الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: بابُ: الرجل يحلف لا يكِّلم الرجل شهرًا كم عدد ذلك الشهر من الأيام
؟
ش: أي هذا باب في بيان حكم يمين الرجل الذي يحلف ألَّا يكلم زيدًا -مثلًا- شهرًا، كم يحسب عدد ذلك الشهر من الأيام؟
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: ثنا محمد ابن بشر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن محمد بن سعد، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا ونقص في الثالثة إصبعًا".
ش: إسناده صحيح.
ومحمد بن بشر بن الفرافصة العبدي، وثقه يحيى.
وإسماعيل بن أبي خالد هرمز البجلي الكوفي، روى له الجماعة.
ومحمد بن سعد القرشي الزهري المدني، روى له الجماعة.
وأبوه سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة.
وأخرجه النسائي (1): عن إسحاق بن إبراهيم، عن محمد بن بشر، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن محمد بن سَعْد، عن أبيه:"أن النبي عليه السلام ضرب بيده على الأخرى، وقال: الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، ونقص في الثالثة إصبعًا".
وأخرجه أيضًا (2): عن سويد، عن عبد الله بن المبارك، عن إسماعيل، عن محمد بن سعد، قال: قال النبي عليه السلام. . . . لم يذكر أباه.
قال النسائي: رواه يحيى وغيره، عن إسماعيل، عن محمد مرسلًا، وحديث يحيى أولى بالصواب عندي.
(1)"المجتبى"(4/ 138 رقم 2135).
(2)
"المجتبى"(4/ 138 رقم 2136).
وأخرجه ابن ماجه (1): عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن محمد بن بشر، عن إسماعيل، به مسندًا، نحو رواية الطحاوي.
ص: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا هشام بن إسماعيل الدمشقي، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن أبي يَعْفور، قال: "تذاكرنا عند أبي الضحى الشهر، فقال بَعضُنا: تسع وعشرون. وقال بَعضُنا: ثلاثون.
فقال أبو الضُحى: حدثنا ابن عباس، قال: أصبحنا يومًا ونساء النبي عليه السلام يبكين عند كل امرأة منهن أهلُها، فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فصعِد إلى النبي عليه السلام وهو في غرفة له، فسلّم، فلم يُجبْه أحدٌ، ثم سلّم، فلم يُجبْه أحد، فلما رأى ذلك انصرف، فدعاه بلال رضي الله عنه، فدخل على النبي عليه السلام، فقال: اطلّقتَ نسائك؟ قال: لا، ولكن آليتُ شهرًا شهرًا. فمكث تسعًا وعشرين ثم نزل، فدخل على نسائه".
ش: رجاله ثقات، وهشام بن إسماعيل بن يحيى بن سليمان الدمشقي العطار شيخ البخاري في غير الصحيح.
ومروان بن معاوية بن الحارث الفزاري الكوفي نزيل دمشق، روى له الجماعة.
وأبو يعفور وقدان الكوفي ويقال: اسمه واقد. والأول أشهر، روى له الجماعة.
وأبو الضُحى مسلم بن صُبيح الكوفي العطار روى له الجماعة.
والحديث أخرجه النسائي (2): عن أحمد بن عبد الله بن الحكم، عن مروان بن معاوية، عن أبي يعفور، عن أبي الضحى، عن ابن عباس نحوه.
قوله: "وهو في غرفة" جملة حالية، والغُرفة -بضم الغين- العُلِّيَّة (3) والجمع غُرَفَات وغُرْفات.
(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 530 رقم 1657).
(2)
"المجتبى"(6/ 166 رقم 3455).
(3)
كذا في "الأصل" و"النهاية في غريب الحديث"(مادة: علا) لابن الأثير، بضم العين المهملة ضبطها بالشكل، والذي في "الصحاح" للجوهري، وعنه "لسان العرب":"عِلِّيَّة"، بكسر العين المهملة.
قوله: "ولكن آليتُ" أي حلفت من الإيلاء وهو اليمين.
ص: حدثنا بكر بن إدريس، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا جَبَلة ابن سُحَيْم، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله عليه السلام: "الشهر هكذا، وهكذا، [وهكذا] (1) وضم إبهامَهُ في الثالثة".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا الأسود بن قيس، قال: سمعت سعيد بن عمرو يقول: سمعت عبد الله بن عمر يذكر عن رسول الله عليه السلام مثله.
حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا بشر بن المُفضّل، عن سلمة ابن علقمة، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله عليه السلام قال:"الشهر تسع وعشرون، فهذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له".
قال أبو جعفر رحمه الله: وقد ذكرنا في هذا آثارًا أيضًا فيما تقدم من كتابنا هذا.
ش: هذه ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن بكر بن إدريس، عن آدم بن أبي إياس شيخ البخاري.
وأخرجه النسائي (2): عن محمد بن عبد الأعلى، عن خالد، عن شعبة، عن جَبَلة، به نحوه.
الثاني: عن أبي بكرة بكّار القاضي، عن آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن الأسود بن قيس العبدي الكوفي، عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أميّة القرشي الأموي المدني، عن عبد الله بن عمر.
وأخرجه أبو داود (3): ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا شعبة، عن الأسود بن
(1) ليست في "الأصل"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(2)
"المجتبى"(4/ 140 رقم 2142).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 296 رقم 2319).
قيس، عن سعيد بن عمرو -يعني: ابن سعيد بن العاص- عن ابن عمر، قال: قال رسول الله عليه السلام: "إنا أُمّة أُمّية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، وحبس سليمان إصبعه في الثالثة، يعني تسعًا وعشرين، وثلاثين".
وأخرجه النسائي (1): عن ابن مثنى وابن بشار، عن غندر، عن شعبة، بنحوه.
وعن ابن مثنى (2): عن عبد الرحمن، عن سفيان، عن الأسود نحوه.
الثالث: رجاله رجال الصحيح ما خلا أحمد بن داود المكّي.
وأخرجه مسلم (3): ثنا حُميد بن مَسْعدة الباهلي، قال:[حدثنا](4) بشر بن المفضل، قال: ثنا سلمة -وهو ابن علقمة- عن نافع، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله عليه السلام: "الشهر تسع وعشرون، فإذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمّ عليكم فاقدروا له".
قوله: "فإن غُمّ عليكم" أي إن حال بينكم وبينه غيم، ويروى:"فإن أُغْمِيَ عليكم" يقال: غُمَّ علينا الهلال وغُمِّي وأُغمي فهو مُغْمى، وقد غامت السماء تغيم غيمومة فهي غائمة وغيمة، وأغامت وغيّمت وتغيمت وأَغْيمت وغيّمت.
قال القاضي: روي هذا الحرف في "الموطأ""غُم" بضم الغين وتشديد الميم بلا خلاف، وكذلك في أكثر أحاديث مسلم، وعنده في حديث يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة:"أُغْمي" وفي رواية بعضهم في حديث يحيى بن يحيى: "غُمي" بالضم مخففًا.
وللعذري في حديث محمد بن سلام مثله مشدد الميم، وكذا لابن بحر في حديث عبد الله ومعاذ، وكلها صحيحة المعنى.
(1)"المجتبى"(4/ 145 رقم 2141).
(2)
"المجتبى"(4/ 139 رقم 2140).
(3)
"صحيح مسلم"(2/ 760 رقم 1080).
(4)
ليست في "الأصل"، والمثبت من "صحيح مسلم".
وقيل: معنى هذه الألفاظ مأخوذ من إغماء المريض، يقال: غُمِّي عليه، وأُغْمِي، والرباعي أفصح، وقد يصح أن يُرجع إلى ما تقدم من إغماء السماء والسحاب، وقد يكون أيضًا من التغطية، ومنه قولهم: غممت الشيء، إذا سترته، والغمى مقصور ما سُقِّف به البيت من شيء، ووقع في حديث محمد بن سلام الجمحي في هذا الحرف عند القاضي الشهيد عُمِيَ -بالعين المهملة والميم المخففة- وكذا حدثنا به الحُسَني عن الطبري، ومعناه: خفي، يقال: عمي عليه الخبر: خفي.
وقيل: هو من العَماء، وهو السحاب الرقيق، وقيل: السحاب المرتفع أي دخل في العَماء أو يكون من العمى المقصور وهو عدم الرؤية.
وقد وقع في كتاب أبي داود: "فإن حالت دونه غائمة". وفي كتاب الترمذي: "غيامة". وهو بمعنى، وهذا يفسر أنه من الغمام على من رواه "غُمّ" وقد وقع عند البعض فإن غَبي عليه بفتح الغين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة، ومعناه خفِي، وبعضهم ضم الغين على ما لم يُسمّ فاعله.
قوله: "فاقدروا له" أي قَدَّروا تمام الشهر بالعدد ثلاثين يومًا، يُقال: قَدَرْتُ الشيء أقْدُرُه وأَقْدِره وقدّرته وأقدرته بمعنىً.
وقال ابن قتيبة: معناه أي قدروه بالمنازل.
قال الإمام: ذهب بعض العلماء إلى أن الهلال إذا التبس يحسب له بحساب المنجمين، وزعم أن هذا الحديث يدل عليه، واحتج أيضًا بقوله:{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (1) وحمل جمهور العلماء معنى الحديث على أن المراد به إكمال العدة ثلاثين يومًا، كما فسره في حديث آخر، وكذلك تأولوا قوله سبحانه:{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (1) على أن المراد به الاهتداء في الطريق في البر والبحر، وقالوا أيضًا: لو كان التكليف يتوقف على حساب التنجيم لضاق الأمر فيه، ولا يعرف ذلك إلا قليل من الناس، والشرع مبني على ما يعرفه الجماهير، وأيضًا فإن
(1) سورة النحل، آية:[16].
الأقاليم على رأيهم مختلفة، ويصح أن يُرى في إقليم دون إقليم، فيؤدي ذلك إلى اختلاف الصوم عند أهلها مع كون الصائمين منهم لا يُعَوِّلون غالبًا على طريق مقطوع به، ولا يلزم قوم ما ثبت عند قوم.
قال القاضي: لم يحك مذهب الصوم بتقدير النجوم والمنازل إذا غُمَّ الهلال إلا عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، من كبار التابعين؛ بل من المخضرمين.
قال ابن سيرين: وليته لم يفعل.
وحكى ابن شريح عن الشافعي مثله.
والمعروف من مذهب الشافعي والموجود في كتبه خلافه.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، قال: أنبأني سلمة بن كهيل، قال: سمعت أبا الحكم السلمي، يحدث عن ابن عباس:"أن رسول الله عليه السلام آلى من نسائه شهرًا، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، الشهر تسع وعشرون".
ش: إسناده صحيح، وأبو بكرة بكَّار، وأبو داود سليمان بن داود الطيالسي، وأبو الحكم السُلَمي اسمه عمران بن الحارث، من رجال مسلم والنسائي.
وأخرجه النسائي (1): عن عمرو بن يزيد، عن بهز، عن شعبة نحوه.
وعن (2) ابن بشار، عن غندر، عن شعبة نحوه. ولم يذكر جبريل عليه السلام.
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا يحيى بن صالح الوُحاظي، قال: ثنا معاوية بن سلّام، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "الشهر تسع وعشرون".
ش: إسناده صحيح، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
(1)"المجتبى"(4/ 138 رقم 2133).
(2)
"المجتبى"(4/ 138 رقم 2134).
وأخرجه مسلم (1): حدثني حجاج بن الشاعر، قال: ثنا الأشيب، قال: ثنا شيبان، عن يحيى، قال: أخبرني أبو سلمة، أنه سمع ابن عمر يقول: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "الشهر تسع وعشرون".
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا رَوْح بن عبادة، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني يحيى بن عبد الله بن محمد بن صيفي، أن عكرمة بن عبد الرحمن أخبره، أن أم سلمة أخبرته:"أن النبي عليه السلام حلف لا يدخل على بعض أهله شهرًا، فلما مضى تسع وعشرون غدا عليهم -أو راح- فقيل له: حلفت يا نبي الله ألَّا تدخل عليهن شهرًا؟ فقال: إن الشهر تسع وعشرون يومًا".
ش: إسناده صحيح، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي.
وأخرجه مسلم (2): حدثني هارون بن عبد الله، قال: حدثني حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني يحيى بن عبد الله بن محمد بن صيفي، أن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث أخبره، أن أم سلمة أخبرته:"أن النبي عليه السلام حلف ألا يدخل على بعض أهله شهرًا، فلما مضى تسعة وعشرون يومًا غدا عليهم أو راح. . . ." إلى آخره نحوه.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا رَوْح بن عبادة، قال: ثنا زكرياء بن إسحاق، قال: ثنا أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:"هجر رسول الله عليه السلام نسائه شهرًا، وكان يكون في العلوّ ويَكُنّ في السفل، فنزل إليهن في تسع وعشرين، فقال رجل: إنك مكثت تسعًا وعشرين ليلةً! فقال: الشهر هكذا وهكذا -بأصابع يديه- وهكذا. وقبض في الثالثة إبهامه".
(1)"صحيح مسلم"(2/ 760 رقم 1080).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 764 رقم 1085).
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا روح، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرًا يقول:. . . . فذكر مثله.
ش: هذان طريقان صحيحان:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن روح بن عبادة، عن زكرياء بن إسحاق، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي.
وأخرجه مسلم (1): ثنا هارون بن عبد الله وحجاج بن الشاعر، قالا: ثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:"اعتزل النبي عليه السلام نسائه شهرا، فخرج إلينا صباح تسع وعشرين، فقال بعض القوم: يا رسول الله، إنما أصبحنا لتسع وعشرين. فقال النبي عليه السلام: إن الشهر يكون تسعًا وعشرين، ثم طَبَّقَ النبي عليه السلام يديه ثلاثًا مرتين بأصابع والثالثة بتسع منها".
وأخرجه النسائي (2) أيضًا نحوه.
الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق أيضًا. . . . إلى آخره.
وأخرجه أحمد (3) نحوه.
ص: حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس، قال:"آلى رسول الله عليه السلام من نسائه، فقام في مَشْربةٍ تسعًا وعشرين، ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله، آليتَ شهرًا؟ فقال: الشهر تسع وعشرون".
ش: إسناده صحيح.
(1)"صحيح مسلم"(2/ 763 رقم 1084).
(2)
"المجتبى"(4/ 136 رقم 2131).
(3)
"مسند أحمد"(3/ 334 رقم 14625).
وأخرجه البخاري (1): ثنا إسماعيل بن أبي أويس، عن أخيه، عن سليمان، عن حميد الطويل، سمع أنس بن مالك يقول:"آلى رسول الله عليه السلام من نسائه، وكانت انفكت رِجْلُهُ، فأقام في مَشْرُبة له تسعًا وعشرين، ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله، آليت شهرًا؟ فقال: الشهر تسع وعشرون".
قوله: "في مَشْرُبة" بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها: الغرفة، والميم فيه زائدة.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن الرجل إذا حلف أن لا يُكَلِّمَ رجلًا شهرًا فكلمه بعد مضي تسعة وعشرين يومًا؛ أنه لا يحنث، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عامرًا الشعبي، وسويد بن غفلة، والشافعي في قولٍ، وأحمد في رواية، فإنهم قالوا: مَن حلف ألا يكلم زيدًا -مثلًا- شهرًا، فكلمهُ بعد مُضي تسعة وعشرين يومًا؛ أنه لا يحنث، واحتجوا في ذلك بالأحاديث المذكورة.
وإليه ذهب محمد بن الحكم من المالكية.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون؛ فقالوا: إن كان الحلف مع رؤية الهلال؛ فهو على ذلك الشهر كان ثلاثين يومًا أو تسعًا وعشرين يومًا، وإن كان حلف في بعض شهر فيمينه على ثلاثين يومًا.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: النخعي، والثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، ومالكًا، والشافعي في قول، وأحمد في رواية؛ فإنهم قالوا: إن كان الحلف. . . . إلى آخره.
وقال عياض: ومذهبنا أن من عليه صوم شهر غير معين أو صوم شهر من الكفارات المتتابعة، وكان ابتداء صومه للأهلة، فإنه يجزئه ما كان منها تسعًا وعشرين.
(1)"صحيح البخاري"(5/ 2026 رقم 4984).
وحكى الخطابي أنه لا يجزئه إلا أن يكون معينًا.
ومذهب مالك أنه إن صامه على غير الأهلة، فلا يجزئه إلا ثلاثين يومًا.
ص: واحتجوا في ذلك بالحديث الذي ذكرناه في أول هذا الباب، أن رسول الله عليه السلام قال:"الشهر تسع وعشرون، فهذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عليكم فأكملوا ثلاثين".
أفلا تراه قد أوجب عليهم إذا غُمّيَ: ثلاثين، وجعله على الكمال حتى يروا الهلال قبل ذلك، وكذلك أيضًا في شعبان أمر بالصوم بعد ما يُرى هلال شهر رمضان، فهذا غُمي عليهم لم يصوموا وكان شعبان على الثلاثين، إلا أن ينقطع ذلك برؤية الهلال.
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما المذكور فيما مضى.
قوله: "أفلا تراه" توضيح لما قبله أي: أفلا ترى النبي عليه السلام قد أوجب على أمته. . . . إلى آخره.
ص: وقد رُوِيَ عن رسول الله عليه السلام في ذلك غير ما في الآثار الأُوَل:
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"حلف رسول الله عليه السلام ليهجرنا شهرًا، فدخل علينا لتسع وعشرين، فقلتُ: يا رسول الله، إنك حلفت ألا تكلمنا شهرًا، وإنما أصبحتَ من تسع وعشرين، فقال: الشهر لا يتم".
فأخبر أنه إنما فعل ذلك لنقصان الشهر، فهذا دليل على أنه كان حلف عليهن مع غرة الهلال، فكذلك نقول.
ش: أشار بهذا إلى أن استدلال أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه بالأحاديث المتقدمة غير تام؛ لأنه قد رُوِيَ في هذا الباب غير ما في الأحاديث المتقدمة، وهو حديث عائشة رضي الله عنها، فإنه دليل على أنه عليه السلام قد كان حلف على نسائه مع غرة
الهلال، فلذلك قال:"إن الشهر لا يتم" لمّا قالت له عائشة: "إنك حلفتَ ألا تكلمنا شهرًا، وإنما أصبحتَ من تسع وعشرين".
فثبت بهذا ما قاله أهل المقالة الثانية، واندفع ما قاله أهل المقالة الأولى.
وإسناد حديثها صحيح، والوهبي هو أحمد بن خالد الكنْدي شيخ البخاري في غير "الصحيح".
وابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق المدني صاحب المغازي، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، رَوى له الجماعة.
وعمرة: هي بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي خالة لعبد الله بن أبي بكر المذكور.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا أبو سعيد، نا عبد الرحمن بن أبي الرجال، قال: سمعت أبي يحدث، عن عمرة، عن عائشة:"أن النبي عليه السلام حلف ألا يدخل على نسائه شهرًا، فلما كان تسعة وعشرون من الشهر جاء ليدخل، فقلت: ألم تحلف شهرًا؟ قال: إن الشهر تسعة وعشرون".
ص: وقد رُوِيَ في ذلك ما هو أَبْيَنُ من هذا.
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"وقولهم: إن رسول الله عليه السلام قال: إن الشهر تسعٌ وعشرون. لا والله، ما كذلك قالها، والله إني لأعلم بما قال في ذلك؛ إنما قال حين هجرَنا: لأهجرنكنّ شهرًا. فجاء حين ذهبت تسعٌ وعشرون ليلة، فقلتُ: يا نبي الله، إنك أقسمت شهرا، وإنما غبْت عنا تسعًا وعشرين ليلة، فقال: إن شهرنا هذا كان تسعًا وعشرين ليلةً".
فثبت بذلك أن يمينه كانت مع رؤية الهلال.
ش: أي قد رُوِيَ في هذا الباب ما هو أظهر مما رُوِيَ قبل هذا في أن الحلف إذا كان مع رؤية الهلال فهو على ذلك الشهر سواء كان ثلاثين أو تسعة وعشرين،
(1)"مسند أحمد"(6/ 105 رقم 2487).
ألا ترى أنه عليه السلام عليه قال في حديث عائشة هذا جوابًا لها: "إن شهرنا هذا كان تسعًا وعشرين ليلةً" فظهر من ذلك أن يمينه كانت مع رؤية الهلال.
ورجال هذا الحديث ثقات غير ابن أبي الزناد فيه مقال، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان.
ص: وقد رُوِيَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا شيء.
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: ثنا عمر بن يونس، قال: ثنا عكرمة بن عمار، عن سماك أبي زُمَيل، قال: حدثني عبد الله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. فذكر إيلاء رسول الله عليه السلام من نسائه، وأنه نزل لتسع وعشرين، وقال:"إن الشهر سيكون تسعًا وعشرين".
ش: أي في كون الشهر تسعًا وعشرين.
أخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكّار القاضي وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن عمر بن يونس بن القاسم الحنفي اليمامي قاضي اليمامة، عن عكرمة بن عمّار، عن سماك بن الوليد الحنفي وكنيته أبو زميل -بضم الزاي المعجمة.
وأخرجه البزار في "مسنده"(1) مطولًا جدًّا: ثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عمر ابن يونس، قال: ثنا عكرمة بن عمّار، قال: حدثني أبو زُميل، قال: حدثني عبد الله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لما اعتزل رسول الله عليه السلام نسائه؛ دخلتُ المسجدَ، فإذا الناس ينكتون بالحصى، ويقولون: طلق رسول الله عليه السلام نسائه؛ وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب، قال: فدخلت على عائشة رضي الله عنها، فقلت: يا ابنة أبي بكر، لقد بلغ من شأنك أن تُؤذي رسول الله عليه السلام؟! قالت: ما لي ولك يا ابن الخطاب، عليك بِعَيْلتك. فدخلت على حفصة بنت عمر، فقلت: يا حفصة، قد بلغ من شأنك أن تؤذي الله ورسوله عليه السلام، لقد علمت أن رسول الله عليه السلام لا يُحبك ولولا أنا لطلقك. قال:
(1)"مسند البزار"(1/ 303 رقم 195).
فبكت أشدَّ البكاء، فقلت: أين رسول الله عليه السلام؟ قالت: في خزانته في المَشْرُبة. فإذا بغلام رسول الله عليه السلام رباح قاعدٌ على أسكفة المَشْرُبة مُدْلي رجليه على نقير من خشب وجذعًا يرقى عليه رسول الله عليه السلام، فناديتُ: يا رباح، استأذن لي على رسول الله عليه السلام؛ فنظر إلى الغرفة، ثم نظر إليّ فلم يقل شيئًا. فقلت: يا رباح، استأذن لي على رسول الله عليه السلام فإني أظن أن رسول الله عليه السلام ظنّ أني جئت من أجل حفصة، والله لو أمرني أن أضرب عنقها لضربتُ عنقها. فأومأ إليّ بيده، فدخلت على رسول الله عليه السلام وهو مضطجع على حصير، فجلست فإذا عليه إزار ليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جسده فذهبت أرمي ببصري [في](1) خزانة رسول الله عليه السلام فاذا شطر من شعير قدر صاع وقرظ في ناحية الغرفة، فابتدرت عيناي، فقال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا رسول الله، ألا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جسدك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وقيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله وصفوته، وهذه خزانتك؟! قال: ألا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قلت: بلى. قال: ودخلت عليه وأنا أرى في وجهه الغضب فقلت: يا رسول الله، ما شق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر، وقل ما تكلمت -وأحمد الله- بكلامٍ إلا رجوت أن يصدق الله قولي، ونزلت هذه الآية، {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} (2) ونزلت:{وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} (3) إلى آخر الآية، وكانت بنت أبي بكر وحفصة تظاهرتا على سائر نساء رسول الله عليه السلام، فقلت: يا رسول الله، طلقتهن؟ قال: لا. قلت: أنزل فأخبرهن أنك لم تطلقهن؟ قال:
(1)"ليست في الأصل" والمثبت من البحر الزخار (1/ 304 حديث رقم 195).
(2)
سورة التحريم، آية:[5].
(3)
سورة التحريم، آية:[4].
نعم إن شئت. فلم أزل أحدثه حتى كشر الغضب عن وجهه، وكشر يضحك، وكان من أحسن الناس ثغرًا، فنزل النبي عليه السلام، ونزلت أتشبث بالجذع، ونزل كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده، فقلت: يا رسول الله، كنت في الغرفة تسعةً وعشرين يومًا؟ قال رسول الله عليه السلام: إن الشهر قد يكون تسعة وعشرين. فقمتُ على باب المسجد فناديتُ بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله عليه السلام نسائه، ونزلت هذه الآية:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (1) قال: "فكنت أنا الذي استنبطتُ ذلك من رسول الله عليه السلام"(2).
ص: ورُوِيَ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي عليه السلام في ذلك: ما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا هارون بن إسماعيل، قال: ثنا علي بن المبارك، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة حدثه، أن رسول الله عليه السلام قال:"إن الشهر يكون تسعًا وعشرين ويكون ثلاثين، فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة".
فأخبر رسول الله عليه السلام في هذا الحديث أنه إنما يكون تسعًا وعشرين برؤية الهلال قبل الثلاثين، فقد دلّت هذه الآثار لمّا كشفَت على ما ذكرنا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أي فيما ذكرناه من أن الشهر يكون تسعًا وعشرين برؤية الهلال.
وأخرجه بإسناد صحيح، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف.
وأخرجه النسائي (3): عن سليمان بن سيف، عن هارون بن إسماعيل البصري، عن علي بن المبارك، عن يحيى عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، نحوه.
(1) سورة النساء، آية:[83].
(2)
"البحر الزخار"(1/ 303 رقم 195).
(3)
"المجتبى"(4/ 139 رقم 2138).
ورواه (1) أيضًا معاوية بن سلام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ص: وقد رُوِيَ ذلك عن الحسن:
حدثنا أبو بشر الرّقّي، قال: ثنا معاذ بن معاذ، عن أشعث، عن الحسن، في رجل نذر أن يصوم شهرًا، قال:"إن ابتدأ رؤية الهلال صام لرؤيته وأفطر لرؤيته، وإن ابتدأ من بعض الشهر صام ثلاثين يومًا".
ش: أي قد رُوِيَ عن الحسن البصري ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية.
وأخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرّقّي، عن معاذ ابن معاذ بن نصر بن حسان العنبري قاضي البصرة، عن أشعث بن عبد الملك عن الحسن البصري رضي الله عنه.
(1)"المجتبى"(4/ 139 رقم 2139).