الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب لا يقول عبدي وأمتي]
" باب لا يقول عبدي وأمتي " في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل: سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي» (1) .
فيه مسائل: الأولى: النهي عن قول: عبدي وأمتي.
الثانية: لا يقول العبد: ربي، ولا يقال له: أطعم ربك.
الثالثة: تعليم الأول قول: فتاي، وفتاتي، وغلامي.
الرابعة: تعليم الثاني قول: سيدي ومولاي.
الخامسة: التنبيه للمراد، وهو تحقيق التوحيد حتى في الألفاظ.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه البخاري (2552) ومسلم (2249) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
فتحقيق التوحيد لا يكون إلا بالاحتراس من الألفاظ التي يكون فيها إساءة أدب مع ربوبية الله- جل وعلا-، أو مع أسماء الله- جل وعلا- وصفاته، ولهذا عقد المؤلف هذا الباب فقال:" باب لا يقول عبدي وأمتي ".
عبودية البشر لله - جل وعلا - عبودية حقيقة، وإذا قيل: هذا عبد الله، فهو عبد لله- جل وعلا- إما قهرا أو اختيارا، فكل من في السماوات والأرض عبد لله- جل وعلا- كما قال- جل وعلا- {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا - لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا - وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 93 - 95] [مريم: 93- 95] ، فعبودية الخلق لله- جل وعلا- ظاهرة؛ لأنه هو الرب، وهو المتصرف، وهو خالق الخلق، وهو المدبر لشئونهم، فالله- جل وعلا- هو المتفرد بذلك سبحانه، فإذا قال الرجل لرقيقه: هذا عبدي، وهذه أمتي، كان فيه نسبة عبودية أولئك له، وهذا فيه منافاة لكمال الأدب الواجب مع الله- جل وعلا-؛ ولهذا كان هذا اللفظ غير جائز عند كثير من أهل العلم، ومكروه عند طوائف آخرين.
وسبب النهي عن لفظ: «عبدي وأمتي» ما ذكرنا من وجوب تعظيم الربوبية، وعدم انتقاص عبودية الخلق لله جل وعلا.
في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقل أحدكم أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل: سيدي ومولاي، ولا يقل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي» : هذا النهي في هذا الحديث اختلف فيه أهل العلم على قولين:
الأول: أنه للتحريم، لأن النهي الأصل فيه للتحريم إلا إذا صرفه عن ذلك الأصل صارف.
وقال آخرون: النهي هنا للكراهة، وذلك لأنه من جهة الأدب، ولأنه جاء في القرآن قول يوسف عليه السلام:{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42][يوسف: 42] ولأن الربويية هنا المقصود بها ما يناسب البشر، فرب الدار، ورب العبد هو الذي يملك أمره في هذه الدنيا؛ فلهذا قالوا: النهي للكراهة وليس للتحريم، مع ما جاء في بعض الأحاديث من تجويز إطلاق بعض تلك الألفاظ.
قوله: «وليقل: سيدي ومولاي» السيادة مع كون الله- جل وعلا- هو السيد، لكن السيادة بالإضافة لا بأس بها؛ لأن للبشر سيادة تناسبه.
«ومولاي» : المولى يأتي على معان كثيرة، ومخاطبة البشر بقول:" مولاي " أجازه طائفة من أهل العلم، بناء على هذا الحديث، وقد جاء في صحيح مسلم النهي عن أن يقول: مولاي، فقال:«لا تقولوا مولاي إنما مولاكم الله» أو نحو ذلك، وهذا الحديث أعله بعض أهل العلم بأنه نقل بالمعني، فهو شاذ من جهة اللفظ، ومعارض لهذا الحديث الذي هو نص في إجازة ذلك، فالصحيح جواز إطلاق لفظ " مولاي " و " سيدي "، ونحو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
ذلك؛ لأن المراد بالسيادة هنا سيادة تناسب البشر، وكذلك قول: مولاي مراد به ما يناسب البشر من ذلك، فليس اللفظان في مقام الربوبية المطلقة؛ لأنها أعظم درجة، ولأن العبودية لا تكون إلا لله- جل وعلا- وإطلاق ذلك على البشر لا يجوز.
فتحصل من ذلك: أن هذه الألفاظ- كما ذكرنا- يجب أن يحترز فيها، وأن يتجنب ما ينافي الأدب مع مقام ربوبية الله- جل وعلا- وأسمائه سبحانه وتعالى، وعليه فلا يكون جائزا أن يقول: عبدي وأمتي، أو أن يقول: أطعم ربك، وضئ ربك، ونحو ذلك.
هذا كله مختص بالتعبيد أو الربوبية للمكلفين، أما إضافة الربوبية إلى غير المكلف فلا بأس بها؛ لأن حقيقة العبودية لا تتصور فيها، كأن تقول: رب الدار، ورب المنزل، ورب المال، ونحو ذلك، فإن الدار، والمنزل، والمال، ليست بأشياء مكلفة بالأمر والنهي فلهذا لا تنصرف الأذهان أو يذهب القلب إلى أن ثمت نوعا من عبودية هذه الأشياء لمن أضيفت إليه، بل إن ذلك معروف أنه إضافة ملك؛ لأنها ليست مخاطبة بالأمر والنهي وليس يحصل منها خضوع أو تذلل.
الشرح: هذا الباب مع الباب الذي قبله ومع ما سبقه- كما ذكرنا- كلها في تعظيم الله- جل وعلا- وربوبيته وأسمائه وصفاته؛ لأن تعظيم ذلك من إكمال