المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الشفعة بالجوار - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٥

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: بابُ: الرجل يحلف لا يكِّلم الرجل شهرًا كم عدد ذلك الشهر من الأيام

- ‌ص: بابُ: الرجل يُوجب على نفسه أن يصلي في مكان فيصلي في غيره

- ‌ص: بابُ: الرجل يوجب على نفسه المشي إلى بيت الله الحرام

- ‌ص: بابُ: الرجل ينذر وهو مشرك نذرًا ثم يُسلم

- ‌ص: كتاب العتاق

- ‌ص: باب: العبد يكون بين الرجلين فيعتقه أحدهما

- ‌ص: باب: الرجل يملك ذا رحم محرَّم منه هل يعتق عليه أم لا

- ‌ص: باب: المكاتب متى يعتق

- ‌ص: باب: الأَمة يطأها مولاها، ثم يموت وقد جاءت بولد في حياته هل يكون ابنه وتكون له أُمّ ولدٍ أَمْ لا

- ‌ص: كتاب الرهن

- ‌ص: باب: ركوب الرهن واستعماله وشرب لبنه

- ‌ص: باب: الرهن يهلك في يد المرتهن كيف حكمه

- ‌ص: كتاب الشفعة

- ‌ص: باب: الشفعة بالجوار

- ‌ص: كتاب الجنايات

- ‌ص: باب: ما يجب في قتل العمد وجرح العمد

- ‌ص: باب: الرجل يَقتل الرجل كيف يُقتَل

- ‌ص: باب: شبه العمد الذي لا قود فيه، ما هو

- ‌ص: باب: شبه العمد هل يكون فيما دون النفس كما يكون في النفس

- ‌ص: باب: الرجل يقول عند موته: إن مُت ففلان قتلني

- ‌ص: باب: المؤمن يقتل الكافر متعمدًا

- ‌ص: باب: القسامة هل تكون على ساكني الدار الموجود فيها القتيل أو مالكها

- ‌ص: باب: القسامة كيف هى

- ‌ص: باب: ما أصاب البهائم في الليل والنهار

- ‌ص: باب: غرة الجنين المحكوم بها فيه. لمن هي

- ‌ص: كتاب الحدود

- ‌ص: باب: حد البكر في الزنا

- ‌ص: باب: حد الزاني المحصن

- ‌ص: باب: الاعتراف بالزنا الذي يجب به الحد

- ‌ص: باب: الرجل يزني بجارية امرأته

- ‌ص: باب: من تزوج امرأة أبيه أو ذات محرم منه فدخل بها

- ‌ص: باب: حد الخمر

- ‌ص: باب: من سكر أربع مرات ما حده

- ‌ص: باب: المقدار الذي يقطع فيه السارق

الفصل: ‌ص: باب: الشفعة بالجوار

‌ص: كتاب الشفعة

ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الشفعة، وهي مشتقة من الشفع، وهو الضم، ومنه الشَّفْع الذي هو ضد الوتر، ومنه الشفاعة؛ لأنها تضم الجاني إلى الفائز، ومعناها الشرعي: ضم بقعة مشتراة إلى عقار الشفيع بسبب الشركة أو الجوار.

‌ص: باب: الشفعة بالجوار

ش: أي هذا باب في بيان أحكام الشفعة بسبب الجوار.

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن جريج، أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشفعة في كل شرك بأرض أو ربع أو حائط، لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه؛ يأخذ أو يدع".

ش: إسناده صحيح.

وابن جريج: هو عبد الملك بن جريج.

وأبو الزبير: هو محمَّد بن مسلم المكي.

وأخرجه مسلم (1): عن أبي طاهر، عن ابن وهب، عن ابن جريج. . . . إلى آخره نحوه.

وعن (1) أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وإسحاق بن راهويه، عن عبد الله بن إدريس، عن ابن جريج، به.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1229 رقم 1608).

ص: 182

وأخرجه أبو داود (1): عن أحمد بن حنبل، عن ابن عُليّة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، به.

والنسائي (2): عن يوسف بن سعيد، عن حجاج، عن ابن جريج بمعناه.

وعن (3) عمرو بن زرارة، عن ابن عُليّة.

وعن (4) أبي كريب، عن ابن إدريس، جميعًا عن ابن جريج نحوه.

قوله: "كل شِركٌ بأرض" أي في كل اشتراك بأرض، أو في كل نصيب بأرض، والشِّرك بالكسر.

قوله: "أو ربع" أي منزل ودار إقامة، وربع القوم: محلتهم، وتجمع على رباع، وفي رواية:"أو ربعة" والربعة أخص من الربع.

و"الحائط": البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار، ويجمع على حوائط.

ويستفاد منه أحكام:

فيه أن الشفعة أمر مشروع، وحق واجب، وأنها واجبة في الأرض والرباع والحوائط التي لا تجب في السفن خلافًا لمالك. والحديث حجة عليه واحتجت به طائفة على أن الشفعة لا تكون إلا بالشركة، ولا تكون بالجوار كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، واستدل به الثوري والحسن بن حَيّ، وإسحاق وأحمد في رواية وأبو عبيد والظاهرية: أن أحد الشريكين إذا عرض عليه الآخر فلم يأخذ، سقط حقه من الشفعة، وروي ذلك عن الحكم بن عتيبة أيضًا، وعن الطحاوي.

(1)"سنن أبي داود"(3/ 285 رقم 3513).

(2)

انظر "تحفة الأشراف"(2/ 317 رقم 2806).

(3)

"المجتبى"(7/ 301 رقم 4646).

(4)

"المجتبى"(7/ 320 رقم 4701).

ص: 183

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم: لا يسقط حقه بذلك؛ بل له أن يأخذ بعد البيع؛ لأن الشفعة لم تجب بعد، وإنما تجب له بعد البيع، فتركه ما لم يجب له بعد لا معنى له، ولا يسقط حقه إذا وجب.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن الشفعة لا تكون إلا بالشركة في الأرض، أو الحائط، أو الربع، ولا تجب بالجوار، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأوزاعي والليث بن سعد ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور، فإنهم قالوا: لا شفعة إلا لشريك لم يقاسم، ولا تجب الشفعة بالجوار.

وقال ابن حزم: وصح عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وأبي الزناد، وربيعة مثل قول الشافعي ومالك.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: الشفعة فيما وصفتم واجبة للشريك الذي لم يقاسم، ثم هي من بعده واجبة للشريك الذي قاسم بالطريق الذي قد بقي له فيه الشرك، ثم هي من بعده واجبة للجار الملازق.

ش: أي خالف القومَ المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: النخعي والثوري وشريحًا القاضي، وعمرو بن حزم والحسن بن حَيّ، وقتادة والحسن البصري وحماد بن أبي سليمان وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا؛ فإنهم قالوا: تجب الشفعة في الأراضي والرباع والحوائط للشريك الذي لم يقاسم، ثم للشريك الذي يليهم، وقد بقي حق طريقه أو شربه، ثم من بعدهما للجار الملازق. وقال أصحابنا: سبب وجوب الشفعة أحد الأشياء الثلاثة المشتركة في نفس المبيع والخلطة، وهي الشركة في حقوق الملك والجوار، وإن شئت قلت: أحد أسبابه الشركة والجوار.

ثم الشركة نوعان: شركة في ملك المبيع، وشركة في حقوقه كالشرب والطريق، ثم المراد بالجار الملازق، وهو الذي داره على ظهر الدار المشفوعة وبابه في سكة

ص: 184

أخرى، ثم إن السبب عندنا أصل الشركة لا قدرها، وأصل الجوار لا قدره؛ حتى لو كان للدار شريك واحد، أو جار واحد أخذ كل الدار بالشفعة، كثرت شركته وجواره أو قَلَّت، وعلى هذا يخرج قول أصحابنا في قسمة الشفعة بين الشركاء عند اتحاد السبب، وهو الشركة أو الجوار: أنها تقسم على قدر الرءوس لا على قدر الشركة، وبه قال إبراهيم النخعي، والشعبي، والحسن البصري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والثوري، وشريك النخعي، والحسن بن حَيّ، وعثمان البتي، وعُبيد الله بن الحسن، وأبو سليمان، والشافعي في قول، وقال الشافعي في قول آخر: على قدر الشركة في ملك الجميع، حتى لو كانت الدار بين ثلاثة نفر، لأحدهم نصفها، وللآخر ثلثها، وللآخر سدسها، فباع صاحب النصف نصيبه كانت الشفعة بين الباقين أثلاثًا: ثلثاه لصاحب الثلث، وثلثه لصاحب السدس على قدر الشركة، وهو قول عطاء بن أبي رباح، ومحمد بن سيرين، والحسن البصري في رواية، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبي عُبيد وسوار بن عبد الله.

ثم خلف مَن يتأول الشفعة للجار فقال أصحابنا: لا شفعة إلا للجار الملازق كما ذكرناه، وقال الحسن بن حَيّ للجار مطلقًا بعد الشريك.

وقال آخرون: الجار الذي تجب له الشفعة أربعون دارًا حول الدار، وقال آخرون: من كل جانب من جوانب الدار أربعون دارًا. وقال آخرون: هو كل من صلى معه صلاة الصبح في المسجد. وقال بعضهم: أهل المدينة كلهم جيران.

وقال ابن حزم (1): روينا من طريق أبي الجهم، نا أحمد بن الهيثم، نا سليمان بن حرب، ثنا أبو العيزار، سمعت أبا قلابة يقول:"الجوار أربعون دارًا".

ومن طريق ابن الجهم، نا أحمد بن فرج، نا نصر بن علي الجهضمي، نا أبي، نا الوليد، سمعت الحسن يقول:"أربعون دارًا هَاهنا وأربعون دارًا هَاهنا، هي من جوانبنا الأربع، أربعون، أربعون".

(1)"المحلى"(9/ 101).

ص: 185

ومن طريق ابن الجهم: نا أحمد بن محمَّد بن المؤمل خالي، نا علي بن المديني، نا ابن أبي زائدة، عن إسحاق بن فائد:"سئل محمَّد بن علي بن الحسن بن علي: مَن جار الرجل؟ قال: من يصلي معه صلاة الغداة".

ص: وكان من الحجة لهم في ذلك: أن هذا الأثر إنما فيه: أن رسول الله عليه السلام قال: "الشفعة في كل شرك، بأرض، أو ربع، أو حائط" ولم يقل: إن الشفعة لا تكون إلا في كل شرك، فلو قال ذلك نفى أن الشفعة واجبة بغير الشرك، ولكنه إنما أخبر في هذا الحديث أنها واجبة في كل شرك، ولم ينف أن تكون واجبة في غيره، وقد جاء عن جابر بن عبد الله عن النبي عليه السلام ما قد زاد على معنى هذا الحديث:

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا شجاع بن الوليد، عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله عليه السلام: "الجار أحق بشفعة جاره، فإن كان غائبًا انتظر، إذا كان طريقهما واحدًا".

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا عبد الملك، قال: ثنا عطاء، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا إسماعيل بن سالم، قال: ثنا هشيم، قال: أنا عبد الملك، عن عطاء، عن جابر، عن النبي عليه السلام، مثله.

ففي هذا الحديث إيجاب الشفعة في المبيع الذي لا شرك فيه بالشرك في الطريق، فلا يُجعل واحد من هذين الحديثين مضادًّا للحديث الآخر، ولكن يثبتان جميعًا، ويعمل بهما، فيكون حديث أبي الزبير فيه إخبار عن حكم الشفعة للشريك في الذي بيع منه ما بيع، وحديث عطاء فيه إخبار عن حكم الشفعة في المبيع الذي لا شركة لأحد فيه بالطريق.

ش: أي وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه: أن هذا الأثر -أي الحديث- الذي ذكر في هذا الباب الذي رواه أبو الزبير عن جابر إنما

ص: 186

فيه أن رسول الله عليه السلام قال: "الشفعة في كل شرك" يعني الشفعة لغير الشريك؛ لأنه لم يقل: الشفعة لا تكون إلا في كل شرك، على أنه قد جاء أيضًا في حديث عطاء، عن جابر ثبوت الشفعة في المبيع الذي لا شرك فيه بالشرك في الطريق، ولا منافاة بين حديثي جابر؛ لأن في حديثه الذي رواه عنه أبو الزبير إخبارًا عن حكم الشفعة للشريك في الذي بيع منه.

وفي حديثه الذي رواه عنه عطاء إخبارًا عن حكم الشفعة في البيع الذي لا شركة لأحد فيه بالطريق.

فإذا كان كذلك؛ يعمل بالحديثين جميعًا ولا يترك أحدهما.

وفيما قاله أهل المقالة الأولى إعمال أحد الدليلين وإهمال الآخر.

ثم إنه أخرج حديث عطاء عن جابر من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن شجاع بن الوليد بن قيس السكوني، عن عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العرزمي، عن عطاء بن أبي رباح.

وأخرجه الترمذي (1): نا قتيبة، قال: نا خالد بن عبد الله الواسطي، عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء، عن جابر، قال: قال رسول الله عليه السلام: "الجار أحق بشفعته، ينتظر به وإن كان غائبًا، إذا كان طريقهما واحدًا".

الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود، عن هشيم بن بشير، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر.

وأخرجه أبو داود (2): عن أحمد بن حنبل، عن هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبًا، إذا كان طريقهما واحدة".

(1)"جامع الترمذي"(3/ 651 رقم 1369).

(2)

"سنن أبي داود"(3/ 286 رقم 3518).

ص: 187

الثالث: عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني، عن إسماعيل بن سالم الصائغ البغدادي شيخ مسلم، عن هشيم. . . . إلى آخره.

وأخرجه النسائي (1): عن محمَّد بن مثنى، عن يحيى، عن عبد الملك، عن عطاء، عن جابر نحوه.

وأخرجه ابن ماجه (2): عن عثمان بن أبي شيبة، عن هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء، عن جابر نحوه.

فإن قلت: ما حال هذا الحديث عندهم وما سنده؟

قلت: سنده صحيح على شرط مسلم، ولما أخرجه الترمذي حسّنه، وقال: هذا حديث حسن غريب ولا نعلم أحدًا روى هذا الحديث غير عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر. وقد تكلم شعبة في عبد الملك بن أبي سليمان من أجل هذا الحديث.

وعبد الملك ثقة مأمون عند أهل الحديث، لا نعلم أحدًا تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث، وقد روى وكيع، عن شعبة، عن عبد الملك هذا الحديث.

وروى عن ابن المبارك، عن سفيان الثوري قال: عبد الملك بن أبي سليمان ميزان في العلم.

فإن قيل: قال البيهقي: قال الشافعي: سمعنا بعض أهل العلم يقول: نخاف ألا يكون محفوظًا، ثم استدل الشافعي على ذلك برواية أبي سلمة، عن جابر، قال: قال عليه السلام: "الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة". قال: وروى أبو الزبير عن جابر ما يوافق قول أبي سلمة، ويخالف ما روى عبد الملك.

(1) انظر "تحفة الأشراف"(2/ 229 رقم 2434).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 833 رقم 2494).

ص: 188

قلت: في حديث أبي سلمة، عن جابر زيادة وهي قوله:"وصرفت الطريق"، كما رواه البخاري (1) عن محمَّد بن محبوب، عن عبد الواحد بن زياد. وهشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر:"قضى رسول الله عليه السلام بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة".

فانتفى الشفعة مجموع الأمرين، فمقتضاه أنه إذا وقعت الحدود وكان الطريق مشتركًا لا تثبت الشفعة، فيثبت بذلك أن الحديثين متفقان لا مختلفان.

وقد أخرج النسائي في "سننه"(2): عن محمَّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، عن الفضل بن موسى، عن [حسين بن واقد](3)، عن أبي الزبير، عن جابر:"أن النبي عليه السلام قضى بالشفعة بالجوار".

وهذا سند صحيح يظهر به أن أبا الزبير روى ما يوافق رواية عبد الملك لا رواية أبي سلمة كما ذكر الشافعي، وتأيّد هذا بعدة أحاديث يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

فإن قيل: قال البيهقي: إن شعبة قيل له: تدع حديث عبد الملك وهو حسن الحديث. قال: من حسنها فررت.

قلت: كتب الحديث مشحونة بأن شعبة روى عنه، قال الترمذي: روى وكيع، عن شعبة، عن عبد الملك، هذا الحديث كما ذكرناه آنفًا.

فإن قيل: ذكر البيهقي عن جماعة أنهم أنكروا عليه هذا الحديث.

(1)"صحيح البخاري"(2/ 770 رقم 2100، 2101).

(2)

"المجتبى"(7/ 320 رقم 4705).

(3)

في "الأصل": "حرب بن أبي العالية". وهو وهم، والمثبت من "المجتبى"، و"تحفة الأشراف"، ولعله انتقال نظر من المؤلف، حيث يعتمد في تخريجه دائمًا على تحفة الأشراف، و"مسند حرب ابن أبي عالية" فوق "مسند حسين بن واقد" في "التحفة"، فلعله انتقل نظره، وانظر "تحفة الأشراف"(2/ 293 رقم 2686).

ص: 189

قلت: ذكر ما فيه "الكمال" عن ابن معين أنه قال: لم يحدث عنه إلا عبد الملك، وقد أنكر عليه الناس، ولكن عبد الملك ثقة صدوق لا يرد على مثله، وذكر أيضًا عن الثوري وابن حنبل، قالا: هو من الحفاظ. وكان الثوري يسميه الميزان، وعن أحمد بن عبد الله: ثقة ثبت.

وأخرج له مسلم في "صحيحه"، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: روى عنه الثوري وشعبة وأهل العراق، وكان من خيار أهل الكوفة وحفاظهم، والغالب على مَن يحدث من حفظه أن يهم، وليس من الإنصاف ترك حديث شيخٍ ثبتٍ بأوهام من يهم في روايته، ولو (سلمنا ذلك لزمنا)(1) ترك حديث الزهري وابن جريج والثوري وشعبة؛ لأنهم لم يكونوا معصومين.

ص: فقال أصحاب المقالة الأولى: فإنه قد روي عن النبي عليه السلام ما ينفي ما ادعيتم، فذكروا في ذلك ما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن مالك، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة، قال:"قضى رسول الله عليه السلام بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي قُتَيلة المدني، قال: ثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة مثله.

حدثنا سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا عبد الملك بن عبد العزيز ابن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، قال: ثنا مالك. . . . فذكر بإسناده مثله.

قالوا: فنفي هذا الحديث أن تكون الشفعة تجب إذا حددت الحدود.

(1) كذا في "الأصل، ك"، وفي "الثقات" (7/ 97): سلكنا هذا المسلك للزمنا. والشيخ دائما ينقل من المصادر بتصرف منه واختصار، وكذا فعل في باقي هذه الترجمة.

ص: 190

ش: احتجت أهل المقالة الأولى أيضًا فيما ذهبوا إليه من عدم وجوب الشفعة للجار بحديث أبي هريرة وقالوا: هذا ينفي ما ادعيتم من وجوب الشفعة للجار.

وأخرجه من أربع طرق:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن مالك بن أنس، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرجه البيهقي (1): من حديث إسماعيل القاضي، عن ابن المديني، عن أبي عاصم، ثنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب -أو عن أبي سلمة- عن أبي هريرة:"أن رسول الله عليه السلام قضى بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة".

قال البيهقي: وكذا شك غيره.

الثاني: عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن أبي عاصم النبيل، عن مالك، نحوه.

وأخرجه ابن ماجه (2): عن محمَّد بن يحيى، عن أبي عاصم النبيل عن مالك. . . . إلى آخره.

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن يحيى بن إبراهيم بن عثمان ابن داود المعروف بابن أبي قُتَيلة المدني، عن مالك. . . . إلى آخره.

وأخرجه البيهقي (3): من حديث محمَّد بن إسماعيل الترمذي، عن ابن أبي قتيلة، عن مالك.

الرابع: عن سعد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري، عن عبد الملك ابن الماجشون، عن مالك.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(6/ 104 رقم 11349).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 834 رقم 2497).

(3)

"سنن البيهقي الكبرى"(6/ 103 رقم 11345).

ص: 191

وأخرجه النسائي (1): عن سليمان بن داود، عن عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، عن مالك، عن الزهري، عن ابن المسيب وأبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام:"إذا قسمت الأرض وحددت فلا شفعة فيها".

ص: فكان من الحجة عليهم أن الحديث على أصل المحتج به علينا لا تجب به حجة؛ لأن الأثبات من أصحاب مالك إنما رووه عن مالك منقطعًا، لم يرفعوه إلى أبي هريرة.

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر والقعنبي، قالا: ثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب قال:"قضى رسول الله عليه السلام بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: ثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب وأبي سلمة، مثله.

فصار هذا الحديث منقطعًا، والمنقطع لا تقوم به حجة، ثم لو ثبت هذا الحديث واتصل إسناده لم يكن فيه عندنا ما يخالف الحديث الذي ذكرناه عن عطاء عن جابر؛ لأن الذي في هذا الحديث إنما هو قول أبي هريرة:"قضى رسول الله عليه السلام بالشفعة فيما لم يُقسم" فكان بذلك مخبرًا عما قضى به رسول الله عليه السلام بالشفعة، ثم قال بعد ذلك: "فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، وكان ذلك قولًا من رأيه لم يحكه عن رسول الله عليه السلام.

وإنما يكون هذا الحديث حجة على من ذهب إلى وجوب الشفعة بالجوار لو كان أن رسول الله عليه السلام قال: الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، فيكون ذلك نفيًا من رسول الله عليه السلام لما قد قُسم أن يكون فيه الشفعة، ولكن

(1) انظر "تحفة الأشراف"(10/ 42 رقم 13241).

ص: 192

أبا هريرة إنما أخبر في ذلك عن رسول الله عليه السلام بما عليه من قضائه، ثم نفى الشفعة برأيه ما لم يعلم من رسول الله عليه السلام فيه حكمًا، وعلمه غيره.

ش: أي فكان من الدليل والبرهان على أهل المقالة الأولى، وأراد بها الجواب عما قالوه، بيانه أن يقال: إن هذا الحديث لا تقوم به حجة علينا؛ لأنه في الأصل منقطع، لأن الحفاظ الأثبات رووه عن مالك لم يرفعوه إلى أبي هريرة، وقال أبو عمر: هكذا روى هذا الحديث عن مالك أكثر الرواة للموطأ وغيره مرسلًا، إلا عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون، وأبا عاصم النبيل، ويحيى بن إبراهيم بن داود بن أبي قتيلة المدني، وأبا يوسف القاضي؛ فإنهم رووه عن مالك بهذا الإسناد متصلًا عن أبي هريرة مسندًا.

وأخرج الطحاوي ذلك من طريقين:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، وعبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، كلاهما عن مالك.

وأخرجه النسائي (1): عن الحارث، عن أبي القاسم، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد وأبي سلمة، عن النبي عليه السلام.

الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك.

وأخرجه ابن ماجه (2): عن محمَّد بن حماد الظهراني، عن أبي عاصم، عن مالك، عن الزهري، عن سعيد، عن النبي عليه السلام.

قوله: "ثم لو ثبت هذا الحديث. . . ." إلى آخره جواب آخر بطريق التسليم، بيانه أن يقال: سلمنا أن هذا الحديث متصل، ولكن لا نسلم أن يكون فيه خلاف لحديث جابر بن عبد الله الذي رواه عنه عطاء بن أبي رباح، وقد أوضح ذلك بقوله:"لأن الذي في هذا الحديث. . . ." إلى آخره، وهو ظاهر.

(1) انظر "تحفة الأشراف"(10/ 42 رقم 13241).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 834 رقم 2497).

ص: 193

ص: ثم قد روى معمر هذا الحديث فخالف مالكًا في متنه وإسناده:

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:"قضى رسول الله عليه السلام في كل ما لم يقسم بالشفعة، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة".

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر فذكر بإسناده مثله.

ففي هذا الحديث نفي الشفعة بعد وقوع الحدود وصرف الطرق، فذلك دليل على ثبوتها قبل صرف الطرق وإن حُدَّت الحدود، فقد وافق هذا الحديث حديث عبد الملك، عن عطاء، وزاد على ما روى مالك فهو أولى منه.

ش: هذا جواب آخر، تقريره أن يقال: إن معمر بن راشد قد روى هذا الحديث، عن محمَّد بن مسلم الزهري، فخالف مالكًا في متنه وإسناده، حيث قال في حديثه:"قضى رسول الله عليه السلام في كل ما لم يقسم بالشفعة، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة".

وأخرجه من طريقين:

الأول: إسناده صحيح: عن أحمد بن داود المكي، عن مسدد شيخ البخاري وأبي داود، عن عبد الواحد بن زياد العنبري البصري، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، عن جابر.

وأخرجه البخاري (1): عن محمَّد بن محبوب، عن عبد الواحد بن زياد، وهشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهري. . . . إلى آخره نحوه.

الثاني: عن أحمد بن داود أيضًا، عن يعقوب بن حميد بن كاسب المدني، فيه مقال، عن عبد الرزاق بن همام، عن معمر، عن الزهري.

(1)"صحيح البخاري"(10/ 770 رقم 2100، 2101).

ص: 194

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(1).

وهذا دليل على ثبوت الشفعة قبل صرف الطرق وإن حُدَّت الحدود، فحينئذ يكون هذا الحديث موافقًا لحديث عبد الملك، عن عطاء، وفيه زيادة على ما رواه مالك، فيكون هو أولى منه.

فإن قيل: قال ابن حزم (2): هذا لا حجة لهم فيه؛ لأنه ليس في هذا اللفظ نص ولا دليل على أن ذلك لا يكون إلا في الأرض والعقار والبناء؛ بل الحدود واقعة في كل ما يقسم من طعام وحيوان وثياب وعروض، وإلى كل ذلك طريق ضرورة، كما هو إلى البناء وإلى الحائط ولا فرق.

قلت: هذا كلام مخبط؛ لأن أحدًا لم يقل: إن الطعام له حدود أو الحيوان له حدود، أو الثوب له حدود، وكيف وقد روى أبو حنيفة، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شفعة إلا في دار أو عقار".

أخرجه البيهقي (3): من حديث أبي أسامة الحلبي، عن الضحاك بن حجوة المنبجي، عن عبد الله بن واقد، عن أبي حنيفة به.

ص: وقد يحتمل أيضًا حديث مالك أن يكون عَنِي بوقوع الحدود التي نفيت بوقوعها الشفعة في الدور والطرق، فيكون المبيع لا شرك لأحد فيه ولا في طريقه، فيكون معنى هذا الحديث مثل معنى حديث معمر، وهو أولى ما حمل عليه حتى لا يتضاد هو وحديث معمر، وقد روى ابن جريج، عن الزهري ما يوافق ما روى معمر:

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا ابن أبي رَوّاد، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، أن النبي عليه السلام قال:"إذا حُدَّت الطرق فلا شفعة".

(1)"مصنف عبد الرزاق"(8/ 79 رقم 14391).

(2)

"المحلى"(9/ 86).

(3)

"السنن الكبرى"(6/ 109 رقم 11377).

ص: 195

ش: هذا جواب آخر، بيانه أن يقال: يجوز أن يراد بوقوع الحدود في حديث مالك التي تنفي ثبوت الشفعة بوقوعها في الدور والطرق جميعًا، فيكون المبيع لا شرك لأحد فيه ولا في طريقه، وذلك ليتفق معنى حديث مالك مع معنى حديث معمر، ولا يتضادان؛ لأنا إذا جعلنا قوله في حديث مالك:"فإذا وقعت الحدود" في الدور وحدها يضاده حديث معمر بحسب الظاهر؛ لأنه أعم من ذلك، حيث يشتمل وقوع الحدود فيه الدور والطرق، فإذا أُوِّل حديث مالك على ما ذكرنا؛ يتفق الخبران ويرتفع التضاد.

قوله: "وقد روى ابن جريج. . . ." إلى آخره. مرسل منقطع.

أخرجه عن أحمد بن داود المكي، عن يعقوب بن حميد، عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ميمون المكي، عن عبد الملك بن جريج، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن النبي عليه السلام.

ص: فإن قال قائل: فقد ثبت بما ذكرت وجوب الشفعة بالشرك في الدور والأرضين وبالشرك في الطريق إلى ذلك، فمن أين أوجبت الشفعة بالجوار؟

قيل له: أوجبتها بما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا علي بن بحر القطان وأحمد بن جناب، قالا: ثنا عيسى بن يونس، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله عليه السلام قال:"جار الدار أحق بالدار".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا علي وأحمد، قالا: ثنا عيسى بن يونس، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"جار الدار أحق بشفعة الدار".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عفان، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة. . . . فذكر بإسناده مثله.

ص: 196

حدثنا ابن مرزوق وأحمد بن داود، قالا: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، عن [قتادة](1). . . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا حُميد وقتادة، عن الحسن، عن النبي عليه السلام مثله، ولم يذكر سمرة.

حدثنا أحمد بن أبي عمران، قال: ثنا أحمد بن جَنَاب (ح).

وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا علي بن بحر وأحمد بن جَنَاب، قالا: ثنا عيسى بن يونس، عن شعبة، عن يونس، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن الحكم، عن من سمع عليًّا وعبد الله رضي الله عنهما يقولان:"قضى رسول الله عليه السلام بالجوار".

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا محمَّد بن كثير، قال: ثنا سفيان -هو الثوري- عن أبي حيان، عن أبيه، عن عمرو بن حريث، مثله.

ففي هذه الآثار وجوب الشفعة بالجوار.

ش: أخرج في وجوب الشفعة بالجوار أحاديث عن أنس بن مالك، وسمرة ابن جندب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمرو بن حريث رضي الله عنهم.

أما عن أنس رضي الله عنه فأخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن علي بن بحر القطان البغدادي شيخ أبي داود، والبخاري في التعليقات، وعن أحمد بن جَنَاب -بفتح الجيم والنون المخففة- بن المغيرة المِصِّيصي شيخ مسلم وأبي داود، كلاهما عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه.

(1) ليست في "الأصل، ك" والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 197

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمَّد بن هاشم، ثنا علي بن بحر، نا عيسى بن يونس، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله عليه السلام قال:"جار الدار أحق بالدار".

فإن قيل: قال الترمذي (1): وروى عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي عليه السلام أنه قال:"جار الدار أحق بالدار".

وروي عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي عليه السلام.

والصحيح عند أهل العلم حديث الحسن عن سمرة، ولا نعرف حديث قتادة، عن أنس إلا من حديث عيسى بن يونس.

قلت: عيسى بن يونس حجة ثَبْت، فقال ابن المديني حين سئل عنه: بخ بخ، ثقة مأمون. وقال محمَّد بن عبد الله بن عمار: عيسى حجة، وهو أثبت من إسرائيل. وقال العجلي: كان ثبتًا في الحديث.

فإذا كان كذلك فلا يضر كون الحديث عنه وحده، وقد قال البزار: وعيسى بن يونس جمع الحديثين جميعًا عن قتادة، عن أنس.

وعن الحسن، عن سمرة بن جندب.

والحديث أخرجه ابن حبان أيضًا في "صحيحه"(2) نحوه.

وأما عن سمرة فأخرجه من ستة طرق صحاح أحدهما مرسل:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن علي بن بحر القطان وأحمد بن جناب، كلاهما عن عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب.

(1)"جامع الترمذي"(3/ 650 رقم 1368).

(2)

"صحيح ابن حبان"(11/ 585 رقم 5182).

ص: 198

وأخرجه الترمذي (1): نا علي بن حجر، قال: أنا إسماعيل بن علية، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جار الدار أحق بالدار".

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عفان بن مسلم الصفار، عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): عن إسماعيل، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله عليه السلام: "جار الدار أحق بالدار".

الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق وأحمد بن داود المكي، كلاهما عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة.

وأخرجه أبو داود (3): ثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي عليه السلام قال:"جار الدار أحق بدار الجار أو الأرض".

الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق أيضًا، عن عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن حميد وقتادة، كلاهما عن الحسن، عن النبي عليه السلام.

وهذا مرسل.

وأخرج أحمد في "مسنده"(4) بهذا الإسناد متصلًا: ثنا عفان، نا حماد، عن قتادة، وحميد، عن الحسن، عن سمرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"الجار أحق بالجوار".

(1)"جامع الترمذي"(3/ 650 رقم 1368).

(2)

"مسند أحمد"(5/ 13 رقم 20159).

(3)

"سنن أبي داود"(2/ 308 رقم 3517).

(4)

"مسند أحمد"(5/ 8 رقم 20100).

ص: 199

الخامس: عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي، عن أحمد بن جَنَاب، عن عيسى بن يونس، عن شعبة، عن يونس بن عُبيد بن دينار البصري، عن الحسن البصري.

وأخرجه الطبراني (1): نا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: ثنا أحمد بن جناب المصيصي، نا عيسى بن يونس، عن شعبة، عن يونس بن عُبيد، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال رسول الله عليه السلام: "جار الدار أحق بالدار".

السادس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن علي بن بحر القطان وأحمد بن جَنَاب، كلاهما عن عيسى بن يونس، عن شعبة، عن يونس بن عُبيد، عن الحسن، عن سمرة.

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" ولفظه: "جار الدار أحق بشفعة الدار".

فإن قيل: الحسن لم يسمع من سمرة إلا ثلاثة أحاديث، وهذا ليس منها.

قلت: قد ذكرنا غير مرة أن الحسن قد سمع من سمرة عدة أحاديث، قاله الترمذي عن البخاري، وقال الحاكم في أثناء كتاب البيوع في "المستدرك" (2): قد احتج البخاري بالحسن عن سمرة. وذلك بعد أن روى حديثًا من رواية الحسن عن سمرة رضي الله عنه.

وأما عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: فأخرجه عن أبي بكرة بكّار القاضي، عن أبي أحمد محمَّد بن عبد الله بن الزبير، عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن الحكم بن عتيبة، عمن سمع عليًّا وعبد الله .. إلى آخره.

وفيه مجهول.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور،

(1)"معجم الطبراني الكبير"(7/ 222 رقم 6923).

(2)

"المستدرك"(2/ 41 رقم 2251).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 518 رقم 22716).

ص: 200

عن الحكم، عن علي وعبد الله رضي الله عنهما قالا:"قضى رسول الله عليه السلام بالشفعة للجوار".

قلت: هذا منقطع؛ لأن الحكم لم يدرك عليًّا ولا عبد الله رضي الله عنهما.

وأما عن عمرو بن حريث فأخرجه بإسناد صحيح عن أحمد بن داود المكي، عن محمد بن كثير العبدي البصري شيخ البخاري وأبي داود، عن سفيان الثوري، عن أبي حيان -بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف- يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي، عن أبيه سعيد بن حيان التيمي الكوفي، عن عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر المخزومي الصحابي.

وأخرجه ابن أبي شيبة (1) موقوفًا عليه: ثنا معاوية بن هشام، قال: ثنا سفيان، عن أبي حيان، عن أبيه:"أن عمرو بن حريث كان يقضي بالجوار".

أي يقضي للجار بالشفعة بسبب الجوار.

ص: فإن قال قائل: قد يجوز أن يكون هذا الجار شريكًا، فإنه قد يقال للشريك: جار.

قيل له: ما في الحديث ما قد يدل على شيء مما ذكرت، ولكنه قد روي عن أبي رافع ما قد دلَّ على أن ذلك الجار هو الذي لا شركة له.

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد قال:"أتاني المسور بن مخرمة فوضع يده على أحد منكبيَّ، فقال: انطلق بنا إلى سعد، فأتينا سعد بن أبي وقاص في داره، فجاء أبو رافع فقال للمسور: ألا تأمر هذا -يعني سعدًا- أن يشتري مِنِّي بيتين في داري. فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعمائة دينار مقطعة أو منجمة، فقال: سبحان الله لقد أُعطِيتُ به خمسمائة دينار نقدًا، ولولا أني سمعت رسول الله عليه السلام يقول: الجار أحق بسقبه ما بعتك".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 519 رقم 22728).

ص: 201

فدل ما ذكرنا أن ذلك الجار الذي عناه رسول الله عليه السلام هو الجار الذي تعرفه العامة، ومن أعطاك أن الشريك يقال له: جار وأين وجدت هذا في لغات العرب؟ فإن قال: لأني قد رأيت المرأة تسمى جارة زوجها.

قيل له: صدقت، قد سُميت المرأة جارة زوجها، ليس لأن لحمها مخالط للحمه، ولا دمها مخالط لدمه، ولكن لقربها منه، فكذلك الجار سمي جارًا لقربه من جاره، لا لمخالطته إياه فيما جاوره به.

وأنت فقد زعمت أن الآثار على ظاهرها، فكيف تركت الظاهر في هذا ومعه الدليل، وتعلقت بغيره مما لا دلالة معه؟!.

ش: هذا القائل هو الشافعي، فإنه أَوَّلَ الجار في الأحاديث المتقدمة بالشريك، وقال: قد يقال للشريك جارٌ، ونفى الطحاوي هذا الإطلاق؛ حيث قال: قيل له -أي لهذا القائل: ما في الحديث ما قد يدل على شيء مما ذكرت- أي مما ذكرت من أن المراد من الجار الشريك.

ثم أخرج حديث أبي رافع -لكونه دالًا على أن ذلك الجار الذي ذكره رسول الله عليه السلام في الأحاديث المتقدمة هو الذي لا شركة له- عن أحمد بن داود المكي، عن يعقوب بن حميد بن كاسب المدني شيخ ابن ماجه، فيه مقال، عن سفيان بن عُيينة، عن إبراهيم بن ميسرة الطائفي، وثقه يحيى وغيره وروى له الشيخان، عن عمرو بن الشريد بن سويد الثقفي الطائفي، قال العجلي: حجازي تابعي ثقة. روى له الجماعة الترمذي في "الشمائل"، قال: "أتاني المِسْوَر -بكسر الميم- بن مَخْرمة -بفتح الميم- بن نوفل، له ولأبيه صحبة.

وأبو رافع القبطي مولى النبي عليه السلام، يقال: اسمه إبراهيم، ويقال: أسلم، ويقال: ثابت، ويقال: هرمز.

ص: 202

والحديث أخرجه البخاري (1): عن مكي، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد:"أنه وقف على سعد، فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على منكبي، إذ جاء أبو رافع مولى رسول الله عليه السلام، فقال: يا سعد، ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة، قال أبو رافع: لقد أُعْطِيتُ بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت رسول الله عليه السلام يقول: الجار أحق بصقبه ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطى بها خمسمائة دينار، فأعطاها إياه".

ومنهم من قال: "بيتًا"، وفي رواية مختصرًا:"الجار أحق بصقبه".

وأخرجه أبو داود (2) والنسائي أيضًا (3).

قوله: "ألَا تأمر" كلمة "ألا" للتحضيض، كأنه يحرض المخاطب بالفعل الذي يأمره به.

قوله: "مقطعة أو منجمة" أراد بالمقطعة المؤداة في دفعات، وهي والمنجمة سواء؛ لأن تنجيم الدين هو أن يقرر عطاءه في أوقات معدودة.

قوله: "بسقبه" السقب -بالسين المهملة- في الأصل القرب، يقال: سقب الدار وأُسْقِبَت أي قَرُبت، ويقال بالصاد أيضًا، قال ابن الأثير: الصقب: القرب والملاصقة. وقال الجوهري: صَقِبت داره -بالكسر- أي قربت، وفي الحديث:"الجار أحق بصقبه" ويقال: أصقبه فصقب، أي قَرَّبه فَقَرُبَ، وقال في فصل السين: السقب: القرب، وقد سَقِبَتَ -بالكسر- داره أي قربت، وأسقبتها أي قربتها.

ومعنى قوله: "الجار أحق بسقبه" أي بسبب قربه يعني أن الجار أحق بالشفعة من الذي ليس بجار، وتأويل الشافعي الجار بالشريك بعيد كما ذكرنا، وكذا

(1)"صحيح البخاري"(2/ 787 رقم 2139).

(2)

"سنن أبي داود"(2/ 308 رقم 3516).

(3)

"المجتبى"(3/ 652 رقم 1370).

ص: 203

تأويله السقب بالبر والمعونة يعني أنه أحق بالبر والمعونة بسبب قربه من جاره، فهذا كله خلاف الأصل.

قوله: "أن ذلك الجار الذي عناه" أي قصده رسول الله عليه السلام هو الجار الذي يعرفه العامّة.

فإن قيل: إذا كان المراد من الجار هو الذي تعرفه العامة، فما وجه التخصيص بالجار الملازق، والجار أعم من الملازق وغيره، ولهذا رأى بعضهم الشفعة لكل جار سواء كان ملازقًا أو لم يكن، حتى إن بعضهم ذهبوا إلى أن الجار الذي تجب له الشفعة أربعون دارًا حول الدار، روي ذلك عن الحسن البصري، وقد ذكرنا الخلاف فيه مستوفى.

قلت: لأن الحكمة فيها دفع ضرر الدخيل، ولا يوجد ذلك إلا في الجار الملازق، إلا أن الشريك في نفس المبيع أو حقه إنما يقدم على الجار؛ لأن ضرر الدخيل يكون فيه أشد أو أكثر، بخلاف الجار غير الملازق فإنه وسائر الناس سواء، وعن هذا قال أبو يوسف: إذا كان خليط بين داري رجلين والحائط بينهما أن الشريك في الحائط أولى أن يجمع الدار؛ لأنه شريك في بعض المبيع، فكان أولى من الجار الذي لا شرك له كالشريك في الشرب والطريق، وعن أبي يوسف في رواية وهي قول زفر أيضًا: أن صاحب الشرك في الحائط أولى من الجار بالحائط وبقية الدار، فأخذها بالجوار مع الجار بينهما لاستوائهما في الجوار.

ص: ثم قد روي عن رسول الله عليه السلام من إيجابه الشفعة بالجوار، وتفسيره ذلك الجوار:

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا أبو أسامة، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه الشريد بن سويد، قال:"قلت: يا رسول الله، أرضي ليس لأحد فيها قسم، ولا شرك إلا الجوار بيعت، قال: الجار أحق بسقبه".

ص: 204

فكان قول رسول الله عليه السلام: "الجار أحق بسقبه" جوابًا لسؤال الشريد إياه عن أرض منفردة لا حَقَّ لأحدٍ فيها ولا طريق، فدل ما ذكرنا أن الجار الملازق تجب له الشفعة بحق جواره.

فقد ثبت بما روينا من الآثار في هذا الباب وجوب الشفعة بكل واحد مِن معان ثلاثة: بالشرك في المبيع، بيع منه ما بيع، وبالشرك في الطريق إليه، وبالمجاورة له، فليس ينبغي ترك شيء منها، ولا حمل بعضها على التضاد لبعض إذ كانت قد خرجت على الاتفاق من الوجوه التي ذكرنا، على ما شرحنا وبيَّنَّا في هذا الباب.

ش: ذكر هذا تأييدًا لما ذكره من أن الجار الذي ذُكر في الحديث هو الجار المعهود الذي تعرفه العامة.

أخرجه بإسناد صحيح: عن فهد بن سليمان، عن أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة، عن أبي أسامة حماد بن أسامة بن زيد القرشي الكوفي، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه الشريد بن سويد الثقفي الصحابي رضي الله عنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1) وابن جرير الطبري في "تهذيبه" ولفظه: "ليس فيها لأحد شِرب ولا قسم إلا الجوار".

وقال ابن جرير: ورواه عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن الشريد بن سويد -من حضرموت- أنه عليه السلام قال:"الجار والشريك أحق بالشفعة ما كان يأخذها أو يترك".

فظاهر عطف الشريك على الجار يقتضي أن الجار غير الشريك، وهذا مما يُبطل تأويل الشافعي أن المراد من الجار الشريك.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 519 رقم 22729).

ص: 205

قوله: "بالشرك في المبيع" أي بالنصيب في نفس المبيع، وهو أن يكون شريكه في رقبة المبيع.

قوله: "وبالشرك في الطريق إليه" أراد به أن يكون شريكًا في حق المبيع مثل الطريق والشرب.

ص: فإن قال قائل: فقد جعلت هؤلاء الثلاثة شفعاء بالأسباب التي ذكرت، فلم أوجبت الشفعة لبعضهم دون بعض إذا حضروا وطالبوا بها وقدمت بعضهم فيها على حق بعض ولم تجعلها لهم جميعًا إذ كانوا كلهم شفعاء؟.

قيل له: لأن الشريك في الشيء المبيع خليط فيه وفي الطريق إليه، فمعه من الحق في الطريق مثل الذي مع الشريك في الطريق، ومعه اختلاط ملكه بالشيء المبيع، وليس ذلك مع الشريك في الطريق، فهو أولى منه ومن الجار الملازق، ومع الشريك في الطريق، شركه في الطريق وملازقة للشيء المبيع فمعه من أسباب الشفعة مثل الذي مع الجار الملازق، ومعه أيضًا ما ليس مع الجار الملازق من اختلاط حق ملكه في الطريق بملكه فيه، فلذلك كان -عندنا- أولى بالشفعة منه.

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: حاصل السؤال: أن الشفعاء لما كانوا ثلاثة، وهم: الشريك في نفس المبيع، والشريك في حق المبيع، والجار الملازق كان ينبغي أن يتساووا في الشفعة، ولا يقُدَّم بعضهم على بعض إذ العلة في الكل واحدة.

وحاصل الجواب: أن الشريك في نفس المبيع، له من الحق ما للشريك في حق المبيع وزيادة، فيقدم على الشريك في حق المبيع، وأن الشريك في حق المبيع له من الحق ما ليس للجار الملازق، فيقدم عليه.

ص: وقد روي ذلك عن شريح:

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: أنا سفيان، عن هشام، عن محمد، عن شريح، وأشعث -أظنه عن الشعبي عن شريح- قال:"الخليط أحق من الشفيع، والشفيع أحق ممن سواه".

ص: 206

حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثني إسماعيل بن سالم، قال: أنا هشيم، عن يونس، وهشام، عن محمد (ح).

وحدثنا أحمد قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، عن هشام، عن محمد، عن شريح، مثله.

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا شريك، عن جابر، عن عامر، عن شريح قال:"الشفعة شفعتان: شفعة للجار وشفعة للشريك".

ش: أي قد روي ما ذكرنا من الترتيب في حق الشفعاء الثلاثة، عن شريح بن الحارث الكندي القاضي.

وأخرج ذلك عنه من أربع طرق:

الأول: إسناده صحيح، عن أحمد بن داود المكي، عن محمد بن كثير العبدي شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيربن، عن شريح.

وروى سفيان أيضًا، عن أشعث بن سوَّار الكندي الكوفي، عن عامر بن شراحيل الشعبي، عن شريح.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه "(1): ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن الشعبي، عن شريح، قال:"الخليط أحق من الشفيع، والشفيع: الجار، والجار أحق ممن سواه".

قوله: "الخليط أحق من الشفيع" أراد بالخليط الشريك في نفس المبيع وحق المبيع، وأراد بالشفيع الجار الشفيع، فهذا قدم الشريك على الجار.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 519 رقم 22725).

ص: 207

الثاني: عن أحمد أيضًا، عن إسماعيل بن سالم الصائغ شيخ مسلم، عن هشيم ابن بشير، عن يونس بن عبيد البصري وهشام بن حسان، كلاهما عن محمد بن سيرين، عن شريح.

الثالث: عن أحمد أيضًا، عن يعقوب بن حميد بن كاسب فيه مقال، عن عبد الله بن رجاء الغداني شيخ البخاري، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن شريح.

الرابع: عن رَوح بن الفرج القطان المصري، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري، عن شريك بن عبد الله النخعي، عن جابر الجعفي فيه مقال، عن عامر الشعبي، عن شريح.

وأخرج عبد الرزاق (1): عن سفيان الثوري، عن جابر، عن الشعبي، عن شريح:"قال في الجار: الأول فالأول. يعني في الشفعة".

ص: فإن قال قائل: فقد روي عن عثمان رضي الله عنه خلاف هذا فذكر ما حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا إسماعيل بن سالم، قال: ثنا هشيم، عن محمد بن إسحاق، عن منظور بن أبي ثعلبة، عن أبان بن عثمان، قال: قال عثمان رضي الله عنه: "لا مكابلة، إذا وقعت الحدود فلا شفعة".

قيل له: قد روي هذا عن عثمان كما ذكرت، وليس فيه عندنا حجة؛ لأنه قد يجوز أن يكون أراد بذلك إذا حدت الحدود من الحقوق كلها، وأدخل الطريق في ذلك، فيكون ذلك موافقًا لما قد رويناه عن جابر في هذا الباب:"إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" ولو كان على ما تأولتموه عليه لكان قد خالفه في ذلك سعد بن أبي وقاص، والمسور بن مخرمة، وأبو رافع فيما قد رويناه عنهم فيما مضى من هذا الباب.

(1)"مصنف عبد الرزاق"(8/ 82 رقم 14402).

ص: 208

ش: هذا اعتراض على ما روي عن شريح في إيجاب الشفعة بالجوار بعد إيجابها للخليط بما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

أخرجه بإسناد جيد: عن أحمد بن داود، عن إسماعيل بن سالم شيخ مسلم، عن هشيم بن بشير، عن محمد بن إسحاق المدني، عن منظور بن أبي ثعلبة بن أبي مالك القرظي، عن أبان بن عثمان، عن أبيه عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وأخرجه سعيد بن منصور: عن هشيم، أنا محمد بن إسحاق، عن منظور بن أبي ثعلبة، عن أبان بن عثمان، أن أباه عثمان قال:"لا مكابلة، إذا وقعت الحدود فلا شفعة".

وأخرجه ابن حزم (1): من طريق سعيد بن منصور.

وجه الاعتراض به: أن عثمان رضي الله عنه إنما كان يرى الشفعة للخليط؛ لأنه قال: "لا مكابلة" قال أبو عبيد في "الغريب": قال الأصمعي: المكابلة تكون في الحبس، يقول: إذا حدت الحدود فلا يحبس أحد عن حقه. وأصل هذا من الكَبْل، وهو القيد، قال ابن الأثير: الكبل هو القيد. وهذا على مذهب من لا يرى الشفعة إلا للخليط، وقيل: المكابلة: أن تباع الدار التي جنب دارك وأنت تريدها فتؤخرها حتى يستوجبها المشتري، ثم تأخذها بالشفعة، وهي مكروهة. وهذا عند من يرى شفعة الجوار.

قلت: المكابلة مفاعلة من الكبل -بالباء الموحدة- ولقد جعل هذا بعض مَن لا خبرة له بالفنون، ولا يَدَ لَهُ في الحديث ومتونه، من الكيل -بالياء آخر الحروف- وهذا غلط فاحش هَاهنا.

والجواب عنه ما قاله: بقوله: "قيل له. . . ." إلى آخره.

حاصله: أن أثر عثمان ليس فيه حجة علينا؛ لأنه يحتمل أن يكون عثمان رضي الله عنه أراد بذلك إذا حدت الحدود كلها وأدخل الطريق في ذلك، كما مَرَّ نظير هذا في

(1)"المحلى"(9/ 105).

ص: 209

حديث جابر رضي الله عنه وهو: "فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة"؛ فإن فيه نفي الشفعة بعد وقوع الحدود وصرف الطرق، وذلك دليل على ثبوتها قبل صرف الطرق، وإن حدت الحدود، فافهم.

ولو كان معناه على ما ذكره المعترض؛ لوقع بينه وبين ما روي عن سعد بن أبي وقاص والمسور بن مخرمة وأبي رافع الذي تقدم فيما مضى.

ص: وقد روي عن عمر رضي الله عنه أيضًا في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يزيد بن خالد بن موهب، قال: ثنا ابن إدريس، عن يحيى بن سعيد، عن عون بن عبيد الله بن أبي رافع، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، قال: قال عمر رضي الله عنه: "إذا وقعت الحدود وعرف الناس حقوقهم فلا شفعة".

فقد وافق هذا ما رويناه عن عثمان، واحتمل ما احتمله حديث عثمان رضي الله عنه.

ش: أي وقد روي عن عمر بن الخطاب أيضًا مثل ما روي عن عثمان.

أخرجه بإسناد صحيح، عن أحمد بن داود المكي، عن يزيد بن خالد بن موهب الهمداني الرَمْلي الزاهد شيخ أبي داود، عن عبد الله بن إدريس الزَّعَافري الكوفي، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عون بن عبيد الله بن أبي رافع، عن عُبيد الله -بتصغير العبد- بن عبد الله -بالتكبير- بن عمر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عون بن عبد الله بن أبي رافع، عن عبيد الله بن عبد الله، قال: قال عمر بن الخطاب: "إذا وقعت الحدود وعرف الناس حدودهم، فلا شفعة بينهم".

وأخرجه سعيد بن منصور أيضًا في "سننه": عن إسماعيل بن زكرياء، عن يحيى بن سعيد. . . . إلى آخره نحوه.

ص: وقد روي عن عمر رضي الله عنه خلاف ذلك أيضًا:

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 510 رقم 22745).

ص: 210

حدثنا أحمد، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا ابن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي بكر بن حفص:"أن عمر رضي الله عنه كتب إلى شريح أن يقضي بالشفعة للجار الملازق".

ش: أي قد روي عن عمر بن الخطاب خلاف ما روي عنه عبيد الله بن عبد الله. وأشار بهذا إلى أن رواية عمر هذه تفسر مراده من حديثه الأول، ولو لم نصِر إلى هذا تلزم المعارضة بين روايتيه، والتوفيق بينهما بهذا الوجه أحسن مِنْ إهدارهما.

وأخرج هذه الرواية عن أحمد بن داود المكي، عن يعقوب بن حميد المدني، عن سفيان بن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي بكر عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن عُيينة، عن عمرو، عن أبي بكر بن حفص:"أن عمر رضي الله عنه كتب إلى شريح أن يقضي بالجوار. قال: فكان شريح يقضي للرجل من أهل الكوفة على الرجل من أهل الشام".

وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه": ثنا سفيان بن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي بكر بن حفص، قال شريح:"كتب إليَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اقض بالشفعة للجار". زاد بعضهم: "للجار المطلق".

ص: وقد روي أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه السلام ما يدل على أن الشفعة تجب بالشرك في الطريق:

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا نعيم، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن أبي حمزة السكري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن إدريس، عن

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 519 رقم 22724).

ص: 211

ابن جريج، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنه قال:"قضى رسول الله عليه السلام بالشفعة في كل شيء، فلما كان الشريك في الطريق سمي شريكًا، كان داخلًا في ذلك".

ش: ذكر هذا حجة على مَن يقول من أهل المقالة الأولى: إن الشفعة لا تجب إلا لشريك لم يقاسم؛ وذلك لأن قوله عليه السلام: "الشريك شفيع" أعم من أن يكون شريكًا قاسم أو شريكًا لم يقاسم، وسواء كان شريكًا في حق المبيع أو شريكًا في نفس المبيع.

وأخرج في ذلك عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم.

أما عن ابن عباس فأخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن نُعيم بن حماد المروزي الفارضي الأعور شيخ البخاري في المقرنات، عن الفضل بن موسى السيناني أحد أصحاب أبي حنيفة، عن أبي حمزة -بالحاء المهملة والزاي المعجمة- محمد بن ميمون المروزي السكري، عن عبد العزيز بن رفيع الأسدي المكي، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة زهير المكي الأحول قاضي عبد الله بن الزبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وأخرجه البيهقي (1) من حديث نعيم بن حماد. . . . إلى آخره.

وأخرجه الدارقطني (2): عن البغوي، عن الحسين بن حريث، عن الشيباني، عن أبي حمزة نحوه.

وقال الدارقطني: خالفه شعبة وإسرائيل وعمرو بن أبي قيس وأبو بكر بن عياش، رووه عن عبد العزيز، عن ابن أبي مليكة مرسلًا، وهو الصواب.

وأما عن جابر فأخرجه عن محمد بن خزيمة بن راشد، عن يوسف بن عدي شيخ البخاري، عن عبد الله بن إدريس الكوفي، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(6/ 109 رقم 11378).

(2)

"سنن الدارقطني"(4/ 222 رقم 69).

ص: 212

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه القاضي أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن مسلمة المعروف بابن أبي حنيفة من طريق في جعفر، نحوه (1).

ص: فإن قال قائل: فأنت لا تقول بهذا الحديث؛ لأنه يوجب الشفعة في كل شيء من حيوان وغيره، وكنت لا توجب الشفعة في الحيوان.

قيل له: هذا على ما ذكرت إنما معنى "قضى بالشفعة في كل شيء" أي في الدور والعقار والأرضين، والدليل على ذلك ما قد روي عن ابن عباس:

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا معن بن عيسى، عن محمد ابن عبد الرحمن، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"لا شفعة في الحيوان".

ش: تقرير السؤال أن يقال: إن هذين الحديثين يدلان على أن الشفعة تجب في كل شيء سواء كان أرضًا أو حيوانًا أو نحوهما، وأنتم لا توجبون الشفعة إلا في العقار، وقد تركتم العمل بهذا الحديث.

وتقرير الجواب أن يقال: إن المراد من قوله: "والشفعة في كل شيء" هو الدور والعقار والأرضون؛ وليس المراد منه سائر الأشياء.

والدليل على ذلك ما قد روي عن ابن عباس أنه قال: "لا شفعة في الحيوان".

أخرجه عن أحمد بن داود المكي، عن يعقوب بن حميد المدني شيخ ابن ماجه، عن معن بن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعي القزاز المدني، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس.

وأخرج ابن حزم (2) هذا وقال: محمد بن عبد الرحمن مجهول.

(1) انظر "المحلى"(9/ 83).

(2)

"المحلى"(9/ 84).

ص: 213

قلت: لعل هذا يكون محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني المشهور الثقة، فإن معن بن عيسى قد روى عنه. والله أعلم.

ثم اعلم أن طائفة قد ذهبوا إلى ظاهر هذين الحديثين، وقالوا: تجب الشفعة في كل شيء من الأرضين والحيوان والثياب وغيرها.

ونقل ذلك أيضًا عن عطاء بن أبي رباح وعبد الله بن أبي مليكة، وهو مذهب أهل الظاهر.

وقال ابن حزم في "المحلى"(1): الشفعة واجبة في كل جزء بيع مشاعًا غير مقسوم بين اثنين فصاعدًا من أي شيء كان مما ينقسم ومما لا ينقسم من أرض، أو شجرة واحدة فأكثر، أو عبدًا، أو أَمَة، أو ثوب، أو من سيف، أو من طعام، أو من حيوان، أو أي شيء بيع لا يحل لمن له ذلك الجزء أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه أو شركائه فيه، فإن أراد من يشركه فيه الأخذ له بما أعطاه فيه غيره، فالشريك أحق به، وإن لم يرد أن يأخذه فقد سقط حقه ولا قيام له بعد ذلك إذا باعه ممن باعه، فإن لم يعرض عليه كما ذكرنا حتى باعه من غير مَن يشركه، فمن يشركه مُخَيِّر بين أن يمضي ذلك البيع وبين أن يبطله ويأخذ ذلك الجزء لنفسه بما بيع به.

ثم قال: وقال أبو حنيفة والشافعي: لا شفعة إلا في الأرض فقط، أو في أرض بما فيها من بناء أو شجر نابت فقط، وقال مالك: الشفعة واجبة في الأرض وحدها، وفي الأرض بما فيها من بناء أو شجر نابت، أو في الثمار التي في رءوس الشجر، وإن بيعت دون الأصول.

وقال أبو عمر: اختلف مالك وأصحابه في الشفعة في الثمرة إذا بيعت حفنة منها دون الأصل، فأوجب الشفعة فيها للشريك ابن وهب وابن القاسم وأشهب، ورووه عن مالك.

(1)"المحلى"(9/ 82).

ص: 214

وقال المغيرة وعبد الملك بن الماجشون وابن أبي حازم وابن دينار: لا شفعة فيها، ورووه أيضًا عن مالك.

وهو قول أكثر أهل المدينة، وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي وأهل النظر والأثر، وهو الصحيح عندي.

واختلف قول مالك وأصحابه في الشفعة في الحمام، فأوجبها بعضهم ونفاها بعضهم. وكذلك اختلف قول مالك وأصحابه أيضًا في الشفعة في الكراء وفي المساقاة.

وقال محمد بن عبد الحكم: لا شفعة إلا في الأرضين والخيل والأشجار، ولا شفعة في ثمرة ولا كتابة مكاتب ولا في دين، وإنما الشفعة في الأصول والأرضين خاصة، وهو قول الشافعي وجمهور العلماء، وقال: لا شفعة في عين إلا أن يكون لها بياض، ولا في بئر، ولا عرصة دار، ولا فحل نخل.

وقال أصحابنا الحنفية: وشرط وجوب الشفعة أن يكون المبيع عقارًا أو ما هو بمعناه، فإن كان غير ذلك فلا شفعة فيه عند عامة العلماء.

وقال مالك: هذا ليس بشرط، وتجب الشفعة في السفل، ثم عندنا سواء كان العقار محتملًا للقسمة أو لا يحتملها كالحمام والبئر والنهر والعين والدور القصار.

وقال الشافعي: لا تجب الشفعة إلا في عقار يحتمل القسمة، وإذا بيع سفل عقار دون علوه، أو علوه دون سفله، أو بيعا جميعًا؛ وجبت الشفعة، ولو انهدم العلوّ ثم بيع السفل؛ وجبت الشفعة لصاحب العلو عند أبي يوسف، وعند محمد لا شفعة له، والله أعلم بالصواب.

ص: 215