الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: إجؤاء النبوة
وبهذه المناسبة نريد أن نذكر ههنا عقيدة صوفية خبيثة أخرى، أخذوها من بعض فرق الشيعة، من الخطابية، والخرمية، والمنصورية وغيرها بأن رسالة الله لا تنقطع أبدا، وأن النبوة جارية، ويأتي نبيّ حينا بعد حين (1).وهم بدورهم أخذوها من اليهودية مثل العقائد الأخرى كما ذكره ولهوزن:(أن النبي الصادق واحد يعود أبدا (2).
ومعلوم أن هذه العقيدة لم تعتنقها فرق الشيعة إلا للقضاء على الإسلام وهدم كيانه، وفتح الأبواب على الدجالين والكذابين لترويج نبواتهم الباطلة ودعاويهم الكاذبة، وإخراج المسلمين عن حظيرة الإسلام، وإدخالهم في بؤرة الكفر والإرتداد، وإبعادهم عن محمد الصادق المصدوق الأمين عليه الصلاة والسلام وعن شريعته السماوية السمحاء، ونشر الفتن والقلاقل بينهم، وفكّ جمعيتهم، وتشتيت شملهم، وتفريق كلمتهم، وتمزيق جماعتهم، والقضاء على شأنهم وشوكتهم، وسدّ سيل النور كي لا يعمّ المعمورة، ويشمل الكون، ووضع العراقيل في طريقه، مخالفين النصوص الصريحة المعارضة في كلام الله المحكم، وحديث رسول الله الثابت عنه عليه الصلاة والسلام مثل قوله جل وعلا:
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].
وقوله تبارك وتعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3].
وقوله جلّ من قائل: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:28].
وقوله: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا خاتم النبيين لا نبيّ بعدي ((3).وقوله عليه الصلاة والسلام: ((إني آخر الأنبياء ومسجدي آخر المساجد)(4).وقوله صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه، ترك منه موضع لبنة، فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنيانه إلا موضع تلك اللبنة، فكنت أنا سددت موضع اللبنة، ختم بي البنيان، ختم بي الرسل)(5).
(1) انظر لذلك ((فرق الشيعة)) للنوبختي (ص 70) وما بعد، كذلك كتاب ((المقالات والفرق)) للأشعري القمي الشيعي (ص 46، 54، 64)، وانظر كذلك كتب السنة من ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري، و ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي و ((الملل والنحل)) للشهرستاني وغيرها.
(2)
انظر ((الأحزاب المعارضة الدينية والسياسية في صدر الإسلام)) لولهوزن (ص 249) ترجمة عربية للبدوي.
(3)
رواه أبو داود (4252) والترمذي (2219) وأحمد (5/ 278)(22448) وابن حبان (15/ 109)(6714) والحاكم (4/ 496)(8390) قال الترمذي حسن صحيح، وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني
(4)
رواه مسلم (1394)
(5)
رواه ابن حبان (14/ 316)(6406) وأصل الحديث متفق عليه
وغيرها من الأحاديث الكثيرة الكثيرة في هذا المعنى ولكن القوم يقولون عكس ذلك، معرضين عن كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، متبعين غير سبيل المؤمنين، فيقول شيخهم الأكبر متفوها الكفر الصريح:(ويجمع النبوة كلها أم الكتاب، ومفتاحها: بسم الله الرحمن الرحيم. فالنبوة سارية إلى يوم القيامة في الخلق. وإن كان التشريع قد انقطع، فالتشريع جزء من أجزاء النبوة، فإنه يستحيل أن ينقطع خبر الله وأخباره من العالم، إذ لو انقطع لم يبق للعالم غذاء يتغذى به في بقاء وجوده: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا،: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله، وقد أخبر الله أنه ما من شيء يريد إيجاده إلا يقول له: كن، فهذه كلمات الله لا تنقطع، وهي النداء العام لجميع الموجودات. فهذا جزء واحد من أجزاء النبوة لا ينفد، فأين أنت من باقي الأجزاء التي لها (1).
فهذه هي عقيدة القوم بلسان قدّيسهم، وفي فتوحاته التي يقولون فيها، وفيه:
فتوحات شيخي غادة مدنية
…
كستها نفيسات العلوم ملابسا
فلا عجب لو تشتهيها نفوسنا
…
وأبحاثها أبدت إلينا نفائسا
فلله دّر الشيخ أكبر عصره
…
بأنفاسه لا زال يحيى المجالسا
وهذه العقيدة هي التي شجعت الكثيرين من المتنبئين والكذابين على الله أن يدّعو النبوة بعد محمد صلوات الله وسلامه عليه، مثل الغلام القادياني الذي استشهد على تنبئه بكلام ابن عربي هذا (2)، وغيره من الدجاجلة الآخرين، مع تصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون، كلهم يزعم أنه رسول الله، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي)) (3).
ولكن ابن عربي يقول معاكسا لذلك في فتوحاته:
(ويتضمن هذا الباب المسائل التي لا يعلمها إلا الأكابر من عباد الله، الذين هم في زمانهم بمنزلة الأنبياء في زمان النبوة، وهي النبوة العامة. فإن النبوة التي انقطعت بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي نبوة التشريع لا مقامها فلا شرع يكون ناسخا لشرعه صلى الله عليه وسلم، ولا يزيد في حكمه شرعا آخر، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرسالة والنبوة انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي)) (4)، أي لا نبيّ بعدي يكون على شرع يكون مخالفا لشرعي، بل إذا كان، يكون تحت حكم شريعتي
…
فهذا هو الذي انقطع وسدّ بابه، لا مقام النبوة (5).
فهل يقول المتنبئون الدجالون الكذابون غير هذا؟
فإنهم لا يلتقطون إلا من موائد الصوفية وخوانها، ولا يستوحون إلا من أمثال شيخهم الأكبر.
ويقول ابن عربي كذلك مجيبا على سؤال الترمذي الملقب بالحكيم: أين مقام الأنبياء من مقام الأولياء؟ يجيب على هذا ويقول:
(1)((الفتوحات المكية)) لابن عربي (2/ 90).
(2)
انظر ((جريدة الحكم القاديانية)) الصادرة (10 ابريل 1930م) المنقول من كتابنا ((القاديانية دراسات وتحليل)) (ص 286) الطبعة العشرون ط إدارة ترجمان السنة باكستان.
(3)
رواه أبو داود (4333) بدون الشطر الأخير، ورواه ابن حبان (16/ 220)(7238) والحاكم (4/ 496)(8390) وقال صحيح على شرط الشيخين
(4)
رواه الترمذي (2272) وقال: حسن غريب من هذا الوجه. وقال الألباني في ((صحيح الترمذي)): إسناده صحيح.
(5)
((الفتوحات المكية)) لابن عربي (2/ 3).
(وإن كان سؤاله عن مقام الأنبياء من الأولياء، أي أنبياء الأولياء – وهي النبوة التي قلنا أنها لم تنقطع، فإنها ليست نبوة الشرائع – وكذلك في السؤال عن مقام الرسل، الذين هم أنبياء فلنقل في جوابه: أن أنبياء الأولياء، مقامهم من الحضرات الإلهية الفردانية، والاسم الإلهي الذي تعبدهم (هو) الفرد، وهم المسمون الأفراد.
فهذا هو مقام نبوة الولاية، لا نبوة الشرائع. وأما مقام الرسل، الذين هم أنبياء فهم الذين لهم خصائص على ما تعبدوا به أتباعهم. كمحمد صلى الله عليه وسلم، فيما قيل له:(خالصة لك من دون المؤمنين) في النكاح بدون الهبة. فمن الرسل من لهم خصائص على أمتهم ومنهم من لا يختصه الله بشيء دون أمته. وكذلك الأولياء: فيهم أنبياء، أي خصوا بعلم لا يحصل إلا لنبي، من العلم الإلهي. ويكون حكمهم من الله، فيما أخبرهم به، حكم الملائكة. ولهذا قال (تعالى) في نبي الشرائع:(ما لم تحط به خبرا)، أي ما هو ذوقك، يا موسى! مع كونه كليم الله. فخرق (الخضر) السفينة، وقتل الغلام حكماً، وأقام الجدار - مكارم خلق – عن حكم الأمر الإلهي، (هذا كله) كخسف البلاد على يدي جبريل ومن كان من الملائكة. ولهذا كان الأفراد من البشر بمنزلة المهيمن من الملائكة، وأنبياؤهم منهم بمنزلة الرسل من الأنبياء (1).
هذا ويقول الآخرون مثل ما قاله ابن عربي، فيقول الفرغاني:
(أما الولاية فهي التصرف في الخلق بالحق، وليست في الحقيقة إلا باطن النبوة، لأن النبوة ظاهرة الأنباء، وباطنها التصرف في النفوس بإجراء الأحكام عليها. والنبوة مختومة من حيث الأنباء، إذ لا نبيّ بعد محمد صلى الله عليه وسلم، دائمة من حيث الولاية والتصرف (2).
وأما السهروردي المقتول فيقول:
(إن اتفق في الوقت متوغل في التأله والبحث فله الرياسة، وإن لم يتفق فالمتوغل في التأله المتوسط في البحث. وإن لم يتفق فالحكيم المتوغل في التأله عديم البحث، وهو خليفة الله. ولا تخلو الأرض من متوغل في التأله أبدا (3).
فهذه هي عقيدة أخرى منافية للإسلام ومخالفة له، ومعارضة لأسسه وقواعده، مناقضة لشرعته وتعاليمه، متبطنة الكفر أشد الكفر، ومتضمنة الارتداد كل الارتداد، مأخوذة من الشيعة واليهودية.
ومعروف أنهم لم يخترعوا هذه العقيدة ولم يختلقوها ليوصلوا المتصوفة إلى مقام النبوة ومكانتها كما وصّل الشيعة إليها أئمتهم، فوصفوهم بجميع أوصاف النبوة، واختصاصاتها، ومن أهمها العصمة.
المصدر:
التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير
(1)((الجواب المستقيم عما سأل عنه الترمذي الحكيم)) سؤال (رقم 0 18)(ص 167، 168) من كتاب ((ختم الأولياء)).
(2)
((المقدّمات)) للفرغاني مخطوط آيا صوفيا (رقم 1898) نقلا عن ((ختم الأولياء)) للترمذي (ص 487) ط بيروت.
(3)
((مجموعة في الحكمة المشرقية)) للسهر وردي (ص 23 - 24).