المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الزواج

- ‌المبحث الثاني: المسيحية وترك الدنيا:

- ‌المبحث الثالث: الزّاويَةُ وَالملْبَسُ:

- ‌المبحث الرابع: المذاهبُ الهنْديّة وَالفَارسيَّة:

- ‌المبحث الخامس: الأفلَاطونيّة الحَدِيثَة:

- ‌الفصل العاشر: التصوف عند الوثنيين وأهل الكتاب

- ‌المبحث الأول: الصوفية عند الوثنيين

- ‌المطلب الأول: الطاوية (منتشرة في الصين)

- ‌المطلب الثاني: الجينينة (نسبة إلى جينا، أي: القاهر والمتغلب)

- ‌المطلب الثالث: الهندوسية

- ‌المطلب الأول: عند اليهود

- ‌المطلب الثاني: عند النصارى

- ‌الفصل الحادي عشر: الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية

- ‌المبحث الأول: الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم

- ‌المطلب الأول: مدة الخلوة

- ‌المطلب الثاني: شروط الخلوة الصوفية

- ‌المبحث الثالث: أقسام الخلوات الصوفية

- ‌المبحث الرابع: تثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر

- ‌الفصل الثاني عشر: كيفية الدخول في المذهب الصوفي

- ‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية

- ‌المبحث الأول: عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود

- ‌المبحث الثالث: الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية

- ‌المبحث الأول: معنى التزكية وأهميتها

- ‌المبحث الثاني: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في مناهج التزكية

- ‌المبحث الثالث: منهج التزكية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في غاية التزكية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشرعيَّة والحقيقة

- ‌المبحث الثاني: الحقيقة المحمَدية

- ‌المبحث الثالث: وحدة الأديان

- ‌المبحث الرابع: الأولياء والكرامات

- ‌المبحث الخامس: الأقطاب والأوتاد

- ‌المبحث السادس: الشطح واللامعقول

- ‌المبحث الأول: تربية ذليلة

- ‌المبحث الثاني: المتصَوفة وعلم الحَديث

- ‌المبحث الثالث: البطالة والانحِلَال

- ‌المبحث الرابع: السَّمَاع وَالذِكر

- ‌المبحَث الخامِس المتصَوفة والجهَاد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني: الغيب في المعتقد الصوفي

- ‌المبحث الثالث: عبدالكريم الجيلي وكتابه (الإنسان الكامل)

- ‌المبحث الرابع: ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية

- ‌المبحث الخامس: ما الذي يريده هؤلاء الملاحدة

- ‌المبحث السادس: الغزالي وطريق الكشف

- ‌المبحث السابع: ابن عربي والكشف الصوفي

- ‌المبحث الثامن: نماذج من الكشف الصوفي

- ‌الفصل التاسع عشر: الشطحات الصوفية

- ‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية

- ‌المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثالث: حجج المجوّزين للذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الخامس: صفة الذكر

- ‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي

- ‌المبحث السابع: مفاسد الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثامن: فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: الوجد والرقص عند الصوفية

- ‌الفصل الثالث والعشرون: الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية

- ‌المبحث الأول: أبو يزيد البسطامي ومعراجه

- ‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني

- ‌المبحث الأول: الولاية الرحمانية

- ‌المبحث الثاني: الولاية الصوفية الشيطانية

- ‌المبحث الثالث: مراتب الولاية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: القطب الغوث واحد في الزمان فقط

- ‌المبحث الخامس: قطب سنة 593هـ من مدينة فاس بالمغرب

- ‌المبحث السادس: وظيفة القطب

- ‌المبحث السابع: الأبدال السبعة ووظائفهم

- ‌المبحث الثامن: مدة حكم القطب ووظيفته

- ‌المبحث التاسع: ابن عربي القطب الأعظم

- ‌المبحث الأول: الحكيم الترمذي وكتابه (ختم الأولياء)

- ‌المبحث الثاني: ابن عربي وختم الولاية

- ‌المبحث الثالث: محمد عثمان الميرغني وختم الولاية

- ‌المبحث الرابع: أحمد التيجاني وختم الولاية

- ‌المطلب الأول: الإسلام لم يأت بتقديس القبور والأضرحة

- ‌المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء

- ‌المطلب الثالث استمرار ما درج عليه الصحابة من الهدي في تسوية القبور والنهي عن تعظيمها إلى نهاية القرون المفضلة

- ‌المطلب الأول هدي اليهود والنصارى في اتخاذ القبور مساجد واستحقاقهم اللعن على ذلك وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فعلهم

- ‌المطلب الثاني: النهي عن التشبه باليهود والنصارى

- ‌المطلب الثالث: الرافضة هم أول من أحدث المشاهد المعظمة في الملة الإسلامية وغلوا في أصحابها حتى عبدت من دون الله تعالى

- ‌المبحث الثالث: واقع القبورية في العالم الإسلامي

- ‌المبحث الرابع: أشهر هذه القبور في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفضائل المفتراة التي يروجون بها لزيارة هود عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: نماذج من أشعار القوم في الترويج لها

- ‌المطلب الثالث: وسائل جذب الزوار لهذه الزيارة

- ‌المطلب الرابع: مظاهر وثنية في هذه الزيارة

- ‌المطلب الخامس: الطقوس الوثنية فيها

- ‌أولا: المناسك الزمانية

- ‌ثانياً: المناسك المكانية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: هيئة الديوان

- ‌المبحث الثاني: زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان

- ‌المبحث الثالث: ساعة انعقاد الديوان

- ‌المبحث الرابع: زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان

- ‌المبحث الخامس: زعمهم حضور الملائكة للديوان

- ‌المبحث السادس: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين أعضاء في الديوان

- ‌المبحث السابع: لغة أهل الديوان

- ‌المبحث الثامن: أولياء يحضرون الديوان بأرواحهم فقط

- ‌المبحث التاسع: الديوان يعقد في صحراء السودان أحياناً

- ‌المبحث العاشر: ماذا لو غاب الغوث

- ‌المبحث الحادي عشر: الغوث الصوفي دكتاتور كبير

- ‌المبحث الثاني عشر: أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

- ‌المبحث الثالث عشر: لماذا يجتمع أهل الديوان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: اتخاذ الشيخ

- ‌المبحث الثاني: مواصفات الشيخ

- ‌المبحث الثالث: آداب المريد

- ‌الفصل الثلاثون: تراجم زعماء الصوفية

- ‌الفصل الحادي والثلاثون: موقف بعض العلماء من التصوف

- ‌المبحث الأول: موقف الإمام الشافعي

- ‌المبحث الثاني: موقف الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المبحث الثالث: موقف الإمام أبو زرعة الدمشقي

- ‌المبحث الرابع: موقف الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبدالكريم البزودي المتوفى سنة 478هـ ببخارى

- ‌المبحث الخامس: موقف الإمام ابن الجوزي

- ‌المبحث السادس: موقف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المبحث السابع: موقف الإمام برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885ه

- ‌المبحث الثامن: شهادة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي

- ‌المبحث التاسع: مع الشيخ الفاطمي الشرادي

- ‌المبحث العاشر: مع الشيخ عبدالعزيز بن إدريس

- ‌المبحث الحادي عشر: شهادة الشيخ عبدالرحمن الوكيل

- ‌المبحث الأول: أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

- ‌المبحث الثاني: دلالة اسم عبدك

- ‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف

- ‌المبحث الرابع: نزول الوحي وإتيان الملائكة

- ‌المبحث الخامس: المساواة بين النبي والولي

- ‌المبحث السادس: تفضيل الولي على النبي

- ‌المبحث السابع: إجؤاء النبوة

- ‌المبحث الثامن: العصمة

- ‌المبحث التاسع: عدم خلو الأرض من حجة

- ‌المبحث العاشر: وجوب معرفة الإمام

- ‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية

- ‌المبحث الثاني عشر: الحلول والتناسخ

- ‌المبحث الثالث عشر: مراتب الصوفية

- ‌المبحث الرابع عشر: التقية

- ‌المبحث الخامس عشر: الظاهر والباطن

- ‌المبحث السادس عشر: نسخ الشريعة ووضع التكاليف

- ‌المبحث السابع عشر: تقديس القبور وزيارة المشاهد

- ‌المطلب الأول: الحلاج والتشيع

- ‌المطلب الثاني: الحلاج داعية الإسماعيلية في المشرق

- ‌المطلب الثالث: شهادة العمار الحنبلي أن الحلاج قرمطي

- ‌المطلب الرابع: الحلول عند الحلاج الصوفي وعند أبي الخطاب الشيعي

- ‌المبحث التاسع عشر: الطرق الصوفية والتشيع

- ‌المطلب الأول: الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثاني: الطريقة البكتاشية تنتشر في مصر

- ‌المطلب الثالث: أصول الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الرابع: مراتب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الخامس: التكية البكتاشية

- ‌المطلب السادس: العهد ودخول الطريقة

- ‌المطلب السابع: آداب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثامن: الأوراد البكتاشية

- ‌المطلب التاسع: دور الفرس في التشيع والتصوف

- ‌المبحث الأول: طلب الهداية في غير الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة

- ‌المبحث الثالث: الغلو الزائد في الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء

- ‌المطلب الأول: غلوهم في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني غلوهم في الأولياء

- ‌المبحث الرابع: تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني

الفصل: ‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف

‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف

ومن شواهد تأثر التصوف بالتشيع وعلمائها أن سلاسل التصوف كلها ما عدا النادر القليل منها تنتهي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه دون سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي طرق إسنادها إلى علي أسماء أئمة الشيعة المعصومين حسب زعمهم من أولاد علي رضي الله عنه دون غيرهم، وأن رؤساء هذه العصابة يذكر لهم اتصال وثيق، وصلات وطيدة مع أئمة القوم كما يذكر في تراجمهم وسيرهم وأحوالهم، إضافة إلى ذلك أن الخرقة الصوفية لا يبدأ ذكرها أيضا إلا من علي رضي الله عنه أيضا. فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع كونه من سادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشرافهم، ومن العشرة المبشرين بالجنة، ورابع الأربعة من الخلفاء الراشدين الذين خلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لقيادة هذه الأمة وتسيير أمورها ولكنه لم يكن أزهد من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولا من عمر الفاروق رضي الله عنه (أبي بكر الصديق السابق بالتصديق الملقب بالعتيق، المؤيد من الله بالتوفيق، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والأسفار، ورفيقه الشفيق في جميع الأطوار، وضجيعه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المخصوص في الذكر الحكيم بمفخر فاق به كافة الأخيار، وعامة الأبرار، وبقي له شرفه على كرور الأعصار، ولم يسم إلى ذروته همم أولي الأيدي والأبصار، حيث يقول علم الأسرار: ثاني اثنين إذ هما في الغار، إلى غير ذلك من الآيات والآثار، ومشهور النصوص الواردة فيه والأخبار، التي غدت كالشمس في الانتشار، وفضل كل من فاضل، وفاق كل من جادل وناضل، ونزل فيه: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، توحد الصديق، في الأحوال بالتحقيق، واختار الاختيار من الله دعاه إلى الطريق، فتجرد من الأموال، والأغراض، وانتصب في قيام التوحيد للتهدف والأغراض، صار للمحن هدفا، وللبلاء غرضا، وزهد فيما عزله جوهرا كان أو عرضا (1). (ومات ولم يترك دينارا ولا درهما (2). (وكفن في ثوبين مستعملين قديمين (3).

وقال في آخر لحظاته من الحياة موصيا أهله وورثته:

(1)((حلية الأولياء وطبقات الأصفياء)) للأصفهاني (ص28، 29) ط دار الكتاب العربي بيروت.

(2)

((طبقات بن سعد)) (3/ 195).

(3)

((طبقات بن سعد)) (3/ 195).

ص: 358

(أما إنّا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما ولكنا قد أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي، وهذا البعير الناضح، وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر وأبرئي منهن. ففعلت. فلما جاء الرسول بكى عمر حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض ويقول: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده (1).وعمر الفاروق رضي الله عنه (ذو المقام الثابت المأنوق، أعلن الله تعالى به دعوة الصادق المصدوق، وفرق به بين الفصل والهزل، وأيد بما قواه به من لوامع الطول، ومهد له من منائح الفضل شواهد التوحيد، وبدد به مواد التنديد، فظهرت الدعوة، ورسخت الكلمة، فجمع الله تعالى بما منحه من الصولة، ما نشأت لهم من الدولة، فعلت بالتوحيد أصواتهم بعد تخافت، وتثبتوا في أحوالهم بعد تهافت، غلب كيد المشركين بما ألزم قلبه من حق اليقين، لا يلتفت إلى كثرتهم وتواطيهم، ولا يكترث لممانعتهم وتعاطيهم، إتكالا، اتكالا على من هو منشئهم وكافيهم، واستنصارا بمن هو قاصمهم وشافيهم، محتملا لما احتمل الرسول، ومصطبرا على المكاره لما يؤمل من الوصول، ومفارقا لمن اختار التنعم والترفيه، ومعانقا لما كلف من التشمر والتوجيه، المخصوص من بين الصحابة بالمعارضة للمبطلين، والموافقة في الأحكام لرب العالمين، السكينة تنطق على لسانه، والحق يجري الحكمة عن بيانه، كان للحق مائلا، وبالحق صائلا، وللأثقال حاملا، ولم يخف دون الله طائلا (2).

و (كان بين كتفيه أربع رقاع، وإزاره مرقوع بأدم، وخطب على المنبر وعليه إزار فيه اثني عشر رقعة، وأنفق في حجته ستة عشر دينارا، وقال لابنه: قد أسرفنا. وكان لا يستظل بشيء غير أنه كان يلقى كساءه على الشجر ويستظل تحته، وليس له خيمة ولا فسطاط (3).

وقال في وصيته التي وصى بها ابنه في آخر لحظة من عمره، وقد استسلف مالا من بيت مال المسلمين:(بع فيها أموال عمر، فإن وفت وإلا فسل بني عدي، وإن وفت وإلا فسل قريشا ولا تعدهم (4).

وإلى ذلك أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاجه ردّا على الشيعة الذين قالوا: إن عليا كان أزهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

(أزهد الناس بعد رسول الله الزهد الشرعي أبو بكر وعمر، وذلك أن أبا بكر كان له مال يكسبه فأنفقه ماله في سبيل الله

ولقد تلا أبا بكر عمر في هذا الزهد، وكان فوق علي في ذلك يعني في إعراضه عن المال واللذات. وأما علي رضي الله عنه فتوسع في هذا المال من حله، ومات عن أربع زوجات وتسعة عشر أم ولداً سوى الخدم، وتوفي عن أربعة وعشرين ولدا من ذكر وأنثى، وترك لهم من العقار والضياع ما كانوا به أغنياء قومهم ومياسيرهم، هذا أمر مشهور لا يقدر على إنكاره من له أقل علم بالأخبار

فصح بالبرهان الضروري أن أبا بكر رضي الله عنه أزهد من جميع الصحابة رضي الله عنهم، ثم عمر (5).

(1)((طبقات بن سعد)) (ص196).

(2)

((حلية الأولياء)) للأصفهاني (1/ 38).

(3)

((البداية والنهاية)) لابن كثير (7/ 134، 135).

(4)

((طبقات ابن سعد)) (3/ 358).

(5)

((منهاج السنة النبوية)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 129).

ص: 359

هذا وكان في أصحاب رسول الله زهاد آخرون ولكن المتصوفة لم ينهوا سلسلة سندهم إلا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل الشيعة الذين يجعلونه أول إمام لهم. كما نقل الهجويري عن الجنيد أنه قال: (شيخنا في الأصول والبلاء علي المرتضى، أي أن علي بن أبي طالب هو إمام هذه الطريقة في العلم والمعاملة، فأهل الطريقة يطلقون على علم الطريقة اسم الأصول، ويسمون تحمل البلاء فيها بالمعاملات (1).

وهو الذي نقل عنه العطار أنه قال: (ولقد وهبه الله تعالى من العلم والحكمة والكرامة، وماذا كنا نصنع لو لم ينطق المرتضى بهذا القول على سبيل الكرامة (2).

ويقول الطوسي أبو نصر السراج: (ولأمير المؤمنين علي رضي الله عنه خصوصية من بين جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعاني جليلة، وإشارات لطيفة، وألفاظ مفردة، وعبارة وبيان للتوحيد والمعرفة والإيمان والعلم، وغير ذلك، وخصال شريفة تعلق وتخلق به أهل الحقائق من الصوفية (3). (وأما علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فذاك مدينة العلم، وأول آخذ لبيعة الطريق – طريق الأولياء – وأول ملقن بالذكر والسر من الرسول صلى الله عليه وسلم (4).

لأن جبريل عليه السلام نزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولا بالشريعة، فلما تقررت ظواهر الشريعة واستقرت نزل إليه بالحقيقة المقصودة والحكمة المرجوه من أعمال الشريعة وهي الإيمان والإحسان فخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بباطن الشريعة بعض أصحابه دون البعض. وكان أول من أظهر علم القوم وتكلم فيه سيدنا على كرم الله وجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (5).فإن عليا رضي الله عنه حسب كلام المتصوفة: (من أصحاب العلم وممن يعلمون من الله ما لم يعلمه غيره (6).

ولا جبرائيل وميكائيل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما لقن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وخلع عليه ذلك صار يقول: عندي من العلم الذي أسرّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عند جبريل ولا ميكائيل (7).

وعلى ذلك نقل الطوسي عن الوجيهي أنه قال:

سمعت أبا علي الروذباري يقول: سمعت جنيدا رحمه الله يقول: (رضوان الله على أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، لولا أنه اشتغل بالحروب لأفادنا من علمنا هذا معاني كثيرة، ذاك امرؤ أعطي العلم اللّدني، والعلم اللّدني هو العلم الذي خصّ به الخضر عليه السلام، قال تعالى: وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا [الكهف:65] (8).ورسول الله صلى الله عليه وسلم جعله بمنزله هارون من موسى مع الفضل العظيم لأبي بكر (ولم يشرك الحبيب الرسول المقرب الخليل في مقام الخلّة كما صلح أن يشرك معه في مقام الأخوة عليا كرم الله وجهه فقال: علي مني بمنزلة هارون من موسى (9).

وكان له مقام ومنزلة عند الصوفية إلى أن نقل الشعراني عن أحد المتصوفين أنه قال:

(1)((كشف المحجوب)) للهجويري ترجمة عربية للدكتورة اسعاد عبد الهادي (ص274) ط بيروت 1980.

(2)

انظر ((تذكرة الأولياء)) لفريد الدين العطار (ص185) ط باكستان.

(3)

انظر كتاب ((اللمع)) للطوسي (ص179).

(4)

((جمهرة الأولياء وأعلام أهل التصوف)) للمنوفي الحسيني (1/ 122).

(5)

أيضا (ص159).

(6)

((الفتوحات المكية)) لابن عربي (1/ 260).

(7)

((درر الغواص)) للشعراني (ص73) بهامش الإبريز للدباغ ط مصر.

(8)

كتاب ((اللمع)) للطوسي (ص179).

(9)

((الفتوحات المكية)) لابن عربي (3/ 315).

ص: 360

(إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفع كما رفع عيسى عليه السلام، وسينزل كما ينزل عيسى عليه السلام – ثم يقول الشعراني: قلت: وبذلك قال سيدي علي الخواص رضي الله عنه فسمعته يقول: إن نوحا عليه السلام أبقى من السفينة لوحا على اسم علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرفع عليه إلى السماء فلم يزل محفوظا في صيانة القدرة حتى رفع علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1).

فهذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومكانته، ومنزلته، وشأنه، وقد نقل باحث شيعي عن جلال الدين الرومي الصوفي الفارسي المشهور أنه قال في أبياته ما تدلّ على رؤيتهم إلى علي وعقيدتهم فيه، فيقول:

(منذ كانت صورة تركيب العالم كان عليّ

منذ نقشت الأرض وكان الزمان كان عليّ

ذلك الفاتح الذي انتزع باب خيبر بحملة واحدة كان عليّ

كلما تأملت في الآفاق ونظرت

أيقنت بأنه في الموجودات كان عليّ

إن من كان هو الوجود، ولولاه

لسرى العدم في العالم الموجود (إياه) كان عليّ

إن سر العالمين الظاهر والباطن الذي بدا في شمس تبريز كان عليّ (2).

وهذا الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما يقارن بالغلو الشيعي فيه، ليس بأقلّ منه في صورة من الصور.

وإليه تنتسب سلاسل التصوف كلها كما قال محمد معصوم شيرازي الملقب بمعصوم علي شاه: (ولابد لكل سلسلة من سلاسل التصوف من الأزل إلى الأبد، ومن آدم إلى انقراض الدنيا أن تكون متصلة بسيد العالمين وأمير المؤمنين (3).لأنه (أزهد الصحابة عند المتصوفة (4).كما هو (رأس الفتوة وقطبها (5).

فأول وليّ عند المتصوفة هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومنه انتقلت الولاية إلى غيره من الأولياء كما أنه أول إمام عند الشيعة، وتسلسلت منه فورثها غيره، وكذلك الفتوة والقطبية، وهو الذي ألبس خرقته الحسن البصري، وهذه الخرقة التي يلبسها المتصوفة خلفاءهم وورثتهم (6).

(1)((طبقات الشعراني)) (2/ 44).

(2)

غزليات شمس تبريزي ط طهران المنقول من كتاب ((الصلة بين التصوف والتشيع)) (ص84، 85).

(3)

انظر ((طرائق الحقائق)) لمعصوم علي شاه (1/ 251).

(4)

انظر ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (1/ 267).

(5)

آئين جوانمردي مقدمة هنري كاربين (ص8)، أيضا فتوت نامه لعبد الرزاق كاشاني (ص29) ط طهران 1363 شمسي ترجمة فارسية إحسان نراقي، أيضا ((طبقات الشعراني)) (2/ 92)، أيضا ((جامع الأصول في الأولياء)) للكمشخانوي (ص7).

(6)

انظر ((عوارف المعارف)) للسهروردي (ص98)، أيضا الرسالة القشيرية (2/ 747)، أيضا ((فوائح الجمال)) لنجم الدين الكبرى (ص282)، أيضا ((الأنوار القدسية)) للشعراني (ص49).

ص: 361

وينصّ على تشيع هذا ابن خلدون في مقدمته حيث يقول عند ذكر الصوفية: (إنهم لما أسندوا لباس خرقة التصوف ليجعلوه أصلا لطريقتهم وتخيّلهم رفعوه إلى عليّ رضي الله عنه وهو من هذا المعنى أيضا، وإلا فعليّ رضي الله عنه لم يختصّ من بين الصحابة بتخليه ولا طريقة في اللباس ولا الحال، بل كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أزهد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم عبادة، ولم يختصّ أحد منهم في الدين بشيء يؤثر عنه في الخصوص، بل كان الصحابة كلهم أسوة في الدين والزهد والمجاهدة، يشهد لذلك من كلام هؤلاء المتصوفة في أمر الفاطمي وما شحنوا كتبهم في ذلك مما ليس لسلف المتصوفة فيه كلام بنفي أو إثبات، وإنما هو مأخوذ من كلام الشيعة والرافضة ومذاهبهم في كتبهم والله يهدي إلى الحق (1).وهذا إضافة إلى أن هذه الخرقة ونسبتها إلى عليّ، ورواية لبس الحسن البصري كلها باطل، لا أصل له، لأنه (لم يثبت لقاء الحسن مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على القول الصحيح، لأن عليا رضي الله عنه انتقل من المدينة إلى الكوفة والحسن صغيرا (2).

وعلى كل فإن الصوفية ينهون سند لبس الخرقة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما ينهون إليه سلاسلهم.

ولا يقتصرون على عليّ بن أبي طالب وحده، بل يقولون مثل ما يقوله الشيعة تماما: (وثامن الفتيان بعد النبوة والرسالة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حيث أسلم صبيا، وجاهد في سبيل الله مراهقا، وبوأه الله قطبانية الأولياء رجلا وكهلا.

وعنه أخذ الفتوة ابناه الحسن والحسين وهي أعلى مقامات الولاية عد القطبانية التي هي منها والصديقة التي هي كمالها.

ومن دلائل فتوة الحسن رضي الله عنه أن آثر الخلافة الباطنة على الخلافة الظاهرة، وتنازل عن الظاهرة حقنا لدماء المسلمين.

ومن دلائل فتوة الحسين أن الشهيد الأعظم في سبيل الله وفي سبيل الأمانة.

ومن الخصائص التي خصّ الله تعالى بها عليا كرم الله وجهه أنه إذا كان الرسول مدينة العلم فعليّ بابها، وإن كان للفروسية أو الولاية فتيان فهو فتاهما الأول. فعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه أول فتيان هذه الأمة وفتى أوليائها، وحسبه في ذلك أن أراد إفتداء الرسول بنفسه (3).

ويقول أيضا: (إن علي بن أبي طالب أخذ البيعة الخاصة بطريق الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقن بها ابنه الحسن، ثم الحسين (4).

وكان الصوفي المشهور أبو العباس المرسي تلميذ الشاذلي يقول: (طريقتنا هذه لا تنسب للمشارقة ولا للمغاربة، بل واحد عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أول الأقطاب (5).

وقالوا: (وكان من أوائل أهل طريق الله بعد الصحابة علي بن الحسين زين العابدين، وابنه محمد بن علي الباقر، وابنه جعفر بن محمد الصادق، وذلك بعد علي والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعا (6).

ويقول الكلاباذي في الباب الثاني من تعرفة: (ممن نطق بعلومهم، وعبر عن مواجيدهم، ونشر مقاماتهم، ووصف أحوالهم قولا وفعلا بعد الصحابة رضوان الله عليهم: علي بن الحسين زين العابدين. وابنه محمد الباقر. وابنه جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهم (7).

(1)((مقدمة ابن خلدون)) (ص473).

(2)

انظر ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر، و00 التذكرة)) للذهبي، ((الرسائل والمسائل)) لابن تيمية، كذلك ((التصوف)) لماسينيون.

(3)

((جمهرة الأولياء)) لأبي الفيض المنوفي (1/ 89).

(4)

أيضا (ص89، 122).

(5)

((طبقات الشعراني)) (2/ 14).

(6)

((جمهرة الأولياء)) (1/ 163).

(7)

((التعرف لمذهب أهل التصوف)) للكلاباذي (ص36).

ص: 362

فانظر الترتيب، وهذا نفس ترتيب الشيعة لأئمتهم، حيث يعدّون الإمام الأول والثاني والثالث عليه وابنه الحسن والحسين، والرابع والخامس والسادس: زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر بن محمد الباقر.

ثم الإمام السابع والثامن عندهم: موسى بن جعفر الملقب بالكاظم، وعلي بن موسى الكاظم الملقب بالرضا، من الأئمة الاثني عشر.

وهاهو الشعراني أيضا يعدهم أئمة، واثني عشر أيضا، عندما يذكر من بين الصوفية وأولياء الله موسى بن جعفر، فيقول: (ومنهم موسى الكاظم رضي الله عنه أحد الأئمة الاثني عشر، وهو موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب

وكان يكنّى بالعبد الصالح لكثرة عبادته واجتهاده وقيامه بالليل، وكان إذا بلغه عن أحد يؤذيه يبعث إليه بالمال (1).وأما علي بن موسى الرضا فيقولون عنه:(أن شيخ مشائخ الصوفية معروف الكرخي أسلم على يديه (2).ويكتب القشيري عنه: (أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي كان من المشايخ الكبار، مجاب الدعوة، يستشفى بقبره، يقول البغداديون: قبر معروف ترياق مجرب، وهو من موالي علي بن موسى الرضا رضي الله عنه (3).

وزاد السلمي في طبقاته، والجامي في نفحاته أنه كان من حجبه، فيقول:

(معروف بن فيروز، ويقال: معروف بن علي، ويلقب بالزاهد، وهو من أجلة المشايخ وقدمائهم، والمعروفين بالورع والفتوة. كان أستاذ سري السقطي، وصحب داؤد الطائي. وكان معروف أسلم على يد علي بن موسى الرضا، وكان بعد إسلامه يحجبه، فازدحم الشيعة يوما على باب علي بن موسى، فكسروا أضلع معروف، فمات، ودفن ببغداد، وقبره ظاهر، ويتبرك الناس بزيارته (4).والجدير بالذكر أن معروف الكرخي أستاذ السري السقطي، وخال وأستاذ لسيد الطائفة جنيد البغدادي، ولذلك (يروي الجنيد عن السري السقطي، وهو عن معروف الكرخي، وهو عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى الكاظم، عن أبيه محمد الباقر، عن أبيه زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب، عن علي بن أبي طالب (5).

وكتب عنه شيخ الأزهر السابق والصوفي المعاصر الدكتور عبد الحليم محمود عن الرضا:

(1)((طبقات الشعراني)) (1/ 37).

(2)

((تذكرة العطار)) (ص150) ط باكستان.

(3)

((الرسالة القشيرية)) (1/ 65) بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف ط القاهرة، أيضا ((طبقات الشعراني)) (1/ 71).

(4)

طبقات الصوفية لأبي عبد الرحمن السلمي ترتيب أحمد الشرباصي ط مطابع الشعب، أيضا ((نفحات الأنس)) للجامي (ص39) الطبعة الفارسية.

(5)

((طبقات الأولياء)) لابن الملقن المتوفى 804 هـ (ص493) ط مكتبة الخانجي القاهرة الطبعة الأولى 1393 هـ.

ص: 363

(له كرامات كثيرة: منها أنه قال لرجل صحيح سليم: استعد لما لا بدّ منه، فمات بعد ثلاثة أيام، وروى الحاكم أن أبا حبيب قال: رأيت المصطفى عليه الصلاة والسلام في النوم، في المنزل الذي ينزله الحاج ببلدنا، فوجدت عنده طبقا من خوص فيه تمر، فناولني ثماني عشرة تمرة، وبعد عشرين يوما قدم علي الرضا من المدينة ونزل ذلك المنزل، وفزع الناس للسلام عليه، ومضيت نحوه فإذا هو جالس بالموضع الذي رأيت المصطفى جالسا فيه، وبين يديه طبق فيه تمر صيحاني، فناولني قبضة فإذا عدتها بعدد ما ناولني المصطفى، فقلت: زدني. فقال: لو زادك رسول الله لزدناك (1).ومن الطرائف أن ذكر الثمانية هؤلاء من أئمة الشيعة الاثني عشر بالتسلسل الشيعي في كتب المتصوفة الكثيرين مثل ما يذكرون عن الرفاعي أحمد الكبير أنه (أخذ العهد والطريق من يد خاله شيخ الشيوخ صاحب الفتح الصمداني سيدنا منصور البطائحي الرباني وهو لبسها من خاله سيدنا الشيخ أبي المنصور الطيب وهو لبسها من ابن عمه الشيخ أبي سعيد يحيى البخاري الأنصاري وهو لبسها من الشيخ أبي الترمذي وهو لبسها من الشيخ أبي القاسم السندوسي الكبير وهو لبسها من الشيخ أبي محمد دويم البغدادي وهو لبسها من خاله الشيخ سري السقطي وهو لبسها من الشيخ معروف الكرخي وهو لبسها من إمام الزمان وحجة أهل العرفان الإمام ابن الإمام علي الرضي وهو لبسها من أبيه نور حدقة العناية والإمامة ونور حديقة الولاية والكرامة ملجأ الأولياء الأعاظم أبي الحسن موسى الكاظم وهو لبسها من أبيه صاحب القدم السابق الإمام جعفر الصادق وهو لبسها من أبيه صاحب السر الطاهر الإمام محمد الباقر وهو لبسها من أبيه كهف المحتاجين وإمام الأفراد أبي محمد الإمام زين العابدين علي السجاد وهو لبسها من أبيه أحد سبطي رسول الله شهيد كربلاء الإمام الحسين أبي عبد الله وهو لبسها من أبيه إمام الأئمة ومجن هذه الأمة صاحب القدر العظيم والشرف الجلي أمير المؤمنين الإمام أبي الحسن علي رضي الله عنه وعنهم أجمعين (2).

وذكر الرفاعي نفسه بصورة أخرى، ويقول:(أكمل التوبة الفورية في مقام البضعية، من حيث التحلي بحلوة الطينة الذاتيةالأحمدية، إنما هي توبة السيدة البتول العذراء، سيدتنا وقرة أعيننا فاطمة أم السبطين الزهراء سلام الله ورضوانه عليها، وقام عنها بنوبة الجزء الأزهري بعلها المأمون المنوه على جلالة قدره وعظيم مكانته بطالعه (علي مني بمنزلة هارون من موسى) الحديث. فأدرع بدرع الخلافة البضعية متحكما في مشهد الخلافة الأمرية، إصالة في مشهد الخلافة البضعية وكالة حتى لقي الله، فأدرع بمطرها النوراني السبطان السعيدان الشهيدان الحسن والحسين سلام الله وتحياته عليهما، ودارت هذه التوبة الجامعة المحمدية في الأسباط الطاهرين سبطاً بعد سبط إلى أن صينت في مقام الكنزية المضمرة إلى ولي الله المهدي الخلق الصالح سلام الله عليه، فتلقاها عنه من مقام الألباس النواب الجامعون المحمدون، فهم إلى عهدنا هذا من بني الإمام الحسين السبط شهيد كربلاء عليه وعليهم نوافح السلام والرضوان (3).

ولذلك كتب محمد معصوم شيرازي:

أن علي بن أبي طالب خاتم الولاية المحمدية، فكميل بن زياد النخعي، والحسن البصري، وأويس القرني أخذوا عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

(1) انظر ((الرسالة القشيرية)) لعبد الكريم القشيري تعليق رقم 3 ص 65 لعبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف.

(2)

((قلادة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الأكابر)) لمحمد أبي الهدى الرفاعي (ص375)، أيضا ((المنهج الموصل إلى الطريق الأنهج)) لمصطفى الصاد في مخطوط ورقة (32).

(3)

((المجالس الرفاعية)) لأحمد الرفاعي (ص108) ط مطبعة الإرشاد بغداد 1971 م.

ص: 364

والشقيق البلخي أخذ عن الكاظم عليه السلام.

والشيخ أبو زيد أخذ عن جعفر الصادق.

والشيخ معروف أخذ عن الرضا، والشيخ سري أخذ عنه، والشيخ جنيد أخذ عن السري، وهو ومن الغرائب أن المتصوفة يعتقدون للحسن العسكري ابنا، كالشيعة الإثني عشرية، مع إتفاق أهل السنة والمؤرخين، وشهادة الشيعة ونقيب الأشراف وأخوه العسكري وأمه بأنه لم يولد له ولد، وأثبت رواية فيه وأقوم حجة ما رواه الكليني بنفسه، والآخرين من مؤرخي الشيعة وأعلامهم أن الحسن العسكري لما دفن (أخذ السلطان والناس في طلب ولده، وكثر التفتيش في المنازل والدور، وتوقفوا عن قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل ملازمين حتى تبيّن بطلان الحمل، فلما بطل الحمل قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر، وادعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي (1).

وذكر هذا الخبر جميع مؤرخي الشيعة ومؤلفيهم ومحدثيهم من المفيد في الإرشاد (2).

والطبرسي في إعلام الورى (3).

والأربلي في كشف الغمة (4).

والملا باقر المجلسي في جلاء العيون (5).

وصاحب الفصول في الفصول المهمة.

والعباس القمي في منتهي الآمال.

وقال النوبختي الشيعي المشهور في فرقه: (إن الحسن توفي ولم يوله أثر، ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ميراثه أخوه جعفر وأمه (6).

لكن المتصوفة يقولون أنه ولد للحسن العسكري ولد، وهو الذي سيخرج مهديا، كعقيدة الشيعة تماما بدون أدنى تغيير، فاسمع ماذا يقولون:

(فهناك بترقب خروج المهدي عليه السلام، وهو من أولاد حسن العسكري، ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى ابن مريم عليه السلام، فيكون عمره إلى وقتنا هذا، وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائه سبعمائة سنة وست سنين. هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الرئيس المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة على الإمام المهدي حين اجتمع به.

ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص رحمهما الله تعالى.

وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات كوأعلموا أنه لابد من خروج المهدي عليه السلام لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد طوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة وهو من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة رضي الله عنها جده الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده حسن العسكري بن الإمام النقي بالنون ابن محمد التقي بالتاء ابن الإمام على الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (7).

وكذلك الرفاعيون، حيث يعدّون الرفاعي الإمام الثالث عشر بعد الثاني عشر الموهوم الذي لم يولد (8).

فهذه هي عقائد المتصوفة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأئمة الشيعة من أولاده، فإليهم ينتسبون، وبمسلكهم يسلكون، وبخرافاتهم يتمسكون.

وهذا وحده كاف لبيان تأثر التشيع في التصوف.

ونختم كلامنا في هذا على مقولة صوفي كبير وهو أبو الظفر ظهير الدين القادري حيث يقول: القطبية كانت للأئمة الاثني عشر بطريق الاستقلال، ولمن بعدهم بطريق النيابة (9).

‌المصدر:

التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير

(1) كتاب ((الحجة الكافي)) (ص505) ط طهران.

(2)

انظر (ص339).

(3)

انظر (ص377، 378).

(4)

(3/ 198، 199).

(5)

تحت ذكر المهدي.

(6)

((فرق الشيعة)) للنوبختي (ص118، 119) ط كربلاء العراق.

(7)

انظر ((اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر)) (2/ 143).

(8)

انظر ((المجالس الرفاعية المقدمة)) للسيد خاشع الراوي الرفاعي (ص 6).

(9)

((الفتح المبين)) لظهير الدين القادري (ص18).

ص: 365