الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البسملة
مسألة: كون الاسم المسمى أو غيره. تكلم عليها الآمدي في " أبكار الأفكار "، والإِمام في " الإِرشاد "، وظاهر كلامه مخالف للآمدي، والفخر في " نهاية العقول ".
وتكلم عليها ابن السَّيد في تأليف مستقل، ووقعت في " العتبية " في الجزء الخامس من الجامع، وتكلم عليها شيخنا ابن عرفة في " العقيقة " فِي " مختصره الفقهي "، ونقل ابن راشد في أوائل تأليفه
المسمى بـ " المرقبة العليا في تفسير الرؤيا " عن القَرَافي أنه كان يقول: " إنما الخلاف في لفظة اسم، هل هي نفس المسمى أو لا، كقوله تعالى:(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)[الأعلى:1]، (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ). [تبارك:78]!.
وقول الفخر: احتج من زعم أن الاسم غير المسمى بأن إثبات وجود الباري تعالى بالعقل لا بالسمع، وإثبات أسمائه متوقف على السمع إذ لا يسمى إلا بما ورد عنه أنه سمى به نفسه ..
يُردُّ: بأنه إن أريد معاني الألفاظ، فثابت بالنقل، وإن أريد مجرد الألفاظ فثبوتها بالسمع.
وحصَّل شيخنا في المسألة من حيث الجملة ثلاثة أقوال:
الأول: أن الاسم هو المسمى، وهو قول أهل الحق.
الثاني: أنه غيره، وهو مذهب المعتزلة، ومثله للأشعري في بعض كتبه.
الثالث: ما كان اسمًا لله تعالى باعتبار صفة فعل كخالق فهو غير المسمى، وإلا فهو المسمى.
وهو قول الباقلاني الإِمام.
قال مشايخنا: قول سيبويه: " الأفعال أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء " يدل على أن الاسم المسمى.
الفخر: " البحث عن كل واحد من أسماء الله تعالى مسألة، والعلم بالاسم مسبوق بالعلم بالمسمى، فالبحث عن ثبوت تلك المسميات وعن الدلائل الدالة على ثبوتها، وعن أجوبة الشبهات التي تذكر في نفيها مسائل كثيرة، ومجموعها يزيد على الألوف. ولمَّا كان التقدير:(بسم الله) أشرع في آداء الطاعات، وهذا المعنى لا يصير ملخصًا معلومًا إلا بعد 1 - 1 الوقوف على أقسام الطاعات المنقسمة إلى عقائد، وأعمال مع الأدلة، وأجوبة الشبهات، وهذا المجموع ربما زاد على عشرة آلاف مسألة.
وتقدم الاستعاذة على البسملة من حسن الترتيب؛ لأن الاستعاذة إشارة إلى نفي ما لا ينبغي من الاعتقادات، والعمليات.
قال: ويظهر أيضا كيفية استنباط العلوم الكثيرة من الألفاظ القليلة باعتبار المباحث المتعلقة باللغة، والإِعراب، والأصول والمسائل الفقهية.
قال في " شرح الأسماء الحسنى ": قال بعض المحققين: " الرحمة من صفات الذات إرادة إيصال الخير، ودفع الشر؛ لأن من تراه في شدّة، وتريد أن تدفعها عنه، ولا تقدر يصح أن يقال: رحمته، ولا يقال: أنعمتَ عليه فإن أُكْرهت على الإِنعام عليه ولم ترده يقال: أنعمتَ عليه، ولا يقال: رحمته.
وقيل: إنها صفة فعل فهي إيصال الخير، ودفع الشر بدليل تسمية الجنّة رحمة، قال تعالى:(يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ)، وقال:(وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا).
وأجيب: بأنه من مجاز إطلاق السبب على المسبب. قال: ورحمة
الله أكمل من رحمة العباد لبعضهم؛ لأنها في العباد محدثة، والمحدث الجائز لا يوجد إلا لمرجح بخلقه، فلولا رحمة الله لما خلق الرحمة.
قال: ولأن انتفاع العبد برحمة العبد، وإحسانه له بالجنان واللذات، إنما يكمل له بعد صحّة حواسّه، وبدنه، وقوته الهاضمة، وعقله، وروحه، وذلك أعظم قدرًا من الأشياء التي يهبها بعض الناس، لبعض؛ ولأن إحسان العبد للعبد ينقصه بقدر ما أعطى.
قال: ومذهب أهل السنة أنه ليس من شرط كونه رحيمًا أن لا يفعل إلا الرحمة، فهو رحيم للبعض، وقهَّار للبعض، ليست رحمته معللة
باستحقاق محض؛ ولأنه لو كان التفاوت في القهر للتفاوت في الاستحقاق، لقلنا: من أين حصل التفاوت في الاستحقاق؟. وإن كان التفاوت في الطاعة، فلِمَ صار هذا مطيعًا، وهذا عاصيًّا؟.
قال أبو بكر الواسطي: " لا أعبد من ترضيه طاعتي، ويسخطه ذنبي ". أي: إنما أعبد من حملني رضاه على الطاعة، وسخطه على المعصية، ثم نقل قول الفلاسفة، والمعتزلة.
قال ابن العربي في " كتاب الآمدي ": معنى كونه أرحم الراحمين أو خير الراحمين: إما كمال الرحمة بنفي الآفات عن صفته، أو كثرة ثمرتها وهي الإِنعام أو أن رحمة العباد لبعضهم، إمّا لتوقع العوض عن ذلك، وإمّا لزوال الألم اللاحق للراحم بمعرفته حاجة المرحوم، والله تعالى منزه عن ذلك كله.
قال: فإن قيل: كيف يُفهم أنه أرحم الراحمين مع كثرة البلايا في الناس، والرحيم لا يَرى مبتلًا، ولا محتاجًا إلا أعاذه؟!.
فأجاب عنه ابن العربي لمن سأل مسترشدًا: بأنه يُعمم نظره في الأسماء الحسنى فإذا استحضر أن الله أرحم الراحمين، استحضر أن الله شديد العقاب، وأنه عفو منتقم، وهادٍ مضل، وغفَّار قهَّار، ولو عافى الجميع لما كان شديد العقاب.
قال: وأجاب بعض علمائنا يريد به الغزالي في " الاحياء ": " بأن الطفل ترق له أمه فتمنعه من الحجامة، والأب يحمله عليها مع شفقته عليه؛ لأنه يرى له فيها خير، فليس في الوجود شر إلا وفي طيه خير، وشر لا خير فيه غير ممكن فإن خطر لك شر لا خير فيه فاتهم عقلك، ويُعدُّ هذا كشف سرك القدر المنهى عنه وأنت أيها المخاطب أظنك عارفًا بسرّ القدر ".
وردَّه ابن العربي بوجوه:
منها: أن قياس الغائب على الشاهد عند من جوَّزه إنما يكون بالجوامع الأربعة وهي: العلة، والحقيقة، والشرط، والدليل.
قال: وقوله: " كل شر في طيه خير "، إن أراد أن الخير يقارنه أو يعقبه، فباطل بعذاب أهل النار فإنه لا خير فيه، وإن أراد أنه يشتمل عليه فمردود لهذا، وبأن الضُرّ لا يشتمل على الخير.
وقوله: إن هذا سر القدر الذي لا يفشى، والمخاطب به عارف فكل عالم يعلم سرّ القدر، وهو أن الله تعالى لا يُسأل عمَّا يفعل؛ وإن زعمت أن له سرًّا.
قيل لك: أتقدر أن تردّ ما ظهر من الأدلة بما تظن من الدعاوى هذا لا يفعله حبيب!.
قال: فإن قلت: أهل النار تحت رحمة، فإن في الإِمكان أن يكون عذابهم أشد؟!.
قلنا: هذه عقوبات، وآلام، ولا يقال: لها رفق، فالمقتول بالحجارة
كان يمكن قتله بالطعن، ولا يقال: إنه قُصد الرفق به.
قال الآمدي في " أبكار الأفكار ": قال ابن عباس: الرحمن بخلقه جميعًا، والرحيم للمؤمنين خاصة ".
قال: وقيل: الرحيم؛ لأهل الدنيا، والرحمن، لأهل الآخرة "
انتهى.
ونقل ابن العربي فيه سبعة أقوال:
أحدها: قول ابن عباس: أنهما رقيقان أحدهما أرق من الآخر ".
وقال الفخر: رواه عنه أبو صالح "
قال الفخر: وهو وهْم من الراوي، بل هما رفيقان بالفاء؛ لأن الرفق من صفات الله تعالى بخلاف الرقة.
" انتهى ".
الثاني: قال الحسن: الرحيم أرق ". وإليه ردّ ابن العربي قول ابن عباس، وقرره بوجهين:
إما بأن لفظ: " الرحمن " خاص باللَّه لا يطلق على غيره، ومعناه: عام في منافع الدنيا، وثواب الآخرة. و " الرحيم " خاص في المعنى بالثواب، والعفو عام في اللفظ، لجواز وصف غير الله به.
وإمّا بأن تقدير " رحمن " كعطفان إذا كان تلك الساعة على تلك الحالة، وإن لم يكن دائما، و " رحيم " نعتًا دائم مثل: كريم.
الثالث: قال أبو عبيدة: " الرحمن: ذو الرحمة، والرحيم: الراحم، وربما سوَّت العرب بين فعلان، وفعيل. قالوا: ندمان، ونديم ".
الرابع: قال ثعلب: جمعوا بينهما؛ لأن الرحمن عبراني الأصل،
والرحيم عربي.
الخامس: أنهما بمعنى واحد.
السادس: قال عطاء: " الرحمن في الرزق، والرحيم في المغفرة "
قال الفخر: " والأكثرون على أن الرحمن أبلغ لقولهم: رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة، ورحمة الدنيا شاملة للخلق كلهم بالرزق، ورفع المؤلِّمات، ورحمة الآخرة تخص المؤمنين، وكذا قال جعفر الصادق:
اسم الرحمن خاص باللَّه عام في الأثر، والرحيم عكسه "؛ ولأن بناء الرحمن للمبالغة يقال: عُريان لمن لا ثوب له أصلًا، فإن كان له ثوب خلق قلت:" عارٍ لا عُريان "، ورحيم: فعيل بمعنى فاعل، كسميع أو مفعول كقتيل؛ ولأن حروف الرحمن أكثر؛ ولأن أبا سعيد الخدري روى عن علي عليه السلام أنه قال:" الرحمن رحمن الدنيا، والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة ".
قال: وقُدِّم على الرحيم إمّا لأن الرحمن انفرد به الباري تعالى أو لإفادته عموم الرحمة فكان أصلًا، والرحيم كالزيادة في التشريف؛
للمؤمنين قال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ).
وإمّا لأجل رؤوس الآي في الفاتحة.
وقيل: الرحيم أبلغ بدليل ذكره بعد الرحمن، ولأن الرحمن يفيد نوعًا من القهر، والكبرياء قال تعالى:(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ) وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا)، إذ لولا ذلك لما ناسب ذكر الوعيد معه؛ ولأن ختم الكلام بما هو أقوى دلالة على الرحمة، أرجى، وأقرب لحسن الظن باللَّه ". انتهى.
وذكر ابن السِّيد في " أسئلته " الخلاف في " الرحمن "، و " الرحيم " أيهما أخص، وقال:" إن المختص باللَّه تعالى إنما هو مجموعهما ". ومثله للفاسي في " شرح الشاطبية ".
ونص إمام الحرمين، وغيره من الأصوليين على أن: الرحمن مختص باللَّه تعالى لا يوصف به غيره ".
وحكى ابن الحاجب في " الأصل " لما عرَّف الحقيقة، والمجاز، والمشترك إنما هو رحمن اليمامة بالاضافة، وذكر الرحمن الأصوليون مثالًا للمجاز الذي ليست له حقيقة.
قال ابن الحاجب: ولو قيل: لو استلزم المجاز الحقيقة لكان لنحو " الرحمن " حقيقة، ولنحو:" عسى " كان قويًّا ".
ابن هشام المصري: الحق قول الأعلم، وابن مالك:
الرحمن ليس بصفة، بل عَلَم.
وأما قول الزمخشري: إذا قلت: " الله رحمن هل يُصْرف أم لا؟ "
وقول ابن الحاجب: اختلف في صرفه "
فخارج عن كلام العرب من وجهين:
أنه لم يستعمل صفة، ولا مجردًا من " ال "، ويبين عَلَميته أنه في البسملة، ونحوها بدل (لا)، نعت، وأن " الرحيم " بعده نعت له لا نعت لاسم الله سبحانه إذ لا يتقدم البدل على النعت، وأن السؤال الذي سأله الزمخشري، وغيره: لِمَ قدم الرحمن مع أن عادتهم تقديم غير الأبلغ، كقولهم: عالم نحرير، وجواد فياض؟ ا، فغير متجه وممَّا يوضح لك أنه غير صفته مجيئُه كثيرًا غير تابع نحو:(الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)(قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ)، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ).
قال: وقول الشاطبي:. . . . . تبارك رحمانًا رحيمًا ومَوْئلًا.
فصب " رحمانًا " بإضمار: أخص أو أمدح، و " رحيمًا ": حال منه لا نعت له، ولا تمييز كما ذكرنا، وجعلهما بعضهم تمييزين، وهو خطأ؛ لأن التمييز لا يتعدد بخلاف الحال فإنها تتعدد.
وقيل: إن " رحمانًا " حال، وحذف " أل " من " رحمانًا " للضرورة ".
" الفخر ": وقيل: إن عمر بن عبد العزيز خرج إلى المصلى يوم " العيد "، فلما صلى قال: " اللهم ارحمني فإنك قلت: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)، فإن لم أكن منهم فأنا من الصائمين، وقلت:(وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35). فإن لم أكن منهم فأنا من المؤمنين، وقلت:(وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)، فإن لم استوجب ذلك فأنا شيء، وقلت:(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)، فإن لم أكن
كذلك فأنا مصاب حيث حُرِمْتُ رحمتك، وقلت:(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ).