الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: الرجل يملك ذا رحم محرَّم منه هل يعتق عليه أم لا
؟
ش: أي هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يملك ذا رحم محرم منه بوجه من وجوه التملك، هل يعتق عليه بدون العتق أو لا؟
الرحم: هم الأقارب، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب، ويطلق في الفرائض على الأقارب من جهة النساء، يقال: ذو رحم محرَّم. ومحرَّم هو من لا يحل نكاحه، كالأم، والبنت، والأخت، والعمة، والخالة.
ص: حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن سُهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا يجزي ولدٌ والده إلا أن يجده مملوكًا، فيشتريه فيعتقه".
حدثنا محمَّد بن عمرو، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن سفيان (ح).
وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، عن سهيل. . . . فذكر بإسناده مثله.
حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: أنا زهير بن معاوية، عن سهيل. . . . فذكر بإسناده مثله.
ش: هذه أربع طرق صحاح:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه أبي صالح ذكوان الزيات، عن أبي هريرة.
وأخرجه أبو داود (1): عن محمَّد بن كثير، عن سفيان، عن سهيل. . . . إلى آخره نحوه.
(1)"سنن أبي داود"(2/ 757 رقم 5137).
الثانى: عن محمَّد بن عمرو بن يونس، عن يحيى بن عيسى النَّهْشلي الكوفي، عن سفيان الثوري، عن سهيل. . . . إلى آخره.
وأخرجه النسائي: عن علي بن خَشْرم، عن عيسى بن يونس، عن الثوري، عن سهيل، به نحوه.
الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي شيخ البخاري، عن سفيان، عن سهيل، نحوه
وأخرجه مسلم (1): عن أبي بكر أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن سهيل، نحوه.
الرابع: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن علي بن الجعد شيخ البخاري، عن زهير بن معاوية، عن سهيل. . . . إلى آخره نحوه.
قوله: "لا يجزي ولدٌ" معناه لا يعطيه جزاء ما أسلف من إحسانه وبِرَّه إليه وتربيته إياه وتحمله المشاق له ومن هذا قولهم: جزاه الله خيرًا أي: أعطاه جزاء ما أسلف من طاعته، ويقال: جزي عني هذا الأمر أي قضى.
قوله: "فيعتقه" بالنصب عطفًا على قوله: "فيشتريه" وأصل "الفاء" للعطف، وموجبه التعقيب بعتق الرجل ألا ترى أنهم وصلوا حرف "الفاء" بالجزاء، وسموه حرف الجزاء؛ لأن الجزاء يتصل بالشرط، على أن يتعقب نزوله وجود الشرط بلا فصل.
وأما "الفاء" هاهنا فلعطف الحكم على العلة كما يقال: جاء الشتاء فتأهب، وكما يقال: ضرب فأوجع أي بذلك الضرب، وأطعم فأشبع أي بذلك الإطعام وكذا قوله:"فيشتريه فيعتقه" أي بذلك الشراء، ولهذا جعل الشراء إعتاقًا في القريب بواسطة الملك.
(1)"صحيح مسلم"(2/ 1148 رقم 1510).
قال المحققون من الأصوليين: "الفاء" للتعقيب فلهذا تدخل في الجزاء، فإن قال: إن دخلت هذه الدار فأنت طالق. فالشرط أن تدخل على الترتيب من غير تراخ. وقد تدخل في المعمول نحو جاء الشتاء فتأهب.
وقد يكون المعلول عين العلة في الوجود لكن في المفهوم غيرها، نحو: سقاه فأرواه.
وقوله: "لا يجزي ولدٌ والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه".
وقال الخطابي (1): قوله: "فيعتقه" ليس معناه استئناف العتق فيه بعد الملك؛ لأن العلماء قد أجمعوا على أن الأب يعتق على الابن إذا ملكه في الحال، وإنما وجهه أنه إذا اشتراه ودخل في ملكه عُتِقَ عليه، فلما كان الشراء سببًا لعتقه أضيف العتق إلى عقد الشراء إذا كان تولد منه ووقوعه به، وإنما صار هذا جزاء له، وأداءً لحقه؛ لأن العتق أفضل ما يُنْعِم به أحد على أحدٍ؛ لأنه يخلصه من الرق، ويجبر منه النقص الذي فيه، ويكمل له أحكام الأحرار في الأملاك والأنكحة والشهادة ونحو ذلك.
ص: فذهب قوم إلى أن من ملك أباه لم يعتق عليه حتى يعتقه.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: ربيعة ومالكًا ومكحولًا، فإنهم قالوا: لا يعتق إلا بعتق شراء.
وقال الكاساني (2): إذا اشترى أباه أو أمه أو ابنه عتق عليه، نوى أو لم ينو، عند عامة العلماء.
وقال مالك: لا يعتق إلا بإعتاق مبتدأ واحتج بحديث أبي هريرة المذكور، وقال: حقق الإعتاق عقيب الشراء ولو كان الشراء نفسه إعتاقًا لم يتحقق الإعتاق عقيبه، لأن إعتاق المُعْتق لا يتصور، فدل أن شراء القريب ليس
(1)"معالم السنن"(4/ 139 رقم 1398).
(2)
"بدائع الصنائع"(3/ 465).
بإعتاق، ولأن الشراء إثبات الملك، والإعتاق إزالة الملك، وبينهما منافاة فكيف يكون اللفظ الواحد إثباتًا وإزالة؟!.
والجواب: أما عن الحديث فعن قريب يجيء.
وأما قوله: الشراء إثبات الملك والإعتاق إزالة الملك، فنعم، لكن الممتنع إثبات الحكم [وضده](1) بلفظ واحد في زمان واحد، أما في زمنين فلا؛ لأن علل الشرع في الحقيقة دلائل وأعلام على المحكومات الشرعية، فيجوز أن يكون لفظ الشراء السابق عَلَمًا على إثبات الملك في الزمان الأول، وذلك اللفظ بعينه عَلَمًا على ثبوت العتق في الزمان الثاني، إذ لا تنافي عند اختلاف الأزمان.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: يعتق عليه بملكه إياه.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: النخعي، والأوزاعي، والثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدًا، والشافعي وإسحاق، وداود فإنهم قالوا: إذا ملك أباه يعتق عليه بمجرد الملك، ولا يحتاج إلى عتق مستأنف، وأما إذا ملك غير الوالدين من ذي الرحم المحرمة وغيرهم ففيه خلاف وتفصيل.
فقال أصحابنا: شرط العتق أن يكون من ذوي الرحم المحرمة، وذو الرحم المحرم كل شخصين يدليان إلى أصل واحد بغير واسطة كالأخوين، أو أحدهما بواسطة والآخر بواسطة كالعم وابن العم وكذلك إذا ملك ابن العم والعمة أو ابنتها أو ابن خاله أو خالته أو ابنتيهما، وكذا لو ملك حليلة ابنه أو منكوحة أبيه، أو أما من الرضاع لا تعتق؛ لأن في الأول وجد رحم بلا محرم، وفي الثاني وجد المحرم بلا رحم.
وقالت طائفة: لا يعتق إلا من ولده من جهة أب أو أم، أو من ولده هو كذلك، ولا يعتق غير هؤلاء لا أخ ولا غيره وهو قول الشافعي، وقال
(1) في "الأصل": الواحد، والمثبت من "بدائع الصنائع".
الأوزاعي: يعتق كل ذي رحم محرمة حتى ابن العم وابن الخال فإنهما يعتقان عليه ويستسعيهما.
وقال ابن حزم (1): ما نعلم قول الشافعي عن أحدٍ قبله، فإن قالوا: إنه روي عن إبراهيم: "إذا ملك الوالد أو الولد عتق"، قلنا: نعم، وقد صح عنه هذا أيضًا في كل ذي رحم، وليس في قوله:"إذا ملك الوالد والولد عتق" أن غيرهما لا يعتق.
وقال ابن حزم أيضًا: ومن ملك ذا رحم محرم فهو حر ساعة تملكه، فإن ملك بعضه لم يعتق عليه إلا الوالدين خاصة والأجداد والجدات فقط، فإنهم يعتقون عليه كلهم إن كان له مال يحمل قيمتهم، فإن لم يكن له مال يحمل قيمتهم اسْتُسْعوا، وهم كل من ولده، من جهة أم أو جدة أو أب، وكل من ولده هو من جهة ولد، أو ابنة الأعمام والعمات وإن علوا كيف كانوا، لأم أو لأب، والأخوة والأخوات كذلك، وكل من نالته ولادة أخت أو أخ بأي جهةٍ كانت، ومن كان له مال وله أب أو أم أو جد أو جدة أُجبر على ابتياعهم بأغلى قيمتهم، وعتقهم إذا أراد سيدهم بيعهم، فإن أبى لم يُجبر السيد على البيع، فإن ملك ذا رحم غير محرمة، أو ملك ذا محرم من غير رحم لكن بصهر، أو وطئ أب، أو ابن لم يلزمه عتقهم، وله بيعهم إن شاء.
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول النبي عليه السلام هذا يحتمل ما قالوا، ويحتمل:"فيشتريه فيعتقه بشرائه" هذا في الكلام صحيح، وهو أولى ما حمل عليه هذا الحديث حتى يتفق هو وغيره مما روي عن النبي عليه السلام.
فإنه حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني، قال: ثنا أبو عُمير النحاس، قال: ثنا ضمرة، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ملك ذا رحم محرمة فهو حرٌّ".
(1)"المحلى"(9/ 200 - 201).
حدثنا محمد بن عبد الله، قال: ثنا إبراهيم بن الحجاج وعبد الواحد بن غياث، قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال رسول الله عليه السلام: "من ملك ذا محرم فهو حر".
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج. (ح)
وحدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا أسد، قالا: ثنا حماد بن سلمة. . . . فذكر بإسناده مثله.
حدثنا محمد بن عبد الله، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "من ملك ذا رحم فهو حر".
وتصحيح حديثي سمرة هذين يوجب أن ذا الرحم المذكور فيهما هو ذو الرحم المحرم، وأن ذا المحرم المذكور فيهما هو ذو المحرم من الرحم، فيكون معناهما لما جمع ما فيهما هو مثل ما في حديث ابن عمر: من ملك ذا رحم محرم فهو حرٌّ".
وقد بلغني أن محمد بن بكر كان يحدث، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الأحول، عن الحسن، عن سمرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "من ملك ذا رحم من ذي محرم فهو حرٌّ".
فدل على ما ذكرناه.
ش: أي وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه: أن قول النبي عليه السلام: "لا يجزي ولد والده .. . . ." الحديث يحتمل أن يكون معناه مثل ما قاله أهل المقالة الأولى، وهو أن يكون العتق بهذا الشراء بكلام مبتدأ، ويحتمل ما قاله أهل المقالة الثانية، وهو أن يكون نفس الشراء عتقًا من غير كلام مبتدأ، وهذا في الكلام صحيح كما قلنا في قولهم: سقاه فأرواه، وأطعمه فأشبعه، وضربه فأوجعه.
فإذا كان الحديث محتملًا للمعنيين المذكورين، فصرفه إلى المعنى الثاني أولى؛ ليتفق هو وحديث عبد الله بن عمر وحديث سمرة بن جندب رضي الله عنهم، فإن حديثهما
يقتضي أن يكون الملك هو الإعتاق، من غير حاجة إلى كلام مستأنف، وحمل معاني الآثار على الاتفاق أولى بل المتُعَيَّن من حملها على التضاد.
وأما حديث ابن عمر، فأخرجه بإسناد صحيح.
وأبو عُمير النحاس هو عيسى بن محمد بن إسحاق الرملي شيخ أبي داود النسائي وابن ماجه.
وضمرة هو ابن ربيعة الفلسطيني الرملي من الثقات المأمونين.
والحديث أخرجه النسائي (1): أنا عيسى بن محمد -هو أبو عُمير الرملي- وعيسى بن يونس الفاخوري، عن ضمرة، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله عليه السلام: "من ملك ذا رحم محرم عتق".
وأخرجه البيهقي بهذا الإسناد (2) ولفظه: "فهو عتيق". ثم قال: تفرد به ضمرة والمحفوظ بهذا الإسناد: "نهى عن بيع الولاء"، وقد رواه أبو عمير أيضًا مع الحديث الأول.
قلت: ليس انفراد ضمرة به دليلًا على أنه غير محفوظ، ولا يوجب ذلك علةً فيه، لأنه من الثقات المأمونين لم يكن بالشام رجل يشبهه، كذا قال ابن حنبل.
وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا لم يكن هناك أفضل منه. وقال أبو سعيد بن يونس: كان فقيه أهل فلسطين في زمانه.
والحديث إذا انفرد به مثل هذا كان صحيحًا، ولا يضره تفرده، فلا ندري من أين وهم في هذا الحديث روايه كما زعم البيهقي.
وقال ابن حزم: هذا خبر صحيح، تقوم به الحجة على الخصم، وكل رواته
(1)"السنن الكبرى"(3/ 173 رقم 4897) وقال النسائي بعده: لا نعلم أن أحدًا روى هذا الحديث عن سفيان غير ضمرة، وهو حديث منكر.
(2)
"السنن الكبرى للبيهقي"(10/ 289 رقم 21208).
ثقات، وإذا انفرد به ضمرة كان ماذا، ودعوى أنه أخطأ فيه، باطل لأنه دعوى بلا برهان.
وأخرجه الحاكم في "مستدركه"(1): عن أبي علي الحسين بن علي الحافظ، ثم قال: وثنا أبو على بإسناده سواء "أن رسول الله عليه السلام نهى عن بيع الولاء وعن هبته".
وهذا يقتضي أن المتنين محفوظان.
ثم قال عن حديث "من ملك ذا رحم محرم": صحيح على شرط الشيخين، وشاهده الحديث الصحيح المحفوظ عن سمرة بن جندب، ثم ذكره بإسناده من طريق سمرة رضي الله عنه انتهى.
وأما حديث سمرة فأخرجه من أربع طرق صحاح:
الأول: عن محمد بن عبد الله بن مخلد الأصبهاني، عن إبراهيم بن الحجاج السامي -بالسين المهملة- الناجي -بالنون- البصري شيخ أبي زرعة الرازي وأبي يعلى الموصلي.
وعن عبد الواحد بن غياث البصري الصيرفي.
كلاهما عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن البصري، عن سمرة.
وأخرجه الترمذي (2): نا عبد الله بن معاوية الجمحي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"مَن ملك ذا محرم فهو حرٌّ".
الثاني: عن محمد بن خزيمة بن راشد، عن الحجاج بن منهال شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة. . . . إلى آخره.
(1)"المستدرك"(2/ 233 رقم 2851).
(2)
"جامع الترمذي"(3/ 646 رقم 1365).
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): نا أبو كامل، ثنا حماد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، أن النبي عليه السلام قال:"من ملك ذا محرَّم فهو حرٌّ".
الثالث: عن نصر بن مرزوق، عن أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة. . . . إلى آخره.
الرابع: عن محمد بن عبد الله الأصبهاني، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد ابن هارون الواسطي، عن حماد. . . . إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا يزيد بن هارون، أنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي عليه السلام قال:"من ملك ذا رحم فهو عتيق".
وأخرجه أبو داود (3) نحوه غير مرفوع. ثنا محمد بن سليمان الأنباري، قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال:"من ملك ذا رحم فهو حرٌّ".
وهذا كما رأيت الحديث صحيح.
وأخرجه الحاكم في "مستدركه"(4) وصححه.
وقال ابن حزم: صحح الحنفيون هذا الخبر، ورأوه حجة، وقالوا: لا يضره ما قيل: إن الحسن لم يسمع من سمرة، والمنقطع تقوم به الحجة.
قلت: الحديث صحيح وليس بمنقطع؛ لأن الحسن قد ثبت سماعه من سمرة في غير ما حديث، قاله البخاري وغيره، وقد مَرَّ هذا غير مرة.
(1)"مسند أحمد"(5/ 20 رقم 20240).
(2)
"مسند أحمد"(5/ 15 رقم 2079) ، (5/ 18/ رقم 20217).
(3)
"سنن أبي داود"(2/ 420 رقم 3951).
(4)
"المستدرك"(2/ 233 رقم 2852).
فإن قيل: أخرج البيهقي هذا الحديث (1): من طريق محمد بن بكر، عن حماد بن سلمة، عن عاصم وقتادة، عن الحسن، عن سمرة.
ومن طريق مسلم (2): بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل: عن حماد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي عليه السلام قال موسى في موضع آخر، عن سمرة فيما يحسب حماد ثم علله البيهقي بأن حمادًا شك في سمرة.
قلت: رواه النسائي والترمذي وابن ماجه من غير شك كما ذكرناه، وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي كامل ويزيد بن هارون عن حماد كما ذكرناه، ومن شك ليس بحجة على من لم يشك، كيف والذين لم يشكوا جماعة؟.
قوله: "وتصحيح حديثي سمرة هذين. . . ." إلى آخره.
إشارة إلى وجه التوفيق بين حديثي سمرة المذكورين بلفظين متغايرين، وبين [حديث](3) عبد الله بن عمر، ففي رواية إبراهيم بن الحجاج وعبد الواحد بن غياث:"من ملك ذا مَحْرم فهو حرٌّ" وفي رواية أسد وحجاج ويزيد بن هارون: "من ملك ذا رحم فهو حرٌّ".
وفي رواية عبد الله بن عمر: "من ملك ذا رحم محَرْم فهو حرٌّ".
ووجه التوفيق بينها أن المراد من قوله: "ذا رحم" هو ذو الرحم المحرم، وأن المراد من قوله:"ذا محرم" هو ذو المحرم من الرحم، فإذا جمع معناهما يكون مثل ما في حديث ابن عمر:"من ملك ذا رحم محرم فهو حرٌّ"
قوله: "وقد بلغني. . . ." إلى آخره.
ذكره شاهدًا لصحة تأويله، لأن محمد بن بكر بن عثمان البُرْسَاني البصري
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(10/ 289 رقم 21204).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(10/ 289 رقم 21205).
(3)
تكررت في "الأصل".
كان يحدث، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الأحول، عن الحسن، عن سمرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "من ملك ذا رحم من ذي محرم فهو حرٌّ".
فهذا دليل صريح على أن المراد من اللفظين المذكورين، نحو ما ذكره من التأويل.
وإسناد هذا صحيح، ورجاله كلهم من رجال الصحيح.
وأخرجه الترمذي (1) نحوه: ثنا عقبة بن مكرم العمي البصري وغير واحدٍ، قالوا: نا محمد بن بكر البُرْساني، عن حماد بن سلمة، عن قتادة وعاصم الأحول، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي عليه السلام نحوه.
والنسائي (2) عن [عبيد الله بن سعيد](3)، عن محمد بن بكر.
وابن ماجه (4): عن إسحاق بن منصور وعقبة بن مكرم، عن محمد بن بكر البرساني، عن حماد بن سلمة، عن قتادة وعاصم، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي عليه السلام قال:"من ملك ذا رحم محرم فهو حر".
قلت: بُرْسان -بضم الباء الوحدة- من الأزد.
ص: وقد روي عمن بعد رسول الله عليه السلام من أصحابه وتابعيهم رضي الله عنهم ما يوافق هذا أيضًا.
حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أبو عاصم، عن أبي عوانة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر رضي الله عنه قال:"من ملك ذا رحم محرم فهو حرٌّ".
(1)"جامع الترمذي"(3/ 646 رقم 1365).
(2)
"السنن الكبرى"(3/ 173 رقم 4902).
(3)
في "الأصل" عبد الله بن سعد، وهو من شيوخ النسائي أيضًا، غير أنه لم يذكروا له رواية عن محمد بن بكر البرساني، وقد جاء على الصواب في "السنن الكبرى" للنسائي، و"تحفة الأشراف" للحافظ المزي (4/ 63 رقم 4580).
(4)
"سنن ابن ماجه"(2/ 843 رقم 2524).
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن المستورد:"أن رجلًا زوج ابن أخيه مملوكته، فولدت له أولادًا، فأراد أن يَسْتَرِقَ أولادها، فأتى ابنُ أخيه عبد الله بن مسعود، فقال: إن عمي زوجني وليدته، وإنها ولدت لي أولادًا، فأراد أن يسترق ولدي، فقال عبد الله: كذب، ليس له ذلك".
حدثنا أحمد بن الحسن، قال: ثنا أسباط بن محمد، قال: ثنا سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن عطاء بن أبي رباح قال:"إذا ملك الرجل عمته أو خالته أو أخاه أو أخته، فقد عتقوا وإن لم يعتقهم".
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد قال: -أبو جعفر: أظنه- عن حجاج، عن عطاء والشعبي، مثله.
قال: وقال إبراهيم: "لا يعتق إلا الوالد والولد".
فلما روينا عن رسول الله عليه السلام ما روينا ووافق ذلك ما روينا عمن ذكرنا من أصحابه وتابعيهم، ولم نعلم في ذلك خلافًا عن مثلهم، وجب القول بما روي عنهم من ذلك، وترك خلافه.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: ذكر في ذلك من الصحابة: عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، ومن التابعين: عن عطاء بن أبي رباح وعامر الشعبي.
أما أثر عمر فأخرجه بإسناد صحيح، عن يزيد بن سنان القزاز، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عمر بن الخطاب.
وأخرجه ابن حزم (1): من طريق الخشني، ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو عاصم -هو الضحاك بن مخلد- ثنا أبو عوانة، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم
(1)"المحلى"(9/ 203).
النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عمر بن الخطاب قال:"من ملك ذا رحم محرمة فهو حرٌّ".
وأخرجه أبو داود (1) بغير هذا الإسناد: ثنا محمد بن سليمان الأنباري، قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:"من ملك ذا رحم محرم فهو حرٌّ".
وأخرجه النسائي أيضًا بطرق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأما أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح.
عن أبي بكرة بكّار القاضي، عن روح بن عبادة. . . . إلى آخره.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): من حديث الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن المستورد بن الأحنف الكوفي. . . . إلى آخره نحوه، ثم قال: وإليه ذهب بعض أصحابنا.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(3): من طريق غندر، نا غندار، نا شعبة وسفيان -قال شعبة: عن غيلان، وقال سفيان: عن سلمة بن كهيل، كلاهما عن المستورد هو ابن الأحنف-:"أن رجلًا أتى عبد الله بن مسعود، فقال له: إن عمي زوجني جاريته، وإنه يريد أن يَسْتَرِقَ ولدي، فقال ابن مسعود: ليس له ذلك".
وأما أثر عطاء فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن أحمد بن الحسن بن القاسم الكوفي، عن أسباط بن محمد القرشي الكوفي، عن سفيان الثوري، عن إسماعيل ابن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المكي، عن عطاء بن أبي رباح المكي.
(1)"سنن أبي داود"(4/ 26 رقم 3950).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(10/ 290 رقم 21213).
(3)
"المحلى"(9/ 203).
وأخرجه عبد الرزاق (1): عن سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن عطاء قال:"إذا ملك الأخ أو الأخت والعمة والخالة، عتقوا".
وأما أثر عامر الشعبي فأخرجه من طريق الحجاج بن أرطاة النخعي، وفيه مقال.
قوله: "قال: وقال إبراهيم: لا يعتق إلا الوالد والولد". أي قال الحجاج بن أرطاة: قال إبراهيم النخعي. . . . إلى آخره.
وروي عن إبراهيم النخعي مثل قول الجمهور، أخرجه ابن حزم (2): من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن زيد، عن ابن شبرمة، عن الحارث العكلي. عن إبراهيم النخعي قال:"من ملك ذا رحم فهو حرٌّ".
وهو قول ابن شبرمة.
وروي عبد الرزاق: عن معمر، عن قتادة، عن الحسن وجابر بن زيد، قالا جميعًا:"من ملك ذا رحم عتق".
وأخرج ابن حزم (1): من طريق وكيع، عن شعبة، عن الحكم بن عُتَيْبة وحماد بن أبي سليمان، قالا جميعًا:" [كل من ملك] (3) ذا رحم محرمة عتق".
قال ابن حزم: وصح أيضًا عن قتادة، وهو قول الزهري وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف والليث وسفيان الثوري والحسن بن حيّ وأبي حنيفة وجميع أصحابه، وعبد الله بن وهب وغيرهم.
(1)"مصنف عبد الرزاق"(9/ 184 رقم 16859).
(2)
"المحلى"(9/ 203).
(3)
في "الأصل، ك": من ملك كل. والمثبت من "المحلى" لابن حزم.