المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الرجل ينذر وهو مشرك نذرا ثم يسلم - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٥

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: بابُ: الرجل يحلف لا يكِّلم الرجل شهرًا كم عدد ذلك الشهر من الأيام

- ‌ص: بابُ: الرجل يُوجب على نفسه أن يصلي في مكان فيصلي في غيره

- ‌ص: بابُ: الرجل يوجب على نفسه المشي إلى بيت الله الحرام

- ‌ص: بابُ: الرجل ينذر وهو مشرك نذرًا ثم يُسلم

- ‌ص: كتاب العتاق

- ‌ص: باب: العبد يكون بين الرجلين فيعتقه أحدهما

- ‌ص: باب: الرجل يملك ذا رحم محرَّم منه هل يعتق عليه أم لا

- ‌ص: باب: المكاتب متى يعتق

- ‌ص: باب: الأَمة يطأها مولاها، ثم يموت وقد جاءت بولد في حياته هل يكون ابنه وتكون له أُمّ ولدٍ أَمْ لا

- ‌ص: كتاب الرهن

- ‌ص: باب: ركوب الرهن واستعماله وشرب لبنه

- ‌ص: باب: الرهن يهلك في يد المرتهن كيف حكمه

- ‌ص: كتاب الشفعة

- ‌ص: باب: الشفعة بالجوار

- ‌ص: كتاب الجنايات

- ‌ص: باب: ما يجب في قتل العمد وجرح العمد

- ‌ص: باب: الرجل يَقتل الرجل كيف يُقتَل

- ‌ص: باب: شبه العمد الذي لا قود فيه، ما هو

- ‌ص: باب: شبه العمد هل يكون فيما دون النفس كما يكون في النفس

- ‌ص: باب: الرجل يقول عند موته: إن مُت ففلان قتلني

- ‌ص: باب: المؤمن يقتل الكافر متعمدًا

- ‌ص: باب: القسامة هل تكون على ساكني الدار الموجود فيها القتيل أو مالكها

- ‌ص: باب: القسامة كيف هى

- ‌ص: باب: ما أصاب البهائم في الليل والنهار

- ‌ص: باب: غرة الجنين المحكوم بها فيه. لمن هي

- ‌ص: كتاب الحدود

- ‌ص: باب: حد البكر في الزنا

- ‌ص: باب: حد الزاني المحصن

- ‌ص: باب: الاعتراف بالزنا الذي يجب به الحد

- ‌ص: باب: الرجل يزني بجارية امرأته

- ‌ص: باب: من تزوج امرأة أبيه أو ذات محرم منه فدخل بها

- ‌ص: باب: حد الخمر

- ‌ص: باب: من سكر أربع مرات ما حده

- ‌ص: باب: المقدار الذي يقطع فيه السارق

الفصل: ‌ص: باب: الرجل ينذر وهو مشرك نذرا ثم يسلم

‌ص: بابُ: الرجل ينذر وهو مشرك نذرًا ثم يُسلم

ش: أي هذا باب في بيان حكم الرجل الذي نذر نذرًا وهو مشرك، ثم أسلم بعده، هل يجب عليه الوفاء بذلك النذر السابق أم لا؟

ص: حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:"أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام. فقال: فِ بنذرك".

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: ثنا حفص ابن غياث، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر -أراه عن عمر رضي الله عنه قال:"قلت: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية نذرًا، فقد جاء الله بالإِسلام، فقال: فِ بنذرك".

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم، أن أيوب، حدثه أن نافعًا حدثه، أن عبد الله بن عمر حدثه:"أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله بالجعرانة، فقال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يومًا في المسجد الحرام. فقال النبي عليه السلام: اذهب فاعتكف يومًا".

ش: رجال هذه الأسانيد الثلاثة كلهم من رجال الصحيح ما خلا يزيد بن سنان وعلي بن شيبة وهما أيضًا ثقات.

وعُبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وإسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهوَيْه، شيخ الجماعة مما خلا ابن ماجه.

وأيوب: هو السختياني.

فالأول: أخرجه أبو يعلى في "مسنده": ولكن في روايته: "أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف على باب المسجد. فقال النبي عليه السلام: أوفي بنذرك" رواه عن محمَّد بن المنهال، عن يزيد بن زريع، عن محمَّد بن إسحاق عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 64

والثاني: أخرجه البخاري (1): نا محمَّد بن مقاتل أبو الحسن، أنا عبد الله، أنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه قال:"يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام. قال: أوفِ بنذرك".

وأبو داود (2): عن أحمد بن حنبل، عن يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن أبيه، به.

والترمذي (3): عن إسحاق بن إبراهيم، عن يحيى، به.

وقال: حسن صحيح.

والنسائي (4): عن إسحاق بن إبراهيم، عن حفص بن غياث.

وعن يعقوب (5) بن إبراهيم، عن يحيى جميعًا، عن عُبيد الله به.

والثالث: أخرجه مسلم (6): حدثني أبو الطاهر، قال: أنا عبد الله بن وهب، قال: نا جرير بن حازم، أن أيوب حدثه، أن نافعا حدثه، أن عبد الله بن عمر حدثه:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل رسول الله عليه السلام وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف، فقال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يومًا في المسجد الحرام فكيف ترى؟ قال: اذهب فاعتكف يومًا. . . ." الحديث.

وأخرجه ابن ماجه (7): عن إسحاق بن موسى الخَطْمي، عن سفيان، عن أيوب، عن نافع به.

(1)"صحيح البخاري"(6/ 2464/ رقم 6319).

(2)

"سنن أبى داود"(3/ 242/ رقم 3325).

(3)

"جامع الترمذي"(4/ 112/ رقم 1538).

(4)

"السنن الكبرى"(2/ 261/ رقم 3349).

(5)

"السنن الكبرى"(2/ 261/ رقم 3350).

(6)

"صحيح مسلم"(2/ 1277 رقم 1656).

(7)

"سنن ابن ماجه"(1/ 563 رقم 1772).

ص: 65

قوله: "فِ بنذرك" أصله: أَوْف؛ لأنه أمر من وفى يفي، كَقِ أمرٌ من وَقَّى يَقِي، أصله يَوْفي، حذفت "الواو"؛ لوقوعها بين الياء والكسرة، فصار يفي على وزن يَعِل والأمر منه "فِ".

قوله: "أُراه" بضم الهمزة أي أظنه.

قوله: "بالِجعْرانة" بكسر الجيم وسكون العين المهملة.

وقد تكسر العين وتشدد الراء، وهو موضع قريب من مكة، وهي في الحل، وميقات للإحرام.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أوجب على نفسه شيئًا في حال شركه، من اعتكاف أو صدقة أو شيء مما يوجبه المسلمون لله، ثم أسلم؛ أن ذلك واجب عليه، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: طاوسًا، وقتادة، والحسن البصري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وجماعة الظاهرية؛ فإنهم قالوا: إذا أوجب المشرك على نفسه شيئًا من اعتكاف أو صدقة أو عتق أو نحو ذلك، ثم أسلم؛ يجب عليه الوفاء به.

وقال ابن حزم (1): ومن نذر في حال كفره طاعةً لله عز وجل، ثم أسلم؛ لزمه الوفاء به.

ثم قال: وروينا عن طاوس: "من نذر في كفره، ثم أسلم، فليوف بنذره".

وعن الحسن وقتادة مثله.

وبهذا يقول الشافعي وأبو سليمان وأصحابهما.

وقال الخطابي: قوله عليه السلام لعمر رضي الله عنه "فِ بنذرك" يدل على تعلق ذمته بما نذره في الجاهلية، وفيه دليل على أنه يؤاخذ بتوابع الأحكام التي كانت مبَادئها في حالة الكفر، فلو حلف في الجاهلية وحنث في الإِسلام لزمته الكفارة، وهذا أصل الشافعي.

(1)"المحلى"(8/ 26).

ص: 66

وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفرائض، مأمورون بالطاعات.

وفيه دليل على أن الاعتكاف جائز بغير صوم؛ لأنه إنما كان نذر اعتكاف ليلة، والليل ليس بمحل للصوم.

قلت: لا خلاف أن الكفار مخاطبون بالإيمان، ولا خلاف أنهم مخاطبون بالمشروع من العقوبات، ولا خلاف أن الخطاب بالمعاملات يتناولهم، ولا خلاف أن الخطاب بالشرائع يتناولهم في حكم المؤاخذة في الآخرة، فأما وجوب الأداء في أحكام الدين فمذهب العراقيين من مشايخنا: أن الخطاب يتناولهم أيضًا والأداء واجب عليهم، ومذهب مشايخ ما وراء النهر: أنهم لا يخاطبون بأداء ما يحتمل السقوط من العبادات، وقد عرف هذا في موضعه مستقصىً.

وأما الاعتكاف هل يشترط فيه الصوم أم لا؟ فإن كان تطوعًا فالصوم ليس شرط فيه، في ظاهر الرواية عن المذهب.

وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه شرط، واختلاف الرواية فيه مبني على اختلاف الرواية في اعتكاف التطوع أنه مقدر بيوم أو غير مقدر، وإن كان الاعتكاف واجبًا فلا يصح إلا بالصوم لرواية عائشة رضي الله عنها:"لا اعتكاف إلا بالصوم".

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا يجب عليه من ذلك شيء.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: النخعي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا والشافعي -في قول- وأحمد -في رواية- فإنهم قالوا: لا يجب عليه من ذلك شيء.

ص: واحتجوا في ذلك بما رُوِيَ عن رسول الله عليه السلام.

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا مالك بن أنس، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن القاسم بن محمَّد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله عليه السلام: "مَنْ نذر أن يُطع الله فليُطعْه، ومن نذر أن يَعْصي الله فلا يَعْصه".

ص: 67

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر، عن مالك. . . . فذكر بإسناد مثله.

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن طلحة بن عبد الملك. . . . فذكر بإسناد مثله.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن طلحة. . . . فذكر بإسناد مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو سلمة المنقري، قال: ثنا أبان، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن أبان، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله عليه السلام كان يقول: "من نذر أن يَعْصي الله فلا يَعْصه".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا حرب بن شداد قال: ثنا يحيى. . . . فذكر بإسناد مثله.

حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا يعقوب بن كعب الحلبي، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل، عن ابن حرملة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله عليه السلام: "إنما النذر ما ابتُغِي به وجه الله تعالى".

قالوا: فلما كانت النذور إنما تجب إذا كانت مما يتقرب بها إلى الله تعالى، فلا تجب إذا كانت معاصي لله تعالى، وكان الكافر إذا قال: لله عليّ صيام. أو قال: لله عليّ اعتكاف. فهو لو فعل ذلك لم يكن به إلى الله متقربًا، وهو في وقت ما أوجبه إنما قصد به إلى ربه الذي يعبده من دون الله عز وجل وذلك معصية، فدخل ذلك في قول رسول الله عليه السلام:"لا نذر في معصية الله".

ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديثي عائشة وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم.

أما حديث عائشة فأخرجه من ست طرق صحاح:

الأول: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن يحيى بن حسان التنيسي، عن مالك بن أنس. . . . إلى آخره.

ص: 68

وأخرجه البخاري (1): نا أبو نعيم، نا مالك، عن طلحة بن عبد الملك، عن القاسم، عن عائشة، عن النبي عليه السلام:"من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه".

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عثمان بن عمر بن فارس البصري، عن مالك بن أنس.

وأخرجه أبو داود (2): عن القعنبي، عن مالك نحوه.

الثالث: عن محمَّد بن خزيمة، عن يوسف بن عدي بن زُريق شيخ البخاري، عن عبد الله بن إدريس الزعافري الكوفي، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن طلحة بن عبد الملك، عن القاسم بن محمَّد، عن عائشة.

وأخرجه النسائي (3): عن أبي كُريب، عن عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله. . . . إلى آخره نحوه.

الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك. . . . إلى آخره نحوه.

وأخرجه الترمذي (4): عن قتيبة، عن مالك. . . . إلى آخره.

الخامس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل المنقري شيخ البخاري وأبي داود، عن أبان بن يزيد العطار، [عن يحيى بن أبي كثير](5) عن محمَّد بن أبان الأنصاري المدني، عن القاسم بن محمَّد، عن عائشة.

(1)"صحيح البخاري"(6/ 2463 رقم 6318).

(2)

"سنن أبي داود"(3/ 232 رقم 3289).

(3)

"المجتبى"(7/ 17 رقم 3808).

(4)

"جامع الترمذي"(4/ 104 رقم 1526).

(5)

ليست في "الأصل"، وهو مثبت في "ص" و"شرح معاني الآثار".

ص: 69

السادس: عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن حرب بن شداد اليشكري البصري العطار، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمَّد بن أبان، عن القاسم، عن عائشة.

وأما حديث عبد الله بن عمرو: فأخرجه عن الربيع بن سليمان الجيزي الأعرج شيخ أبي داود والنسائي، عن يعقوب بن كعب بن حامد الحلبي شيخ أبي داود، عن حاتم بن إسماعيل المدني، عن عبد الرحمن بن حرملة بن عمرو المدني، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جدّه، وهؤلاء كلهم ثقات، وقد مرّ الكلام في عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده غير مرة.

وأخرجه عبد الله بن وهب في "مسنده": أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي عليه السلام قال:"إنما النذر ما ابتُغِيَ به وجه الله".

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من طريق ابن وهب. . . . نحوه.

قوله: "قالوا" أي هؤلاء الآخرون، وهذا إشارة إلى بيان وجه الاستدلال بالحديثين المذكورين.

فإن قيل: روى أبو داود (2): من حديث عبيد الله بن الأخنس، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أن امرأة أتت فقالت: يا رسول الله، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدفّ، فقال: أوفي بنذرك".

قلت: إنما قال لها ذلك لإظهار الفرح بظهوره ورجوعه سالمًا لا أنه يجب بالنذر.

وقال البيهقي: يشبه أن يكون أذن لها لأنه فعل مباح.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(10/ 67 رقم 19836).

(2)

"سنن أبي داود"(2/ 257 رقم 3312).

ص: 70

وقال الخطابي: ضرب الدف ليس مما يعد في باب الطاعات التي تتعلق بهذا النذر وأحسن حاله أن يكون من باب المباح غير أنه لما اتصل بإظهار الفرح بسلامة مقدم رسول الله عليه السلام حين قدم المدينة من بعض غزواته، وكانت فيه مساءة الكفار وإرغام المنافقين؛ صار فعله كبعض القرب التي هي من نوافل الطاعات، ولهذا أبيح ضرب الدف واستحب في النكاح؛ لما فيه من الإشاعة لذكره، والخروج به عن معنى السفاح الذي هو الاستتار عن الناس فيه، ومما يبين هذا المعنى قول النبي عليه السلام لحسّان حين استنشده وقال له:"كأنما تنضح به وجوه القوم النبل".

ص: وقد يجوز أن يكون قول رسول الله عليه السلام: "فِ بنذرك" ليس من طريق أن ذلك كان واجبًا عليه، ولكن على أنه قد كان سمح في حال ما نذره أن يفعله فهو معصية لله عز وجل، فأمره النبي عليه السلام أن يفعله الآن على أنه طاعةٌ لله عز وجل، فكان ما أُمِرَ به خلاف ما كان أوجبه على نفسه.

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به أهل المقالة الأولى، حاصله: أن أمره عليه السلام لعمر بن الخطاب بقوله: "فِ بنذرك" ليس للوجوب، وإنما هو للإباحة، وذلك لأنه لما نذر أن يفعله وهو في كفره كان ذلك على وجه المعصية لله تعالى، فأمره النبي عليه السلام بعد إسلامه على وجه الطاعة لله عز وجل، فكان الذي أُمر به في هذه الحالة خلاف ما كان أوجبه على نفسه في تلك الحالة. فافهم. والله أعلم.

ص: 71