الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب من سب الدهر فقد آذى الله]
" باب من سب الدهر فقد آذى الله " وقوله الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24][الجاثية: 24] . في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:، «قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار» (1) "، وفي رواية:«لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر» (2) .
فيه مسائل: الأولى: النهي عن سب الدهر.
الثانية: تسميته أذى لله.
الثالثة: التأمل في قوله: " فإن الله هو الدهر"
الرابعة: أنه قد يكون سابا، ولو لم يقصده بقلبه.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه البخاري (4826) و (6181) و (7491) ، ومسلم (2246) .
(2)
أخرجه مسلم (2246) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
تأتي بشيء، وإنما الذي يفعل هو الله - جل وعلا - في هذه الأزمنة؛ ولهذا كان سب هذه السنين سبا لمن تصرف فيها، وهو الله جل جلاله؛ لهذا عقد المؤلف هذا الباب ليبين أن سب الدهر ينافي كمال التوحيد، وأن سب الدهر يعود على الله - جل وعلا - بالإيذاء؛ لأنه سب لمن تصرف في هذا الدهر.
فمناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة: وهو أن سب الدهر من الألفاظ التي لا تجوز، والتخلص منها واجب واستعمالها مناف لكمال التوحيد، وهذا يحصل من الجهلة كثيرا، فإنهم إذا حصل لهم في زمان شيء لا يسرهم سبوا ذلك الزمان، ولعنوا ذلك اليوم، أو لعنوا تلك السنة، أو لعنوا ذلك الشهر، ونحو ذلك من الألفاظ الوبيلة، أو شتموا الزمان، وهذا لا شك لا يتوجه إلى الزمن؛ لأن الزمن شيء لا يفعل وإنما يفعل فيه، وهو أذية لله - جل وعلا -.
قوله: " باب من سب الدهر ": السب في أصله: التنقص، أو الشتم، فيكون بتنقص الدهر، أو يكون بلعنه، أو بشتمه، أو بنسبة النقائص إليه، أو بنسبة الشر إليه، ونحو ذلك، وهذا كله من أنواع سبه. والله - جل وعلا - هو الذي يقلب الليل والنهار.
قوله: " فقد آذى الله ": كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار» ففيه رعاية للفظ الحديث.
وسب الدهر - كما ذكرنا - محرم، وهو درجات وأعلاها لعن الدهر؛ لأن توجه اللعن إلى الدهر أعظم أنواع المسبة وأشد أنواع الإيذاء، وليس من مسبة الدهر وصف السنين بالشدة، ولا وصف اليوم بالسواد، ولا وصف الأشهر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
بالنحس، ونحو ذلك؛ لأن هذا مقيد، وهذا جاء في القرآن في نحو قوله - جل وعلا - {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} [فصلت: 16] [فصلت: 16] . فوصف الله - جل وعلا - الأيام بأنها نحسات، والمقصود: في أيام نحسات عليهم، فوصف الأيام بالنحس؛ لأنه جرى عليهم فيها ما فيه نحس عليهم، ونحو ذلك قوله - جل وعلا - في سورة القمر:{فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر: 19][القمر: 19] ، فهذا ليس من سب الدهر؛ لأن المقصود بهذا أن الوصف ما حصل فيها كان من صفته كذا وكذا على هذا المتكلم، وأما سبه أن ينسب الفعل إليه فيسب الدهر لأجل أنه فعل به ما يسوؤه، فهذا هو الذي يكون أذية لله - جل وعلا -.
" وقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] [الجاثية: 24] " هذه الآية ظاهرة في أن نسبة الأشياء إلى الدهر من خصال المشركين أعداء التوحيد، فنفهم منه أن خصلة الموحدين أن ينسبوا الأشياء إلى الله - جل وعلا - ولا ينسبوا الإهلاك إلى الدهر، بل الله - جل وعلا - هو الذي يحيي ويميت.
" في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر وأنا الدهر» : قوله: «وأنا الدهر» لا يعني أن الدهر من أسماء الله - جل وعلا -، ولكنه رتبه على ما قبله، وهو قوله:«يسب الدهر وأنا الدهر» ؛ لأن حقيقة الأمر أن الدهر لا يملك شيئا ولا يفعل شيئا، فسب الدهر سب لله؛ لأن الدهر يفعل الله - جل وعلا -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
فيه، فهو ظرف للأفعال وليس مستقلا؛ فلهذا لا يفعل، ولا يحرم، ولا يعطي، ولا يكرم، ولا يهلك، وإنما الذي يفعل هذه الأشياء مالك الملك المتفرد بالملكوت وتدبير الأمر الذي يجير ولا يجار عليه.
فقوله - إذا -: «وأنا الدهر» فيه نفي نسبة الأشياء إلى الدهر، وأن هذه الأشياء تنسب إلى الله - جل وعلا - فيرجع مسبة الدهر إلى مسبة الله - جل وعلا -؛ لأن الدهر لا ملك له، والله هو الفاعل.
«أقلب الليل والنهار» : والليل والنهار هما الدهر، فالله - جل وعلا - هو الذي يقلبهما، فليس لهما من الأمر شيء.
التوحيد يقتضي من الموحد المؤمن بالله - جل وعلا - أن يعظمه وألا يجعل مخلوقا في منزلة الله - جل وعلا - فيما يختص به، لأنه قد يجعل المخلوق في منزلة الله لشبهة وصف قام به، ككون القاضي هو رئيس القضاة أو أعلم، فيجعل في اللفظ والتسمية قاضيا للقضاة؛ فلهذا نبه الشيخ رحمه الله على