الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر: وجوب معرفة الإمام
نورد ههنا معتقدا شيعيا آخر مرتبطا بالعقيدة السالف ذكرها، وهو أنه يجب على الناس معرفة ذلك الإمام الذي لا تخلو الأرض منه، ومن مات ولم يعرف الإمام فقد مات ميتة جاهلية، أو ميتة كفر وضلال كما قال الشريف المرتضى الشيعي الملقب بعلم الهدى عند القوم:(إن المعرفة بهم (يعني بالأئمة) كالمعرفة به تعالى، فإنها إيمان وإسلام، وأن الجهل والشك فيهم كالجهل والشك فيه فإنه كفر، وخروج من الإيمان، وهذه المنزلة ليست لأحد من البشر إلا لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من بعده، علي وأولاده الطاهرين
…
والذي يدل على أن معرفة إمامة من ذكرناه من الأئمة عليهم السلام من جملة الإيمان، وأن الإخلال بها كفر ورجوع عن الإيمان بإجماع الإمامية (1).
وقال الطوسي الملقب بشيخ الطائفة:
(دفع الإمامة كفر، كما أن دفع النبوة كفر، لأن الجهل بهما على حدّ واحد، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وميتة الجاهلية لا تكون إلا على كفر (2).
ولقد أورد محدثو الشيعة روايات كثيرة في هذا المعنى في أبواب مستقلة بوبوها في مصنفاتهم، مثل الكليني في كافيّه، وابن بابويه القمي في كتبه، والطوسي في شافيه، والبرقي في محاسنه، والنعماني في غيبته، والحر العاملي في فصوله، والمجلسي في بحاره، والبحراني في برهانه، وغيرهم في غيره، حتى قال محدثهم العاملي:(الآيات والروايات من طريق العامة والخاصة، والأدلة في ذلك أكثر من أن تحصى (3).
فهذا المعتقد من المبادئ الشيعية الأساسية التي بُنى عليها مذهب القوم.
والمقصود منه أنه يجب على كل شخص أن يعتقد بعدم خلو الأرض من إمام، ثم يوجب على نفسه أن يعرفه، ويجعله قدوة له، وهاديا ومرشدا ومطاعا، فيأخذ منه معالم الدين، ويهتدي بهديه، ويسلك مسلكه، وينهج بمنهجه، وبدونه وبدون إرشاده وتوجيهه يضلّ الطريق، ويهوي في المزالق والمهالك، مزالق الكفر ومهالك الجاهلية.
هذا ما يعتقده الشيعة، ولم يكن غريبا أن يؤمن بهذا المبدأ، ويعتقد بهذا المعتقد مشائخ الصوفية، وكبراء التصوف، لأنهم وراءهم حذو القذة بالقذة، فقالوا: من لم يكن له شيخ فإمامه الشيطان كما ذكر ذلك المتصوفة عن أبي يزيد أنه قال: (من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان (4).
ويقول لسان الدين بن الخطيب:
(يكون المرتاض يعتمد على شيخ ويلقي أزمته بيده، ليهديه قبل أن تسبقه إليها يد الشيطان.
كن المعزي لا المعزى به
…
إن كان لا بدّ من الواحد
ومما ينقل: من لم يكن له شيخ كان الشيطان شيخه (5).
(1)((الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة)) – نقلا عن مقدمة البرهان (ص 20).
(2)
((تلخيص الشافي)) للطوسي (4/ 131، 132).
(3)
انظر ((الفصول المهمة في معرفة الأئمة)) للحر العاملي المتوفى 1104، وباب وجوب معرفة الإمام ص 141 ط مكتبة بصيرتي قم إيران.
(4)
انظر ((الرسالة القشيرية)) (2/ 735)، ((عوارف المعارف)) للسهروردي (ص 96)، وكذلك ((جامع الأصول في الأولياء)) للكمشخانوي ص 120، ((الفتوحات الإلهية)) لابن عجيبة ص 88، أيضا كتاب ((قلادة الجواهر)) لمحمد الرفاعي ص 143.
(5)
((روضة التعريف)) للسان الدين بن الخطيب ص 469 ط دار الفكر العربي.
وبمثل ذلك قال ابن عربي: (اعلم أن مقام الدعوة إلى الله، وهو مقام النبوة والوراثة الكاملة، والحاصل فيه يقال له النبي في زمان النبوة، ويقال له الشيخ الوارث والأستاذ في حق العلماء بالله من غير أن يكونوا أنبياء وهو الذي قالت فيه السادة من أهل طريق الله، من لم يكن له أستاذ فإن الشيطان أستاذه (1).
وقال الشعراني: (اعلم يا أخي أن أحدا من السالكين لم يصل إلى حالة شريفة في الطريق أبدا إلا بملاقاة الأشياخ ومعانقة الأدب معهم، والإكثار من خدمتهم، ومن ادعى الطريق بلا شيخ كان شيخه إبليس
…
وقد كان الإمام أبو القاسم الجنيد رحمه الله يقول: من سلك بغير شيخ ضلّ وأضلّ (2).
وكتب في كتابه (الأخلاق المتبولية) نقلا عن علي المرصفي أنه قال:
(لو أن مريدا عبد الله تعالى كما بين السماء والأرض بغير شيخه فعبادته كالهباء المنثور
…
وسمعت سيدي علي الخواص رحمه الله يقول: (لو أن العبد قرأ ألف كتاب في العلم ولا شيخ له فهو كمن حفظ كتب الطبّ مع جهله بالداء والدواء
…
وأن كل من لم يسلك الطريق على يد شيخ حكمه حكم من يعبد الله على حرف (3).
وهذا مثل ما قاله الشيعة نقلا عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال: (إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منّا أهل البيت، ومن لا يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منّا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا (4).
وعنه أنه قال:
(كل من دان الله عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول)
وعلى ذلك يقول نيكلسون بعد نقل كلام أبي يزيد البسطامي:
(من لم يكن له شيخ كان الشيطان شيخه، يقول بعده: (هي فكرة يظهر أن لها صلة بالنظرية الشيعية، التي كان عبد الله بن سبأ أول من قال بها (5).
المصدر:
التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير
(1) الأمر المحكم المربوط فيما يلزم أهل طريق الله من الشروط لابن عربي (ص 265، 266) المنشور مع ذخائر الأعلاق له أيضا بتحقيق محمد عبد الرحمن الكروي ط القاهرة.
(2)
((الأنوار القدسية)) للشعراني (ص 173، 174) ط دار إحياء التراث العربي بغداد العراق.
(3)
((الأخلاق المتبولية)) للشعراني (1/ 129، 130).
(4)
((الكافي)) للكليني (1/ 181).
(5)
((في التصوف الإسلامي وتاريخه)) لنيكلسون ترجمة عربية لأبي العلاء العفيفي (ص 19).