الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ما جاء في الكهان ونحوهم]
" باب ما جاء في الكهان ونحوهم " روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال. «من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوما» (1) . وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال. «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» رواه أبو داود (2) . وللأربعة والحاكم - وقال: صحيح على شرطهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» (3) . ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله موقوفا (4) .
وعن عمران بن حصين مرفوعا. «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» رواه البزار بإسناد جيد (5) .
ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله: " ومن أتى. . " إلى آخره (6) قال البغوي: العراف: الذي
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه مسلم (2230) دون قوله " فصدقه بما يقول ".
(2)
أخرجه أبو داود (3904) .
(3)
أخرجه أحمد 2 / 429 والبيهقي 8 / 135 والحاكم 1 وصححه ووافقه الذهبي.
(4)
أخرجه أبو يعلى (8- 54) .
(5)
أخرجه البزار (3044) .
(6)
أخرجه الطبراني كما في " مجمع الزوائد " 5 / 117 وقال المنذري: إسناده حسن.
يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك.
وقيل: هو الكاهن، والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.
وقال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: العراف اسم للكاهن، والمنجم، والرمال، ونحوهم، ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق.
وقال ابن عباس رضي الله عنه في قوم يكتبون "أبا جاد" وينظرون في النجوم: ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق.
فيه مسائل: الأولى: لا يجتمع تصديق الكاهن مع الإيمان بالقرآن.
الثانية: التصريح بأنه كفر.
الثالثة: ذكر من تكهن له.
الرابعة: ذكر من تطير له.
الخامسة: ذكر من سحر له.
السادسة: ذكر من تعلم أبا جاد.
السابعة: ذكر الفرق بين الكاهن والعراف.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
والكاهن- كما ذكرنا- لا يصل إلى حقيقة عمله بأن يخبر عن الأمور المغيبة إلا باستخدام الجن، والتقرب إليهم التقربات الشركية، فتستمتع الجن به من جهة ما صرف لها من العبادة، ويستمتع هو بالجني من جهة ما يخبره به من الأمور المغيبة.
والجن تصل إلى الأمور المغيبة التي تصدق فيها عن طريق استراق السمع، فإن بعضهم يركب بعضا حتى يسمعوا الوحي الذي يوحيه الله- جل وعلا- في السماء، فربما أدرك الشهابُ الجنيَّ قبل أن يلقي الكلمة لمن تحته، وربما أدركه بعد أن يلقي الكلمة، فتأتي هذه الكلمة للجن فيعطونها الكهان، فيكذب معها الكاهن، أو تكذب معها الجن مائة كذبة، حتى يعظم شأن الكهان، وحتى تعظم عبادة الإنس للجن.
وقبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كان استراق السمع كثيرا جدا، وبعد بعثته عليه الصلاة والسلام حرست السماء من أن تسترق الجن السمع، لأجل تنزل القرآن والوحي، حتى لا يقع الاشتباه في أصل الوحي والنبوة، وبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام رجع الاستراق ولكنه قليل بالنسبة لما كان عليه قبل البعثة، فصارت عندنا أحوال استراق السمع ثلاثة.
1 -
قبل البعثة: كثير جدا.
2 -
وبعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام: لم يحصل استراق من الجن، وإن حصل فهو نادر في غير وحي الله- جل وعلا- بكتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم.
3 -
بعد وفاته عليه الصلاة والسلام: رجع استراق السمع أيضا، ولكنه ليس بالكثرة التي كانت قبل ذلك؛ لأن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا، والله- جل وعلا- بين ذلك في القرآن في آيات كثيرة من أن النجوم والشهب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
ترمي الجن كما قال- جل وعلا-: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: 18][الحجر: 118] ونحو ذلك من الآيات التي فيها أن الشهب مرصدة للجن.
إذا ظهر ذلك فالكاهن قد يطلق عليه العراف، والكاهن والعراف اسمان متداخلان، فقد يطلق أحدهما على الآخر، وعند بعض الناس يطلق الكاهن على من يخبر بما يحصل في المستقبل، ويطلق العراف على من يخبر عن الغائب عن الأعين مما حصل في الماضي من مثل مكان المسروق، أو السارق من هو؟ ونحو ذلك مما هو غائب عن الأنظار وإنما يعلمه العراف بواسطة الجن.
والصحيح في ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية: من أن العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلمون في معرفة الأمور بتلك الطرق. فكل من تكلم في معرفة الأمور المغيبة الماضية أو المستقبلة بتلك الطرق طريق التنجيم، أو الخط في الرمل، بطريق الطرق، أو بالودع، ونحو ذلك من الأساليب، أو بالخشبة المكتوب عليها أباجاد، ونحو ذلك من قراءة الفنجان، أو قراءة الكف، كل من يخبر عن الأمور المغيبة بشيء يجعله وسيلة لمعرفة الأمور المغيبة يسمى كاهنا، ويسمى عرافا، لأنه لا يحصل له أمره إلا بنوع من أنواع الكهانة، وسيأتي ذلك- إن شاء الله-.
قوله: " باب ما جاء في الكهان ونحوهم " و (نحوهم) . يعني من العرافين، والمنجمين، والذين يخطون في الرمل، والذين يكتبون على الخشب، ونحو ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
قوله: " روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال. «من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه، لا تقبل له صلاة أربعين يوما» .
هكذا ذكر المؤلف رحمه الله حديث الباب بهذا اللفظ وعزاه لمسلم، وقد نبه الشراح على أن لفظه في مسلم:«من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما» بدون لفظة" فصدقه " أما لفظة" فصدقه " فقد رواها الإمام أحمد في مسنده. وعلى هذا فالمؤلف -رحمه الله تعالى- ذكر هذا اللفظ، وعزاه لمسلم على طريقة أهل العلم في عزو الحديث لأحد صاحبي الصحيح إذا كان أصله فيهما لاتحاد الطريق أو نحو ذلك.
قوله: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لا تقبل له صلاة أربعين يوما» هذا الحديث فيه جزاء الذي يأتي العراف ويسأله، فمن أتى عرافا فسأله عن شيء- ولو لم يصدقه- فإنه لا تقبل له صلاة أربعين يوما.
والمقصود من قوله: «لم تقبل له صلاة أربعين يوما» أنها تقع مجزئة لا يجب عليه قضاؤها، ولكن لا ثواب له فيها؛ لأن الذنب والإثم الذي اقترفه حين أتى العراف فسأله عن شيء، يقابل ثواب الصلاة أربعين يوما، فأسقط هذا هذا، ويدل ذلك على عظم ذنب الذي يأتي العراف فيسأله عن شيء ولو لم يصدقه، وهذا عند أهل العلم على حالتين:
الحالة الأولى: من أتى العراف فسأله عن شيء رغبة في الاطلاع، أما من أتى العراف فسأله للإنكار عليه وحتى يتحقق أنه عراف فلا يدخل في ذلك؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
الحالة الثانية: أن يأتي العراف أو الكاهن فيسأله عن شيء، فإذا أخبره الكاهن أو العراف صدقه بما يقول، فالحديث الأول الذي عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيه أنه. «لم تقبل له صلاة أربعين يوما» ، والحديث الثاني فيه أنه. «كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» فيتضح بالحديث أن الحالة الثانية- وهي من أتى العراف أو الكاهن فسأله عن شيء فصدقه- أنه يكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا تقبل له صلاة أربعين يوما.
وهذه الحالة تدل على أن الذي أتى الكاهن أو العراف فصدقه، أنه لم يخرج عن الملة؛ لأنه حد عليه الصلاة والسلام عدم قبول صلاته بأربعين يوما، والذي أتى الكاهن إذا حكم عليه بأنه كافر كفرا أكبر ومرتد وخارج من الملة فإن صلاته لا تقبل بتاتا حتى يرجع إلى الإسلام، وقد قال طائفة من أهل العلم. دل قوله:«فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما» على أن قوله: «كفر بما أنزل على محمد» أنه كفر أصغر وليس بالكفر المخرج من الملة، وهذا القول هو القول الأول، وهو الصحيح، وهو الذي يتعين جمعا بين النصوص، فإن قول النبي عليه الصلاة والسلام. «من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما» يدل على أنه لم يخرج من الإسلام، والحديث الآخر وهو قوله:«من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» (1) . يدل على كفره، فعلمنا بذلك أن كفره كفر
(1) أخرجه أحمد 2 / 408-476 والبيهقي 8 / 135 والحاكم 1 / 8.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
أصغر، وليس كفرا مخرجا من الملة، هذا أحد الأقوال في مسألة كفر من أتى الكاهن فصدقه بما يقول.
والقول الثاني. أنه يتوقف فيه، فلا يقال يكفر كفرا أكبر، ولا يقال أصغر، وإنما يقال: إتيان الكهان وتصديقهم كفر بالله- جل وعلا-، ويسكت عن ذلك، ويطلق القول كما جاء في الأحاديث، وهذا لأجل التهديد والتخويف حتى لا يتجاسر الناس على هذا الأمر، وهذا هو مذهب الإمام أحمد في المنصوص عنه.
والقول الثالث من أقوال أهل العلم: أن الذي يصدق الكاهن كافر كفرا أكبر مخرج من الملة وهذا القول فيه نظر من جهتين:
الجهة الأولى: ما ذكرنا من الدليل من أن قوله عليه الصلاة والسلام. «لم تقبل له صلاة أربعين يوما» يدل على أنه لم يكفر الكفر الأكبر، ولو كان كفر الكفر الأكبر لم يحد عدم قبول صلاته بتلك المدة من الأيام.
والجهة الثانية: أن تصديق الكاهن فيه شبهة، وادعاء علم الغيب أو تصديق أحد ممن يدعي علم الغيب كفر بالله- جل وعلا- كفرا أكبر، لكن هذا الكاهن الذي ادعى علم الغيب يخبر بالأمور المغيبة فيما صدق فيه عن طريق استراق الجن للسمع، فيكون إذا هو نقل ذلك الخبر عن الجني، والجن نقلوه عما سمعوه في السماء، وهذه شبهة. فقد يأتي الآتي إلى الكاهن ويقول: أنا أصدقه فيما أخبر من الغيب؛ لأنه قد جاءه علم ذلك الغيب من السماء عن طريق الجن، وهذه الشبهة تمنع من تكفير من صدق الكاهن الكفر الأكبر.
فالقول الأظهر: أن كفره كفر أصغر وليس بأكبر؛ لدلالة الأحاديث؛ ولظهور التعليل في ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
قوله. «فقد كفر بما أنزل على محمد» يعني القرآن؛ لأنه قد جاء في القرآن وما بينه النبي صلى الله عليه وسلم من السنة أن الكاهن، والساحر، والعراف لا يفلحون، وأنهم يكذبون ولا يصدقون.
قوله: وعن عمران بن حصين مرفوعا: «ليس منا من تطير أو تطير له» يأتي في باب ما جاء في التطير.
قوله: " ليس منا" يدل على أن الفعل محرم، ويقول بعض أهل العلم. إن قوله عليه الصلاة والسلام. " ليس منا" يدل على أنه من الكبائر، قوله:" أو تكهن " يعني ادعى علم الغيب وادعى أنه كاهن، أو أخبر بأمور من المغيبة يخدع من رآه بأنه كاهن. قوله:" أو تكهن له " يعني: من رضي أن يتكهن له فأتى فسأل عن شيء. قوله: " أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم "(1) .
وهذا كله لأجل أن تصديق الكاهن فيه إعانة له على الشرك الأكبر بالله- جل وعلا-، هذا حكم الذي يأتي الكاهن.
أما الكاهن فذكرنا حكمه، وهو أنه مشرك بالله الشرك الأكبر؛ لأنه لا يمكن له أن يخبر بالأمور المغيبة إلا بأن يشرك.
قوله: " قال البغوي: العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق، ومكان الضالة، ونحو ذلك.
(1) أخرجه البزار في المسند (3044) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
هذا الذي ذكرنا من أن العراف عند بعض أهل العلم من يخبر بأمور سبقت لكنها خفية غيبية عن الناس، لكنها من حيث الوجود وقعت في ملكوت الله.
قوله: " وقيل: هو الكاهن " يعني أن العراف والكاهن اسمان لشيء واحد.
" والكاهن": هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: الذي يخبر عما في الضمير، وقال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: العراف اسم للكاهن، والمنجم، والرمال، ونحوهم ". المنجم: هو الذي يستخدم علم التنجيم والتأثير يقول: إذا ظهر نجم كذا والتقى بنجم كذا فمعناه أنه سيحدث كذا وكذا، أو إذا ولد لفلان ولد في برج كذا فإنه سيحصل كذا وكذا له من الغنى، والفقر، أو السعادة، أو الشقاوة، ونحو ذلك، فيستدلون بحركة النجوم على حال الأرض وحال الناس فيها وسيأتي تفصيله- إن شاء الله-.
" والرمال ": هو صاحب الطرق، أو الذي يخط في الرمل، أو يستخدم الحصى على الرمل.
" ونحوهم ": يعني من مثل الذين يقرؤون الكف، ويقرؤون الفنجان، أو في هذا العصر الذي يكتبون في الصحف والجرائد والمجلات البروج، وما يحصل في ذلك البرج، وأنت إذا ولدت في هذا البرج فمعناه أنه سيحصل لك في هذا الشهر كذا وكذا، هذه كلها من أنواع الكهانة كما سيأتي.
" وقال ابن عباس في قوم يكتبون (أبا جاد) وينظرون في النجوم: ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق "(1) .
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف 11 / 26 وابن أبي شيبة في المصنف 8 / 602 والبيهقي في السنن 8 / 139.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
وذلك لأن كتابة (أبا جاد) والنظر في النجوم- يعني للتأثير- نوع من أنواع الكهانة، والكهانة محرمة وكفر بالله- جل وعلا-.
واعلم أن أصناف الكهانة كثيرة جدا وجامعها الذي يجمعها: أنه يستخدم الكاهن وسيلة ظاهرة عنده ليقنع السائل بأنه وصل إليه العلم عن طريق أمور ظاهرة كالنجوم، أو عن طريق الخط، أو عن طريق الطرق، أو عن طريق الفنجان، أو عن طريق الكف، أو عن طريق النظر في الحصى، أو عن طريق الخشب ونحو ذلك، هذه كلها وسائل يغر بها الكاهن من يأتيه، وهي في الحقيقة وسائل لا تحصل ذاك العلم، ولكن العلم جاءه عن طريق الجن وهذه الوسيلة إنما هي وسيلة لخداع الناس، ولكي يظن الظان أنها تؤدي إلى العلم وأن هؤلاء أصحاب علم وفن بهذه الأمور، وفي الواقع هو لا يتحصل على العلم الغيبي عن طريق خط، أو عن طريق فنجان، أو عن طريق النظر في البروج، أو نحو ذلك، وإنما يأتيه العلم عن طريق الجن، وهو يظهر هذه الأشياء حتى يحصل على المقصود كي يصدق الناس أنه لا يستخدم الجن، وأنه ولي من الأولياء، وإلا فكيف يستنتج المغيبات من هذه الأمور الظاهرة؟! ويوجد في بعض البلاد: كغرب أفريقيا وبعض شمالها وفي الشرق من يتعاطى هذه الأشياء، ويزعم أنه من الأولياء، ويقول: إن الملائكة تخبره بكذا، فهو لا يفعل الفعل إلا بإرشاد من الملائكة، فالذي يفعل هذه الأفعال من الأمور السحرية أو الكهانة يعتبر في تلك البلاد من الأولياء؛ ولهذا ترى بعض الشراح يذكر في مقدمة هذه الأبواب أن أولياء الله تعالى لا يتعاطون الشرك، ولا يتعاطون مثل هذه الأمور، فأولياء الله مقيدون بالشرع، وليسوا من أولياء الجن.
" باب ما جاء في النشرة " النشرة متعلقة بالسحر، وأصلها من النشر وهو: قيام المريض صحيحا، وهي: اسم لعلاج المسحور سميت نشرة؛ لأنه ينتشر بها أي يقوم ويرجع إلى حالته المعتادة.
وقول المؤلف رحمه الله هنا " باب ما جاء في النشرة "، يعني: من التفصيل، وهل النشرة جميعا- وهي حل السحر- مذمومة؟ أو أن منها ما هو مذموم، ومنها ما هو مأذون به؟؟ .
ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة: وهي أنه كما أن السحر شرك بالله- جل وعلا- يقدح في أصل التوحيد، وأن الساحر مشرك الشرك الأكبر بالله، فالنشرة التي هي حل السحر قد تكون من ساحر، وقد تكون من غير ساحر بالأدوية المأذون بها، أو الأدعية ونحو ذلك، فإذا كان من ساحر فإنها مناقضة لأصل التوحيد، ومنافية لأصله، فالمناسبة ظاهرة في الصلة بين هذا الباب وباب ما جاء في السحر، وكذلك مناسبتها لكتاب التوحيد؛ لأن كثيرين ممن يستعملون النشرة يشركون بالله- جل وعلا-. والنشرة قسمان: نشرة جائزة، ونشرة ممنوعة.
فالنشرة الجائزة: هي ما كانت بالقرآن، أو بالأدعية المعروفة، أو بالأدوية عند الأطباء، ونحو ذلك، فإن السحر يكون عن طريق الجن، - كما تقدم- ويحصل منه- حقيقة- إمراض في البدن، وتغيير في العقل والفهم، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه تعالج بالمضادات التي تزيل ذلك السحر، فمما يزيله: القرآن الكريم، والقرآن الكريم هو أعظم ما ينفع في إزالة السحر، وكذلك الأدعية، والأوراد، ونحو ذلك، مما هو معروف من الرقى الشرعية.