المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الزواج

- ‌المبحث الثاني: المسيحية وترك الدنيا:

- ‌المبحث الثالث: الزّاويَةُ وَالملْبَسُ:

- ‌المبحث الرابع: المذاهبُ الهنْديّة وَالفَارسيَّة:

- ‌المبحث الخامس: الأفلَاطونيّة الحَدِيثَة:

- ‌الفصل العاشر: التصوف عند الوثنيين وأهل الكتاب

- ‌المبحث الأول: الصوفية عند الوثنيين

- ‌المطلب الأول: الطاوية (منتشرة في الصين)

- ‌المطلب الثاني: الجينينة (نسبة إلى جينا، أي: القاهر والمتغلب)

- ‌المطلب الثالث: الهندوسية

- ‌المطلب الأول: عند اليهود

- ‌المطلب الثاني: عند النصارى

- ‌الفصل الحادي عشر: الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية

- ‌المبحث الأول: الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم

- ‌المطلب الأول: مدة الخلوة

- ‌المطلب الثاني: شروط الخلوة الصوفية

- ‌المبحث الثالث: أقسام الخلوات الصوفية

- ‌المبحث الرابع: تثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر

- ‌الفصل الثاني عشر: كيفية الدخول في المذهب الصوفي

- ‌الفصل الثالث عشر: أصول الصوفية

- ‌المبحث الأول: عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل

- ‌المبحث الثاني: وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود

- ‌المبحث الثالث: الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية

- ‌المبحث الأول: معنى التزكية وأهميتها

- ‌المبحث الثاني: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في مناهج التزكية

- ‌المبحث الثالث: منهج التزكية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في غاية التزكية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشرعيَّة والحقيقة

- ‌المبحث الثاني: الحقيقة المحمَدية

- ‌المبحث الثالث: وحدة الأديان

- ‌المبحث الرابع: الأولياء والكرامات

- ‌المبحث الخامس: الأقطاب والأوتاد

- ‌المبحث السادس: الشطح واللامعقول

- ‌المبحث الأول: تربية ذليلة

- ‌المبحث الثاني: المتصَوفة وعلم الحَديث

- ‌المبحث الثالث: البطالة والانحِلَال

- ‌المبحث الرابع: السَّمَاع وَالذِكر

- ‌المبحَث الخامِس المتصَوفة والجهَاد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني: الغيب في المعتقد الصوفي

- ‌المبحث الثالث: عبدالكريم الجيلي وكتابه (الإنسان الكامل)

- ‌المبحث الرابع: ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية

- ‌المبحث الخامس: ما الذي يريده هؤلاء الملاحدة

- ‌المبحث السادس: الغزالي وطريق الكشف

- ‌المبحث السابع: ابن عربي والكشف الصوفي

- ‌المبحث الثامن: نماذج من الكشف الصوفي

- ‌الفصل التاسع عشر: الشطحات الصوفية

- ‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية

- ‌المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثالث: حجج المجوّزين للذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم

- ‌المبحث الخامس: صفة الذكر

- ‌المبحث السادس: حكم الذكر الجماعي

- ‌المبحث السابع: مفاسد الذكر الجماعي

- ‌المبحث الثامن: فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: الوجد والرقص عند الصوفية

- ‌الفصل الثالث والعشرون: الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية

- ‌المبحث الأول: أبو يزيد البسطامي ومعراجه

- ‌المبحث الثاني: معراج إسماعيل بن عبدالله السوداني

- ‌المبحث الأول: الولاية الرحمانية

- ‌المبحث الثاني: الولاية الصوفية الشيطانية

- ‌المبحث الثالث: مراتب الولاية عند الصوفية

- ‌المبحث الرابع: القطب الغوث واحد في الزمان فقط

- ‌المبحث الخامس: قطب سنة 593هـ من مدينة فاس بالمغرب

- ‌المبحث السادس: وظيفة القطب

- ‌المبحث السابع: الأبدال السبعة ووظائفهم

- ‌المبحث الثامن: مدة حكم القطب ووظيفته

- ‌المبحث التاسع: ابن عربي القطب الأعظم

- ‌المبحث الأول: الحكيم الترمذي وكتابه (ختم الأولياء)

- ‌المبحث الثاني: ابن عربي وختم الولاية

- ‌المبحث الثالث: محمد عثمان الميرغني وختم الولاية

- ‌المبحث الرابع: أحمد التيجاني وختم الولاية

- ‌المطلب الأول: الإسلام لم يأت بتقديس القبور والأضرحة

- ‌المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء

- ‌المطلب الثالث استمرار ما درج عليه الصحابة من الهدي في تسوية القبور والنهي عن تعظيمها إلى نهاية القرون المفضلة

- ‌المطلب الأول هدي اليهود والنصارى في اتخاذ القبور مساجد واستحقاقهم اللعن على ذلك وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فعلهم

- ‌المطلب الثاني: النهي عن التشبه باليهود والنصارى

- ‌المطلب الثالث: الرافضة هم أول من أحدث المشاهد المعظمة في الملة الإسلامية وغلوا في أصحابها حتى عبدت من دون الله تعالى

- ‌المبحث الثالث: واقع القبورية في العالم الإسلامي

- ‌المبحث الرابع: أشهر هذه القبور في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الفضائل المفتراة التي يروجون بها لزيارة هود عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: نماذج من أشعار القوم في الترويج لها

- ‌المطلب الثالث: وسائل جذب الزوار لهذه الزيارة

- ‌المطلب الرابع: مظاهر وثنية في هذه الزيارة

- ‌المطلب الخامس: الطقوس الوثنية فيها

- ‌أولا: المناسك الزمانية

- ‌ثانياً: المناسك المكانية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: هيئة الديوان

- ‌المبحث الثاني: زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان

- ‌المبحث الثالث: ساعة انعقاد الديوان

- ‌المبحث الرابع: زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان

- ‌المبحث الخامس: زعمهم حضور الملائكة للديوان

- ‌المبحث السادس: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين أعضاء في الديوان

- ‌المبحث السابع: لغة أهل الديوان

- ‌المبحث الثامن: أولياء يحضرون الديوان بأرواحهم فقط

- ‌المبحث التاسع: الديوان يعقد في صحراء السودان أحياناً

- ‌المبحث العاشر: ماذا لو غاب الغوث

- ‌المبحث الحادي عشر: الغوث الصوفي دكتاتور كبير

- ‌المبحث الثاني عشر: أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

- ‌المبحث الثالث عشر: لماذا يجتمع أهل الديوان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: اتخاذ الشيخ

- ‌المبحث الثاني: مواصفات الشيخ

- ‌المبحث الثالث: آداب المريد

- ‌الفصل الثلاثون: تراجم زعماء الصوفية

- ‌الفصل الحادي والثلاثون: موقف بعض العلماء من التصوف

- ‌المبحث الأول: موقف الإمام الشافعي

- ‌المبحث الثاني: موقف الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المبحث الثالث: موقف الإمام أبو زرعة الدمشقي

- ‌المبحث الرابع: موقف الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبدالكريم البزودي المتوفى سنة 478هـ ببخارى

- ‌المبحث الخامس: موقف الإمام ابن الجوزي

- ‌المبحث السادس: موقف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌المبحث السابع: موقف الإمام برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885ه

- ‌المبحث الثامن: شهادة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي

- ‌المبحث التاسع: مع الشيخ الفاطمي الشرادي

- ‌المبحث العاشر: مع الشيخ عبدالعزيز بن إدريس

- ‌المبحث الحادي عشر: شهادة الشيخ عبدالرحمن الوكيل

- ‌المبحث الأول: أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

- ‌المبحث الثاني: دلالة اسم عبدك

- ‌المبحث الثالث: سلاسل التصوف

- ‌المبحث الرابع: نزول الوحي وإتيان الملائكة

- ‌المبحث الخامس: المساواة بين النبي والولي

- ‌المبحث السادس: تفضيل الولي على النبي

- ‌المبحث السابع: إجؤاء النبوة

- ‌المبحث الثامن: العصمة

- ‌المبحث التاسع: عدم خلو الأرض من حجة

- ‌المبحث العاشر: وجوب معرفة الإمام

- ‌المبحث الحادي عشر: الولاية والوصاية

- ‌المبحث الثاني عشر: الحلول والتناسخ

- ‌المبحث الثالث عشر: مراتب الصوفية

- ‌المبحث الرابع عشر: التقية

- ‌المبحث الخامس عشر: الظاهر والباطن

- ‌المبحث السادس عشر: نسخ الشريعة ووضع التكاليف

- ‌المبحث السابع عشر: تقديس القبور وزيارة المشاهد

- ‌المطلب الأول: الحلاج والتشيع

- ‌المطلب الثاني: الحلاج داعية الإسماعيلية في المشرق

- ‌المطلب الثالث: شهادة العمار الحنبلي أن الحلاج قرمطي

- ‌المطلب الرابع: الحلول عند الحلاج الصوفي وعند أبي الخطاب الشيعي

- ‌المبحث التاسع عشر: الطرق الصوفية والتشيع

- ‌المطلب الأول: الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثاني: الطريقة البكتاشية تنتشر في مصر

- ‌المطلب الثالث: أصول الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الرابع: مراتب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الخامس: التكية البكتاشية

- ‌المطلب السادس: العهد ودخول الطريقة

- ‌المطلب السابع: آداب الطريقة البكتاشية

- ‌المطلب الثامن: الأوراد البكتاشية

- ‌المطلب التاسع: دور الفرس في التشيع والتصوف

- ‌المبحث الأول: طلب الهداية في غير الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني اعتقادهم بأن هناك حقيقة تخالف الشريعة

- ‌المبحث الثالث: الغلو الزائد في الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء

- ‌المطلب الأول: غلوهم في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني غلوهم في الأولياء

- ‌المبحث الرابع: تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني

الفصل: ‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية

‌الفصل العشرون: التكاليف في نظر الصوفية

يعتقد غلاة الصوفية أن الصلاة والصوم والحج والزكاة هي عبادات العوام، وأما هم فيسمون أنفسهم الخاصة أو خاصة الخاصة، ولذلك فإن لهم عبادات خاصة، ومناهج وطرق خاصة، ومفاهيم تختلف تماماً عن مفاهيم العامة، خصوصاً بعد وصول أحدهم درجة اليقين – كما يزعمون – وقد شرع كل قوم منهم شرائع خاصة بهم، في الذكر والخلوة والملابس المخصوصة والحلقات الخاصة.

وقد يتفقون في بعضها وقد يختلفون، إلا أن كل صاحب طريقة يجعل على أتباعه أغلالاً وحواجز شديدة، بحيث لا يستطيع أحدهم أن يغير طريقته بطريقة أخرى، وحتى مجرد الذكر إلا بإذن الشيخ وكل ذلك إنما يفعلونه كما يزعمون من أجل ربط القلب بالله للتلقي عنه مباشرة، ولاستمداد العلوم والمعارف عن الله رأساً على يد شيخ خوله الله ومنحه القدرة على ذلك.

وأما بالنسبة للتحريم والتحليل فأهل وحده الوجود منهم لا شيء يحرم عندهم؛ لأن الكل عين واحدة وفعل الخير وفعل الشر والقبيح والحسن إنما هي أفعال لا فروق بينها لاحتواء الذات لها كلها، ولذلك فقد حصل من بعض كبارهم وأئمتهم ما يستقبح الشخص مجرد ذكره؛ إذ كان منهم الزناة واللوطية والملاحدة، ثم لا يحق لأي شخص أن يعترض؛ لأن الشيخ لا يفعل شيئا إلا لحكمة.

وأيضاً لا يفعل هذه الأمور التي يعتبرها الناس فواحش بجسمه وروحه بل بجسمه فقط، وأما روحه فهي أجل من أن تتدنى إلى فعل هذه الأمور الجسيمة، وقد وجدوا من الناس الذين هم أضل من البهائم من يصدقهم في كل ما يصدر عنهم، فصدقوهم في التفرقة بين ما يفعلونه بأجسامهم لحكمة وبين ما في أرواحهم من السمو والتعالى عن ما يفعله سائر الناس، والعقل من أجل نعم الله على الإنسان.

ثم اخترعوا مفهوماً ضالاً وهو أنه قد يصل الأمر أحياناً إلى حد أن للولي شريعته الخاصة، وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم تلقي شريعته الخاصة فلا يمنع أن يحصل الخلاف بينهما ويكون الجميع على الصواب، فالولي يتلقى شريعته عن الله مباشرة وهي شريعة للخاصة، ومحمد صلى الله عليه وسلم تلقى شريعته عن الله مباشرة وهي شريعة للعوام.

ولذلك تجد في حلقات هؤلاء الصوفية الغلاة من الفواحش والخروج عن تعاليم الإسلام ما لا يمت إلى الإسلام بصلة؛ لأن هذه الأفعال من الاختلاط والحشيش وأنواع الفساد قد تكون مباحة في شريعة الولي مع حرمتها في شريعة النبي، ولكل شريعته.

وما دام الشيخ الصوفي قد وصل إلى حد التلقي عن الله مباشرة واطلعه على كثير من أسرار هذا الكون وعرف الكثير من المغيبات فإنه والحال هذه ليس عنده طمع في جنة ولا خوف من النار، ومن هنا تنشأ الاستهانة التامة بجميع التكاليف الشرعية.

وقد تبجح الكثير منهم بأنه لا يعبد الله طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار؛ لأن هذه العبادة معاوضة والصوفي قد اتحد بالله وفني فيه لأجله لا لغرض آخر، والخوف من النار أيضاً طبع العبيد لا طبع الأحرار كما تبجح البسطامي بقوله السابق:"ما النار؟ لاستندن إليها غداً وأقول اجعلني لأهلها فداء أو لأبلعنها، ما الجنة؟ لعبة صبيان"، وقول الشبلي:"إن لله عباداً لو بزقوا على جهنم لأطفئوها".

فهم يزعمون أنهم يعبدون الله حباً في الله لا كما يعبده الخائفون من النار الطامعون في الجنة فإن عبادتهم إنما هي على سبيل العوض لا حباً في الله – وعلى هذا فإن من سبقهم من صالحي المؤمنين والأولياء من الصحابة وغيرهم بل والأنبياء كانت همتهم قاصرة عن إدراك هذا المعنى الذي اهتدى إليه هؤلاء!!

ومما يدل على تقدم ما نذكره فيما يلي من كلام الصوفية، حيث قسم المنوفي الناس بالنسبة لمراتبهم وقربهم وبعدهم عن الله تعالى ثلاثة أقسام تحت عنوان "حقيقة الطريق" فقال:

ص: 184

"إن هذا الطريق وهو السيرة المختصة بالسالكين إلى الله تعالى عند قطع المنازل والترقي في المقامات ينقسم بحسب اختلاف أحوالهم إلى ثلاثة أقسام لكل قسم منها طريقة:

فالقسم الأول ذوو الامزجة الكثيفة والأفهام الضعيفة الذين يعسر عليهم محاولة التعلم من طريق التعليم، فطريقهم يستقيم بالعبادة والتنسك والزهادة والصلاة والصوم وتلاوة القرآن والحج والجهاد وغيرها من الأعمال الظاهرة، لأن هذه الطائفة لصلابة أبدانها وقوة أركانها تتحمل مشاق العبادة والسالكون بهذا الطريق لا يزالون على هذه المناهج حتى يرقوا لأرفع المعارج ويقربون من مواطن تنزلات المعارف – وإذا وصلوا إلى هذا الحد –"، فحينئذ يكشف لهم عن سبحات المحبوب ويرون عجائب الغيوب ويتلقون عرائس الأسرار، وهذه الطرق صعبة جداً والواصل بها على خطر عظيم.

أما الثانية وهي طريقة أهل الخصوص وهم من ذوى الأفهام اللوذعية والأخلاق الرحبة والهياكل النورانية والنفوس الأبي، أولئك الذين قد لا يملكون نفوسهم في حال النزوات فطريقهم المجاهدات .. والسالكون بها لا يزالون يرتاضون في قلع ما انطبع في نفوسهم من الأخلاق الذميمة إلى أن تذهب تلك الطباع المكتسبة وترجع إلى فطرتها السليمة. والقسم الثالث هم ذوو النفوس الرضية والعقول الزكية والفطرة الصديقية التي أبدان أصحابها في نهاية الاعتدال واللطافة، وطريقهم طريق المطلوبين إلى الله والطائرين إليه، وهي طريق المحبوبين المخطوبين من رب العالمين، وملاك السير بها صفاء القلب، وصدق الحب، والتحقق ظاهراً وباطناً جهراً وسراً بشعائر التصديق، فيخرج عن حوله وقوته وعقله وفطنته إلى حول الله وقوته" (1).وقال أيضاً:"وبما أن التصوف هو زبدة الديانات ولبها وليس مجرد تقاليد وطقوس وقواعد ظاهرية كان لكل ديانة تصوفها"(2). وهذا الكلام فيه التصريح بأن التصوف لم يكن نبعه الإسلام فقط، وإنما هو زبدة الديانات أي أنه ملفق من ديانات شتى، وفيه أيضاً التصريح بأنه ليس مجرد تقاليد وطقوس وقواعد ظاهرية.

والإسلام كما هو معلوم فيه بيان شامل لكل ما يحتاجه المسلم وهو نظام كامل، ولا يجوز تسميته مجرد تقاليد وطقوس، على أن القواعد الظاهرية نسبة إلى الظاهر يقصد بها قواعد الشريعة الذين يسميهم الصوفيون أهل الظاهر.

وقد فرق أيضاً بين الزاهد والصوفي:

بأن الزاهد هو الذي ينصرف عن الملاذ الدنيوية وينكر على نفسه جميع شهواته وإن أحلها الشرع، ويتحمل مرارة الجوع والعطش بصفة مستمرة وصوم دائم .. لا يفعل كل ذلك إلا طمعاً في ربح الآخرة والمكافأة بجنات النعيم. وأما الصوفي فلا يرجو من ذلك شيئا وإنما همة الوقت الحاضر وهدفه أن زهد وأن عبد معرفة الله والاتصال برضوانه" (3).

ومعنى هذا أن الجنة والنار لا قيمة لها في نظر الصوفي:"لم يبلغ الأبدال ما بلغوا بصوم ولا صلاة، ولكن بالسخاء والشجاعة وذمهم أنفسهم عند أنفسهم"(4)، وهذا الكلام فيه الاستهانة بشرائع الإسلام حيث فضل السخاء والشجاعة وذم النفس على الصوم والصلاة. وقال أيضاً:"إن الله يفتح للعارف وهو على فراشه ما لا يفتح لغيره وهو قائم يصلي"(5)، وهذه دعوى صريحة إلى التكاسل في الطاعات وتعريض بقلة فضل الصلاة.

وتتضح منزلة التكاليف عند بعض أولياء الصوفية عند الشعراني في تراجمه لكثير من أعلامهم بما لا يدع مجالاً للشك في إلحاد وزندقة هؤلاء الذين يسميهم أولياء ويترضى عنهم أيضاً.

(1) انظر: ((جمهرة الأولياء)) (1/ 157 - 158).

(2)

((جمهرة الأولياء)) (ص 155).

(3)

((جمهرة الأولياء)) (ص 156).

(4)

((جمهرة الأولياء)) (2/ 175).

(5)

((الرسالة القشيرية)) (2/ 606).

ص: 185

وكمثال على ذلك ما أورده في ترجمته للشريف المجذوب حيث قال:"وكان أصله جمالاً عند بعض الأمراء ثم حصل له الجذب وكان له كشف ومثاقلات للناس الذين ينكرون عليه، وكان رضي الله عنه يأكل في نهار رمضان ويقول: أنا معتوق أعتقنى ربي، وكان كل من أنكر عليه يعطبه في الحال، وكان رضي الله عنه يتظاهر ببلع الحشيش فوجدوها حلاوة، وكان قد أعطاه الله تعالى التمييز بين الأشقياء والسعداء في هذه الدار"(1).

ومن أولئك الأولياء أيضاً بركات الخياط رضى الله عنه، كان رضي الله عنه من الملامتية وأخبرني الشيخ عبد الواحد رضي الله عنه أحد جماعة سيدي أبي السعود الجارحي رضي الله عنه، قال: مدحته للشيخ جمال الدين الصائغ مفتى الجامع الأزهر وجماعة فقالوا: امضو بنا نزوره وكان يوم جمعة فسلم المؤذن على المنارة، فقالوا له: نصلي الجمعة فقال: مالي عادة بذلك. فأنكروا عليه فقال: نصلى اليوم لأجلكم، فخرج إلى جامع المارداني فوجد في الطريق مسقاة كلاب فتطهر منها، ثم وقع في مشخة حمير ففارقوه وصاروا يوبخون الشيخ الذي جاء بهم إلى هذا الرجل، وصار الشيخ بركات يوبخ عبد الواحد ويقول أيش هؤلاء الحجارة الذين أتيت بهم لا يعود لك بالعادة أبداً وله وقائع مشهورة رضي الله عنه" (2).وأمثلة أخرى كثيرة يوردها الشعراني تدل على مدى استهتار هؤلاء الأولياء – حسب زعمه – بالأخلاق والدين والتكاليف، فقد ذكر عن علي وحيش ما يخجل القلم من كتابته ويتلعثم اللسان من النطق به (3)؛ من الأعمال الفاحشة والزنا وفعله بالبهائم وصاحبها قائم أمامه، وإن لم يرض تسمر في مكانه كما يذكر الشعراني.

ويبدو أن للكشف الصوفي علاقة قوية بترك التكاليف على حد ما أورده عنهم الشيخ سعيد حوى في قوله:

"يربط بعض الصوفية بين الكشف وترك التكاليف، فيرون أن الإنسان متى كشف له شيء من أمر الغيب – وما أكثر ما يتوهون في هذا الشأن – سقط عنه التكليف، فلا صلاة ولا صيام ولا غير ذلك، ويستشهدون على ذلك بقوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].

‌المصدر:

فرق معاصرة لغالب عواجي 3/ 1028

(1)((الطبقات الكبرى)) بتقديم بعض العبارات – انظر (2/ 150).

(2)

((الطبقات الكبرى)) (2/ 144).

(3)

((الطبقات الكبرى)) (2/ 149).

ص: 186