الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك]
" باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد، وسده كل طريق يوصل إلى الشرك " وقول الله عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ - فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 128 - 129][التوبة: 128 - 129] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» . رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات (1) .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه أبو داود (2042) .
(2)
أخرجه الضياء المقدسي في " المختارة "(428) .
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية براءة.
الثانية: إبعاده أمته عن هذا الحمى غاية البعد.
الثالثة: ذكر حرصه علينا ورأفته ورحمته.
الرابعة: نهيه عن زيارة قبره على وجه مخصوص، مع أن زيارته من أفضل الأعمال.
الخامسة: نهيه عن الإكثار من الزيارة.
السادسة: حثه على النافلة في البيت.
السابعة: أنه متقرر عندهم أنه لا يصلى في المقبرة.
الثامنة: تعليله ذلك: بأن صلاة الرجل وسلامه عليه يبلغه وإن بعد، فلا حاجة إلى ما يتوهمه من أراد القرب.
التاسعة: كونه صلى الله عليه وسلم في البرزخ تعرض أعمال أمته في الصلاة والسلام عليه.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
فقوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] يعني: عزيز عليه عنتكم؛ يعني: أن تكونوا في عنت ومشقة، فهذا عزيز عليه ولا يرغب فيه عليه الصلاة والسلام.
قوله: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة: 128] لأنه عليه الصلاة والسلام عزيز عليه عنت أمته، فهو لهذا يأمرهم بكل خير، وينهاهم عن كل شر، ويحمي حمى ما أمرهم به، وما نهاهم عنه؛ لأن الناس إذا أقدموا على ما نهوا عنه: فإنهم أقدموا على مهلكتهم، وأقدموا على ما فيه عنتهم في الدنيا وفي الأخرى، والنبي عليه الصلاة والسلام عزيز عليه عنت أمته أي: أن يقعوا في ما يعود عليهم بالوبال وبالمشقة؛ لهذا قال بعدها: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة: 128] لأن عزة مشقتهم عليه، وحرصه عليهم متلازمان، فمن حرصه علينا عليه الصلاة والسلام، ومن كونه يعز عليه عنتنا، أن حمى حمى التوحيد، وحمى جناب التوحيد، وسد كل طريق قد نصل بها إلى الشرك، عليه الصلاة والسلام، وهذا وجه الاستدلال من الآية على الباب.
وأما حديث أبي هريرة فوجه الشاهد منه قوله: «ولا تجعلوا قبري عيدا» ، والعيد يكون عيدا مكانيا كما جاء هنا، ويكون عيدا زمانيا، فقوله:«لا تجعلوا قبري عيدا» يعني: لا تصيروا قبري مكانا تعودون إليه؛ أو: تعتادون المجيء إليه في أوقات معلومة؛ فإن هذا قد يوصل إلى أن يعظم النبي عليه الصلاة والسلام كتعظيم الله جل وعلا. فاتخاذ القبور عيدا من وسائل الشرك؛ ولهذا قال: «وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
وكذلك حديث علي بن الحسين هو بمعنى الحديث السابق. ولفظ حديث علي بن الحسين أنه قال: «ألا أحدثك حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: " لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا» قاله للرجل الذي كان يعتاد المجيء إلى فرجة كانت عند القبر؛ لأن اعتياده الدعاء عند القبر نوع من الغلو، ووسيلة إلى تعظيم القبر، واتخاذه عيدا. وهذا من وسائل الشرك.
فحمى النبي عليه الصلاة والسلام حمى التوحيد وحرس جنابة، وسد كل طريق توصل إلى الشرك، حتى في قبره عليه الصلاة والسلام، فإذا كان قد نهى عن اتخاذ قبره مسجدا، أو عيدا، فمن باب أولى قبور غيره من الأنبياء والمرسلين، والصالحين، فإنهم أولى بذلك؛ لأنه أفضل خلق الله عليه الصلاة والسلام. فالحاصل: أن بعض هذه الأمة خالف ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به من حماية جناب التوحيد، فاتخذوا القبور مساجد، وأعيادا، وبنوا عليها المشاهد، وأسرجوها، وقدموا لها الذبائح والنذور، وطافوا حولها، وجعلوها كالكعبة، وجعلوا الأمكنة حولها مقدسة أعظم من تقديس بقاع الله المباركة، بل إن عباد القبور تجد عندهم من الذل، والخضوع، والإنابة، والرغب، والرهب - حين يأتون إلى قبر النبي أو قبر الرجل الصالح أو قبر الولي - ما ليس في قلوبهم إذا كانوا في خلوة مع الله جل جلاله وهذا عين المحادة لله - جل وعلا - ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا " باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان "، وكتاب التوحيد من أوله إلى هذا الموضع، ذكر فيه الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مسائل كثيرة من التوحيد، كبيان وجوب معرفة التوحيد، والعلم به، والخوف من الشرك، وبيان بعض أفراد التوحيد، وبعض أفراد الشرك، الأكبر والأصغر، ثم بين شيئا مما يتعلق بوسائل ذلك، وما يتعلق بالصور المختلفة التي وقعت من هذا الشرك في الأمم قبلنا وعند الجاهليين، يعني: في الأميين وفي أهل الكتاب، وكذلك مما وقع في هذه الأمة. ثم ذكر الوسائل والطرق الموصلة إلى الشرك، يعني: وسائل الشرك التي توصل إليه، وطرق الشرك الموصلة إليه.