الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله]
" باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله " وقوله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: «نذر رجل أن يذبح إبلا ببوانة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هل كان فيه وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا، قال " فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ " قالوا: لا، قال: " أوف بنذرك فإنه لا وفاء بنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم» رواه أبو داود (1) وإسناده على شرطهما.
فيه مسائل: الأولى: تفسير قوله {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة: 108]
الثانية: أن المعصية قد تؤثر في الأرض، وكذلك الطاعة.
الثالثة: رد المسألة المشكلة إلى المسألة البينة؛ ليزول الإشكال.
الرابعة: استفصال المفتي إذا احتاج إلى ذلك.
الخامسة: أن تخصيص البقعة بالنذر لا بأس به؛ إذا خلا من الموانع.
السادسة: المنع منه؛ إذا كان فيه وثن من أوثان الجاهلية، ولو بعد زواله.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه أبو داود (3313) قال شيخ الإسلام في الاقتضاء (1 / 436) : إسناده على شرط الصحيحين.
السابعة: المنع منه إذا كان فيه عيد من أعيادهم، ولو بعد زواله.
الثامنة: أنه لا يجوز الوفاء بما نذر في تلك البقعة؛ لأنه نذر معصية.
التاسعة: الحذر من مشابهة المشركين في أعيادهم ولو لم يقصده.
العاشرة: لا نذر في معصية.
الحادية عشرة: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
نفسه، فاستعمال حرف (الباء) يفيد أنه مجاور لذلك المكان. وهذان المعنيان معا: مقصودان، وهو أنه: لا يذبح لله بمجاورة المكان الذي يذبح فيه لغير الله، ولا في نفس المكان الذي يذبح فيه لغير الله؛ لأنهما بهذا يشتركان مع الذين يذبحون لغير الله - جل وعلا -.
وصورة المسألة: أن يوجد مكان يُذبح فيه لغير الله، كمكان عند قبر، أو عند مشهد، أو عند مكان معظم، واعتاد المشركون التقرب بالذبائح لأصنامهم وأوثانهم في هذا المكان، فإذا كانوا يتقربون في هذا المكان للقبر أو نحوه ويذبحون لصاحبه يعني: من أجله فإنه لا يحل أن يذبح المسلم الموحد في هذا المكان ولو ذبحه خالصا لله عز وجل؛ لأنه يكون قد شابه أولئك المشركين في تعظيم الأمكنة التي يتعبدون فيها بأنواع العبادات التي يصرفونها لغير الله - جل وعلا -، فالذبح لله وحده - وإن كان خالصا له - إن كان في المكان الذي يتقرب فيه لغير الله فإنه لا يحل ولا يجوز، ووسيلة من وسائل الشرك.
قال الشيخ رحمه الله ورفع درجاته في الجنة: وقول الله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة: 108] هذا النهي هو عن القيام في مسجد الضرار الذي بناه المنافقون، وقد أقاموه إرصادا، ومحادة لله ورسوله، وتفريقا بين المؤمنين، فهو مكان أقيم على الخيانة وعلى مضادة الإسلام وأهله؛ فلهذا لما كانت هذه هي غاية مَن أقامه فإن مشاركتهم فيه بالصلاة لا تجوز؛ لأنه إقرار لهم أو تكثير لسوادهم، وإغراء للناس للصلاة فيه، فنهى الله - جل وعلا - نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن أن يصلوا فيه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
ومناسبة الآية للباب ظاهرة: وهي أن الله - جل وعلا - نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مسجد الضرار، ومعلوم أن صلاته عليه الصلاة والسلام، وصلاة المؤمنين معه هي خالصة لله - جل وعلا - دون من سواه، ومع هذا فقد نهوا عن الصلاة فيه، مع أنهم مخلصون؛ ليس عندهم نية الإضرار ولا التفريق ولا الإرصاد، لكن نهاهم عن الصلاة فيه؛ لأجل هذه المشاركة والمشابهة التي قد تغري بإتيان ذلك المكان.
الصورة متحققة وموجودة فيمن ذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله، فإنه وإن كان مخلصا، لكنه قد يدعو إلى تعظيم ذلك المكان بفعله، وإن لم يقصد التعظيم. لكن هنا إيراد: وهو أنه جاء الإذن عن الصحابة بالصلاة في الكنيسة، وقد صلى عمر رضي الله عنه في كنيسة بيت المقدس (1) ومن الصحابة رضوان الله عليهم من صلى في كنائس بعض البلاد فصلاتهم في الكنائس لله - جل وعلا - أليست مشابهة للصلاة في مسجد الضرار أو للذبح في مكان يذبح فيه لغير الله؟
الجواب: أن هذا الإيراد ليس بوجيه؛ ذلك لأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مسجد الضرار، وعن الذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله إنما هو: لأن صورة العبادة واحدة؛ فصورة الذبح من الموحد، ومن المشرك واحدة، وهي إمرار السكين وهي: آلة الذبح على الموضع من البهيمة المراد ذبحها، وإهراق دمها في ذلك المكان، والصورة الحاصلة من الموحد ومن المشرك واحدة، ولهذا فإنه
(1) انظر صحيح البخاري باب الصلاة في البيعة وفيه أثر عمر وابن عباس وانظر الإنصاف ج1 / 496 والفتاوى 22 / 162 وأحكام أهل الذمة 6 / 123.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
لا تمييز بين الصورتين - من حيث الظاهر - وإن اختلفت مقاصدهما فكذلك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في مسجد الضرار فيها مشابهة من حيث الصورة لصلاة المنافقين، فرجع الاختلاف إلى اختلاف ما في القلب؛ والنيات، ومقاصد القلوب مما تخفى على الناس، ولهذا تقع المفسدة من حيث اشتباه الصورة الظاهرة، ولا يحصل بذلك الفعل ولو مع خلوص النية مصلحة.
وأما الصلاة في الكنيسة، فإن صورة الفعل مختلفة؛ لأن صلاة النصارى ليست على هيئة وصورة المسلمين، فيعلم من رأى المسلم يصلي أنه لا يصلي صلاة النصارى فليس في فعله إغراء بصلاة النصارى، ومشاركتهم فيها، فهذا هو الفرق بين المسألتين، وهو واضح بأدنى تأمل.
قال: وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: «نذر رجل أن يذبح إبلا ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد "؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ ، قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم» . رواه أبو داود.
وإسناده على شرطهما: هذا الحديث فيه: أن رجلا نذر أن ينحر إبلا ببوانة، و (بوانة) : اسم موضع، فلما نذر أن ينحر في هذا الموضع: استفصله النبي صلى الله عليه وسلم، لأن المقام يقتضي الاستفصال، إذ يتبادر إلى الذهن سؤال عن تخصيص هذا الرجل بوانة بأن ينحر فيها الإبل، فقد تكون لأن فيها عيدا من أعيادهم، أو لأن فيها وثنا من أوثان الجاهلية كان يعبد في ذلك الموضع فهذا هو المتبادر من التخصيص؛ لأنه في الغالب يكون لغرض العبادة؛ ولهذا استفصله النبي عليه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
الصلاة والسلام فقال: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا» : فهذا السؤال يدل على أنه لو وجد هذا الوصف وهو أنه كان ثَمَّ وثن من أوثان الجاهلية يعبد لم يجز النحر في ذلك الموضع، وهو المراد من إيراد هذا الحديث في الباب، وهو وجه الاستدلال.
قوله: «فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟» : العيد هو: المكان أو الزمان الذي يعود، أو يُعاد إليه، فالعيد قد يكون مكانيا؛ لأنه اسم للمكان الذي يعتاد المجيء إليه في وقت معتاد؛ ومثال ما يراد له المكاني قوله عليه الصلاة والسلام:«لا تجعلوا قبري عيدا» (1) يعني: لا تجعلوا هذا المكان مكانا تعتادون المجيء إليه.
وكذلك الأزمنة تكون أعيادا؛ لأنها تعود في وقت معين.
فقوله: «هل كان فيها عيد من أعيادهم؟» يعني: عيدا مكانيا؛ لأنه قال: «هل كان فيها عيد من أعيادهم؟» ويحتمل أيضا أن يكون عيدا زمانيا.
ومن المعلوم: أن أعياد المشركين الزمانية والمكانية مرتبطة بأديانهم الشركية، فيكون المعنى إذًا: أنهم يتعبدون في تلك الأعياد بعباداتهم الشركية، ومن أعظم ما يفعلونه في هذه الأعياد، التقرب إلى معبوداتهم بالذبح، وإراقة الدماء.
فدل ذلك على أن مشاركة المشركين في المكان الذي يتقربون فيه لغير الله بصورة مشابهة لفعلهم ولو ظاهرا: لا يجوز؛ لأنه مشاركة لهم في الفعل
(1) أخرجه أبو داود (2024) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
الظاهر ولو كان الفاعل مخلصا لا يذبح إلا لله، أو لا يصلي إلا لله - جل وعلا -.
قال العلماء: قوله صلى الله عليه وسلم: «أوفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله» فيه: ترتيب ما بعد (الفاء) على ما قبلها بالفاء وهذا يدل على أن سبب الإذن بالوفاء بالنذر: أن ما قبله ليس بمعصية، ويدل الاستفصال، على أن الذبح لله في مكان فيه وثن يعبد، أو فيه عيد من أعياد المشركين: معصية لله عز وجل، وبهذا يستقيم ما أراده الشيخ رحمه الله من الاستدلال والاستشهاد بهذا الحديث تحت ذلك الباب.
قوله: " باب من الشرك النذر لغير الله تعالى "(مِن) هاهنا تبعيضية. قوله: " من الشرك النذر ": مبتدأ مؤخر، والخبر قبله، وأصل الجملة: النذر لغير الله كائن من الشرك. والشرك هنا: المقصود: به الشرك الأكبر.