الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية
تطلق كلمة ولاية في اللغة العربية (1)، على عدة معان منها التابع، المحب والصديق والناصر. أما معناها في مفهوم الصوفية فهي تنتهي أخيراً في مصب وحدة الوجود، فقد عرفها المنوفي (2) تحت عنوان "أولياء الله"بقوله:"اعلم أن الولاية عبارة عن تولي الحق سبحانه وتعالى عبده بظهور أسمائه وصفاته عليه علماً وعيناً وحالاً وأثر لذة وتصرفاً"، ثم زاد الأمر وضوحاً حينما بين التجليات الإلهية والفيوضات التي تقع على السالك وأفعاله وأفعال كل المخلوقات ثم "لا يرى في نظره غير فعل الفاعل الحقيقي وهو الله".
وعرفها الجرجاني بقوله:
الولي: هو العارف بالله وصفاته بحسب ما يمكن، المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات. وقال أيضاً: الولاية: هي قيام العبد بالحق عند الفناء عن نفسه (3).وقد ذكر السهروردي الولاية وقسمها إلى أقسام باعتبارات مختلفة ثم ذكر بعض الكرامات للأولياء التي لا يخلو من ذكرها كتاب صوفي، وأكثر تلك الكرامات التي يروونها محض خرافات وقصص باطلة. ثم خلص السهروردي إلى أن الصالحين الذين يتولاهم الله ويتولونه ليس المراد بهم:"الذي يقصده أهل الطريق عند تفصيل المراتب ويقولون: فلان صالح وشهيد وولي، بل الصلاح هنا المراد به: الذين صلحوا لحضرته بتحقيق الفناء عن خليقته"(4).وأما القطب الكبير عند الصوفية وهو القشيري فقد ذكر تعريفات كثيرة للولاية، ونقل عن أكابر مشائخهم آراءهم في الولاية وأهميتها وعلاماتها وكيفية الحصول عليها ومسائل أخرى (5)، وهكذا فإن نظرة الصوفية إلى الولي والولاية ليست هي تلك المنزلة الطيبة في مفهوم الإسلام، لأن الولي الصوفي لا حد لصلاحياته في هذا الكون.
وقد جاءت الولاية في القرآن الكريم مراداً بها المدح، وأحياناً مراداً بها الذم، فهي تستعمل في الخير وفي الشر حسب إطلاقها، لأن صاحبها إما أن يكون ولياً لله تعالى أو ولياً للشيطان، وبين الولايتين من البعد والانفصال ما يعرفه كل مسلم سليم الفطرة صافي العقيدة.
وجاءت في السنة النبوية مراداً بها وصف من ساروا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتزموا طريق الخير ونصروا الدين ووالوه.
ثم توسع الصوفية والشيعة في إطلاقها وخرجوا بها عن حقيقتها ومدلولها الصحيح، فأطلقت على الرجل المتصوف أو من ينتسب إلى آل البيت، ثم أسبغوا على أئمتهم وكبار دعاتهم هذه الكلمة وأنواعاً أخرى من التهويلات لمطامع اجتماعية وسياسية.
ثم أخذها الصوفيين بعد ذلك وأخرجوها في مذاهب الحلول والاتحاد وحدة الوجود، وهناك صفة ثانية أضيفت إلى مفهوم الولاية عند الشيعة والصوفي، وهي صفة العلم اللدني الذي أخذه علي بن أبي طالب عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما زعموا، ثم ورثة إياهم ببركة تلك الولاية، وبلغ الغلو بالصوفية في أوليائهم إلى أن اتخذوهم بين الله وبين خلقه وسطاء على طريقة النصارى واليهود والمشركين تماماً.
(1) انظر: مادة ولي تهذيب اللغة الأزهري (15/ 447) و ((نزهة الأعين النواظر)) (ص 614) و ((المختار من الصحاح)) (ص583) وغير ذلك من كتب اللغة.
(2)
((جمهرة الأولياء)) (1/ 98 - 99).
(3)
((كتاب التعريفات)) (ص 254).
(4)
((عوارف المعارف)) (ص84).
(5)
((الرسالة القشيرية)) (2/ 520).
فكما اتخذ هؤلاء المسيح وعزيراً والملائكة أرباباً لهم من دون الله، اتخذ الصوفية وسطاء إلى الله عز وجل أسموهم القطب والغوث والولي ونسبوا إليهم النفع والضر، لأن الله بزعمهم جذبهم إليه واختصهم ثم ساووهم مع الله تعالى في كل صفاته، بل أصبح من شرط الولي أن يكون متصفاً بصفات الله-كما يزعمون- ومن هنا نشأ تنطعهم وتنقصهم للأنبياء على حد ما ورد عن أبي يزيد البسطامي في قوله:"خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله".
ثم اخترعوا مفهوماً كاذباً للولاية، فهي عندهم مجرد هبة من الله عز وجل لبعض خلقه دون أن يكون لها سبب، بل وبغض النظر عن صلاح الشخص أو فجوره، واستدلوا بقول الله عز وجل: يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء [البقرة:105]، أي دون سبب حسب مفهومهم.
ومعنى هذا أنهم يجعلون مفهوم للولاية كمفهوم النبوة، الكل بلا سبب ظاهر، وهذا خلاف ما قرره الإسلام بالنسبة لولاية التي تنتج عن طاعة الله تعالى والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم. وقد قسموا الولاية والأولياء إلى أقسام يطول شرحها بدون فائدة فيها (1).
إلا ما نستثنيه مما ذكره المنوفي حين قسمهم إلى:
1 -
الملامتية:
وهم الذين لا يظهرون للخلق أعمالاً وأسراراً، بل يخفون أسرارهم لكمال ذوقهم وقوة شهودهم لربهم.
2 -
الغوث الأكبر:
وهو أكبر الأولياء والأقطاب، وهو ذات الحق باعتبار تجريدها من الاسم والصفة".
3 -
الأوتاد الأربعة:
وهم حفظة العالم كل واحد منهم في ركن من أركان العالم، وهم على قدم بدل من الأبدال، أي أقل رتبة من الأبدال، لأن الأبدال يكونون على قدم قطب من الأقطاب.
4 -
الأقطاب السبعة:
لحفظ القارات السبع، والقطب هو الواحد الذي هو موضع نظر الله من العالم في كل زمان. والقطبانية الكبرى هي مرتبة قطب الأقطاب، وهو باطن النبوة للرسول صلى الله عليه وسلم، والأبدال زعموا أنهم أربعون وهم مكلفون بحفظ العالم والكون، وقد عّرفهم المنوفي بأنهم:"أبدال الأقطاب من الأولياء، فإن مات قطب أحل الله محله بدلاً منه، ومنهم الخلفاء الأربعة".
5 -
النجباء:
وهم الأربعون القائمون بإصلاح شيءون السالكين.
6 -
الأفراد: وهم المفردون والغرباء لتفردهم عن الخلق بشهود الحق، وغربتهم في أهل زمانهم، وهم غير منحصرين في رتبة أو منزلة، ولهم كشف خاص وعلوم إلهية غريبة على الناس .. وهم على قدم النبي صلى الله عليه وسلم (2).
وأخيراً وصلوا بالولاية إلى أنها مثل النبوة تماماً فلها ختم كما للنبوة ختم، فختم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وخاتم الأولياء عند الصوفية مجموعة من الكذابين مختلفون فيما بينهم على ادعائها.
وأول من ادعى ختم الولاية به هو محمد بن علي بن الحسين، ويسمونه "الحكيم الترمذي"، وقد ظهر في القرن الثالث الهجري- في آخره- وهو غير الترمذي صاحب (السنن).
وحين صنف الحكيم الترمذي كتابه (ختم الولاية) مضاهياً بذلك القول بختم النبوة شهدوا عليه الكفر ثم نفي من ترمذ.
ثم جاء ابن عربي المتوفى سنة 638 هـ فادعى أنه خاتم الأولياء، ثم جاء محمد بن عثمان الميرغني السوداني المتوفى سنة 1268 هـ فادعى أنه هو خاتم الأولياء، ثم جاء أحمد التيجاني من فاس بالمغرب المتوفى سنة 1230 هـ فادعى أنه هو خاتم الأولياء، وأن من سبقه أو يلحقه ممن يدعي ختم الولاية فإنه كاذب مفتر.
وكل واحد ممن يدعيها له مزاعم وادعاءات وكرامات ومزايا لا يصدقها شخص له أدنى معرفة بالدين الإسلامي.
وكلما جاء رجل منهم ادعى أنه هو خاتم الأولياء وأن غيره كاذب والكل-والله يشهد- كاذبون، ثم بلغ بهم الغلو أن فضلوا خاتم الأولياء المزعوم على خاتم النبيين لأمور لا فائدة من التطويل بذكرها، فإنهم مهما تفننوا في الاستدلال على ذلك ومهما زخرفوا القول فيه فهو مردود جملةً وتفصيلاً.
المصدر:
فرق معاصرة لغالب عواجي 3/ 1013
(1) انظر: ما كتبه الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في كتاب ((الفكر الصوفي)) (ص219)، وانظر:((الصوفية معتقداً ومسلكاً)).
(2)
انظر: ((جمهرة الأولياء1)) (/121،306، 311).