المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع عشر: التقية - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الزواج

- ‌المبحث الثاني: المسيحية وترك الدنيا:

- ‌المبحث الثالث: الزّاويَةُ وَالملْبَسُ:

- ‌المبحث الرابع: المذاهبُ الهنْديّة وَالفَارسيَّة:

- ‌المبحث الخامس: الأفلَاطونيّة الحَدِيثَة:

- ‌الفصل العاشر: التصوف عند الوثنيين وأهل الكتاب

- ‌المبحث الأول: الصوفية عند الوثنيين

- ‌المطلب الأول: الطاوية (منتشرة في الصين)

- ‌المطلب الثاني: الجينينة (نسبة إلى جينا، أي: القاهر والمتغلب)

- ‌المطلب الثالث: الهندوسية

- ‌المطلب الأول: عند اليهود

- ‌المطلب الثاني: عند النصارى

- ‌الفصل الحادي عشر: الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية

- ‌المبحث الأول: الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم

- ‌المطلب الأول: مدة الخلوة

- ‌المطلب الثاني: شروط الخلوة الصوفية

- ‌المبحث الثالث: أقسام الخلوات الصوفية

- ‌المبحث الرابع: تثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر

- ‌الفصل الثاني عشر: كيفية الدخول في المذهب الصوفي

- ‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية

- ‌المبحث الأول: عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود

- ‌المبحث الثالث: الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية

- ‌المبحث الأول: معنى التزكية وأهميتها

- ‌المبحث الثاني: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في مناهج التزكية

- ‌المبحث الثالث: منهج التزكية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في غاية التزكية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشرعيَّة والحقيقة

- ‌المبحث الثاني: الحقيقة المحمَدية

- ‌المبحث الثالث: وحدة الأديان

- ‌المبحث الرابع: الأولياء والكرامات

- ‌المبحث الخامس: الأقطاب والأوتاد

- ‌المبحث السادس: الشطح واللامعقول

- ‌المبحث الأول: تربية ذليلة

- ‌المبحث الثاني: المتصَوفة وعلم الحَديث

- ‌المبحث الثالث: البطالة والانحِلَال

- ‌المبحث الرابع: السَّمَاع وَالذِكر

- ‌المبحَث الخامِس المتصَوفة والجهَاد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني: الغيب في المعتقد الصوفي

- ‌المبحث الثالث: عبدالكريم الجيلي وكتابه (الإنسان الكامل)

- ‌المبحث الرابع: ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية

- ‌المبحث الخامس: ما الذي يريده هؤلاء الملاحدة

- ‌المبحث السادس: الغزالي وطريق الكشف

- ‌المبحث السابع: ابن عربي والكشف الصوفي

- ‌المبحث الثامن: نماذج من الكشف الصوفي

- ‌الفصل التاسع عشر: الشطحات الصوفية

- ‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية

- ‌المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثالث: حجج المجوّزين للذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الخامس: صفة الذكر

- ‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي

- ‌المبحث السابع: مفاسد الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثامن: فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: الوجد والرقص عند الصوفية

- ‌الفصل الثالث والعشرون: الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية

- ‌المبحث الأول: أبو يزيد البسطامي ومعراجه

- ‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني

- ‌المبحث الأول: الولاية الرحمانية

- ‌المبحث الثاني: الولاية الصوفية الشيطانية

- ‌المبحث الثالث: مراتب الولاية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: القطب الغوث واحد في الزمان فقط

- ‌المبحث الخامس: قطب سنة 593هـ من مدينة فاس بالمغرب

- ‌المبحث السادس: وظيفة القطب

- ‌المبحث السابع: الأبدال السبعة ووظائفهم

- ‌المبحث الثامن: مدة حكم القطب ووظيفته

- ‌المبحث التاسع: ابن عربي القطب الأعظم

- ‌المبحث الأول: الحكيم الترمذي وكتابه (ختم الأولياء)

- ‌المبحث الثاني: ابن عربي وختم الولاية

- ‌المبحث الثالث: محمد عثمان الميرغني وختم الولاية

- ‌المبحث الرابع: أحمد التيجاني وختم الولاية

- ‌المطلب الأول: الإسلام لم يأت بتقديس القبور والأضرحة

- ‌المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء

- ‌المطلب الثالث استمرار ما درج عليه الصحابة من الهدي في تسوية القبور والنهي عن تعظيمها إلى نهاية القرون المفضلة

- ‌المطلب الأول هدي اليهود والنصارى في اتخاذ القبور مساجد واستحقاقهم اللعن على ذلك وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فعلهم

- ‌المطلب الثاني: النهي عن التشبه باليهود والنصارى

- ‌المطلب الثالث: الرافضة هم أول من أحدث المشاهد المعظمة في الملة الإسلامية وغلوا في أصحابها حتى عبدت من دون الله تعالى

- ‌المبحث الثالث: واقع القبورية في العالم الإسلامي

- ‌المبحث الرابع: أشهر هذه القبور في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفضائل المفتراة التي يروجون بها لزيارة هود عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: نماذج من أشعار القوم في الترويج لها

- ‌المطلب الثالث: وسائل جذب الزوار لهذه الزيارة

- ‌المطلب الرابع: مظاهر وثنية في هذه الزيارة

- ‌المطلب الخامس: الطقوس الوثنية فيها

- ‌أولا: المناسك الزمانية

- ‌ثانياً: المناسك المكانية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: هيئة الديوان

- ‌المبحث الثاني: زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان

- ‌المبحث الثالث: ساعة انعقاد الديوان

- ‌المبحث الرابع: زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان

- ‌المبحث الخامس: زعمهم حضور الملائكة للديوان

- ‌المبحث السادس: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين أعضاء في الديوان

- ‌المبحث السابع: لغة أهل الديوان

- ‌المبحث الثامن: أولياء يحضرون الديوان بأرواحهم فقط

- ‌المبحث التاسع: الديوان يعقد في صحراء السودان أحياناً

- ‌المبحث العاشر: ماذا لو غاب الغوث

- ‌المبحث الحادي عشر: الغوث الصوفي دكتاتور كبير

- ‌المبحث الثاني عشر: أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

- ‌المبحث الثالث عشر: لماذا يجتمع أهل الديوان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: اتخاذ الشيخ

- ‌المبحث الثاني: مواصفات الشيخ

- ‌المبحث الثالث: آداب المريد

- ‌الفصل الثلاثون: تراجم زعماء الصوفية

- ‌الفصل الحادي والثلاثون: موقف بعض العلماء من التصوف

- ‌المبحث الأول: موقف الإمام الشافعي

- ‌المبحث الثاني: موقف الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المبحث الثالث: موقف الإمام أبو زرعة الدمشقي

- ‌المبحث الرابع: موقف الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبدالكريم البزودي المتوفى سنة 478هـ ببخارى

- ‌المبحث الخامس: موقف الإمام ابن الجوزي

- ‌المبحث السادس: موقف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المبحث السابع: موقف الإمام برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885ه

- ‌المبحث الثامن: شهادة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي

- ‌المبحث التاسع: مع الشيخ الفاطمي الشرادي

- ‌المبحث العاشر: مع الشيخ عبدالعزيز بن إدريس

- ‌المبحث الحادي عشر: شهادة الشيخ عبدالرحمن الوكيل

- ‌المبحث الأول: أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

- ‌المبحث الثاني: دلالة اسم عبدك

- ‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف

- ‌المبحث الرابع: نزول الوحي وإتيان الملائكة

- ‌المبحث الخامس: المساواة بين النبي والولي

- ‌المبحث السادس: تفضيل الولي على النبي

- ‌المبحث السابع: إجؤاء النبوة

- ‌المبحث الثامن: العصمة

- ‌المبحث التاسع: عدم خلو الأرض من حجة

- ‌المبحث العاشر: وجوب معرفة الإمام

- ‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية

- ‌المبحث الثاني عشر: الحلول والتناسخ

- ‌المبحث الثالث عشر: مراتب الصوفية

- ‌المبحث الرابع عشر: التقية

- ‌المبحث الخامس عشر: الظاهر والباطن

- ‌المبحث السادس عشر: نسخ الشريعة ووضع التكاليف

- ‌المبحث السابع عشر: تقديس القبور وزيارة المشاهد

- ‌المطلب الأول: الحلاج والتشيع

- ‌المطلب الثاني: الحلاج داعية الإسماعيلية في المشرق

- ‌المطلب الثالث: شهادة العمار الحنبلي أن الحلاج قرمطي

- ‌المطلب الرابع: الحلول عند الحلاج الصوفي وعند أبي الخطاب الشيعي

- ‌المبحث التاسع عشر: الطرق الصوفية والتشيع

- ‌المطلب الأول: الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثاني: الطريقة البكتاشية تنتشر في مصر

- ‌المطلب الثالث: أصول الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الرابع: مراتب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الخامس: التكية البكتاشية

- ‌المطلب السادس: العهد ودخول الطريقة

- ‌المطلب السابع: آداب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثامن: الأوراد البكتاشية

- ‌المطلب التاسع: دور الفرس في التشيع والتصوف

- ‌المبحث الأول: طلب الهداية في غير الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة

- ‌المبحث الثالث: الغلو الزائد في الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء

- ‌المطلب الأول: غلوهم في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني غلوهم في الأولياء

- ‌المبحث الرابع: تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني

الفصل: ‌المبحث الرابع عشر: التقية

‌المبحث الرابع عشر: التقية

من أهم المبادئ الشيعية وأسسهم ومعتقداتهم الإخفاء والكتمان، وإظهار ما لا يعتقدونه في السر، وإعلان ما يبطنون خلافه، وهذا من أخطر ما يؤمن به الشيعة، ويميزهم من الطوائف المسلمة الأخرى، ويحول بينهم وبين الالتقاء بهم، لأنه لا يعلم ظاهرهم من باطنهم، وكذبهم من صدقهم، كما قال السيد محب الدين الخطيب:(وأول موانع التجاوب الصادق بالإخلاص بيننا وبينهم ما يسمونه التقية، فإنها عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما يتظاهرون له به من رغبتهم في التفاهم والتقارب، وهم لا يريدون ذلك ولا يرضون به ولا يعملون له (1).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:

(النفاق والزندقة في الرافضة أكثر منه في سائر الطوائف، بل لا بد لكل منهم من شعبة نفاق، فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب، وأن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه كما أخبر الله تعالى عن المنافقين: أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. والرافضة تجعل هذا من أصول دينها وتسميه التقية، وتحكي هذا عن أئمة أهل البيت الذين برأهم الله عن ذلك حتى يحكوا ذلك عن جعفر الصادق أنه قال: التقية ديني ودين آبائي، وقد نزّه الله المؤمنين من أهل البيت وغيرهم عن ذلك، بل كانوا من أعظم الناس صدقا وتحقيقا للإيمان، وكان دينهم التقوى، لا التقية (2).

فهناك روايات كثيرة فوق الحصر، التي أوردها الشيعة في كتبهم لاعتناق هذه العقيدة من أئمتهم المعصومين، ونحن أوردنا العديد منها في كتابنا (الشيعة والسنة)، وخصصنا بابا مستقلا لبيان هذا المبدأ وأهميته عند القوم، كما عقدنا فصلا مستقلا في كتابنا الجديد (بين الشيعة وأهل السنة) لهذا الموضوع، فمن أراد التعمق والتفصيل فليرجع إليهما، ولكن نذكر هنا روايتين عن القوم:

روى الكشي عن حسين بن معاذ بن مسلم النحوي: (عن أبي عبد الله قال: (قال لي (أبو عبد الله): بلغني أنك تقعد في الجامع، فتفتي الناس؟ قال: قلت: نعم، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج أني أقعد في الجامع، فيجيء الرجل، فيسألني عن الشيء فإذا عرفته بالخلاف أخبرته بما يقولون

قال (أي معاذ بن مسلم) فقال لي (أبو عبد الله): اصنع كذا، فإني اصنع كذا (3) ز

ورواية أخرى رواها الكليني عن جعفر أنه قال لأصحابه معلى بن خنيس: (يا معلى، أكتم لأمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا، وجعله نورا بين عينيه في الآخرة، يقوده في الجنة.

يا معلىّ، من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا، ونزع النور من بين عينيه في الآخرة، وجعله ظلمة تقوده إلى النار. يا معلى، إن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له (4).

وعلى ذلك قال صدوقهم ابن بابويه القمي: (اعتقادنا في التقية أنها واجبة، لا يجوز رفعها إلى أن يقوم القائم، ومن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة (5).

وقال مفيدهم: (التقية كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا، وفرض ذلك إذن علم بالضرورة أو قوي في الظن (6).

فهذا هو معتقد الشيعة ومبدؤهم الذي اشتهروا به، وعيّروا عليه، وطعنوا فيه.

(1)((الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها مذهب الشيعة الإثني عشرية)) (ص 8) الطبعة السادسة.

(2)

((منهاج السنة النبوية)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 159) ط باكستان.

(3)

((رجال الكشي)) (ص 218) تحت ترجمة معاذ بن مسلم ط مؤسسة الأعلمي كربلاء العراق.

(4)

((الأصول من الكافي)) للكليني (2/ 223، 224) ط إيران.

(5)

((الاعتقادات)) لابن بابويه القمي (ص 44).

(6)

((شرح اعتقادات الصدوق)) فضل التقية (ص 241).

ص: 414

ولكن المتصوفة أخذوه بكامله عنهم، وزادوا عليهم حيث اتهموا رسول الله بتهمة برّأ الله ساحته عنها بقوله: وما هو على الغيب بضنين (1).واستندوا بحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمهم بأنه هو القائل: ((من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)(2).

فقالوا: (أمر الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بكتم أشياء مما لا يسعه غيره للحديث المروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أوتيت ليلة أسري بي ثلاثة علوم، فعلم أخذ عليّ في كتمه، وعلم خيّرت في تبليغه، وعلم أمرت بتبليغه)) (3) الذي أمر بتبليغه هو علم الشرائع، والعلم الذي خيّر في تبليغه هو علم الحقائق، والعلم الذي أخذ عليه في كتمه هو الأسرار الإلهية ولقد أودع الله جميع ذلك في القرآن. فالذي أمر بتبليغه ظاهر. والذي خيّر في تبليغه باطن لقوله سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: 53] وقوله وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَاّ بِالْحَقِّ [الحجر: 85] وقوله (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه) وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ [الجاثية: 13] وقوله وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي [الحجر: 29] فإن جميع ذلك له وجه يدلّ على الحقائق ووجه يتعلق بالشرائع، فهو كالتخير، فمن كان فهمه إلهيا فقد بلغ ذلك، ومن لم يكن فهمه ذلك الفهم وكان مما لو فوجئ بالحقائق أنكرها، فإنه ما بلغ إليه ذلك لئلا يؤدي ذلك إلى ضلالته وشقاوته. والعلم الذي أخذ عليه في كتمه فإنه مودع في القرآن بطريق التأويل لغموض الكتم، فلا يعلم ذلك إلا من أشرف على نفس العلم أولا، وبطريق الكشف الإلهي، ثم سمع القرآن بعد ذلك، فإنه يعلم المحلّ الذي أودع الله فيه شيئا من العلم المأخوذ على النبي صلى الله عليه وسلم في كتمه وإليه الإشارة بقوله تعالى وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللهُ [آل عمران: 7] على قراءة من وقف هنا، فالذي يطلع تأويله في نفسه هو المسمى بالله فافهم (4).

ويقول أبو نصر السراج الطوسي: (إن حقائق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وما خصّه الله تعالى به من العلم، لو وضعت على الجبال لذابت إلا أنه كان يظهرها لهم على مقاديرهم (5).

أي لم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم جميع العلوم التي كان قد خصه الله بها – حسب زعمهم – وذلك لأجل أن الناس لم يكونوا يقدرون على حملها ومعرفتها.

وبمثل ذلك نقل الشعراني عن سيده محمد الحنفي أنه قال: (وههنا كلام لو أبديناه لكم لخرجتم مجانين لكن نطويه عمن ليس من أهله (6).

وهذا عين ما ذكره الشيعة عن جعفر بن الباقر أنه قال: (إن عندنا والله سرا من سرّ الله، وعلما من علم الله، أمرنا الله بتبليغه، فبلّغنا من الله عز وجل ما أمرنا بتبليغه، فلم نجد له موضعا ولا أهلا ولا حمالة يحتملونه (7).

ونسبوا إلى علي رضي الله عنه أنه قال: (إن أمرنا صعب مستصعب لا يحمله إلا عبد امتحن الله قلبه للإيمان، ولا يعي حديثنا إلا صدور أمينة، وأحلام رزينة (8).أيضا (لا يحتمله ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان (9).

(1) التكوير الآية 24.

(2)

رواه البخاري (1291) ومسلم (3)

(3)

لم نجده بهذا اللفظ

(4)

((الإنسان الكامل)) لعبد الكريم الجيلي (1/ 117) الطبعة الرابعة 1402 هـ مصر.

(5)

كتاب ((اللمع)) للطوسي (ص 159).

(6)

((طبقات الشعراني)) (2/ 98).

(7)

((الأصول من الكافي)) (1/ 402)، أيضا ((بصائر الدرجات الكبرى)) للصفار (ص 40).

(8)

انظر ((نهج البلاغة)).

(9)

((الأصول من الكافي)) (1/ 402).

ص: 415

هذا وأن الصوفية اتهموا أبا هريرة رضي الله عنه أنه قال: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين من العلم: أما أحدهما فبثثته في الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم (1).

كما كذبوا على عليّ بن الحسين زين العابدين أنه قال:

(يا ربّ جوهر علم لو أبوح به

لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسنا

إني لأكتم من علمي جواهره

كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتننا)

وقال النفزي الرندي:

(في قلوب الأحرار قبور الأسرار، والسر أمانة الله تعالى عند العبد، فافشى بالتعبير عنه خيانة، والله تعالى لا يحب الخائنين، وأيضا فإن الأمور المشهودة لا يستعمل فيها إلا الإشارة والإيماء، واستعمال العبارات فيها إفصاح بها وإشهار لها، وفي ذلك ابتذالها وإذاعتها، ثم إن العبارة عنها لا تزيدها إلا غموضا وانغلاقا، لأن الأمور الذوقية يستحيل إدراك حقائقها بالعبارات النطقية، فيؤدي ذلك إلى الإنكار والقدح في علوم السادة الأخيار. قال أبو علي الروذباري رضي الله تعالى عنه: علمنا هذا إشارة، فإذا صار عبارة خفي (2).

وأما لسان الدين بن الخطيب فقال: (حملة علم النبوة هم الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل)(3)، قالوا: وهذا العلم هو الذي لا يجوز كشفه، ولا إذاعته ولا ادعاؤه، ومن كشفه وأذاعه وجب قتله واستحل دمه وينسبون في ذلك إلى خواص النبوة وخلفائها كثيرا كقوله:

يا ربّ جوهر علم لو أبوح به لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا (4)

وكان كبار المتصوفة يعملون بهذا المبدأ، ولم يكونوا يظهرون للناس علومهم وأفكارهم كما روى الكلاباذي عن الجنيد أنه قال للشبلي:

(نحن حبّرنا هذا العلم تحبيرا، ثم خبأناه في السراديب، فجئت أنت، فأظهرته على رؤوس الملأ. فقال: أنا أقول وأنا أسمع، فهل في الجارين غيري (5).ونقل الشعراني كذلك عن الجنيد أنه (كان يستر كلام أهل الطريق عمن ليس منهم، وكان يستتر بالفقه والإفتاء على مذهب أبي ثور، وكان إذا تكلم في علوم القوم أغلق باب داره، وجعل مفتاحه تحت وركه (6).

وأيضا روى عن الشاذلي أنه كان يقول: (امتنعت عني الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رأيته، فقلت: يا رسول الله، ماذنبي؟ فقال: إنك لست بأهل لرؤيتنا لأنك تطلع الناس على أسرارنا (7).

والصوفية يكتمون آراءهم ومعتقداتهم عن غيرهم، ويوصون مريديهم في كتبهم ومؤلفاتهم التي كتبت للخاصة وخاصة الخاصة، فالصوفي الشهير عبد السلام الفيتوري يكتب في كتابه (الوصية الكبرى):(إخواني، وسنذكر لكم كلاما في المغيبات لكن يجب الإمساك عنها إلا لأهله الذين يكتمونه، ولا ينبغي إظهاره للسفهاء الذين يلحقون به إلى الأمراء والجبابرة وأهل الدنيا (8).

وهناك نص مهم جدا ذكره الشعراني يقطع في هذا الموضوع فيقول:

وكان بعض العارفين يقول

(1)((إيقاظ الهمم)) لابن عجيبة الحسني (ص 145) ط مصر.

(2)

((غيث المواهب العلية)) للنفزي الرندي (1/ 214).

(3)

قال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (2/ 37): لم أجد له أصلا ولا يصح. وقال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (466): لا أصل له.

(4)

((روضة التعريف بالحب الشريف)) (ص 432).

(5)

((التعرف لمذهب أهل التصوف)) للكلاباذي (ص 172) ط القاهرة.

(6)

((اليواقيت والجواهر99 للشعراني (2/ 93) ط مصطفى البابي الحلبي مصر 1378 هـ.

(7)

انظر ((الطبقات)) للشعراني (2/ 75).

(8)

((الوصية الكبرى)) لعبد السلام الأسمر الفيتوري (ص 105) " مكتبة النجاح طرابلس ليبيا الطبعة الأولى.

ص: 416

(نحن قوم يحرم النظر في كتبنا على من لم يكن من أهل طريقتنا، وكذلك لا يجوز لأحد أن ينقل كلامنا إلا لمن يؤمن به، فمن نقله إلى من لا يؤمن به دخل هو والمنقول إليه جهنم الإنكار، وقد صرح بذلك أهل الله تعالى على رؤوس الأشهاد وقالوا: من باح بالسرّ استحق القتل (1).

وقد ذكر الدباغ حكايات كثيرة عن الذين لم يكتموا السرّ فابتلاهم الله ببلايا عديدة، من القتل والصلب والحرق والعمى وغير ذلك (2).

وكان منهم الحلاج، لأنه لم يقتل إلا لإفشاء سرّه (3).

وكما يروون أن الخضر عبر على الحلاج وهو مصلوب، فقال له الحلاج:

(هذا جزاء أولياء الله؟ فقال له الخضر: نحن كتمنا فسلمنا، وأنت بحت فمتّ (4).

وكما رووا عن أبي بكر الشبلي أنه قال: (كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا إلا أنه أظهر وكتمت (5).

وننقل أخيرا أن أحمد بن زروق، وابن عجيبة ذكرا عن الجنيد أنه كان يجيب عن المسألة الواحدة بجوابين مختلفين، فكان يجيب هذا بخلاف ما يجيب ذاك (6).

هذا عين ما رواه الشيعة على محمد الباقر كما ذكر الكليني عن زرارة بن أعين أنه قال:

(سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني، ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني. ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟

فقال: يا زرارة، إن هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم الناس علينا، ولكان أقل لبقائنا وبقائكم. قال: ثم قلت لأبي عبد الله عليه السلام: شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين، قال: فأجابني بمثل جواب أبيه (7).

فهذا هو المبدأ الخطير الآخر الذي أخذه المتصوفة من الشيعة ليكونوا حزبا سرّيا يعمل في الخفاء لهدم مبادئ الإسلام وتعاليمه، ولتأسيس ديانة جديدة تعمل لتوهين القوى الإسلامية ونشاط المسلمين لنشر الكتاب والسنة، والتقاعد عن الجهاد والغزوات، وبناء المجتمع الإسلامي على أسس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد وضعناه أمام الباحثين والقراء مع المقارنة بين أفكار الآخذين والذين أخذ عنهم، معتمدين على أوثق الكتب وأثبتها وأهمها لدى الطرفين.

‌المصدر:

التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير

(1)((اليواقيت والجواهر)) للشعراني (ص17) ط مصطفى البابي الحلبي مصر.

(2)

انظر ((الإبريز)) للدباغ (ص 12).

(3)

انظر ((تذكرة الأولياء)) لفريد الدين العطار (ص 252) ط باكستان.

(4)

((شرح حال الأولياء)) لعز الدين المقدسي مخطوط ورقة (251).

(5)

((أربعة نصوص)) (ص 19) بتحقيق ماسينيون ط باريس.

(6)

انظر ((قواعد التصوف)) لابن زروق (ص 11). ط القاهرة، أيضا ((إيقاظ الهمم)) لابن عجيبة (ص 144).

(7)

((الأصول من الكافي)) كتاب فضل العلم باب اختلاف الحديث (1/ 65). ط طهران.

ص: 417