الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: منهج التزكية عند الصوفية
لاشك أن الصوفية من أجهل الفرق الإسلامية بآثار النبوة، وأكثرها ترويجا للأحاديث الضعيفة والموضوعة، وذلك واضح جلى في مصنفاتهم فإنها مليئة بالأخبار الموضوعة ومالا أصل له، أضف إلى ذلك كثرة الحكايات والمنامات والخرافات يعوضون بها فقرهم بالآثار النبوية والسنن المصطفوية، ويظهر ذلك كذلك في مناهج التزكية عندهم، حيث يطلبون زكاة نفوسهم بالإنشاد والمكاء والتصدية وتكلف ما لم يشرعه الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم من العبادات، وهذه بعض وسائلهم في التزكية.
الصوفية يزكون أنفسهم- زعموا- بالمكاء والتصدية والغناء والتصفيق ويتواجدون عند ذلك حتى روى بعضهم كذبا أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشده أعرابي شعرا فقال:
قد لسعت حية الهوى كبدي
…
فلا طبيب لها ولا راقي
سوى الحبيب الذي شغفت به
…
فمنه دائي ومنه ترياقي
وأن النبي صلى الله عليه وسلم تواجد حتى سقطت البردة عن منكبيه وقال: ((ليس بكريم من لم يتواجد عند ذكر المحبوب)) (1).قال شيخ الإسلام: وهذا حديث كذب بإجماع العارفين بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأحواله. (2).
وقال كذلك:
وبالجملة فقد عرف بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع، لصالحي أمته وعبادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع الضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدف، كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعته واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة لا في باطن الأمر ولا في ظاهره، ولا لعامي ولا لخاصي، ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه؛ رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بالدف ولا يصفق بكف، بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: التصفيق للنساء والتسبيح للرجال، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء. ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا، ويسمون الرجال المغنيين مخانيثا وهذا مشهور من كلامهم. (3).
إلى أن قال رحمه الله:
(1) قال ابن عراق في ((تنزيه الشريعة)) (2/ 233) أورده الحافظ ابن طاهر وهو باطل وقال الحافظ أبو موسى المديني قد عاب غير واحد من أهل العلم ابن طاهر بإيراد هذا الحديث في كتابه وكتب شيخ الإسلام أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي وقد سئل عن هذا الحديث ما ملخصه إن الواقف عليه يظهر له أنه موضوع، وكتب شيخ الإسلام النووي وقد سئل عنه باطل لا تحل روايته ولا نسبته إلى النبي ويعزر من رواه عالما تعزيرا بليغا ولا يغتر بكونه في ((عوارف المعارف)) وغيره مع أن صاحب العوارف قال يتخالج سري أنه غير صحيح ويأبى القلب قبوله (قلت) وقال الحافظ الذهبي رواته ثقات غير عمار بن إسحاق فكأنه واضعه، وقال الفتني في تذكرته (1/ 197) قال ابن تيميةكذب باتفاق أهل العلم بالحديث وما روي فيه موضوع، وقال الألباني موضوع كما في الضعيفة (558)
(2)
((مجموع الفتاوى)) (11/ 598).
(3)
((مجموع الفتاوى)) (11/ 567، 568).
وبالجملة فهذه (مسألة السماع) تكلم كثير من المتأخرين في السماع هل هو محظور أو مكروه أو مباح، وليس المقصود بذلك مجرد رفع الحرج بل مقصودهم بذلك أن يتخذ طريقا إلى الله يجتمع عليه أهل الديانات لصلاح القلوب والتشويق إلى المحبوب والتخويف من المرهوب والتحزن على فوات المطلوب، فتستنزل به الرحمة وتستجلب به النعمة وتحرك به مواجيد أهل الإيمان وتستجلي به مشاهد أهل العرفان حتى يقول بعضهم، إنه أفضل لبعض الناس أو للخاصة من سماع القرآن من عدة وجوه، حتى يجعلونه قويا للقلوب، وغذاء للأرواح، وحاديا للنفوس، يحدوها إلى السير إلى الله ويحثها على الإقبال عليه.
ولهذا يوجد من اعتاده واغتذى به لا يحن إلى القرآن، ولا يفرح به، ولا يجد في سماع الآيات كما يجد في سماع الأبيات، بل إذا سمعوا القرآن سمعوه بقلوب لاهية وألسن لاغية، وإذ سمعوا سماء المكاء والتصدية خضعت الأصوات، وسكنت الحركات وأصغت القلوب وتعاطت المطلوب. وقال رحمه الله: ومن كانت له خبرة بحقائق الدين وأحوال القلوب ومعارفها وأذواقها ومواجيدها عرف أن سماع، المكاء والتصدية لا يجلب للقلوب منفعة ولا مصلحة إلا وفي ضمن ذلك من الضرر والمفسدة ما هو أعظم منه، فهو للروح كالخمر للجسد، يفعل في النفوس فعل حميا الكؤوس، ولهذا يورث أصحابه سكرا أعظم من سكر الخمر فيجدون فيه لذة بلا تمييز، كما يجد الشارب بل يحصل لهم أكثر وأكبر مما يحصل لشارب الخمر، يصدهم ذلك عن ذكر الله وعن الصلاة أعظم مما يصدهم الخمر، ويوقع بينهم العداوة والبغضاء أعظم من الخمر، حتى يقتل بعضهم بعضا من غير مس يد بل بما يقترن بهم من الشياطين، فإنهم يحصل لهم أحوال شيطانية بحيث تتنزل عليهم الشياطين في تلك الحال (1).
وقال ابن الجوزي ما ملخصه:-
هذه الطائفة إذا سمعت الغناء تواجدت وصفقت وصاحت ومزقت الثياب، وقد لبس عليهم إبليس في ذلك وبالغ واحتجوا بما روي عن سلمان:
لما نزلت وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:43] صاح سلمان الفارسي صيحة ووقع على رأسه ثم خرج هاربا ثلاثة أيام. والجواب أن ما ذكروه عن سلمان فمحال وكذب، ثم ليس له إسناد والآية نزلت بمكة وسلمان إنما أسلم بالمدينة، ولم ينقل عن أحد من الصحابة مثل هذا أصلا.
قال واعلم وفقك الله أن قلوب الصحابة كانت أصغى القلوب، وما كانوا يزيدون عند الوجد على البكاء والخشوع، قال: وهذا حديث العرباض بن سارية ((وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منا القلوب)) (2) قال أبو بكر الآجرى: ولم يقل صرخنا ولا ضربنا صدورنا كما يفعل كثير من الجهال الذين يتلاعب بهم الشيطان.
قال: والتصفيق منكر يطرب ويخرج عن حد الاعتدال ويتنزه عن مثله العقلاء ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من التصدية، وهي التي ذمهم الله عز وجل بها فقال وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَاّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً [الأنفال: 35] فالمكاء الصفير والتصدية التصفيق.
قال: فإذا قوى طربهم رقصوا، وقد احتج بعضهم بقوله تعالى لأيوب ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص: 42] قال: وهذا الاحتجاج بارد لأنه لو كان أمر بضرب الرجل فرحا كان لهم فيه شبهة، وإنما أمر بضرب الرجل لينبع الماء. فال ابن عقيل: أين الدلالة في مبتلى أمر عند كشف البلاء بأن يضرب برجله الأرض لينبع الماء إعجازا من الرقص.
(1)((مجموع الفتاوى)) (11/ 573/ 574).
(2)
رواه أبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجه (43) قال الترمذي صحيح وكذلك صححه الألباني
قال أبو الوفاء بن عقيل: وقد نص القرآن على النهي عن الرقص فقال عز وجل وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا [الإسراء: 37] وذم المختال فقال وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان: 18].
قال ابن الجوزي: فإذا تمكن الطرب من الصوفية في حال رقصهم جذب أحدهم بعض الجلوس ليقوم معه، ولا يجوز على مذهبهم للمجذوب أن يقعد، فإذا قام قام الباقون تبعا له، فإذا كشف أحدهم رأسه كشف الباقون رؤوسهم موافقة له، ولا يخفي على عاقل أن كشف الرأس مستقبح، وفيه إسقاط مروءة وترك أدب، وإنما يقع في المناسك تعبدا لله وذلا له.
2 -
الصوفية يدعون تزكية أنفسهم بالاسم المفرد مظهرا أو مضمرا قال شيخ الإسلام:- الشرع لا يستحب من الذكر إلا ما كان كلاما تاما مفيدا مثل (لا اله إلا الله)، ومثل (الله أكبر)، ومثل (سبحان الله)، ومثل (لا حول ولا قوة إلا بالله).
فأما الاسم المفرد مظهرا مثل (الله)(الله) أو مضمرا مثل (هو)(هو) فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنة، ولا هو مأثور أيضا عن أحد من سلف الأمة، ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم، وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين.
وربما غلا بعضهم حتى يجعلوا الاسم المفرد للخاصة، وذكر الكلمة التامة للعامة، وربما قال بعضهم (لا إله إلا الله للمؤمنين) و (الله) للعارفين وهو للمحققين وربما اقتصر أحدهم في خلوته أو في جماعته على (الله الله الله)، على (هو) أو (يا هو) أو (لا هو إلا هو) وربما ذكر بعض المصفين في الطريق تعظيم ذلك.
وأما مايتوهمه طائفة من غالطي المتعبدين في قوله تعالى: قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ [الأنعام:91] ويتوهمون أن المراد قول هذا الاسم فخطأ واضح، ولو تدبروا ما قبل هذا تبين مراد الآية فإنه سبحانه قال: وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام:91] أي قل الله أنزل الكتاب الذي جاء به موسى، فهذا كلام تام وجملة أسمية مركبة من مبتدأ وخبر.
إلى أن قال: وكذلك بالأدلة العقلية الذوقية، فإن الاسم وحده لا يعطى إيمانا ولا كفرا ولا هدى ولا ضلالة ولا علما ولا جهلا، ولو كرر الإنسان اسم الله ألف مرة لم يصر بذلك مؤمنا ولم يستحق ثواب الله ولا جنته، فإن الكفار من جميع الأمم يذكرون الاسم المفرد سواء أقروا به وبوحدانيته أم لا.
فإن قيل فالذاكر والسامع للاسم المجرد قد يحصل له وجد محبة وتعظيم لله ونحو ذلك.
قلت: نعم ويثاب على ذلك الوجد المشروع والحال الإيماني، لا لأن الاسم مستحب، وإذا سمع ذلك حرك ساكن القلب، وقد يتحرك الساكن بسماع ذكر محرم أو مكروه، حتى قد يسمع المسلم من يشرك بالله أو يسبه فيثور في قلبه حال وجد ومحبة لله بقوة نفرته وبغضه لما سمعه.
والعبد أيضا قد يدعوه داع إلى الكفر أو المعصية فيستعصم ويمتنع ويورثه ذلك إيمانا وتقوى، وليس السبب مأمورا به، وقد قال تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] ففرق بين أن يكون نفس السبب موجبا للخير ومقتضيا، وبين أن لا يكون، وإنما نشأ الخير من المحل.
فثبت بما ذكرناه أن ذكر الاسم المجرد ليس مستحبا، فضلا عن أن يكون هو ذكر الخاصة.
وأبعد من ذلك ذكر (الاسم المضمر) وهو (هو) فإن هذا بنفسه لا يدل على معين، وإنما هو بحسب ما يفسره من مذكور أو معلوم، فيبقى معناه بحسب قصد المتكلم ونيته، ولهذا قد يذكر به من يعتقد أن الحق الوجود المطلق، وقد يقول: لا هو إلا هو، ويسري قلبه في وحدة الوجود، ومذهب فرعون والإسماعيلية وزنادقة هؤلاء المتصوفة المتأخرين، بحيث يكون قوله (هو) كقوله (وجوده) وقد يعني بقوله (لا هو إلا هو) أي أنه هو الوجود وأنه ما ثم خلق أصلا، وأن الرب والعبد والحق والخلق شيء واحد كما بينته من مذهب الاتحادية، ومن أسباب هذه الاعتقادات والأحوال الفاسدة الخروج عن الشريعة والمنهاج الذي بعث به الرسول إلينا صلى الله عليه وسلم، فإن البدع هي مبادئ الكفر ومظان الكفر، كما أن السنن المشروعة هي مظاهر الإيمان ومقوية للإيمان، فإنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
3 -
الصوفية يدعون تزكية أنفسهم- بتحريم ما أحل الله من المطاعم والمشارب ولبس الصوف وتكلف ما لم يشرعه الله عز وجل من العبادات: قال ابن الجوزي رحمه الله:.- وقد بالغ إبليس في تلبيسه على قدماء الصوفية فأمرهم بتقليل المطعم وخشونته، ومنعهم شرب الماء البارد، وكان في القوم من يبقى الأيام لا يأكل إلا أن تضعف قوته، ومنهم من في بتناول كل يوم الشيء اليسير الذي لا يقيم البدن، وقد كان منهم قوم لا يأكلون اللحم حتى قال بعضهم: أكل درهم من اللحم يقسي القلب أربعين صباحا.
إلى أن قال رحمه الله: وقد صنف لهم أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي كتابا سماه (رياضة النفوس) قال فيه: فينبغي للمبتدي في هذا الأمر أن يصوم شهرين متتابعين توبة من الله، ثم يفطر فيطعم اليسير، ويأكل كسرة كسرة، ويقطع الإدام والفواكه واللدة ومجالسة الإخوان، والنظر في الكتب، وهذه كلها أفراح للنفس؛ فيمنع النفس لدتها حتى تمتلئ عما. إلى أن قال: وهذا الذي نبهنا عنه من التقلل الزائد الحد قد انعكس في صوفية زماننا فصارت همتهم في المآكل، كما كانت همة متقدميهم في الجوع (1).
أما لبس الصوف فقد كانوا يلبسون الصوف يتقربون بذلك إلى الله عز وجل، ويحتجون بأن النبي صلى الله عليه وسلم لبس الصوف، وأما لبسه إياه فقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم كذلك القطن والكتان، وما روى في فضل لبس الصوف فمن الموضوعات التي لا تثبت، بل تعمد لبس الصوف والدون من الملابس فمن البدع التي تخالف ما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم. قال ابن الجوزي: وقد كان السلف يلبسون الثياب المنوسطة لا المرتفعة ولا الدون ويتخيرون أجودها للجمعة والعيدين ولقاء الإخوان ولم يكن غير الأجود عندهم قبيحا. (2) وقال: واعلم أن اللباس الذي يزري بصاحبه يتضمن إظهار الزهد، وإظهار الفقر، وكأنه لسان شكوى من الله عز وجل، ويوجب احتقار اللابس، وكل ذلك مكروه ومنهي عنه. وقال: وقد كان من الصوفية من إذا لبس ثوبا خرق بعضه وربما أفسد الثوب الرفيع القدر. (3)
(1)((تلبيس إبليس)) (206 - 221) باختصار.
(2)
((تلبيس إبليس)) (198).
(3)
((تلبيس إبليس)) (200).
4 -
الصوفية يدعون تزكية أنفسهم بالرهبانية وترك النكاح قال ابن الجوزي رحمه الله: النكاح مع خوف العنت واجب، ومن غير خوف العنت سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء، ومذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل أفضل من جميع النوافل، لأنه سبب في وجود الولد قال صلى الله عليه وسلم:((تناكحوا تناسلوا)) (1). وقال صلى الله عليه وسلم ((النكاح من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (2). قال: وقد لبس إبليس على كثير من الصوفية فمنعهم من النكاح فقدماؤهم تركوا ذلك تشاغلا بالتعبد ورأوا النكاح شاغلا عن طاعة الله عز وجل، وهؤلاء وإن كانت بهم حاجة إلى النكاح أوبهم نوع شوق إليه فقد خاطروا بأبدانهم وأديانهم، وإن لم يكن بهم حاجة إليه فاتتهم الفضيلة، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:((وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيا أجر قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)) (3).
ومنهم من قال: النكاح يوجب الميل إلى الدنيا فعن أبي سليمان الدراني أنه قال: إذا طلب الرجل الحديث، أو سافر في طلب المعاش، أو تزوج فقد ركن إلى الدنيا.
قال: فأما جماعة من متأخري الصوفية فإنهم تركوا النكاح ليقال زاهد، والعوام تعظم الصوفي إذا لم تكن له زوجة، فيقولون ما عرف امرأة قط. قال أبو حامد: ينبغي أن لا يشغل المريد نفسه بالتزويج، فإنه يشغله عن السلوك، ويأنس بالزوجة، ومن أنس بغير الله شغل عن الله.
قال ابن الجوزي:- وإني لأعجب من كلامه أتراه ما علم أن من قصد عفاف نفسه ووجود ولد أو عفاف زوجته فإنه لم يخرج عن جادة السلوك، أو يرى الأنس الطبيعي بالزوجة ينافي أنس القلوب بطاعة الله تعالى، والله تعالى من على الخلق بقوله خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم: 21] وفى الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ((هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك)) (4) وما كان بالذي يدله على ما يقطع أنسه بالله تعالى، أترى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان ينبسط إلى نسائه ويسابق عائشة رضي الله عنها أكان خارجا عن الأنس بالله، هذه كلها جهالات بالعلم. إلى أن قال:- وقد حمل الجهل أقواما فجبوا أنفسهم، وزعموا أنهم فعلوا ذلك حياء من الله تعالى، وهذه غاية الحماقة؛ لأن الله تعالى شرف الذكر على الأنثى بهذه الآلة، وخلقها لتكون سببا للتناسل، والذي يحب نفسه يقول بلسان الحال الصواب ضد هذا. (5)
وقد أخذ الصوفية هذه الرهبانية من النصارى وصرحوا في كتبهم بإعجابهم برهبانية النصارى.
يقول الأستاذ دمشقية ما ملخصه:
وهذا الاعتزال الصوفي ليس مصدره إسلاميا وإنما مصدره رهبان النصارى ورياضاتهم عليه حول الصوفية وآثار هذا الإعجاب تبدو ظاهرة جلية في كتاب (الإحياء).
فالغزالي يذكر في الإحياء قصة بقلم إبراهيم بن أدم المعرفة والحكمة من راهب نصراني يقول: قال إبراهيم بن أدهم: تعلمت المعرفة من راهب يقال له سمعان.
(1) بهذا اللفظ لم يرد، وورد بلفظ (تناكحوا تكثروا) رواه عبدالرزاق في المصنف مرسلا وقال الألباني في ((ضعيف الجامع)) (6233) ضعيف.
(2)
رواه ابن ماجه (1846) قال ابن حجر في التلخيص (3/ 253) في إسناده عيسى بن ميمون وهو ضعيف وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه إسناده ضعيف لاتفاقهم على ضعف عيسى بن ميمون المديني لكن له شاهد صحيح وقال الألباني حسن.
(3)
انظر صحيح مسلم (1006).
(4)
رواه البخاري (2967) واللفظ له ومسلم (715).
(5)
باختصار من ((تلبيس إبليس)) (292،296).
وروى عنه الغزالي أيضا قوله: سألت بعض الرهبان: من أين تأكل؟ فقال: ليس هذا العلم عندي ولكن سل ربي من أين يطعمني. ويقول مثنيا على اعتزال رهبان النصارى وسلوكهم في التعبد (اعلم أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتنزه عن الشهوات والكف عن اللذات، والاقتصار على الضرورات فيها، والتجرد لله سبحانه في جميع الحركات والسكنات ولأجل هذا انفرد الرهبانيون في الملل السالفة عن الخلق، وانحازوا إلى قلل الجبال، وآثروا التوحش عن الخلق لطلب الأنس بالله عز وجل (1). فانظر رحمك الله كيف آثر الرهبانية التي ابتدعها اليهود والنصارى على الرهبانية التي شرعها الله عز وجل لهذه الأمة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فعن أبي سعيد الخدري أن رجلا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني فقال ((أوصيك بتقوى الله فإنه رأس كل شيء، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإن روحك في السماء وذكرك في الأرض)) (2).
فانظر يرحمك الله كيف تلاعب بهم الشيطان فأبعدهم عن طريق الرحمن فآثروا ما ذم الله عليه الرهبان وقدموه على ما جاء به سيد ولد عدنان عليه من الله أفضل صلاة وأزكى سلام.
المصدر:
التزكية بين أهل السنة والصوفية لأحمد فريد - ص 32 - 41
(1) باختصار من ((أبو حامد الغزالي والتصوف)) (397،398).
(2)
رواه أحمد (3/ 82)(11791) قال الهيثمي في ((المجمع)) رجال أحمد ثقات، وصححه الألباني في الصحيحة (555).