عليه السلام: إن لله مدينتين، إحداهما بالمشرق، والأخرى بالمغرب، عليهما سوران من حديد، وعلى كل مدينة ألف ألف مصراع من ذهب، وفيها سبعون ألف ألف لغة يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبه، وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجة غيري والحسين أخي (4).

ويروي عن محمد الباقر أنه قال: (علمنا منطق الطير، وأوتينا من كل شيء (5).

وغير ذلك من الروايات الكثيرة، وأورد مثلها كل من الكليني في كافيّه، والحرّ العاملي في الفصول المهمة.

ومثل ذلك ذكر المتصوفة في كتبهم عن أوليائهم ومشائخهم، فيقول الشعراني في طبقاته عن إبراهيم الدسوقي:(وكان رضي الله عنه يتكلم بالعجمي والسرياني والعبراني والزنجي، وسائر لغات الطيور والوحوش (6).وقال عماد الدين الأموي: (العارفون يفهمون كلام المخلوقين من الحيوانات والجمادات (7).

وكتب الشعراني في كتابه (الأنوار المقدسية): (الولي يعطيه الله تعالى معرفة سائر الألسن الخاصة بالإنس والجن، فلا يخفى عليه فهم كلام أحد منهم (8).

وذكر القوم حكايات كثيرة عن متصوفيهم تشتمل على تكلمهم مع السباع والطيور وغيرها، سنذكرها في الجزء الثاني من هذا الكتاب في باب مستقل إن شاء الله.

ولكن للطرافة نذكر حكاية واحدة ذكرها الشعراني في طبقاته الكبرى، فيقول:

(أقام الشيخ أبو يعزي في بدايته خمس عشرة سنة في البر، لا يأكل إلا من حبّ الشجر في البادية، وكانت الأسود تأوي إليه والطير يعكف عليه.

وكان إذا قال للأسد: لا تسكني هنا، تأخذ أشبالها وتخرج بأجمعها.

قال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه: زرته مرة في الصحراء وحوله الأسد والوحوش والطير، تشاوره على أحوالها، وكان الوقت وقت غداء، فكان يقول لذلك الوحش: اذهب إلى مكان كذا وكذا، فهناك قوتك، ويقول للطير مثل ذلك فتنقاد لأمره. ثم قال: يا شعيب، إن هذه الوحوش والطيور أحبت جواري فتحملت ألام الجوع لأجلي، رضي الله عنه (9).

فهذا هو التطابق الكلي بين الشيعة والصوفية في هذه القضية.

‌المصدر:

التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير

(1)((المواقف الإلهية)) لابن قضيب البان (190).

(2)

((الفتوحات المكية)) لابن عربي (1/ 70) بتحقيق وتقديم دكتور عثمان يحيى ط الهيئة المصرية العامة للكتاب 1985 م.

(3)

انظر ((بصائر الدرجات الكبرى)) للصفار (9/ 357) وما بعد، ومثل ذلك في ((الفصول المهمة في أصول الأئمة)) للحر العاملي ص 155، كذلك في ((الأصول من الكافي)) (1/ 227).

(4)

انظر ((بصائر الدرجات)) الجزء السابع (ص 359).

(5)

((بصائر الدرجات)) ص 362.

(6)

((طبقات الشعراني)) (1/ 166).

(7)

انظر ((حياة القلوب)) لعماد الدين الأموي بهامش ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (2/ 275).

(8)

((الأنوار المقدسية في معرفة القواعد الصوفية)) للشعراني (2/ 115 ط دار إحياء التراث العربي بغداد – العراق.

(9)

((طبقات الشعراني)) (1/ 136).

ص: 404