المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الزواج

- ‌المبحث الثاني: المسيحية وترك الدنيا:

- ‌المبحث الثالث: الزّاويَةُ وَالملْبَسُ:

- ‌المبحث الرابع: المذاهبُ الهنْديّة وَالفَارسيَّة:

- ‌المبحث الخامس: الأفلَاطونيّة الحَدِيثَة:

- ‌الفصل العاشر: التصوف عند الوثنيين وأهل الكتاب

- ‌المبحث الأول: الصوفية عند الوثنيين

- ‌المطلب الأول: الطاوية (منتشرة في الصين)

- ‌المطلب الثاني: الجينينة (نسبة إلى جينا، أي: القاهر والمتغلب)

- ‌المطلب الثالث: الهندوسية

- ‌المطلب الأول: عند اليهود

- ‌المطلب الثاني: عند النصارى

- ‌الفصل الحادي عشر: الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية

- ‌المبحث الأول: الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم

- ‌المطلب الأول: مدة الخلوة

- ‌المطلب الثاني: شروط الخلوة الصوفية

- ‌المبحث الثالث: أقسام الخلوات الصوفية

- ‌المبحث الرابع: تثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر

- ‌الفصل الثاني عشر: كيفية الدخول في المذهب الصوفي

- ‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية

- ‌المبحث الأول: عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود

- ‌المبحث الثالث: الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية

- ‌المبحث الأول: معنى التزكية وأهميتها

- ‌المبحث الثاني: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في مناهج التزكية

- ‌المبحث الثالث: منهج التزكية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في غاية التزكية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشرعيَّة والحقيقة

- ‌المبحث الثاني: الحقيقة المحمَدية

- ‌المبحث الثالث: وحدة الأديان

- ‌المبحث الرابع: الأولياء والكرامات

- ‌المبحث الخامس: الأقطاب والأوتاد

- ‌المبحث السادس: الشطح واللامعقول

- ‌المبحث الأول: تربية ذليلة

- ‌المبحث الثاني: المتصَوفة وعلم الحَديث

- ‌المبحث الثالث: البطالة والانحِلَال

- ‌المبحث الرابع: السَّمَاع وَالذِكر

- ‌المبحَث الخامِس المتصَوفة والجهَاد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني: الغيب في المعتقد الصوفي

- ‌المبحث الثالث: عبدالكريم الجيلي وكتابه (الإنسان الكامل)

- ‌المبحث الرابع: ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية

- ‌المبحث الخامس: ما الذي يريده هؤلاء الملاحدة

- ‌المبحث السادس: الغزالي وطريق الكشف

- ‌المبحث السابع: ابن عربي والكشف الصوفي

- ‌المبحث الثامن: نماذج من الكشف الصوفي

- ‌الفصل التاسع عشر: الشطحات الصوفية

- ‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية

- ‌المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثالث: حجج المجوّزين للذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الخامس: صفة الذكر

- ‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي

- ‌المبحث السابع: مفاسد الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثامن: فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: الوجد والرقص عند الصوفية

- ‌الفصل الثالث والعشرون: الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية

- ‌المبحث الأول: أبو يزيد البسطامي ومعراجه

- ‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني

- ‌المبحث الأول: الولاية الرحمانية

- ‌المبحث الثاني: الولاية الصوفية الشيطانية

- ‌المبحث الثالث: مراتب الولاية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: القطب الغوث واحد في الزمان فقط

- ‌المبحث الخامس: قطب سنة 593هـ من مدينة فاس بالمغرب

- ‌المبحث السادس: وظيفة القطب

- ‌المبحث السابع: الأبدال السبعة ووظائفهم

- ‌المبحث الثامن: مدة حكم القطب ووظيفته

- ‌المبحث التاسع: ابن عربي القطب الأعظم

- ‌المبحث الأول: الحكيم الترمذي وكتابه (ختم الأولياء)

- ‌المبحث الثاني: ابن عربي وختم الولاية

- ‌المبحث الثالث: محمد عثمان الميرغني وختم الولاية

- ‌المبحث الرابع: أحمد التيجاني وختم الولاية

- ‌المطلب الأول: الإسلام لم يأت بتقديس القبور والأضرحة

- ‌المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء

- ‌المطلب الثالث استمرار ما درج عليه الصحابة من الهدي في تسوية القبور والنهي عن تعظيمها إلى نهاية القرون المفضلة

- ‌المطلب الأول هدي اليهود والنصارى في اتخاذ القبور مساجد واستحقاقهم اللعن على ذلك وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فعلهم

- ‌المطلب الثاني: النهي عن التشبه باليهود والنصارى

- ‌المطلب الثالث: الرافضة هم أول من أحدث المشاهد المعظمة في الملة الإسلامية وغلوا في أصحابها حتى عبدت من دون الله تعالى

- ‌المبحث الثالث: واقع القبورية في العالم الإسلامي

- ‌المبحث الرابع: أشهر هذه القبور في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفضائل المفتراة التي يروجون بها لزيارة هود عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: نماذج من أشعار القوم في الترويج لها

- ‌المطلب الثالث: وسائل جذب الزوار لهذه الزيارة

- ‌المطلب الرابع: مظاهر وثنية في هذه الزيارة

- ‌المطلب الخامس: الطقوس الوثنية فيها

- ‌أولا: المناسك الزمانية

- ‌ثانياً: المناسك المكانية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: هيئة الديوان

- ‌المبحث الثاني: زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان

- ‌المبحث الثالث: ساعة انعقاد الديوان

- ‌المبحث الرابع: زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان

- ‌المبحث الخامس: زعمهم حضور الملائكة للديوان

- ‌المبحث السادس: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين أعضاء في الديوان

- ‌المبحث السابع: لغة أهل الديوان

- ‌المبحث الثامن: أولياء يحضرون الديوان بأرواحهم فقط

- ‌المبحث التاسع: الديوان يعقد في صحراء السودان أحياناً

- ‌المبحث العاشر: ماذا لو غاب الغوث

- ‌المبحث الحادي عشر: الغوث الصوفي دكتاتور كبير

- ‌المبحث الثاني عشر: أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

- ‌المبحث الثالث عشر: لماذا يجتمع أهل الديوان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: اتخاذ الشيخ

- ‌المبحث الثاني: مواصفات الشيخ

- ‌المبحث الثالث: آداب المريد

- ‌الفصل الثلاثون: تراجم زعماء الصوفية

- ‌الفصل الحادي والثلاثون: موقف بعض العلماء من التصوف

- ‌المبحث الأول: موقف الإمام الشافعي

- ‌المبحث الثاني: موقف الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المبحث الثالث: موقف الإمام أبو زرعة الدمشقي

- ‌المبحث الرابع: موقف الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبدالكريم البزودي المتوفى سنة 478هـ ببخارى

- ‌المبحث الخامس: موقف الإمام ابن الجوزي

- ‌المبحث السادس: موقف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المبحث السابع: موقف الإمام برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885ه

- ‌المبحث الثامن: شهادة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي

- ‌المبحث التاسع: مع الشيخ الفاطمي الشرادي

- ‌المبحث العاشر: مع الشيخ عبدالعزيز بن إدريس

- ‌المبحث الحادي عشر: شهادة الشيخ عبدالرحمن الوكيل

- ‌المبحث الأول: أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

- ‌المبحث الثاني: دلالة اسم عبدك

- ‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف

- ‌المبحث الرابع: نزول الوحي وإتيان الملائكة

- ‌المبحث الخامس: المساواة بين النبي والولي

- ‌المبحث السادس: تفضيل الولي على النبي

- ‌المبحث السابع: إجؤاء النبوة

- ‌المبحث الثامن: العصمة

- ‌المبحث التاسع: عدم خلو الأرض من حجة

- ‌المبحث العاشر: وجوب معرفة الإمام

- ‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية

- ‌المبحث الثاني عشر: الحلول والتناسخ

- ‌المبحث الثالث عشر: مراتب الصوفية

- ‌المبحث الرابع عشر: التقية

- ‌المبحث الخامس عشر: الظاهر والباطن

- ‌المبحث السادس عشر: نسخ الشريعة ووضع التكاليف

- ‌المبحث السابع عشر: تقديس القبور وزيارة المشاهد

- ‌المطلب الأول: الحلاج والتشيع

- ‌المطلب الثاني: الحلاج داعية الإسماعيلية في المشرق

- ‌المطلب الثالث: شهادة العمار الحنبلي أن الحلاج قرمطي

- ‌المطلب الرابع: الحلول عند الحلاج الصوفي وعند أبي الخطاب الشيعي

- ‌المبحث التاسع عشر: الطرق الصوفية والتشيع

- ‌المطلب الأول: الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثاني: الطريقة البكتاشية تنتشر في مصر

- ‌المطلب الثالث: أصول الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الرابع: مراتب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الخامس: التكية البكتاشية

- ‌المطلب السادس: العهد ودخول الطريقة

- ‌المطلب السابع: آداب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثامن: الأوراد البكتاشية

- ‌المطلب التاسع: دور الفرس في التشيع والتصوف

- ‌المبحث الأول: طلب الهداية في غير الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة

- ‌المبحث الثالث: الغلو الزائد في الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء

- ‌المطلب الأول: غلوهم في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني غلوهم في الأولياء

- ‌المبحث الرابع: تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني

الفصل: ‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة

‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة

إن من أهم العوامل التي أدت إلى انحراف المتصوفة هو تفريقهم بين الحقيقة والشريعة وادعاؤهم بأن الحقيقة غير الشريعة.

ومصطلح الشريعة والحقيقة مصطلح خاص بهم وكل من قرأ في كتب المتصوفة يجد بأن المتصوفة يكررون هذا المصطلح بكثرة وهو في الحقيقة لا يبعد كثيرا عن مصطلح الظاهر والباطن الذي وضعه الباطنية كمصطلح خاص بهم إلا أن الصوفية قد شاركوا الباطنية في مصطلح الظاهر والباطن أيضا وكلا المصطلحين وضعهما الصوفية والباطينة ليهدموا بهما الشريعة الإسلامية ويقضوا عليها.

ويعني المتصوفة بهذين المصطلحين بأن هناك في الإسلام علمين علم يخص أهل الظاهر وهي الشرعية الإسلامية التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ما فيها من عقائد وعبادات وآداب وأخلاق وسلوك وهذا علم يرتفع عنه المتصوفة ويرون الوقوف عند هذا العلم انحطاطا وأن الإنسان الذي تعلم العلم الشرعي " الكتاب والسنة " يعتبر المنافقين نظر المتصوفة في درجة العوام الذين لا يعتد بفتواهم والعلم الثاني العلم الذي يطلق عليه المتصوفة علم الحقيقة وهو الذي يعبرون عنه بالعلم اللدني ويعتقد المتصوفة بأن هذا هو العلم النافع وهو الذي من عرفه يستحق أن يسمى عالما في زعمهم وأما الكيفية التي ينال بها هذا العلم اللدني حسب زعم المتصوفة فهي المجاهدة التي إذا استمر عليها الإنسان ينزل عليه علم الحقيقة من الله والذي يقولون عنه أنه سر من أسرار الله لا ينزله إلا على قلوب الخاصة ويعنون بهذا أنفسهم لأنهم يقولون لا ينزل هذا العلم إلا على أولياء الله وقد حصروا الولاية في أنفسهم.

ومن هنا بعد القوم عن الشريعة الإسلامية الغراء التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله وفيها هدى ونور أصبحوا يبحثون عن الهداية والوصول إلى مرضاة الله عن طريق علمهم المزعوم والذي وصفوه بأنه بحتا بعيدا كل البعد عن المعاني التي تدل عليها النصوص القرآنية والحديثية على حسب الأساليب المعروفة في اللغة العربية وكل من اعترض على تفسيرهم الباطل سدوا عليه الباب بأن هذا علم الحقيقة أو علم الباطن وأن هذا العلم لا يدركه إلا أهل الحقيقة ويعنون أنفسهم ولذا لا ينبغي لأهل الرسوم أن يعترضوا عليهم لأنهم يجهلون هذا العلم ولقد صرح المتصوفة بأن هناك علما يسمى علم الحقيقة يختلف تماما عن علم الشريعة الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإليك النصوص من كتبهم أنفسهم.

قال المنوفي في كتابه (جمهرة الأولياء):

ص: 468

" إن القوم يرجعون بسند طريقهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث أن جبريل عليه السلام نزل بالشريعة أولا فلما تقررت ظواهر الشريعة واستقرت نزل إليه بالحقيقة المقصودة والحكمة المرجوة

من أعمال الشريعة فخص الرسول صلى الله عليه وسلم بباطن الشريعة بعض أصحابه دون البعض" ثم قال في نفس الصفحة: " وأول من أظهر علم القوم وتكلم فيه سيدنا علي وذكر السلسلة الصوفية في تلقي العلوم اللدنية إلى أن وصل إلى الجنيد الذي قال عنه أنه صحب الشافعي في علوم الظاهر ثم صحب وأخذ عن خاله السريسقطي علوم الباطن وعن الجنيد أخذ المحاسبي ثم انتشر هذا الطريق انتشارا لا ينقطع حتى ينقطع عمر الدنيا" (1).وقد ذكر ابن عجيبة في " الفتوحات الإلهية شرح المباحث الأصلية" شرح الحديث المكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم والذي هو: ((إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرة بالله)) (2) ثم ذكر في نفس الكتاب شرح هذا الحديث المكذوب فقال:"قال بعضهم في شرح هذا الحديث هي أسرار الله يبديها الله إلى أمناء أوليائه وسادات النبلاء من غير سماع ولا دراسة وهي من الأسرار التي لم يطلع عليها إلا الخواص فإذا سمعها العوام أنكروها ومن جهل شيئا عاداه" (3).

وينبغي أن نتذكر جيدا بأن المتصوفة يقصدون بكلمة العوام علماء الأمة الإسلامية من محدثين ومفسرين وفقهاء.

فمن النصوص المتقدمة نخرج بالنتائج الآتية:

أولا: أثبتنا بأن المتصوفة يقولون بأن هناك حقيقة تختلف عن الشريعة ومع هذا فإننا نلاحظ أيضا بأن البعض منهم قالوا إنها نزلت على الرسول بعد استكمال الشرعية.

والبعض الآخر قال: إنها أسرار الله يبديها الله لأوليائه.

وكلا القولين تترتب عليهما أمورا خطيرة.

فالقول بأن الرسول خص بعلم الحقيقة جزءا أو بعضا من أصحابه دون البعض فيه اتهام للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كتم العلم وهذا يعتبر جناية كبرى وكفرا بواحا فإن من العقيدة التي يجب أن يعتقدها المسلم تجاه الأنبياء التبليغ الكامل بكل الأشياء التي أمرهم الله بتبليغها وقد أمر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يبلغ كل ما أنزل الله إليه وبالفعل قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ الأمانة كاملة فلم يكتم منها شيئا بل بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. فكون المنوفي يقول بأن الرسول خص بعض أصحابه ببعض العلوم كذب صراح ودعوى عارية عن الدليل لأنه لا يستطيع أن يأتي بدليل واحد من كتاب الله أو سنة رسول الله يؤيد قوله إذا الرجل ارتكب جرائم عديدة بإيراده هذا الكلام.

فأولا: الرجل وقع في جريمة الكذب وهي تعتبر من الجرائم الكبيرة عند عوام المسلمين فكيف بمن نصب نفسه للتأليف.

(1)((جمهرة الأوليا)) للمنوي (1/ 159).

(2)

قال ابن تيمية في ((درء التعارض)) (5/ 85) ليس له إسناد صحيح، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/ 39) إسناده ضعيف، وقال الألباني في ((الضعيفة)) (870) ضعيف جدا

(3)

((الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية)) لابن عجيبة على هامش ((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) لابن عجيبة على هامش (1/ 29).

ص: 469

ثانيا: يعتبر تصريح المنوفي بأن الرسول خص بعض أصحابه بعلم دون البعض اتهام للرسول بكتمان ما أنزل الله مع أن الله أمره بتبليغ ما أنزل إليه ونحن نعتقد اعتقادا جازما بأن الرسول بلغ ما أنزل إليه من ربه ومن هنا نستطيع أن نقول بأن دعاء المنوفي بأن جبريل نزل بالشريعة أولا ثم بالحقيقة وأن الرسول خص بها بعض اصحابه دعوى كاذبة خالية عن الدليل والبرهان. بل إن عليا رضي الله عنه قد نفى تخصيص الرسول لهم بعلم خاص فقد روى الإمام البخاري في صحيحه أن أبا جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ فقال: لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مؤمن بكافر (1).

ففي هذا الأثر ينفي علي رضي الله عنه أن يكون خص رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بيته بشيء وكتمه عن غيرهم وأنه ليس عندهم علم مكتوب أو غير مكتوب إلا كتاب الله أو فهم أي علم وهو أثر الفهم والاجتهاد وفي الصحيفة فليس عندهم إلا ما عند الناس والله سبحانه يختص بقوة الفهم من يشاء وهذا الأثر يعتبر أقوى دليلا على بطلان مزاعم الصوفية الذين ادعوا بأن الرسول خص عليا وأهل بيته وبعضا من الصحابة بعمل خاص لأن عليا رضي الله عنه قد نفى هذا الزعم الصوفي والحمد لله فالقوم ليس لهم أي دليل يستندون عليه لإثبات هذه الدعوى وما دام ليس لهم أي مستند فدعواهم بأن هناك حقيقة تختلف عن الشريعة دعوى باطلة لأنه لا يمكن الإنسان أن يدعي دعوة لا أساس لها فيحاول فرضها على الناس عن طريق الكذب والدجل.

أما الحديث الذي أورده المتصوفة لإثبات بأن هناك علوما مخزونة عند الله وأن هذه العلوم هي عبارة عن أسرار الله لا يبديها الله إلا لأوليائه. أولا: الحديث مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم اخترعه المتصوفة لإثبات دعواهم بأن الأولياء تنزل عليهم علوم من الله غير العلوم التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم ونحن نقول للمتصوفة إن الدعاوى لا يمكن أن تثبت عن طريق الكذب وإنما تثبت الدعاوى عن طريق الأدلة القوية الصحيحة أما اختراع الأحاديث ونسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا غير جائز شرعا كيف وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) (2).

وادعاء تلقي العلوم عن الله سبحانه وتعالى يلزم منه بأن النبوة لم تختم لأن التلقي للعلوم عن الله لا يكون إلا عن طريق الوحي ويلزم منه أيضا القول بأن هناك طريقا آخر غير الطريق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يغني عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا فيه مخالفة صريحة للنصوص فقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه بأن النبوة قد ختمت فقال تعالى مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب: 40].وفي الحديث فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نبي بعدي)) (3).

وعلى هذا فالنبوة قد ختمت وبختم النبوة الوحي قد انقطع فدعوى الصوفية بأن هناك علما يلقيه الله على قلوبهم ويطلبون الهداية عن طريقه وأنه من الممكن أن يستغنوا به عن علم الشريعة فيه خطورة عظيمة عليهم فليرجعوا عنه وإلا يعتبرون منكرين شيئا معلوما من الدين بالضرورة فكل المسلمين مجمعون بأن النبوة قد ختمت وأن الوحي قد انقطع وأنه لا توجد علوما يمكن أن تزكي النفس وتطهرها إلا علم الكتاب والسنة اللذين جاء بهما الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله.

(1) رواه البخاري (111).

(2)

رواه البخاري (1291) ومسلم (3).

(3)

رواه البخاري (3455) ومسلم (1842).

ص: 470

وحتى يتضح لنا مقصود الصوفية بمصطلح الحقيقة والشريعة إليك بعض النصوص من بطون كتبهم.

فقد قال القشيري في معرض حديثه لإيضاح معنى الحقيقة والشريعة في " الفكر الصوفي":

"الشريعة أمر بالتزام العبودية والحقيقة مشاهدة الربوبية"ثم قال: "فالشريعة أن تعبده والحقيقة أن تشهده والشرعية قيام بما أمر والحقيقة شهود لما قضى وقدر وأخفى وأظهر"(1).

فكلام القشيري السابق واضح جدا بأن الصوفية يعنون بالحقيقة خلاف الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم وأنهم يعنون بالحقيقة رؤية الله عز وجل والاطلاع على قضاء الله وقدره وما أخفاه الله وأظهره.

ونحن نقول رؤية الله عز وجل في الدنيا لا يمكن أن تحصل لأحد كائنا من كان لأنها لم تحصل للرسل وهم أفضل الناس فكيف تحصل لمن دونهم؟! وحينما طلب موسى بن عمران رؤية الله سبحانه وتعالى قال له: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إليك قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إلى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إليك وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: 143]

ثم إن ادعاء القشيري بأن الحقيقة مشاهدة ما قضاه الله وقدره وأخفاه وأظهره فيه جرأة كبيرة على الله عز وجل لأن هذا يعتبر ادعاء علم الغيب مع أن الله سبحانه وتعالى قد أخبر بأن الغيب لا يطلع عليه أحد إلا من ارتضى من رسله حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:26 - 27] والرسل أيضا لا يعلمون من الغيب إلا ما أعلمهم الله به عن طريق الوحي فالرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن الأحداث التي حصلت للأمم الماضية مع أممهم وأقوامهم وذلك لأن الله أعلمه بذلك عن طريق الوحي.

وقد أمر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن ينفي عن نفسه علم الغيب فقال له قُل لَاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إلى قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50].

إذا فدعوى القشيري بأن الحقيقة هي الاطلاع على قضاء الله وقدره أمر لا يمكن أن يكون لأحد مهما كان فعلم الغيب خاص بالله سبحانه وتعالى.

وقد جر مصطلح الحقيقة والشريعة المتصوفة إلى القول بأن العلم علمان ظاهر وباطن وأن العلم الظاهر هو علم الشريعة والعلم الباطن هو علم الحقائق. فقد روى المتصوفة حديثا (2) ونسبوه إلى الرسول كذبا وزورا حيث قالوا إن أحد الصحابة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علم الباطن فقال: ((سألت جبريل عن علم الباطن فقال: سألت الله عز وجل ثناؤه عن علم الباطن فقال: هو سر من سري أجعله في قلب عبدي لا يقف عليه أحد من خلقي)) (3).

(1)((الرسالة القشيرية)) لأبي القاسم القشيري (1/ 61).

(2)

كتاب ((السيف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد)) لمصطفى كمال الدين البكري (ص: 16).

(3)

أخرجه ابن الجوزي في ((الواهيات)) (1/ 83)(90) وقال لا يصح وعامة رواته لا يعرفون، وقال الذهبي في تلخيصه باطل، وقال الألباني موضوع كما في ((السلسلة الضعيفة)) (1227)

ص: 471

فمن هذا الحديث المكذوب نخرج بنتيجة وهي أن المتصوفة يعنون بعلم الباطن غير علمي الكتاب والسنة وأن هذا العلم لا يعلمه أحد حتى الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو علم يقذف في قلوب المتصوفة حسب زعمهم ولا يخفى ما في هذا الكلام من تفضيل أنفسهم على الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هذا الرجل الصوفي زعم بأن الرسول سئل عن هذا العلم فقال الله له هو سر من سري ولم يعلمه إياه وعلى هذا فالصوفية يزعمون بأن هم يعلمون علوما لم يعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يعتبر منهم انحرافا خطيرا واستهتارا بالرسول صلى الله عليه وسلم وتقليلا من شأنه بالإضافة إلى أنهم كذبوا عليه وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)).وقال في نفس الصفحة: " وعلوم المشاهدات والمكاشفات هي التي تختص بعلم الإشارة وهو العلم الذي تفردت به الصوفية بعد جمعها سائر العلوم وإنما قيل علم الإشارة لأن مشاهدات القلوب ومكاشفات الأسرار لا يمكن العبارة عنها على التحقيق بل تعلم بالمنازلات والمواجيد ولا يعرفها إلا من نازل تلك الأحوال وتلك المقامات"(1).

ونقل أيضا عن غانم المقدسي ما يلي:

" اعلم أن العلم علمان علم الظاهر للشريعة وعلم الباطن للحقيقة"وكذب على الرسول فقال: "العلم علمان علم باللسان وعلم بالقلب فأما علم اللسان فهو حجة الله على عبادة وأما علم القلب فهو العلم الأعلى الذي لا يخشى الله العباد إلا به"(2).ثم قال: " فعل القلب هو العلم اللدني لم يسطر في السطور وإنما هو تلقين من الله سبحانه وتعالى بغير واسطة ملك ولا سفارة"(3).

فالنصوص المتقدمة كلها تثبت بأن المتصوفة يؤمنون بأن هناك علمين ظاهر وباطن وأن العلم الظاهر هو العلم الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله وأنه مجرد حجة فقط وأن العلم الذي يورث خشية الله سبحانه وتعالى هو علمهم المزعوم الذي سموه بعلم الحقيقة وزعموا أنهم يتلقونه عن الله سبحانه وتعالى وهذا الاعتقاد يعتبر كفرا فلا يمكن لإنسان يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا أن يفضل أي علم عن علمي الكتاب والسنة ولا يمكن أن يقول بأنه يتلقى علما عن الله سبحانه وتعالى يغنيه عن العلم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما يقدم على مثل هذه الأقوال من فرغ قلبه عن الإيمان بالله وبرسوله وبكتابه وإلا فكيف يدعي الإنسان تلقي العلم عن الله مع بقاء الإيمان عنده. وقال ابن عجيبة الحسني " فالعلم الظاهر هو علم الشريعة والعلم الباطن هو علم الطريقة والحقيقة فإذا لم يحصل شيئا من هذين العلمين ثم ادعى مرتبة الشيخوخة فأخرجه من سفينة دائرة وألقه في بحر لجج النفاق"(4).ونقل عن أحد المتصوفة بأنه لا يعتبر أحد من الرجال الذين يقتدى بهم إلا أن يكون جامعا لعلمي الظاهر والباطن حيث نقل عنه بأنه قال: "لا يقتدى في طريقتنا هذه بظاهر ولا بباطن وإنما يقتدى بمن جمع بينهما"(5).

ثم قال ابن عجيبة: "واعلم أن ما شرطه هذا العارف في شيخ التربية من العلم الظاهر والباطن صحيح"(6).

(1) كتاب ((السيف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد)) لمصطفى كمال الدين البكري (ص: 16).

(2)

كتاب ((السيف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد)) لمصطفى كمال الدين البكري (ص: 107).

(3)

((السيف الحداد)) لمصطفى كمال الدين البكري (ص: 108).

(4)

((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) لابن عجيبة (1/ 195).

(5)

((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) لابن عجيبة (1/ 159).

(6)

((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) لابن عجيبة (1/ 159).

ص: 472

وقال ابن عجيبة في وصف الحقيقة: "الحقيقة شهود الحق .. ولا تطاق إلا بعد موت النفوس وحط الرؤوس وتصفية البواطن من الأغيار وتحليتها بالأنوار فمن اطلع عليها قبل ذلك خيف عليه التزندق لأن الحقيقة لا تدرك بالعلم وإنما هي أذواق ووجدان .. " ثم قال: " اطلاع المريد على الحقيقة قبل كمال الطريقة توجب له التقصير في الأعمال والتفتر في الخدمة فإن الحقيقة حلوة قد يشتغل بها ويهمل الشريعة ولذا قيل من تصوف ولم يتشرع فقد تزندق لتعريته الحقيقة عن الشريعة"(1).

ففي هذا النص صرح ابن عجيبة بأن الحقيقة عارية عن الشريعة.

وقال ابن عربي في " الفتوحات المكية" في معرض حديثه بأن المتصوفة تفيض عليهم العلوم فيضانا من الله:

" ولما رأت عقول أهل الإيمان بالله تعالى أن الله قد طلب منها أن تعرفه بعد أن عرفته بأدلتها النظرية علمت أن ثم علما آخر بالله تعالى لا تصل إليه من طريق الفكر فاستعملت الرياضات والخلوات والمجاهدات

والانفراد والجلوس مع الله بتفريغ المحل وتقديس القلب عن شوائب الأفكار".ثم اقل: " فتوجه العقل إليه بالكلية والانقطاع من كل ما يأخذه عنه من هذه القوى فعند هذا التوجه أفاض الله عليه من نوره علما إلهيا عرفه بأن الله تعالى من طريق المشاهدة والتجلي لا يقبله كون ولا يرده كون" (2).

وقال أبو حامد الغزالي في معرض حديثه عن أنواع العلوم التي يحصل عليها الإنسان.

" اعلم أن العلوم التي ليست ضرورية إنما تحصل في القلب في بعض الأحوال تختلف الحال فتارة تهجم على القلب كأنه ألقى فيه من حيث لا يدري وتارة تكتسب بطريق الاستدلال والتعلم فالذي يحصل بالاستدلال يسمى اعتبارا واستبصارا ثم الواقع في القلب بغير حيلة وتعلم واجتهاد من العبد ينقسم إلى ما لا يدري العبد استفاد من ذلك العلم وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب والأول: يسمى إلهاما ونفثا في الروع والثاني: يسمى وحيا وتختص به الأنبياء والأول يختص به الأولياء والأصفياء والذي قبله وهو المكتسب بطريق الاستدلال يختص به العلماء. وحقيقة القول فيه أن القلب مستعد لأن تنجلي فيه حقيقة الحق في الأشياء كلها وإنما حيل بينه وبينها للحجاب المسدل الحائل بين مرآة القلب وبين اللوح المحفوظ العلوم من مرآة القلب وبين اللوح المحفوظ الذي هو منقوش بجميع ما قضى الله به إلى يوم القيامة وتجلي حقائق العلوم من مرآة اللوح المحفوظ في مرآة القلب يضاهي انطباع صورة من مرآة في مرآة تقابلها والحجاب بين المرآتين تارة يزال باليد وأخرى يزول بهبوب الرياح تحركه وكذلك قد تهب رياح الألطاف وتنكشف الحجب عن أعين القلب فينجلي فيها بعض ما هو مسطور في اللوح المحفوظ ويكون ذلك تارة عند المنام فيعلم به ما يكون في المستقبل وتمام ارتفاع الحجاب بالموت فيه ينكشف الغطاء وينكشف أيضا في اليقظة حتى يرتفع الحجاب بلطف خفي من الله تعالى فيلمع في القلوب من وراء ستر الغيب شيء من غرائب العلم تارة كالبرق الخاطف وأخرى على التوالي إلى حد ما دوامه في غاية الندور"(3).وقد قسم ابن عربي العلم إلى قسمين: فطري ووهيب حيث قال:

(1)((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) لابن عجيبة (2/ 133).

(2)

((الفتوحات المكية)) لابن عربي (4/ 121).

(3)

((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 20).

ص: 473

"الحكيم عبارة عمن جمع العلم الإلهي والطبعي والرياضي والمنطقي وما ثم إلا هذه الأربع مراتب من العلوم".ثم قال: " العلم النظري والعلم الوهبي وتختلف الطريق في تحصيلها تحصيل العلوم بين الفكر والوهب وهو الفيض الإلهي وعليه طريقة أصحابنا ليس لهم في الفكر دخول لما يتطرق إليه من الفساد والصحة فيه مظنونة فلا يوثق بما يعطيه وأعني بأصحابنا أصحاب القلوب والمشاهدات والمكاشفات لا العباد والزهاد ولا مطلق المتصوفة إلا أهل الحقائق والتحقيق منهم ولهذا يقال في علوم النبوة والولاية إنها وراء طور العقل وليس للعقل فيها دخول بفكر لكن له القبول خاصة عند سليم العقل الذي لم تغلب عليه شبهة خيالية فكرية يكون من ذلك فساد نظره وعلوم الأسرار كثيرة"(1).

فالنصوص المتقدمة التي نقلناها من كتب أئمة التصوف تثبت لنا بأن القوم يعنون بكلمة علم الباطن والظاهر أو الحقيقة والشريعة بأن هناك علما آخر غير العلم الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم يتلقون هذا العلم عن الله بواسطة الملك أو مباشرة عن الله بدون واسطة أو عن طريق الاطلاع على اللوح المحفوظ والاطلاع على ما قدره الله وقضاه منذ الأزل.

والاعتقاد بأن هناك طريقا آخر غير الطريق الذي رسمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر من ربه يغني عن الوحي الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يكون في منزلة الوحي الذي أوحاه الله إلى رسوله أو هو أفضل منه يعتبر كفرا بواحا لأن الله عز وجل قال وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: 7]

وقال تعالى وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور: 54] وقد جعل الله علامة محبته اتباع رسوله فقال تعالى قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ [آل عمران: 31] وباختصار أقوال: فإن الدين كمل وإن النبوة قد ختمت فكل من يدعي تلقي العلوم عن الله بواسطة أو بغير واسطة فهو كاذب مفتر وادعاؤه تلي العلوم عن الله يغنيه عن علمي الكتاب والسنة أو تكون في مستويهما أو أحسن منهما يعتبر انحرافا عقديا يجب أن يتوب منه لأن ادعاء تلقي العلوم عن الله معناه أن النبوة لم تختم بعد وهذا يعتبر مخالفة صريحة للنصوص القرآنية والحديثية التي صرحت بختم النبوة وكمال الدين يقول تعالى مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب: 40] ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا نبي بعدي)) (2).

فدعوى المتصوفة بأنهم يتلقون العلوم عن الله وينظرون إلى اللوح المحفوظ دعوى كاذبة عارية عن الصحة تماما وإنما هي دجل وافتراء من أجل التعمية على والقضاء على الإسلام والمسلمين لأن المتصوفة رأوا أن علومهم تختلف تمام الاختلاف مع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسسوا قاعدة العلم الظاهر والعلم الباطن وأن العلم الباطن لمجموعة خاصة ليس لأحد غيرهم المقدرة على معرفته بل هو علم خاص بهم كما يدعون ولذا لا ينبغي لغيرهم أن يعترض عليهم لأنه محجوب عن علم الحقيقة وعلى حسب هذه القاعدة وهي القول بأن هناك علمين ظاهر وباطن فقد قسم المتصوفة العلوم إلى عدة أقسام واختلفوا في تقسيمها مع أنهم كلهم متفقون بأن هناك علما آخر يسمى علم الباطن يتلقونه عن الله سبحانه وتعالى.

فقد ذكر الهجويري عن محمد بن الفضل البلخي أنه قال في تقسيم العلوم:

(1)((الفتوحات المكية)) لابن عربي (3/ 20).

(2)

رواه البخاري (3455) ومسلم (1842).

ص: 474

"العلوم ثلاثة علم من الله وعلم مع الله وعلم بالله".

ثم قال "فالعلم بالله هو علم المعرفة الذي عرفة جميع أوليائه ولو لم يكن تعريفه وتعرفه لما عرفوه. وأما العلم من الله فهو علم الشريعة وهو أمر وتكليف منه لنا وأما العلم مع الله فهو علم مقامات الطريق الحق وبيان درجات الأولياء"(1).

وقد ذكر الهجويري بأن لكل من علمي الحقيقة والشريعة أركانا خاصة به وهذا مما يدل على أن المتصوفة يعنون بالحقيقة والشريعة أركانا خاصة به وهذا مما يدل على أن المتصوفة يعنون بالحقيقة غير الشريعة فقال:

"ولعلم الحقيقة أركان ثلاثة:

الأول: العلم بذات الله.

الثاني: العلم بصفات الله وأحكامها.

الثالث: العلم بأفعال الله.

ولعلم الشريعة أركان ثلاثة:

الأول: الكتاب.

الثاني: السنة. الثالث: الإجماع. (2).

وقد سبب ادعاء المتصوفة بأن هناك علما يسمى علم الحقيقة يختلف تماما مع علم الشريعة الاستهتار بعلم الشريعة وأهلها وأنها ما جاءت إلا للعوام وطبعا هم يقصدون بكلمة العوام كل من لم يندرج تحت لوائهم ولو كان بحرا في علوم الشريعة.

فقد نقل أبو طالب المكي عن أحد المتصوفة أنه قال: " إن الله سبحانه وتعالى اطلع على قلوب طائفة من عباده فلم يرها تصلح لمعرفته ولا موضعا لمشاهدته فرحمها فوهب له العبادات والأعمال الصالحة"(3).

فنفهم من هذا النص أن المتصوفة يعتبرون العبادات والأعمال الصالحة إنما أنزلها الله سبحانه وتعالى لأناس لا تصلح قلوبهم لمعرفة الله ولذا شرع لهم الأعمال الصالحة والعبادات بكل أنواعها وبما أن المتصوفة يعتبرون أنفسهم أنهم العارفون بالله حقيقة فلا تجب عليهم العبادات والأعمال الصالحة يعتبرون قد انسلخوا تماما من الأوامر والنواهي التي أنزلها الله في كتابه وفي سنة رسوله لأنه ليس هناك إسلام مجرد عن العبادات والأعمال الصالحة إلا إذا قال المتصوفة بأن علمهم الذي سموه علم الحقيقة ينص على هذا وهذا ليس ببعيد لأن علمهم المزعوم ما هو إلا من إلقاء الشيطان ووساوسه فمن الممكن جدا أن يوحي إليهم الشيطان بأن هذه التكاليف ما أنزلها الله إلا للعوام أما الزاعمون بأنهم عرفوا الله فليسوا مكلفين بها. وقد صرح المتصوفة بأنهم صعب عليهم التوفيق بين علم الشريعة وعلم الحقيقة المزعومة ومما يدل على هذا قول أبي يزيد البسطامي: "عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا أشد علي من العلم ومتابعته"(4).

وقد تولى المنوفي الصوفي المعاصر المعروف بأن مقصود أبي يزيد بهذا هو صعب عليه تطبيق الباطن على الظاهر والحقيقة على نهج الشريعة.

ومن هذا النص نستخلص بأن الحقيقة عند المتصوفة تناقض تماما علم الشريعة الغراء التي جاء بها محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام وما دام اعترف المتصوفة أنفسهم بهذا فنحن نقول إن من أهم العوامل التي أدت إلى انحراف المتصوفة هو قولهم أو زعمهم بأن علم الحقيقة يختلف عن علم الشريعة ومن يعتقد مثل هذا الاعتقاد لا شك أن مصيره هو الضلال كما حصل للمتصوفة لأنه ليس هناك علم ينجي صاحبه من النار يوم القيامة إلا علم الكتاب والسنة.

(1)((كشف المحجوب)) للهجويري (1/ 210).

(2)

((كشف المحجوب)) للهجويري (1/ 207).

(3)

((قوت القلوب)) في معاملة المحبوب)) لأبي طالب المكي (2/ 61).

(4)

((التمكين)) للهروي (ص 196).

ص: 475

وقد بالغ المتصوفة في رفع شأن علمهم المزعوم وأوجبوا على كل إنسان أن يذهب إلى زعماء الطرق الصوفية من أجل أن يحصل على علم الحقيقة من الله مباشرة. وفي هذا يقول المنوفي: "اعلموا رحمكم الله أن علم التصوف يقال له علم الباطن" ثم قال: " لا ينبغي للعالم ولو تبحر في العلوم حتى صار وحيد أهل زمانه أن يقنع بما علمه وإنما الواجب عليه الاجتماع بأهل الطريق المستقيم حتى يكون ممن يحدثهم الحق تعالى في سرائرهم من شدة صفاء باطنهم ويصير أهلا لفيضان العلوم اللدنية على قلبه ولا يتيسر ذلك عادة إلا بسلوك الطريق على يد شيخ كامل عالم بعلاج النفوس وتطهيرها من الخبائث"(1).وقد صرح المتصوفة بأن علماء الظاهر – ويعنون بهم علماء الشريعة الإسلامية – ليسوا بحجة على علماء الباطن وهم علماء الحقيقة وذلك لأن علماء الحقيقة يعلمون علما لدنيا خاصا بهم يتلقونه عن الله مباشرة حسب زعمهم بينما علماء الظاهر لا يعلمون إلا الكتاب والسنة وهذه في نظر المتصوفة لا قيمة لها وفي هذا نقل ابن عجيبة عن أحد المتصوفة أنه قال: " لا تجعلوا أهل الظاهر حجة على أهل الباطن" ثم قال ابن عجيبة: " أي لأن أهل الباطن نظرهم دقيق وغزلهم رقيق لا يفهم إشاراتهم غيرهم"(2).

وقد صرح المتصوفة بأنه ليس بينهم وبين علماء الشريعة أي محبة ولا مودة وإنما هو عداء وصراع مستمر وصدقوا في هذا لأن علماء الشريعة يقفون أمامهم حجر عثر ويبددون أفكارهم الواهية التي يزعمون بأنها حقائق ولكنها في الحقيقة ما هي إلا علوم شيطانية. وفي هذا يقول الشعراني نقلا عن شيخه إبراهيم المتبولي ويغره قال إنه سمعهم يقولون: " ما بيننا وبين هؤلاء المنكرين الذين ينكرون علينا مودة ولا محبة لأنه ليس معهم شيء لنستفيده ولا يقبلون منا ما هو معنا من المعارف والأسرار"(3).

وفي هذا النص لقد صرح المتصوفة بأن علوم الظاهر لا تفيدهم شيئا لأنهم ليسوا في حاجة إليها وماذا يعملون بها بعد أن ادعوا الأخذ عن الله مباشرة حسب زعمهم.

وقد قال الشعراني: "إن أقل درجات الأدب مع القوم أن يجعلهم المنكر كأهل الكتاب لا يصدقهم ولا يكذبهم"(4).

وهنا جنى الشعراني على نفسه وعلى أصحابه المتصوفة حيث صرح أنه ينبغي للمسلم أن يقف من المتصوفة وعلومهم كموقفه من أهل الكتاب وإنما قال الشعراني هذا الكلام لأنه رأى تناقضا واضحا بين الشريعة وعلمهم المزعوم وأنه لا يمكن التوفيق بينهما ولم ير مخرجا يخرجه من هذا المأزق إلا أن يصرح بأنهم كالكتابيين ونحن نقول لا نقف منهم موقف أهل الكتاب لأن أهل الكتاب نزلت عليهم الكتب ثم حرفت ولذا نقف مما يقولونه موقف المحايد فلا نصدقهم ولا نكذبهم إلا ما صدقه شرعنا أو كذبه بخلاف المتصوفة فإننا لا نعترف لهم بأنهم تنزل عليهم علوم خاصة من الله تختلف مع علم الشريعة الإسلامية ولذا يجب علينا إذا صدر من المتصوفة أو من غيرهم أي فعل يخالف الشريعة أن ننكر عليهم لأن من أوصاف هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى في كتابه العزيز: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران: 110].

وقد نقل الشعراني عن سيده علي الوفا أنه كان يقول:

"التسليم للقوم أسلم والاعتقاد فيهم أغنم والإنكار عليهم سم ساعة في إذهاب الدين وربما تنصر بعض المنكرين ومات على ذلك"

(1)((بداية الطريق)) المنوفي (ص: 66).

(2)

((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) لابن عجيبة (1/ 63).

(3)

((لطائف المنن)) للشعراني (1/ 145).

(4)

((لطائف المنن)) للشعراني (1/ 125).

ص: 476

ثم قال الشعراني: "فإن أردت يا أخي عدم الإنكار فأجل مرآة قلبك فإنك تشهد المتصوفة من خيار الناس ويقل إنكارك وإلا فمن لازمك كثرة الإنكار لأنك لا تنظر في مرآتك إلا صورة نفسك"(1).

وقد وصف المتصوفة المنكر عليهم بأوصاف قبيحة.

يقول ابن عجيبة في معرض حديثه عن علوم المتصوفة التي تلقى عليهم من قبل الله عز وجل وهي من الأسرار التي لم يطلع عليها إلا الخواص فإذا سمعها العوام أنكروها ثم قال: " ومن جهل شيئا عاداه"

وضرب المثل العربي المعروف والذي هو: " ومن يكن ذا فم مر مرير يجد مرا به الماء الزلالا"

واستشهد بقول البوصيري:

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم

ثم قال: "وقال مشايخ الطريقة: المنكر علينا كالعنين ينكر شهوة الجماع والمزكوم ينكر رائحة المسك الأذخر والمحموم ينكر حلاوة السكر وفي مثلهم قال الشاعر: وكم عائب ليلى ولم ير وجهها فقال له الحرمان حسبك ما كان (2).

ومن هذه النصوص يتضح لنا بأن المتصوفة يعتبرون غيرهم كالمرضى لأنهم لا يعلمون شيئا عن علومهم المزعومة التي هي تختلف تماما مع العلوم التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك يعتبرون كل من ينكر عليهم كالمريض الذي يقول للحلو مر لعلة فيه مع سلامة الشيء وبقائه على حلاوته ولذا شبه المتصوفة المنكرين كالمرضى وهذه استهانة بعلماء المسلمين وبالشريعة الإسلامية في آن واحد فالعلماء لا ينكرون على المتصوفة إلا إذا وقعت منهم مخالفة صريحة لنصوص الشريعة الإسلامية لأن المنكر ما أنكرته الشريعة والمعروف ما قالت عنه الشريعة أنه معروف.

والحقيقة أن المتصوفة يضربون هذه الأمثلة للتشنيع بالشريعة والعلماء في آن واحد لأنهم يعلمون بأن علومهم في نظر الشريعة الإسلامية وعلمائها ما هي إلا أضغاث أحلام ولذا يضربون هذه الأمثال لتنفير الناس عن علماء الأمة الإسلامية.

ونحن نقول إن أي إنسان يرتكب أمرا مخالفا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن ينكر عليه كائنا من كان ولا عبرة بمن يقول إنه يفعل هذا الفعل لأنه أوحي إليه من الله وأمره بفعله فإن هذا كذب وبهتان وافتراء على الله فلا نبوة بعد نبوة سيدنا محمد بن عبدالله ولا شريعة بعد شريعته فالنبوة قد ختمت والشريعة قد كملت فكل من يريد أن يأتي إلينا بتشريعات جديدة يجب أن يرد بحزم ويؤمر بتوبة فإن تاب وإلا فيجب أن يقطع عنقه حتى لا ينشر فساده لأن ادعاء تلقي علما آخر يحل ما حرمته الشريعة أو يرحم ما أحلته الشريعة ليس بأمر سهل بل أمر خطير جدا يؤدي بصاحبه إلى الهلاك الدنيوي والأخروي ويفتح الباب على مصراعيه لكل دجال أفاك كذاب يكيد للإسلام والمسلمين.

موقف المتصوفة من القرآن الكريم:

أما موقف المتصوفة من القرآن الكريم فقد فسروا القرآن الكريم تفسيرا باطنيا يختلف تماما مع التفسير الذي فسره به السلف وعلماء الأمة الإسلامية عبر التاريخ وبعيدا كل البعد عن المعاني التي تدل عليها الألفاظ عند العرب وذلك من أجل إخضاع الآيات القرآنية لعقائدهم الفاسدة وإليك نماذج من تفسيرهم الباطني حتى تعرف بأن المتصوفة من ألد الأعداء لكتاب الله عز وجل.

يقول محيي الدين بن عربي في تفسير قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [البقرة: 6] قال: " إيجاز البيان فيه:

يا محمد إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أي ستروا محبتهم في عنهم

فسواء عليهم أأنذرتهم بوعيدك الذي أرسلتك به

(1)((لطائف المنن)) للشعراني (ص: 125).

(2)

((الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية)) على هامش ((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) (1/ 29).

ص: 477

أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بكلامك فإنهم لا يعقلون غيري وأنت تنذرهم بخلقي وهم ما عقلوه ولا شاهدوه"

ثم قال: "وكيف يؤمنون بك يا محمد وقد ختمت على قلوبهم فلم أجعل فيها متسعا لغيري وَعَلَى سَمْعِهِمْ فلا يسمعون كلاما في العالم إلا مني وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ من بهائي عند مشاهدتي فلا يبصرون سواي"(1)

ثم قال مرة أخرى في تفسير نفس الآيات حيث أراد أن يوضح تفسيره جيدا فقال:

"انظر كيف أخفى سبحانه أولياءه في صفة أعدائه وذلك أنه لما ابتدع الأمناء من اسمه اللطيف وتجلى لهم من اسمه الجميل فأحبوه تعالى والغيرة من صفات المحبة في المحبوب والمحب بوجهين مختلفين فستروا محبته تعالى غيرة منهم عليه كالشبلي وأمثاله وسترهم الحق بهذه الغيرة عن أن يعرفوا فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أي ستروا ما بدا له في مشاهدتهم من أسرار الوصلة فقال: لا بد من أن أحجبكم عن ذاتي بصفاتي فهو كذلك ..

خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ من سناه إذ هو النور وبهائه إذ له الجلال والهيبة فأبقاهم الحق غرقى في بحور اللذات بمشاهدة الذات فقال لهم: لا بد لكم من عَذَابٌ عظِيمٌ.

فما فهموا ما العذاب لاتحاد الصفة عندهم فأوجد لهم الحق علم الكون والفساد وعلمهم جميع الأسماء وأنزلهم على العرش الرحماني وفق عذابهم وقد كانوا مخبوئين عنده في خزائن غيوبه فلما أبصرتهم الملائكة خرت سجودا لهم فعلموهم الأسماء فأما أبو يزيد فلم يستطع الاستواء ولا أطاق العذاب فصعق من حينه فقال تعالى: "ردوا عليّ حبيبي فإنه لا صبر له عني".فحجب بالشوق والمخاطبة وبقي للكفار فنزلوا من العرش إلى الكرسي فنبتت لهم المقدمان فنزلوا عليهما من الثلث الباقي من ليلة هذه النشأة الجسمية إلى السماء الدنيا " النفس" فخاطبوا أهل الثقل الذين لا يقدرون على الوجد هل من داع فيستجاب له هل من تائب فيتاب عليه هل من مستغفر فيغفر له" (2).

ويقول في تفسير قوله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ [النور: 35].قال: " فشبه نوره بالمصباح فلم يكن أقرب إليه تعالى قبولا في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود فكان وجوده من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية وفي الهباء وجد عينه وعين العالم من تجليه وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب وأسرار الأنبياء"(3).

ونكتفي بهذه النماذج لإثبات أن المتصوفة فسروا القرآن الكريم بأهوائهم من أجل أن يوافق معتقدهم الفاسد وهذا يتضح لنا من خلال تفسيرات ابن عربي التي أوردناها كنماذج فقط فابن عربي في تفسره للآية الأولى حاول أن يثبت وحدة الأديان وأنه ليس هناك مؤمن ولا كافر بل الكل رب لأن هذا العالم كله مظاهره ومجال لله سبحانه وتعالى حسب زعمه.

وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ [النور: 35] فقد فسرها كما رأينا تفسيرا باطنيا باطلا بعيدا كل البعد عن المعنى الذي تدل عليه الآية.

وهو لجأ إلى هذا التفسير كما هو واضح من أجل أن يثبت عقيدته التي يعبر عنها بالحقيقة المحمدية رغم أن الآية بعيدة كل البعد عن التفسير الذي فسرها به ابن عربي فالرسول بشر ولد من أب وأم معروفين وليس هو مخلوق من نور كما يزعم المتصوفة الأفاكين ومناقشة عقيدة المتصوفة تجاه الرسول لها باب خاص في البحث فلا داعي لمناقشتها هنا.

(1)((الفتوحات المكية)) (2/ 206).

(2)

((الفتوحات المكية)) (2/ 208).

(3)

((الفتوحات المكية)) (2/ 227).

ص: 478

ومن هنا يتضح لنا بأن المتصوفة حاولوا أن يخضعوا معاني القرآن لتوافق معتقدهم الفاسد وذلك عن طريق التأويلات الباطلة.

أما السنة فإنهم بعيدون عنها كل البعد فهم دائما تراهم يحبون البدع وينشئونها ويشجعون عليها ويروون لتأييدها أحاديث وينسبونها إلى الرسول كذبا وزورا فهم قوم هلكى غرقى في البدع والخرافات بل هم وكر البدع والخرافات وناشروها في الأمة الإسلامية.

موقف العلماء من تقسيم المتصوفة الدين إلى شريعة وحقيقة.

قد رفض علماء الأمة الإسلامية تقسيم الدين إلى شريعة وحقيقة واستنكروها وإليك نماذج من أقوالهم حتى تعلم بأن المتصوفة ما أتوا بهذا التقسيم إلا لتأييد مذهبهم الباطل حتى لا يحتج عليهم الناس بالنصوص فيبطلون ما هم عليه من الأعمال المخالفة للنهج الإسلامي.

فقد قال الإمام ابن القيم مستنكرا قول المتصوفة بأن هناك علما باطنا وظاهرا: "ومن كيد الشيطان ما ألقاه إلى جهال المتصوفة من الشطح والطامات وأبرز لهم في قالب الكشف من الخيالات فأوقعهم في أواع الأباطيل والترهات وفتح لهم أبواب الدعاوى الهائلات وأوحى إليهم أن وراء العلم طريقا إن سلكوه أفضى بهم إلى الكشف العياني وأغناهم عن التقيد بالسنة والقرآن فحسن لهم رياضة النفوس وتهذيبها وتصفية الأخلاق والتجافي عما عليه أهل الدنيا وأهل الرئاسة والفقهاء وأرباب العلوم والعمل على تفريغ القلب وخلوه من كل شيء حتى ينقش فيه الحق بلا واسطة تعلم فلما خلا من صورة العلم الذي جاء به الرسول نش فيه الشيطان بحسب ما هو مستعد له من أنواع الأباطيل وخيله للنفس حتى جعله كالمشاهد كشفا وعيانا فإذا أنكره عليهم ورثة الرسل قالوا لكم العلم الظاهر ولنا الكشف الباطن ولكم ظاهر الشريعة وعندنا باطن الحقيقة ولكم القشور ولنا اللباب فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسنة والآثار كما ينسلخ الليل من النهار ثم أحالهم في سلوكهم على تلك الخيالات وأوهمهم أنها من الآيات البينات وأنها من قبل الله الهامات فلا تعرض على السنة والقرآن ولا تعامل إلا بالقبول والإذعان وكلما ازدادوا بعدا وإعراضا عن القرآن وما جاء به الرسول كان هذا الفتح على قلوبهم أعظم"(1).

وقال ابن إسماعيل في معرض نقده للمتصوفة والتحذير منهم: "فالله الله في الإصغاء إلى هؤلاء الفرغ الخالين من الإثبات وإنما هم زنادقة جمعوا بين مديح العمال مرقعات وصوف وبين أعمال الخلعاء الملحدة أكل وشرب ورقص وسماع وإهمال لأحكام الشرع ولم تتجاسر الزنادقة أن ترفض الشريعة حتى جاءت المتصوفة فجاءوا بوضع أهل الخلاعة. فأول ما وضعوا أسماء وقالوا حقيقة وشريعة وهذا قبيح لأن الشريعة ما وضعه الحق لمصالح الخلق فما الحقيقة بعدها سوى ما وقع في النفوس من إلقاء الشياطين وكل من رام الحقيقة في غير الشريعة فمغرور مخدوع"(2).

وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله.

"وقد فرق كثير من الصوفية بين الشريعة والحقيقة وهذا من قائله لأن الشريعة كلها حقائق".ثم قال: "وقد أنكر جماعة من قدمائهم في إعراضهم عن ظواهر الشرع"(3).

ومن هذه النصوص التي أوردتها عن الأئمة الكبار من علماء الأمة الإسلامية يتضح لنا بأن ادعاء الصوفية تقسيم العلم إلى حقيقة وشريعة فقط فهي الحقيقة عندنا ولكن في الإسلام عندنا أعمال القلوب وأعمال الجوارح وهذه كلها موجودة في الشريعة الإسلامية ولذا نقول للمتصوفة لا يمكن أن تصلوا إلى الحقيقة خارج الشريعة فإن كنتم تبحثون عن الحقيقة بالفعل فارجعوا إلى الشريعة التي جاء بها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم فهي الحقيقة لا غير.

الانحرافات التي وقع فيها الصوفية بسبب هذه القاعدة:

إن المتصوفة قد وقعوا في انحرافات عديدة بسبب هذه القاعدة التي وضعوها وهي القول بأن الحقيقة تختلف عن الشريعة ومن هذه الانحرافات التي وقعوا فيها ما يلي:

1ـ اتهام الرسول بأنه خص أناسا بعلم خاص وهذا يترتب عليه اتهامه بكتمان ما أنزل إليه والواجب تجاه الرسل الاعتقاد بأنهم قد بلغوا ما أمرهم الله به.

2ـ تعطيل وظيفة الأمر والنهي عن المنكر بحجة أنه نزل عليهم علوم تختلف عن علم الشريعة ولذا لا ينبغي أن ينكر عليهم.

3ـ ادعاء التلقي عن الله مباشرة وهذا يؤدي إلى القول بعدم ختم النبوة وهو انحراف عقدي خطير.

4ـ الاستهزاء بعلماء الأمة الإسلامية والتقليل من شأنهم ووصفهم بأنهم عوام وبأنهم محجوبون بظواهر الشريعة عن علوم الحقيقة.

5ـ تفسير القرآن الكريم بأهوائهم وتأويله بحيث يؤيد معتقدهم إلى جانب تحريفهم لمعاني السنة النبوية وتصحيح الأحاديث كثيرة كذبا وزورا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لتأييد معتقدهم الفاسد كما مر بنا بعضها في موضوع تفريق الصوفية بين الحقيقة والشريعة.

‌المصدر:

مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية لإدريس محمود إدريس – 1/ 109

(1)((إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)) لابن القيم (1/ 119).

(2)

((تلبي إبليس)) لابن الجوزي (374).

(3)

((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (324).

ص: 479