المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الزواج

- ‌المبحث الثاني: المسيحية وترك الدنيا:

- ‌المبحث الثالث: الزّاويَةُ وَالملْبَسُ:

- ‌المبحث الرابع: المذاهبُ الهنْديّة وَالفَارسيَّة:

- ‌المبحث الخامس: الأفلَاطونيّة الحَدِيثَة:

- ‌الفصل العاشر: التصوف عند الوثنيين وأهل الكتاب

- ‌المبحث الأول: الصوفية عند الوثنيين

- ‌المطلب الأول: الطاوية (منتشرة في الصين)

- ‌المطلب الثاني: الجينينة (نسبة إلى جينا، أي: القاهر والمتغلب)

- ‌المطلب الثالث: الهندوسية

- ‌المطلب الأول: عند اليهود

- ‌المطلب الثاني: عند النصارى

- ‌الفصل الحادي عشر: الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية

- ‌المبحث الأول: الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم

- ‌المطلب الأول: مدة الخلوة

- ‌المطلب الثاني: شروط الخلوة الصوفية

- ‌المبحث الثالث: أقسام الخلوات الصوفية

- ‌المبحث الرابع: تثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر

- ‌الفصل الثاني عشر: كيفية الدخول في المذهب الصوفي

- ‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية

- ‌المبحث الأول: عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود

- ‌المبحث الثالث: الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية

- ‌المبحث الأول: معنى التزكية وأهميتها

- ‌المبحث الثاني: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في مناهج التزكية

- ‌المبحث الثالث: منهج التزكية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في غاية التزكية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشرعيَّة والحقيقة

- ‌المبحث الثاني: الحقيقة المحمَدية

- ‌المبحث الثالث: وحدة الأديان

- ‌المبحث الرابع: الأولياء والكرامات

- ‌المبحث الخامس: الأقطاب والأوتاد

- ‌المبحث السادس: الشطح واللامعقول

- ‌المبحث الأول: تربية ذليلة

- ‌المبحث الثاني: المتصَوفة وعلم الحَديث

- ‌المبحث الثالث: البطالة والانحِلَال

- ‌المبحث الرابع: السَّمَاع وَالذِكر

- ‌المبحَث الخامِس المتصَوفة والجهَاد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني: الغيب في المعتقد الصوفي

- ‌المبحث الثالث: عبدالكريم الجيلي وكتابه (الإنسان الكامل)

- ‌المبحث الرابع: ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية

- ‌المبحث الخامس: ما الذي يريده هؤلاء الملاحدة

- ‌المبحث السادس: الغزالي وطريق الكشف

- ‌المبحث السابع: ابن عربي والكشف الصوفي

- ‌المبحث الثامن: نماذج من الكشف الصوفي

- ‌الفصل التاسع عشر: الشطحات الصوفية

- ‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية

- ‌المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثالث: حجج المجوّزين للذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الخامس: صفة الذكر

- ‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي

- ‌المبحث السابع: مفاسد الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثامن: فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: الوجد والرقص عند الصوفية

- ‌الفصل الثالث والعشرون: الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية

- ‌المبحث الأول: أبو يزيد البسطامي ومعراجه

- ‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني

- ‌المبحث الأول: الولاية الرحمانية

- ‌المبحث الثاني: الولاية الصوفية الشيطانية

- ‌المبحث الثالث: مراتب الولاية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: القطب الغوث واحد في الزمان فقط

- ‌المبحث الخامس: قطب سنة 593هـ من مدينة فاس بالمغرب

- ‌المبحث السادس: وظيفة القطب

- ‌المبحث السابع: الأبدال السبعة ووظائفهم

- ‌المبحث الثامن: مدة حكم القطب ووظيفته

- ‌المبحث التاسع: ابن عربي القطب الأعظم

- ‌المبحث الأول: الحكيم الترمذي وكتابه (ختم الأولياء)

- ‌المبحث الثاني: ابن عربي وختم الولاية

- ‌المبحث الثالث: محمد عثمان الميرغني وختم الولاية

- ‌المبحث الرابع: أحمد التيجاني وختم الولاية

- ‌المطلب الأول: الإسلام لم يأت بتقديس القبور والأضرحة

- ‌المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء

- ‌المطلب الثالث استمرار ما درج عليه الصحابة من الهدي في تسوية القبور والنهي عن تعظيمها إلى نهاية القرون المفضلة

- ‌المطلب الأول هدي اليهود والنصارى في اتخاذ القبور مساجد واستحقاقهم اللعن على ذلك وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فعلهم

- ‌المطلب الثاني: النهي عن التشبه باليهود والنصارى

- ‌المطلب الثالث: الرافضة هم أول من أحدث المشاهد المعظمة في الملة الإسلامية وغلوا في أصحابها حتى عبدت من دون الله تعالى

- ‌المبحث الثالث: واقع القبورية في العالم الإسلامي

- ‌المبحث الرابع: أشهر هذه القبور في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفضائل المفتراة التي يروجون بها لزيارة هود عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: نماذج من أشعار القوم في الترويج لها

- ‌المطلب الثالث: وسائل جذب الزوار لهذه الزيارة

- ‌المطلب الرابع: مظاهر وثنية في هذه الزيارة

- ‌المطلب الخامس: الطقوس الوثنية فيها

- ‌أولا: المناسك الزمانية

- ‌ثانياً: المناسك المكانية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: هيئة الديوان

- ‌المبحث الثاني: زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان

- ‌المبحث الثالث: ساعة انعقاد الديوان

- ‌المبحث الرابع: زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان

- ‌المبحث الخامس: زعمهم حضور الملائكة للديوان

- ‌المبحث السادس: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين أعضاء في الديوان

- ‌المبحث السابع: لغة أهل الديوان

- ‌المبحث الثامن: أولياء يحضرون الديوان بأرواحهم فقط

- ‌المبحث التاسع: الديوان يعقد في صحراء السودان أحياناً

- ‌المبحث العاشر: ماذا لو غاب الغوث

- ‌المبحث الحادي عشر: الغوث الصوفي دكتاتور كبير

- ‌المبحث الثاني عشر: أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

- ‌المبحث الثالث عشر: لماذا يجتمع أهل الديوان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: اتخاذ الشيخ

- ‌المبحث الثاني: مواصفات الشيخ

- ‌المبحث الثالث: آداب المريد

- ‌الفصل الثلاثون: تراجم زعماء الصوفية

- ‌الفصل الحادي والثلاثون: موقف بعض العلماء من التصوف

- ‌المبحث الأول: موقف الإمام الشافعي

- ‌المبحث الثاني: موقف الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المبحث الثالث: موقف الإمام أبو زرعة الدمشقي

- ‌المبحث الرابع: موقف الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبدالكريم البزودي المتوفى سنة 478هـ ببخارى

- ‌المبحث الخامس: موقف الإمام ابن الجوزي

- ‌المبحث السادس: موقف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المبحث السابع: موقف الإمام برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885ه

- ‌المبحث الثامن: شهادة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي

- ‌المبحث التاسع: مع الشيخ الفاطمي الشرادي

- ‌المبحث العاشر: مع الشيخ عبدالعزيز بن إدريس

- ‌المبحث الحادي عشر: شهادة الشيخ عبدالرحمن الوكيل

- ‌المبحث الأول: أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

- ‌المبحث الثاني: دلالة اسم عبدك

- ‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف

- ‌المبحث الرابع: نزول الوحي وإتيان الملائكة

- ‌المبحث الخامس: المساواة بين النبي والولي

- ‌المبحث السادس: تفضيل الولي على النبي

- ‌المبحث السابع: إجؤاء النبوة

- ‌المبحث الثامن: العصمة

- ‌المبحث التاسع: عدم خلو الأرض من حجة

- ‌المبحث العاشر: وجوب معرفة الإمام

- ‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية

- ‌المبحث الثاني عشر: الحلول والتناسخ

- ‌المبحث الثالث عشر: مراتب الصوفية

- ‌المبحث الرابع عشر: التقية

- ‌المبحث الخامس عشر: الظاهر والباطن

- ‌المبحث السادس عشر: نسخ الشريعة ووضع التكاليف

- ‌المبحث السابع عشر: تقديس القبور وزيارة المشاهد

- ‌المطلب الأول: الحلاج والتشيع

- ‌المطلب الثاني: الحلاج داعية الإسماعيلية في المشرق

- ‌المطلب الثالث: شهادة العمار الحنبلي أن الحلاج قرمطي

- ‌المطلب الرابع: الحلول عند الحلاج الصوفي وعند أبي الخطاب الشيعي

- ‌المبحث التاسع عشر: الطرق الصوفية والتشيع

- ‌المطلب الأول: الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثاني: الطريقة البكتاشية تنتشر في مصر

- ‌المطلب الثالث: أصول الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الرابع: مراتب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الخامس: التكية البكتاشية

- ‌المطلب السادس: العهد ودخول الطريقة

- ‌المطلب السابع: آداب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثامن: الأوراد البكتاشية

- ‌المطلب التاسع: دور الفرس في التشيع والتصوف

- ‌المبحث الأول: طلب الهداية في غير الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة

- ‌المبحث الثالث: الغلو الزائد في الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء

- ‌المطلب الأول: غلوهم في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني غلوهم في الأولياء

- ‌المبحث الرابع: تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني

الفصل: ‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي

‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي

سبق ذكر موقف السلف من الذكر الجماعي، وأنهم يعدونه محدثاً في الدين لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم، ولا من بعدهم. وكذلك الدعاء جماعة، سواء بعد الفريضة أو غيرها فهم يعدونه بدعة، إلا ما ورد به الدليل، وقد تعددت النقول عنهم في ذلك، وقد تقدم ذكر بعضها، ودرج على منوالهم فقهاء الإسلام على اختلاف مذاهبهم، فمن ذلك:1 - ذكر الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في كتابه (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع)(1)، عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن رفع الصوت بالتكبير بدعة في الأصل، لأنه ذكر. والسنة في الأذكار المخافتة؛ لقوله تعالى: ادعوا ربكم تضرعاً وخفية [الأعراف: 55]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((خير الدعاء الخفي)) (2). ولذا فإنه أقرب إلى التضرع والأدب، وابعد عن الرياء فلا يترك هذا الأصل إلا عند قيام الدليل المخصص. انتهي. وقال العلامة المباركفوري في (تحفة الأحوذي) (3): اعلم أن الحنفية في هذا الزمان، يواظبون على رفع الأيدي في الدعاء بعد كل مكتوبة مواظبة الواجب، فكأنهم يرونه واجباً، ولذلك ينكرون على من سلم من الصلاة المكتوبة وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم قام ولم يدع ولم يرفع يديه. وصنيعهم هذا مخالف لقول إمامهم الإمام أبي حنيفة، وأيضاً مخالف لما في كتبهم المعتمدة. انتهي.2 - ومما يتعلق بمذهب مالك رحمه الله في الذكر الجماعي ما جاء في كتاب (الدر الثمين) للشيخ محمد بن أحمد ميارة المالكي (4): كره مالك وجماعة من العلماء لأئمة المساجد والجماعات الدعاء عقيب الصلوات المكتوبة جهراً للحاضرين. ونقل الإمام الشاطبي في كتابه العظيم (الاعتصام)(5) قصة رجل من عظماء الدولة ذوي الوجاهة فيها موصوف بالشدة والقوة، وقد نزل إلى جوار ابن مجاهد. وكان ابن مجاهد لا يدعو في أخريات الصلوات، تصميماً في ذلك على المذهب - مذهب مالك - لأن ذلك مكروه فيه. فكأن ذلك الرجل كره من ابن مجاهد ترك الدعاء، وأمره أن يدعو فأبى فلما كان في بعض الليالي قال ذلك الرجل: فإذا كان غدوة غد أضرب عنقه بهذا السيف. فخاف الناس على ابن مجاهد فقال لهم وهو يبتسم: لا تخافوا، هو الذي تُضرب عنقه في غدوة غد بحول الله. فلما كان مع الصبح وصل إلى دار الرجل جماعة من أهل المسجد فضربوا عنقه. انتهي.3 - وأما مذهب الشافعي رحمه الله، فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في (الأم) (6): واختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعُلِّم منه ثم يُسِرُّ، فإن الله عز وجل يقول: وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا [الإسراء: 110] يعني - والله تعالى أعلم - الدعاء، ولا تجهر: ترفع. ولا تخافت: حتى لا تسمع نفسك. انتهي.

(1)((بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع)) (1/ 196).

(2)

لم نجده بهذا اللفظ، وورد بلفظ (خير الذكر الخفي) رواه أحمد (1/ 172)(1477) وابن حبان (809) قال الهيثمي في ((المجمع)) (10/ 81) رواه أحمد وأبو يعلى وفيه محمد بن عبدالرحمن بن لبينة وقد وثقه ابن حبان وقال روى عن سعد بن أبي وقاص، قلت وضعفه ابن معين، وبقية رجالهما رجال الصحيح، قال النووي في ((المنثورات)) (295) ليس بثابت وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند إسناده ضعيف، وضعفه الألباني

(3)

((تحفة الأحوذي شرح الجامع للترمذي)) (1/ 246).

(4)

((الدر الثمين والمورد المعين))، للشيخ محمد بن أحمد ميارة المالكي (ص 173، 212).

(5)

((الاعتصام))، للشاطبي (2/ 275)، بتصرف.

(6)

((الأم))، للشافعي (1/ 111).

ص: 202

وقال الإمام النووي في المجموع (1): اتفق الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى على أنه يُستحب ذكر الله تعالى بعد السلام، ويُستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره

وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الإمام بصلاتي الصبح والعصر، فلا أصل له. انتهي. قلت: ولقائل أن يقول: نفيه للتخصيص في هذين الوقتين يدل على جواز الدعاء في جميع الصلوات، ويبطل هذا الزعم قول النووي نفسه في (التحقيق) (2): يندب الذكر والدعاء عقيب كل صلاة ويسر به، فإذا كان إماماً يريد أن يعلمهم جهر، فإذا تعلموا أسر. انتهي.4 - وأما ما يتعلق بمذهب الحنابلة، فقد قال ابن قدامة في (المغني) (3): ويُستحب ذكر الله تعالى والدعاء عقيب صلاته، ويُستحب من ذلك ما ورد به الأثر، وذكر جملة من الأحاديث، فيها شيء من الأذكار التي كان صلى الله عليه وسلم يقولها في دبر كل صلاة مكتوبة. وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (4) عن الدعاء بعد الصلاة، فذكر بعض ما نقل عنه صلى الله عليه وسلم من الأذكار بعد المكتوبة، ثم قال: وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعاً عقيب الصلاة فلم ينقل هذا أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهي.

قلت: وفيما يختص بدعاء الإنسان منفرداً من غير جماعة فإنه إذا كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً فليس ثم مانع يمنعه من الدعاء إذا بدأ بالأذكار المسنونة والتسابيح المشروعة في أعقاب الصلوات، وقد دل على ذلك كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح رضي الله عنهم. أما الدليل من الكتاب العزيز، فقول الله تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإلى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح: 7 - 8].وقد ورد في الكلام على هاتين الآيتين، في إحدى الروايتين: فإذا فرغت من صلاتك، فانصب إلى ربك في الدعاء وسله حاجتك. نقل هذا ابن جرير الطبري (5) في تفسيره وابن أبي حاتم (6)، والسمعاني (7)، والقرطبي (8)، وابن الجوزي (9)، وابن كثير (10)، والشوكاني (11)، والسعدي، وغيرهم من المفسرين. قال السعدي رحمه الله في تفسير هاتين الآيتين: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ أي إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه فاجتهد في العبادة والدعاء. وَإلى رَبِّكَ وحده فَارْغَبْ أي أعظم الرغبة في إجابة دعائك، وقبول دعواتك ولا تكن ممن إذا فرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، فتكون من الخاسرين. وقد قيل: إن معنى هذا: فإذا فرغت من الصلاة، وأكملتها فانصب في الدعاء. وَإلى رَبِّكَ فَارْغَبْ في سؤال مطالبك. واستدل من قال هذا القول على مشروعية الدعاء والذكر عقب الصلوات المكتوبات. والله أعلم (12). انتهي. وأما من السنة، فعن أبي أمامة قال: قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال ((جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات)) (13).

(1)((المجموع)) للنووي (3/ 465 - 469).

(2)

كتاب ((التحقيق)) للنووي (219). ((كمال في كتاب مسك الختام)) (137 - 141).

(3)

((المغني)) لابن قدامة (2/ 251).

(4)

((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)) (22/ 515).

(5)

((تفسير الطبري)) (12/ 628 - 629).

(6)

((تفسير ابن أبي حاتم)) (10/ 3446).

(7)

((تفسير السمعاني)) (6/ 252)، ط دار الوطن.

(8)

((تفسير القرطبي)) (20/ 74)، ط دار الكتب العلمية.

(9)

((تفسير ابن الجوزي)) (9/ 166)، ط المكتب الإسلامي.

(10)

((تفسير ابن كثير)) (4/ 497)، ط دار الكتب العلمية.

(11)

((تفسير الشوكاني)) (5/ 462)، ط دار الوفاء.

(12)

((تيسير الكريم الرحمن)) (859)، ط مؤسسة الرسالة.

(13)

رواه الترمذي (3499) والنسائي في ((الكبرى)) (6/ 32) قال الترمذي حسن، وكذلك حسنه الألباني

ص: 203

وقد جاءت بذلك فتاوى العلماء قديماً وحديثاً:

فمن القديم ما ذكره ابن مفلح قال: قال مهنا: سألت أبا عبد الله عن الرجل يجلس إلى القوم، فيدعو هذا، ويدعو هذا ويقولون له: ادع أنت. فقال: لا أدري ما هذا؟! أي: أنه استنكره.

وقال الفضل بن مهران: سألت يحيى بن معين وأحمد بن حنبل قلت: إن عندنا قوماً يجتمعون، فيدعون، ويقرأون القرآن، ويذكرون الله تعالى، فما ترى فيهم؟ قال: فأما يحيى بن معين فقال: يقرأ في مصحف، ويدعو بعد الصلاة، ويذكر الله في نفسه، قلت: فأخ لي يفعل ذلك. قال: أنهه، قلت: لا يقبل، قال: عظه. قلت: لا يقبل. أهجره؟ قال: نعم. ثم أتيت أحمد فحكيت له نحو هذا الكلام فقال لي أحمد أيضاً: يقرأ في المصحف ويذكر الله في نفسه ويطلب حديث رسول الله. قلت: فأنهاه؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يقبل؟ قال: بلى إن شاء الله، فإن هذا محدث، الاجتماع والذي تصف (1).

وقال الإمام الشاطبي في بيان البدع الإضافية ما نصه: كالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان. فإن بينه وبين الذكر المشروع بوناً بعيداً إذ هما كالمتضادين عادة.

وقال ابن الحاج: ينبغي أن ينهي الذاكرون جماعة في المسجد قبل الصلاة، أو بعدها، أو في غيرهما من الأوقات. لأنه مما يشوش بها.

وقال الزركشي: السنة في سائر الأذكار الإسرار. إلا التلبية

جاء في (الدرر السنية): فأما دعاء الإمام والمأمومين، ورفع أيديهم جميعاً بعد الصلاة، فلم نر للفقهاء فيه كلاماً موثوقاً به. قال الشيخ تقي الدين: ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم كان هو والمأمومون يدعون بعد السلام. بل يذكرون الله كما جاء في الأحاديث.

وجاء في فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا ما يلي: ختام الصلاة جهاراً في المساجد بالاجتماع، ورفع الصوت، من البدع التي أحدثها الناس، فإذا التزموا فيها من الأذكار ما ورد في السنة، كانت من البدع الإضافية

وقال في موضع آخر: إنه ليس من السنة أن يجلس الناس بعد الصلاة بقراءة شيء من الأذكار، والأدعية المأثورة، ولا غير المأثورة برفع الصوت وهيئة الاجتماع .. وأن الاجتماع في ذلك والاشتراك فيه ورفع الصوت بدعة.

وجاء في الفتاوى الإسلامية للشيخ ابن عثيمين: الدعاء الجماعي بعد سلام الإمام بصوت واحد لا نعلم له أصلاً على مشروعيته.

وقال الشيخ صالح الفوزان: البدع التي أحدثت في مجال العبادات في هذا الزمان كثيرة، لأن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع شيء منها إلا بدليل. وما لم يدل عليه دليل فهو بدعة

ثم ذكر بعض البدع. وقال: ومنها الذكر الجماعي بعد الصلاة لأن المشروع أن كل شخص يقول الذكر الوارد منفرداً.

فأصل الدعاء عقب الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، وإنما يباح منه ما كان لعارض، قال الإمام الشاطبي رحمه الله: لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الاجتماع وقع من أئمة المساجد في بعض الأوقات: للأمر يحدث عن قحط أو خوف من ملم لكان جائزاً .. وإذا لم يقع ذلك على وجه يخاف منه مشروعية الانضمام، ولا كونه سنة تقام في الجماعات، ويعلن به في المساجد كما دعا رسول الله دعاء الاستسقاء بهيئة الاجتماع وهو يخطب. وإنما كان هذا الدعاء بعد الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، مع ثبوت مشروعية الدعاء مطلقاً، وورود بعض الأحاديث بمشروعية الدعاء بعد الصلوات خاصة، وذلك لما قارنه من هذه الهيئة الجماعية، ثم الالتزام بها في كل الصلوات حتى تصير شعيرة من شعائر الصلاة. فإن وقع أحياناً فيجوز إذا كان من غير تعمد مسبق، فقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه أجاز الدعاء للإخوان إذا اجتمعوا بدون تعمد مسبق، وبدون الإكثار من ذلك حتى لا يصير عادة تتكرر (2)، وقال شيخ الإسلام: الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن مستحب إذا لم يتخذ ذلك عادة راتبة كالاجتماعات المشروعة ولا اقترن به بدعة منكرة وقال: أما إذا كان دائماً بعد كل صلاة فهو بدعة، لأنه لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف الصالح.

‌المصدر:

الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع لمحمد بن عبد الرحمن الخميس - ص 43 - 51

(1)((الآداب الشرعية)) (2/ 75).

(2)

((الاقتضاء)) (304).

ص: 204