الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: الفضائل المفتراة التي يروجون بها لزيارة هود عليه السلام
من أقبح الأعمال وأعظمها الكذب الذي يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وأعظم من ذلك أن يكون الكذب على الله ورسوله لإضلال الناس. يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [النحل: 116]، وقال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأنعام 144]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) (1)(حديث متواتر)، ولا شك أن الوعد بمغفرة الذنوب أو بالبشارة بالجنة أو بتحمل ذنوب الناس إنما يُعلم بالوحي، فمن صرّح بشيء من ذلك أو وعد به أحداً من الناس بغير وحي، وبغير أذن من الله فقد افترى على الله الكذب، وقد قال الله تعالى عن اليهود: أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا [النساء:49 - 50]، فجعل تزكيتهم لأنفسهم إثماً مبيناً لأن حقيقة النفس وما فيها من خير وما يختم لها به لا يعلمه إلا الله، فلما تجرءوا وزكوا أنفسهم جعل الله ذلك من الكذب عليه سبحانه، وهكذا هنا الذي يدعي بأن العمل الفلاني جزاءه الجنة أو مغفرة الذنوب، أو أن العمل الفلاني فيه كذا أو كذا من الأجر من دون علم به عن طريق الوحي، فهو من المفترين على الله الكذب وكفى به إثماً مبيناً! ونحن عندما نعتبر ما نمثل به كذباً لا يعني أننا نتهم فلاناً أو فلاناً بأنه هو الذي افتراه، ولا نصف من نسب إليه ذلك الكذب ونقطع بأنه هو الكاذب، فربما نسب كلام إلى شخص لم يقله، لكننا نقطع أن الكلام المعني كذب، ونجزم أن من يروج ذلك الكلام مشارك في الكذب، وعليه نصيب من وزره، قال صلى الله عليه وسلم:((من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين)) (2). وقال صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)) (3).
إذا علمت هذا فاعلم أن القوم يستحلون الكذب أو يستخفون به في سبيل الوصول إلى أهدافهم على قاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) بل أنهم يدافعون عن الكذب ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يصوروه للناس بصورة الصدق والحق الذي لا مرية فيه، وستمر بك أمثلة من ذلك، وترى كيف يؤولونها بتأويلات الباطنية ليثبتوا للناس أن سلفهم كانوا على حق، وأن ما اقترفوه من الكذب هو عين الصدق، ومحض الصواب.
وإليك جملة من تلك الفضائل المزعومة التي افتروها ليضلوا الناس بغير علم:
منها أنه يتحمل ذنوب زواره، وأن من زار قبر هود ولو للفضول غفرت ذنوبه!!
قال صاحب بذل المجهود: (وكان سيدنا الشيخ عبد الرحمن السقاف رضي الله عنه يقول: إن النبي هود عليه الصلاة والسلام يتحمل ذنوب زواره حتى يرفعها الله تعالى)
(1) رواه البخاري (1291) ومسلم (3)
(2)
رواه مسلم في "مقدمته"، ورواه الترمذي (2662) وابن ماجه (38) وأحمد (1/ 112)(903) وابن حبان (1/ 212)(29) قال الترمذي حسن صحيح، وصححه ابن الجوزي وابن حزم وابن تيمية والمعلمي والألباني وغيرهم
(3)
رواه مسم (5)
وقال أيضاً: (وقال سيدي الشيخ عبد الرحمن السقاف، وسيدي الشيخ فضل بن عبد الله رضي الله عنهما: التقى اثنان من الصالحين في الطريق أحدهما صادر من زيارة قبر سيدنا هود – على نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم – والآخر وارد إليها، فقال الوارد للصادر ما وجدت النبي هود! قال الصادر وجدته!، قال: تان، فقلت: يا نبي الله فما تان؟ فقال: من ذنوب الزوار أتحملها عنهم حتى يرفعها الله تعالى عني وعنهم)، ويقولون كما في رسالة الشاطري: من زار هوداً ولو للفضول غفرت ذنوبه!
وهذا لا يخفى أنه كذب على الله وعلى رسوله هود، وإضلال للناس وتغرير بهم، وتعليق لقلوبهم على هذا الكذب الذي ما أنزل الله به من سلطان، وقد حاول الشاطري أن يبرر ذلك، ولكن على طريقته الباطنية.
ومنها بشارة من بشر بعودة الزوار بالجنة: قال الحبيب أحمد بن حسن العطاس كما في تذكير الناس: (وكان سيدنا شهاب الدين يجلس عند أراكة بالقرب من بيته، بقرية اللسك أيام الزيارة، ويقول من بشرني أن ولد سالم بن عبد الله زار بالناس وهم سالمون ضمنت له الجنة، فكان الناس يستبقون على التبشير، ولما أسن وثقل كان يجلس بالمجف في تريم لاستقبال أخبار الزيارة، ويقول هذا القول الذي تقدم).
وهذا كالذي قبله من الافتراء على الله لإضلال الناس بغير علم، وليس كما قال الشاطري في جوابه على السؤال الثاني عشر أن معنى " ضمنت له الجنة " أي دعوت الله له بالجنة وذلك جائز للمجاز اللغوي.
فمن يعقل معنى " ضمنت له على الله الجنة " بهذا الوضوح والتصريح أن ذلك من المجاز اللغوي أي دعوت الله له، فما وجه العلاقة بين ضمنت التي تعني الالتزام الجازم بإعطاء الجنة وبين دعوت التي توجه إلى الله إن شاء قبل، وإن شاء رد، ولو فرضنا على سبيل التنزل أن المتكلم يقصد ذلك فما أدرى العوام بذلك؟ أليس فيه تغرير بهم؟ الجواب: بلى! ولذلك يتسابقون معتقدين صدق تلك الضمانة، لا سيما وقد وصف المذكور بأنه (له اطلاع على أهل القبور، وماهم عليه من عذاب وسرور، وله في ذلك حكايات وخوارق للعادات، منها أنه قيل له: إن بعضهم يقول في قبر الإمام أحمد بن عيسى: أنه ليس بقبره حقيقة، فزاره في بعض زياراته وهو متوجه لقضاء حاجاته، فحصل له عند القبر غيبة وذهول ثم أفاق وهو يقول: اجتمعت بروحانية الإمام أحمد بن عيسى وسألته عن قبره هل هو هذا حقيقة؟ فقال: نعم، فقلت: إني أريد كذا، فقال: تقضى من غير كلفة، ثم ذهب إلى قرية بور، وقصد جامعها، قضيت حاجته في جلسته تلك، وحكي أنه اجتمع بالإمام حجة الإسلام في داره بتريم، وأنه طلب منه الإجازة في جميع كتبه فأجازه)، وهذا الرجل توفي في سنة 946هـ بينما الغزالي حجة الإسلام توفي سنة 505 هـ.
فلماذا يحاول الشاطري صرف هذا الكلام عن معناه، وتحريفه عن مواضعه وتفسيره بخلاف مراد قائله وناقله ومروجه بين الناس، وبخلاف ما يفهمه من يحسن الظن بأهل الله؟!
إن هذا تجنٍّ على كلام الناس، ولا أدري أيفسر الشاطري تلك البشارة بهذا التفسير عند كل من يحدثه بها، أم أنه يفسرها تفسيرين: تفسير للتصدير، وتفسير للاستهلاك؟!، وأما قوله:" وحولها يبلبل المبلبلون، ولنار الفتنة والفرقة بين المسلمين يشعلون "، فأقول: إن الذي يبلبل ويثير الفتنة والفرقة بين المسلمين هو الذي ينشر هذه الأقوال المضللة والأعمال المبتدعة، والعقائد المنحرفة، وليس الذي يعمل على تصحيح عقائدهم وتقويم سلوكهم وتنبيه عقولهم إلى ما يراد بهذا الإضلال.
ومنها أن الضحكة في زيارة هود بتسبيحة: قلت: ولتصديق هذا الوعد من قبل العوام، تراهم يكثرون الضحك واللهو واستخدام المعازف كما سيأتي لأن كل ذلك يحسب لهم تسبيحاً وحسنات، ولهم عادة أنهم كلما مروا بقرية في طريقهم نبزوا أهلها بلقبهم الذي يغضبون منه، وبذلك يكثر الضحك، وانظر الصبان وكرامة سليمان. والعجيب أن الشاطري مع أنه لا شك خبر الحياة واطلع من خلال رحلاته وقراءاته على كثير من أحوال الناس، وأن مثل هذه الدعايات أصبحت ممجوجة عند الناس، إلا أنه – مع ذلك – يصر على تبريرها فيقول في جواب السؤال السابع:(ومعناه أن الكلمة الطيبة والابتسامة والضحكة عند لقاء الإخوان – وذلك لكثرته بينهم في الزيارة – من المعروف والصدقة التي يثاب عليها فاعلها، ودليله ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكلمة الطيبة صدقة)) (1)(متفق عليه)، وعن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق)) (2) ومعنى طليق: متهلل بالفرح والبشر والابتسام. وأقول: إن هذه الأمة لم تبل بشيء كابتلائها بمزيني الباطل، ومروجي البدعة والمدلسين على عقول عوام المسلمين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إنما أخشى على أمتي الأئمة المضلين)) (3).
وهذا – والحمد لله – صان الله منه علماء أهل السنة وجعله شعاراَ لأهل البدعة وخصوصاً الباطنية، الذين اشتهروا بالتأويل الفاسد وليِّ أعناق الكلام لموافقة مبادئهم الخبيثة، ولا يفهم أحدٌ من كلامي أنني أرمي الشاطري بالباطنية، فأنا أبرأ إلى الله أن أقول ما ليس لي به علم!.
وإنما أعني أن الرجل سلك سلوكهم واتبع سبلهم في التأويل، فالضحك مذموم وليس بممدوح! قال صلى الله عليه وسلم:((وإياك وكثرة الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب))، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الابتسام ولكنه لم ير مستجمعاً ضاحكاً حتى تبدو لهواته إلا في مواطن معدودة جمعها بعضهم في رسالة خاصة، فكيف تكون الضحكة بتسبيحة؟ ثم كيف تفسر الضحكة بابتسامة، وقد فرق العلماء بين الضحك والابتسام؟ ولو فرضنا أن ذلك سواء ومعنى الضحكة أي الابتسامة، فلماذا لا تكون الضحكة في السوق بتسبيحة مع كثرة لقاء الناس في السوق وكثرة حاجتهم لملاطفة إخوانهم هناك؟ لماذا لا تكون الضحكة بتسبيحة في المسجد أو في أي مكان آخر؟ ألا أن تلك العبارة مقصودة لذاتها، وهي تهدف كما يهدف غيرها من البشارات والدعايات إلى تجميع الناس لتلك الزيارة ولو بالكذب على الله ورسوله والاستخفاف بعقول الناس!!! وكذلك عمر بن حفيظ فيما نقله عن عبيدون تحت عنوان:" الضحكة في هود بتسبيحة " قال: " ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه السيوطي في الجامع الصغير يقول فيه: ((مزاح المؤمن في السفر عبادة)) (4) هذا معنى ضحكة تسبيحة، مزاح المؤمن في السفر عبادة لأنه ينشط ويخفف أعباء السفر وثقله، وليس هذا أن تضحك بالحرام .. إلى آخر كلامه الذي راح يتحدث فيه عن آداب المزاح.
وأقول: أولاً الحديث ليس في الجامع الصغير كما زعم، ولو صح أنه في الجامع الصغير فلا يلزم أنه صحيح كذلك، لأن الجامع الصغير فيه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، والعرب تقول: - ثبِّت العرش ثم انقش - فصحح الحديث ثم احتج به.
(1) رواه البخاري (2989) ومسلم (1009)
(2)
رواه مسلم (2626)
(3)
رواه أبو داود (4252) والترمذي (2229) وأحمد (5/ 278)(22447) وابن حبان (16/ 220)(7238) قال الترمذي حسن صحيح وصححه الألباني
(4)
لم نجده
ولو ثبت هذا الحديث لما كان فيه حجة، لأن القوم قد خصصوا ذلك الضحك بأنه الضحك الذي في زيارة هود فقط! ولم يجعلوا كما سبق الضحك في أي موضع آخر تسبيحاً!.
إذن هذا القول إنما هو من جملة الأقوال التي يراد بها الدفع بالناس إلى تلك الزيارة بغض النظر عما يترتب عليها.
ومنها: لا تعقد ولاية لولي في حضرموت إلا عند قبر هود!!
يقول الصبان: " ويقولون أنه لا تعقد ولاية لولي بحضرموت إلا بجوار وفي حضرة نبي الله هود "
ويقول العيدروس: " والخلوة عند قبر هود عليه السلام عند مشايخ حضرموت ربحها مضاعف، بل قد فتح عنده على خلق كثير وجمع غفير من أرباب المجاهدات وأرباب الرياضيات بجزيل الفتح وسني المنوحات.
5 -
ومنها: حضور الملائكة والصالحين من الأحياء والأموات لتلك الزيارة!
في بذل المجهود: " وقال سيدنا أبي بكر ابن الشيخ عبد الرحمن السقاف رضي الله تعالى عنهما لزوجته بنت أبي رشد رضي الله عنهما بعد زيارة عظيمة: أما رأيتني أتطاول عند القبر وأرفع رأسي حين أدعو انظر من يأتي من الصالحين؟ ثم قال: لم يبق في ذلك المكان – يعني حول القبر الشريف - - لا شجر ولا حجر ولا جبل ولا أرض إلا امتلأ من الملائكة والصالحين في تلك الساعة.
6 -
ومنها أن هوداً عليه السلام يوزع الجوائز على الزائرين:
قال في تذكير الناس: (قال سيدي: ورأيت نبي الله هوداً عليه السلام قائماً عند الشق المعروف، الذي يسلمون عنده ورأيته يجيز الزائرين بشيء كالشبوط التي يعتادها أهل الجهة من الطيب، وصافحته في تلك البقعة). هذه ستة نماذج من الفضائل التي تذكر لزيارة نبي الله هود عليه السلام، وعلامات الكذب واضحة عليها، والافتراء ظاهر لا يحتاج إلى استدلال، وهذه هي بضاعة القوم التي يروجون بها ما يريدون، ويغسلون بها عقول الجهال كفى الله شرهم وكشف عوارهم، إنه على ذلك قدير!!