المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: ما أصاب البهائم في الليل والنهار - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٥

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: بابُ: الرجل يحلف لا يكِّلم الرجل شهرًا كم عدد ذلك الشهر من الأيام

- ‌ص: بابُ: الرجل يُوجب على نفسه أن يصلي في مكان فيصلي في غيره

- ‌ص: بابُ: الرجل يوجب على نفسه المشي إلى بيت الله الحرام

- ‌ص: بابُ: الرجل ينذر وهو مشرك نذرًا ثم يُسلم

- ‌ص: كتاب العتاق

- ‌ص: باب: العبد يكون بين الرجلين فيعتقه أحدهما

- ‌ص: باب: الرجل يملك ذا رحم محرَّم منه هل يعتق عليه أم لا

- ‌ص: باب: المكاتب متى يعتق

- ‌ص: باب: الأَمة يطأها مولاها، ثم يموت وقد جاءت بولد في حياته هل يكون ابنه وتكون له أُمّ ولدٍ أَمْ لا

- ‌ص: كتاب الرهن

- ‌ص: باب: ركوب الرهن واستعماله وشرب لبنه

- ‌ص: باب: الرهن يهلك في يد المرتهن كيف حكمه

- ‌ص: كتاب الشفعة

- ‌ص: باب: الشفعة بالجوار

- ‌ص: كتاب الجنايات

- ‌ص: باب: ما يجب في قتل العمد وجرح العمد

- ‌ص: باب: الرجل يَقتل الرجل كيف يُقتَل

- ‌ص: باب: شبه العمد الذي لا قود فيه، ما هو

- ‌ص: باب: شبه العمد هل يكون فيما دون النفس كما يكون في النفس

- ‌ص: باب: الرجل يقول عند موته: إن مُت ففلان قتلني

- ‌ص: باب: المؤمن يقتل الكافر متعمدًا

- ‌ص: باب: القسامة هل تكون على ساكني الدار الموجود فيها القتيل أو مالكها

- ‌ص: باب: القسامة كيف هى

- ‌ص: باب: ما أصاب البهائم في الليل والنهار

- ‌ص: باب: غرة الجنين المحكوم بها فيه. لمن هي

- ‌ص: كتاب الحدود

- ‌ص: باب: حد البكر في الزنا

- ‌ص: باب: حد الزاني المحصن

- ‌ص: باب: الاعتراف بالزنا الذي يجب به الحد

- ‌ص: باب: الرجل يزني بجارية امرأته

- ‌ص: باب: من تزوج امرأة أبيه أو ذات محرم منه فدخل بها

- ‌ص: باب: حد الخمر

- ‌ص: باب: من سكر أربع مرات ما حده

- ‌ص: باب: المقدار الذي يقطع فيه السارق

الفصل: ‌ص: باب: ما أصاب البهائم في الليل والنهار

‌ص: باب: ما أصاب البهائم في الليل والنهار

ش: أي هذا باب في بيان حكم ما تصيبه البهائم وتفسده في الليل أو النهار كيف يكون ذلك؟

ص: حدثنا يونس، قال: ثنا أيوب بن سويد، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن حرام بن محيصة، عن البراء بن عازب رضي الله عنه:"أن ناقة لرجل من الأنصار دخلت حائطًا فأفسدت فيه، فقضى رسول الله عليه السلام على أهل الحوائط بحفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي ما أفسدت مواشيهم بالليل".

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن ابن شهاب، عن حرام بن سعد بن محيصة: "أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطًا لرجل فأفسدت، فقضى رسول الله عليه السلام أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها.

ش: هذان طريقان:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم، عن أيوب بن سويد الحميري شيخ الشافعي، فيه مقال.

عن أبي عمرو الأوزاعي، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن حرام -ضد حلال- ابن سعد بن محيصة بن مسعود الأنصاري، وقد ينسب إلى جده، قال ابن سعد: كان ثقة.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا محمود بن خالد، قال: ثنا الفريابي، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن حرام بن محيصة الأنصاري، عن البراء بن عازب قال: "كانت له ناقة ضارية، فدخلت حائطًا فأفسدت فيه، فكلم رسول الله عليه السلام

(1)"سنن أبي داود"(3/ 298 رقم 3570).

ص: 396

فيها، فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت مواشيهم بالليل".

وأخرجه النسائي (1): عن عمرو بن عثمان، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي. . . . إلى آخره.

الثاني: مرسل، عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن حرام بن سعد بن محيصة.

وأخرجه مالك في "موطأه"، (2) والشافعي في "مسنده"(3) عن مالك. والبيهقي (4) عن القاضي أحمد بن الحسن، عن محمَّد بن يعقوب، عن الربيع بن سليمان، عن الشافعي.

وأخرجه النسائي (5) عن محمد بن رمح، عن الليث بن سعد، عن ابن شهاب، أن ابن محيصة أخبره أن ناقة للبراء. . . . إلى آخره نحوه.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(6) مرفوعًا: نا معاوية بن هشام، نا سفيان، عن عبد الله بن عيسى، عن الزهري، عن حرام بن محيصة، عن البراء بن عازب:"أن ناقة لآل البراء أفسدت شيئًا، فقضى رسول الله عليه السلام أن حفظ الثمار على أهلها بالنهار، وضمن أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل".

(1)"السنن الكبرى"(3/ 411 رقم 5785).

(2)

"موطأ مالك"(2/ 747 رقم 1435).

(3)

"مسند الشافعي"(1/ 195).

(4)

"سنن البيهقي الكبرى"(8/ 341 رقم 42).

(5)

كذا في "الأصل، ك" وهو تحريف، والصواب ابن ماجه كما في "تحفة الأشراف"(3/ 363 رقم 1753) فقد عزاه المزي بهذا الإسناد لابن ماجه، وهو في "السنن"(2/ 781 رقم 2332). وأما النسائي فأخرجه في "الكبرى"(3/ 411 رقم 5785) من طريق عمرو بن عثمان عن الوليد عن الأوزاعي به.

(6)

"مصنف ابن أبي شيبة"(7/ 304 رقم 36301).

ص: 397

وقال ابن حزم: (1) الخبر المرسل أحسن طرقه: ما رواه مالك ومعمر، عن سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب:"أن ناقة للبراء. . . .".

وما رواه ابن جريج، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل:"أن ناقة دخلت. . . ." فلم يُسند أحد من هاتين الطريقين اللتين لو أسند منهما أو من إحديهما لكان حجةً يجب الأخذ بها، وإنما أسند من طريق حرام بن سعد بن محيصة مرةً، عن أبيه، ولا صحبة لأبيه. ومرةً عن البراء فقط.

وحرام بن سعد بن محيصة مجهول لم يرو عنه أحد إلا الزهري، وهو يروي عمن لا يوثق بروايته، كروايته عن سلمان بن قرم، ونبهان مولى أم سلمة وغيرهم من المجاهيل والهلكى، ولا يحل لأحد أن يقطع على رسول الله عليه السلام في الدين إلا مَن يعرف حاله وعدالته، فسقط التعلق بهذا الخبر.

قلت: حرام بن سعد معروف، روى عنه مثل الزهري، ووثقه ابن سعد كما ذكرنا.

وروايته عن أبيه أخرجها عبد الرزاق (2): عن معمر، عن الزهري، عن حرام ابن محيصة، عن أبيه:"أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى النبي عليه السلام على أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل".

وقال أبو عمر بن عبد البر: رواية عبد الرزاق عن حرام بن سعد بن محيصة، عن أبيه. لم يتابع على قوله: عن أبيه.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذه الآثار، فقالوا: ما أصابت البهائم نهارًا فلا ضمان على أحد فيه، وما أصابت ليلًا ضمنه أرباب تلك البهائم. واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

(1)"المحلى"(11/ 5).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(10/ 82 رقم 18437).

ص: 398

ش: أراد بالقوم هؤلاء: شريحًا والشعبي والليث بن سعد ومالكًا والشافعي وأحمد، فإنهم قالوا: ما أفسدت البهائم في النهار لا ضمان على أحد فيه، وما أفسدته في الليل يضمنه أصحاب البهائم، إلا أن الليث قال: لا يضمنون أكثر من قيمة الماشية.

قال أبو عمر (1): قال مالك: ما أفسدت المواشي والدواب من الزروع والحوائط بالليل فضمان ذلك على أربابها، وما كان بالنهار فلا شيء على أصحاب الدواب، ويقوَّم الزرع الذي أفسدت بالليل على الرَّجاء والخوف.

قال: والحوائط التي تحرس والتي لا تحرس سواء، والمحظر عليه وغير المحظر سواء، يغرم أهلها ما أصابت بالليل بالغًا ما بلغ، وإن كان أكثر من قيمتها، قال مالك: فإذا انفلتت دابة بالليل فوطئت على رجل نائم لم يغرم صاحبها شيئًا، وإنما هذا في الحائط والزرع والحرث.

وقال ابن القاسم: ما أفسدت المواشي بالليل فهو في مال ربها وإن كان أضعاف قيمتها؛ لأن الجنابة من قبله إذْ لم يربطها، وليست الماشية كالعبيد.

حكاه سحنون وأصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم.

وحكى المزني عن الشافعي قال: الضمان عن البهائم بوجهين:

أحدهما: ما أفسدت من الزرع بالليل ضمنه أهلها، وما أفسدت بالنهار لم يضمنوا. واحتجوا بحديث هذا الباب.

والوجه الثاني: إذا كان الرجل راكبًا، فما أصابت بيدها أو رجلها أو فيها أو ذنبها من نفس أو جرح فهو ضامن له؛ لأن عليه منعها في تلك الحال من كل ما يتلف فيه أحدًا.

قال: واختلف أصحاب داود في هذا الباب، فقال بعضهم بقول مالك والشافعي، وقال بعضهم مثل قول الليث إلا أن يتعدى في إرسالها، أو يربطها في

(1)"التمهيد"(11/ 82 - 83).

ص: 399

موضع لا يجب له ربطها فيه، أو يعنف عليها في السياق فيضمن بجناية نفسه، قال: وذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الشعبي "أن شاةً وقعت في غزل حائك، واختصموا إلى شريح، فقال الشعبي: انظروه فإنه سيسألهم: أليلًا وقعت فيه أو نهارًا؟ ففعل. ثم قال: إن كان بالليل ضمن، وإن كان بالنهار لم يضمن، ثم قرأ شريح:{إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} (1) قال: والنفش بالليل، والهمل بالنهار.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا ضمان على أرباب المواشي فيما أصابته مواشيم في الليل والنهار إذا كانت منفلتة.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: سفيان الثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وبعض الظاهرية؛ فإنهم قالوا: لا ضمان على أصحاب البهائم فيما أفسدت من الزرع وغيره، سواء كان ليلًا أو نهارًا إذا كانت منفلتة.

وقال ابن حزم: والقول عندنا في هذا كله ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ثبت عنه من أن العجماء جرحها جبار، وعملها جبار، فلا ضمان فيما أفسده الحيوان من أدم أو مال لا ليلًا ولا نهارًا، فإن أتى بها وحملها على شيء وأطلقها فيه ضمن حينئذٍ؛ لأنه فعله، ليلًا كان أو نهارًا.

ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا فهد، قال: ثنا الخضر بن محمَّد الحراني، قال: ثنا عباد بن عباد، قال: ثنا مجالد، عن الشعبي؛ عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السائمة عقلها جبار والمعدن جبار".

ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث جابر، أخرجه عن فهد بن سليمان، عن الخضر بن محمَّد بن شجاع الجزري أبي مروان الحراني، وثقه أحمد وابن حبان، وقال أبو حاتم: ليس به بأس.

عن عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صُفْرة العتكي البصري، روى له الجماعة.

(1) سورة الأنبياء، آية:[78].

ص: 400

عن مجالد -بالجيم- ابن سعيد الهمداني الكوفي، قال النسائي: ثقة. وعن يحيى: ضعيف. روى له مسلم مقرونًا بغيره، واحتجت به الأربعة.

عن عامر بن شراحيل الشعبي، عن جابر بن عبد الله.

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا عبد الواحد، نا حماد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السائمة جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس".

قوله: "السائمة" أي الدابة السائمة المرسلة في رعيها.

قوله: "عقلها" أي ديتها وأرشها.

قوله: "جُبار" بضم الجيم، أي هدر لا ينبني عليه حكم. قال أبو عمر: لا يختلفون أن الجبار: الهدر الذي لا أرش فيه ولا دية.

قال الشاعر:

وكم ملك نزعنا الملك (منه)(1)

وجبار بها دمه جبار

قلت: "السائمة" مبتدأ، و"عقلها" مبتدأ ثان، وخبره "جبار"، والجملة خبر المبتدأ الأول.

قوله: "والمعدِن جبار" المعدِن -بكسر الدال- الموضع الذي تستخرج منه جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس وغير ذلك، ويجمع على معادن، واشتقاقه من المعدِن وهو الإقامة، ومعنى قوله:"والمعدن جبار" أي: المعادن التي يطلب فيها الذهب والفضة تحت الأرض إذا سقط منها شيء أو انهار على أحد من العاملين فيها فمات أنه هدر لا دية له في بيت المال ولا غيره، وكذلك من سقط فيها فعطب بعد حفرها.

(1) كذا في "الأصل، ك"، ويروى:"عنه" والقائل هو أبو فراس الحمداني.

ص: 401

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام "العجماء جبار، والمعدن جبار".

حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي عليه السلام مثله.

فقال السائل: يا أبا محمَّد، أبو سلمة معه؟ قال: إن كان معه فهو معه.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب وعبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا شجاع بن الوليد، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: ثنا محمَّد بن عمرو. . . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا فهد، قال: ثنا الحجاج بن منهال، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا عبد الله بن عون، عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا فهد، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن محمَّد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. . . . فذكر مثله.

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا الفرياني، قال: ثنا سفيان، عن ابن ذكوان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، يرفعه مثله.

ش: هذه تسع طرق صحاح:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم، عن عبد الله بن وهب، عن

ص: 402

مالك بن أنس، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة.

وأخرجه البخاري (1): عن عبد الله بن يوسف، عن مالك.

ومسلم (2): عن محمَّد بن رافع، عن إسحاق بن عيسى، عن مالك.

الثاني: عن يونس أيضًا، عن سفيان بن عيينة، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.

وأخرجه الترمذي (3): عن ابن منيع، عن سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار".

الثالث: عن يونس أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب وعبيد الله ابن عبد الله -بتصغير الابن وتكبير الأب- بن عتبة بن مسعود المدني الفقيه الأعمى، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه مسلم (4): عن أبي الطاهر وحرملة، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن سعيد وعبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة نحوه.

الرابع: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن شجاع بن الوليد، عن محمَّد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة.

وأخرجه العدني في "مسنده": ثنا عبد العزيز، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة،

(1)"صحيح البخاري"(2/ 545 رقم 1428).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1335 رقم 1710).

(3)

"جامع الترمذي"(3/ 661 رقم 1377).

(4)

"صحيح مسلم"(3/ 1334 رقم 1710).

ص: 403

عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس".

الخامس: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف البصري شيخ أحمد، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة عبد الله، عن أبي هريرة.

وأخرجه أحمد في "مسنده": (1) ثنا يحيى، عن محمَّد، حدثني أبو سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام:"جرح العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس".

السادس: عن فهد بن سليمان، عن الحجاج بن منهال شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه النسائي (2): عن يعقوب الدورقي، عن هشيم، عن منصور وهشام، عن ابن سيرين، عن الزهري، عن النبي عليه السلام قال:"البئر جبار، والعجماء جبار. . . ." الحديث.

السابع: عن علي بن شيبة بن الصلت السدوسي، عن يزيد بن هارون، عن عبد الله بن عون المزني، عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة.

وأخرجه أحمد (3): عن محمَّد بن جعفر، عن هشام، عن محمَّد، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"البهيمة عقلها جبار، والبئر عقلها جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس".

وأخرجه النسائي (2): عن يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن منصور وهشام، عن محمَّد، عن أبي هريرة نحوه.

(1)"مسند أحمد"(2/ 475 رقم 10152).

(2)

"المجتبى"(5/ 45 رقم 2498).

(3)

"مسند أحمد"(2/ 411 رقم 9316).

ص: 404

الثامن: عن فهد بن سليمان، عن الحجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن محمَّد بن زياد الجمحي المدني، عن أبي هريرة.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا حجاج، ثنا شعبة، عن محمَّد بن زياد، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله عليه السلام-أو قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "العجماء جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس".

قال شعبة: ما سمعت أحدًا يقول: "الركاز" غيره.

التاسع: عن حسين بن نصر، عن محمَّد بن يوسف الفريابي شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن ذكوان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة، رفعه إلى النبي عليه السلام.

وأخرجه النسائي (2): عن ابن سلمة عن ابن القاسم، عن مالك، عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"العجماء جبار".

قوله: "العجماء جبار" العجماء عند العرب: كل بهيمة وسبع وحيوان غير ناطق مفصح.

وقال ابن الأثير: العجماء: البهيمة؛ سميت به لأنها لا تتكلم، وكل ما لا يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم، ومنه الحديث:"بعدد كل فصيح وأعجم"، قيل: أراد بعدد كل آدمي وبهيمة.

وقال أبو عمر: أجمع العلماء على أن العجماء إذا جنت جناية نهارًا أو جرحت جرحًا لم يكن فيه لأحد سبب أنه هدر لا دية فيه على أحد، ولا أرش.

واختلفوا في المواشي يهملها صاحبها ولا يمسكها ليلًا، فتخرج فتفسد زرعًا

(1)"مسند أحمد"(2/ 454 رقم 9858).

(2)

عزاه المزي في تحفة الأشراف (12/ 46 رقم 13858). للنسائي في "الكبرى" رواية ابن حيوة.

ص: 405

أو كرمًا أو غير ذلك من ثمار الحوائط والأجنة وخضرها، وقد مضى الكلام فيه عن قريب.

واحتج أبو الزناد بهذا الحديث: "أن الكلب إذا عقر أحدًا أنه هدر".

قال ابن وهب: أخبرني يونس، أنه سأل أبا الزناد عن عقل الكلب أو الفهد أو السبع الداجن أو الكبش النطاح، أو نطح الثور أو البعير أو الفرس، الذي يعض فيعقر مسكينًا أو زائرًا أو عابدًا. فقال أبو الزناد أن قتل واحد من هذه الدواب أو أصاب كسر يد أو رِجْل أو فقأ عين أو أي شيء جرح من ذلك أحدًا من الناس فهو هدر، قضى رسول الله عليه السلام أن العجماء جرحها جبار إلا أن يكون قد استعدى في شيء من ذلك، فأمره السلطان [بإيثاق](1) ذلك فلم يفعل فإن عليه أن يغرم ما جرح بالناس.

وأما ما أصيبت به الدابة أو شيء منها فلم يكن السلطان تقدم إلى صاحبه، فإن على مَن أصابها غرم ما أصابها به.

وقال مالك فيمن اقتنى كلبًا في دار البادية فعقر ذلك الكلب إنسانًا: إنه إن اقتناه وهو يدري أنه يفترس الناس ويعقرهم فهو ضامن لما فرس الكلب.

وعن (2) سفيان الثوري، عن [طارق] (3) قال:"كنت عند شريح فأتاه سائل فقال: إني دخلت دار قوم فعقرني كلبهم وخرق جرابي، فقال: إن كنت دخلت بإذنهم فهم ضامنون، وإن كنت دخلت بغير إذنهم فليس عليهم شيء".

وعن الشعبي قال: "إذا كان الكلب في الدار فأذن أهل الدار للرجل، فعقره الكلب ضمنوا، وإن دخل بغير إذنهم فعقره فلا ضمان عليهم، وأيما قوم غَشَوْا

(1) في "الأصل، ك": بإتلاف، والمثبت من "المحلي"(11/ 9).

(2)

انظر "المحلى" لابن حزم (11/ 10).

(3)

في "الأصل، ك": طاوس، وهو تحريف، والمثبت من "المحلى" والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 431 رقم 27719) ومن طريق سفيان عن طارق بن عبد الرحمن بنحوه.

ص: 406

غنمًا في مرابضها فعقرتهم الكلاب فلا ضمان على أصحاب الغنم، وإن عرضت لهم الكلاب في الطريق فعقرتهم في الطريق ضمنوا".

وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري والحسن بن حي: مَن كان في داره كلب فدخل إنسان بإذنه أو بغير إذنه فقتله الكلب فلا ضمان في ذلك، وكذلك قال ابن أبي ذئب.

وقد روى الواقدي عن مالك نحو هذا، وروى عنه ابن وهب: أنه إن اتخذ الكلب وهو يدري أنه يفترس ضَمن، وإن لم يعلم ذلك لم يضمن، إلا أن يتقدم إليه السلطان.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فجعل رسول الله عليه السلام ما أصابته العجماء جبارًا، والجبار هو الهدر فنسخ ذلك ما تقدم ما في حديث حرام بن محيصة وإن كان منقطعًا لا تقوم بمثله عند المحتج به علينا حجة؛ لأنه وإن كان الأوزاعي قد وصله، فإن مالكًا والأثبات من أصحاب الزهري قد قطعوه، ومع ذلك فإن الحكم المذكور فيه مأخوذ من حكم سليمان النبي عليه السلام في الحرث إذ نفشت فيه الغنم، فحكم النبي عليه السلام بمثل ذلك الحكم حتى أحدث الله عز وجل له هذه الشريعة فنسخت ما قبلها.

ش: هذا جواب عن حديث حرام بن محيصة الذي احتجت به أهل المقالة الأولى، وهو على وجهين:

الأول: أن هذا الحديث منقطع، وهؤلاء لا يحتجون بالمنقطع فكيف يحتجون به على أهل المقالة الثانية، وهذا غير صحيح.

فإن قيل: قد أوصله الأوزاعي فصح أن يحتج به على الخصم، فأجاب عنه بقوله: وإن كان الأوزاعي قد وصله فإن مالك بن أنس والأثبات الثقات من أصحاب محمَّد بن مسلم الزهري قد رَوَوْه مقطوعًا.

ص: 407

قال أبو عمر: روى هذا الحديث جميع رواة "الموطأ" مرسلًا، وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب، إلا ابن عيينة فإنه رواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب وحرام بن سعد بن محيصة، جمعهما جميعًا في هذا الحديث ولم يقل ذلك غير ابن عيينة، عن ابن شهاب فيما أعلم. والله أعلم.

فإن قيل: مذهب أكثر المحدثين: أن الحديث إذا كان منقطعًا من وجه متصلًا من وجه آخر يكون حجة؛ لوجود الاتصال فيه بطريق واحد، والطريق الآخر الذي هو منقطع كأن ليس؛ لأن ذلك الطريق ساكت عن الراوي وحاله أصلًا، وفي الطريق المتصل بيان له، ولا معارضة بين الساكت والناطق.

قلت: ولئن سلمنا أنه حجة عند بعض، فليس هو بحجة عند الآخرين؛ لأن اعتبار الاتصال فيه يسقط بالانقطاع من وجه، فإذا كان كذلك فلا تقوم بمثله حجة عند الخصم.

الوجه الثاني: أن هذا الحديث منسوخ بحديث جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما. بيان ذلك: أن الحكم المذكور فيه قد أخذه عليه السلام من حكم سليمان النبي عليه السلام، وقد أخبر الله تعالى في القرآن بقوله:{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ. . . .} (1) الآية. قال ابن عباس: كان الحرث زرعًا. وقال ابن مسعود: كان كرمًا قد نبت عناقيده؛ وذلك أنه دخل عليه رجلان أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا انفلت غنمه ليلًا فوقعت في حرثي فلم تُبق منه شيئًا، فقال له داود عليه السلام: اذهب فإن الغنم لك، فأعطاه رقاب الغنم بالحرث، فخرجا فمرا على سليمان عليه السلام فقال: كيف قضى بينكما؟ فأخبراه، فقال: لو وليت أمركم لقضيت بغير هذا، فأُخبر داود عليه السلام بذلك فدعاه، فقال له: بحق النبوَّة كيف تقضي؟ قال: أدفع الغنم إلى صاحب الحرث سنةً فيكون له نسلها ولبنها وصوفها

(1) سورة الأنبياء، آية:[78].

ص: 408

ومنافعها، ويبذر أصحاب الغنم لأهل الحرث مثل حرثهم، فإذا كان العام المقبل وصار الحرث كهيئته يوم أُكل، دُفع إلى أهله، وأخذ صاحب الغنم غنمه. فقال داود عليه السلام: القضاء على ما قضيت، وحَكَم بذلك.

ثم لا خلاف بين أهل العلم أن حكم داود وسليمان عليهما السلام بما حكما منسوخ، وذلك لأن داود عليه السلام حكم بدفع الغنم إلى أهل الحرث، وحكم سليمان له بأصوافها وأولادها، ولا خلاف بين المسلمين أن من نفشت غنمه في حرث رجل أنه لا يجب عليه تسليم الغنم، وأنه لا يسلم أولادها وألبانها وأصوافها، فثبت أن الحكمين جميعًا منسوخان بشريعة النبي عليه السلام.

ثم إنه حكم بمثل الحكم المذكور إلى أن أحدث الله عز وجل هذه الشريعة المطهرة، فنسخت ما قبلها.

فإن قلت: قد تضمنت القضية معانٍ منها: وجوب الضمان على صاحب الغنم، ومنها: تبقية ذلك الضمان، وإنما المنسوخ فيه ما يجب به الضمان، ولم يثبت أن الضمان نفسه منسوخ.

قلت: قد ثبت ذلك الضمان على لسان النبي عليه السلام بالخبر الذي تلقاه الناس بالقبول واستعملوه، وهو ما رواه أبو هريرة وجابر:"العجماء جبار"، ولا خلاف في استعمال هذا الخبر في البهيمة المنفلتة إذا أصابت إنسانًا أو مالًا أنه لا ضمان على صاحبها؛ إذ لم يرسلها هو عليه.

ولما كان هذا الخبر مستعملًا عند الجميع، وكان عمومه ينفي ضمان ما يصيبه ليلًا أو نهارًا، ثبت بذلك نسخ ما ذكرنا من قصة داود وسليمان عليهما السلام ونسخ ما ذكرنا في حديث حرام بن محيصة من وجوب الضمان في الليل.

ووجه آخر: أن الأسباب الموجبة للضمان لا يختلف فيها الحكم بالنهار والليل في إيجاب الضمان أو نفيه. فلما اتفق الجميع على نفي ما أتلفت الماشية نهارًا وجب أن يكون ذلك حكمها ليلًا.

ص: 409

وجواب آخر: أنه يجوز أن يكون النبي عليه السلام إنما أوجب الضمان في حديث حرام بن محيصة لأجل كون صاحبها هو الذي أرسلها فيه ويكون المعلوم أن الذي يسوق ماشيته بالليل في الزرع والحوائط لا يخلو من نفش بعضها في زرع الناس وإن لم يعلم بذلك، فبيَّن عليه السلام حكمها إذا أصابت ربها، ويكون الضمان حينئذ لسوقه وإرساله في الزرع وإن لم يعلم بذلك، وبيَّن عليه السلام تساوي حكم العلم والجهل فيه. والله أعلم.

ص: فمما دلَّ على هذا الذي رويناه عن جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما: "أنه كان بعد ما في حديث حرام بن محيصة من قوله: "فقضى رسول الله عليه السلام أن على أهل المواشي حفظ مواشيهم بالليل، وأن على أهل الزرع حفظ زرعهم بالنهار" فجعل النبي عليه السلام الماشية إذا كان على ربها حفظها مضمونًا ما أصابت، وإذا لم يكن عليه حفظها غير مضمون عليه ما أصابت، فأوجب في ذلك ضمان ما أصابت المنفلتة بالليل إذ كان على صاحبها حفظها.

ثم قال في حديث العجماء: "جرحها جبار" فكان ما أصابت في انفلاتها جبارًا، فصارت كما لو هدمت حائطًا أو قتلت رجلًا، لم يضمن صاحبها شيئًا، وإن كان عليه حفظها حتى لا تنفلت إذا كانت مما يخاف عليه مثل هذا، فلما لم يراع النبي عليه السلام في هذا الحديث وجوب حفظها عليه، وراعى انفلاتها فلم يضمنه فيها شيئًا مما أصابت ليلًا أو نهارًا رجع الأمر في ذلك إلى استواء الليل والنهار، فثبت بذلك أن ما أصابت ليلًا أو نهارًا إذا كانت منفلتة فلا ضمان على ربها فيه، وإن كان هو سيبها فأصابت شيئًا في فورها أو في سيبها ضمن ذلك كله، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله، وهو أولى ما حملت عليه هذه الآثار لما ذكرنا وبيَّنا.

ش: أي فمن الذي دل على هذا، وأشار به إلى ما ذكره من قوله:"فحكم النبي عليه السلام" إلى قوله: "فنسخت ما قبلها".

ص: 410

وقوله: "الذي رويناه" فاعل لقوله: "دلّ".

وقوله: "أنه كان" بدل من قوله: "الذي".

قوله: "إذ كان" أي لأجل كون حفظها غير مضمون عليه.

قوله: "فصارت". أي العجماء "كما لو هدمت حائطًا لرجل أو قتلت رجلًا" فإن صاحبها لم يضمن شيئًا.

قوله: "وهو أولى ما حُملت عليه" أي الذي ذهب إليه أبو حنيفة وصاحباه أولى ما حملت عليه "الآثار" أي الأحاديث المذكورة، وهي حديث حرام بن محيصة وحديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهم.

فإن قيل: قال أبو عمر: جعلت الحنفية حديث: "جرح العجماء جبار" معارضًا لحديث البراء، وليس كما زعموا وذهبوا إليه؛ لأن التعارض في الآثار إنما يصح إذا لم يمكن استعمال أحدهما إلا بنفي الآخر، وحديث:"العجماء جبار" عام قد خُص بحديث البراء، وهذا من باب العموم والخصوص والمجمل والمفسر.

وقال البيهقي في "الخلافيات" ما ملخصه: أن الحنفية قالوا: حديث البراء منسوخ بحديث: "العجماء جبار".

والجواب فيما ذكره الشافعي، وهو فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس، ثنا الربيع قال: قال الشافعي: فأخذنا به -يعني بحديث البراء بن عازب- لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله، ولا يخالفنا هذا الحديث -يعني حديث:"العجماء جبار"- وجملة من الكلام العام المخرج الذي يُراد به الخاص، وقضاء رسول الله عليه السلام فيما أفسدت العجماء بشيء في حال دون حال دليل على ما إذا أصابت العجماء من جرح وغيره في حال جبار، وفي حال غير جبار.

وفي هذا دليل على أنه إذا كان على أهل العجماء حفظها ضمنوا ما أصابت، وإذا لم يكن عليهم حفظها لم يضمنوا شيئًا مما أصابت، فيضمن أهل الماشية بالليل إذا أصابت من زرع، ولا يضمنونه بالنهار.

ص: 411

قلت: أما قول أبي عمر في نقله عن الحنفية أنهم جعلوا كذا وكذا فغير صحيح، لأنهم لم يدعوا تعارضًا بين الحديثين وإنما ادعوا نسخًا على ما ذكره، فإذا كان حديث:"العجماء جبار" ناسخًا، وثبت ذلك، لا يبقى فيه مجال أن يقال بالعموم والخصوص، والعموم والخصوص بين الحديثين المعمول بهما، وهاهنا حديث البراء منسوخ، فكيف يقال: إنه مخصص للحديث الآخر؟! وكيفية ثبوت النسخ قد ذكرناها آنفًا، وهذا يقع جوابا أيضًا عما نقله البيهقي عن الشافعي من قوله: وجملة من الكلام المخرج الذي يراد به الخاص. . . . إلى آخره.

وأما قوله: "لثبوته واتصاله. . . ." إلى آخره. فغير مسلم؛ لأنا قد بينا علة الحديث فيما مضى من أنه مقطوع عند أكثر الأثبات من أصحاب الزهري، وأنه لا تقوم به حجة عنده، فكيف يحتج به على خصمه؟! فافهم.

ص: 412