الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ما جاء في النشرة]
" باب ما جاء في النشرة " وعن جابر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: " هي من عمل الشيطان» رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود (1) وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله.
وفي البخاري عن قتادة قلت لابن المسيب: رجل به طب، أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه. انتهى، وروي عن الحسن أنه قال: لا يحل السحر إلا ساحر. قال ابن القيم: النشرة: حل السحر عن المسحور وهي نوعان: حل سحر بمثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور. والثاني: النشرة بالرقية، والتعوذات، والأدوية، والدعوات المباحة، فهذا جائز.
فيه مسائل: الأولى: النهي عن النشرة.
الثانية: الفرق بين المنهي عنه والمرخص فيه، مما يزيل الإشكال.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه أحمد 3 / 294 وأبو راود (3868) وحسنه الحافظ في " الفتح " 1 / 233.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
ونوع من السحر يكون في البدن، أي: من جهة عضوية، فهذا أحيانا يعالج بالرقى والأدعية والقرآن، وأحيانا يعالج عن طريق الأطباء العضويين، وذلك لأن السحر- كما سبق- يمرض حقيقة، فإذا أزيل المرض أو سبب المرض فإنه يبطل السحر؛ ولهذا قال ابن القيم في آخر الكلام:" والثاني: النشرة بالرقية، والتعوذات، والأدوية، والدعوات المباحة فهذا جائز "؛ لأنه يحصل منه المرض، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يعالج بما أذن به شرعا من الرقى والأدوية المباحة.
والقسم الثاني من النشرة: وهي التي من أنواع الشرك: أن ينشر عنه بغير الطريق الأول بطريق السحر، فيحل السحر الأول بسحر آخر، وذكرنا أن السحر لا ينعقد أصلا إلا بأن يتقرب الساحر للجني، أو أن يكون الجني يخدم الساحر الذي يشرك بالله دائما.
كذلك حل السحر لا بد فيه من إزالة سببه وهو خدمة شياطين الجن للساحر. وهذا لا يمكن إلا للجن، فإن الساحر الثاني الذي ينشر السحر ويرفع السحر لا بد أن يستغيث أو أن يتوجه إلى بعض جنه في أن يرفع أولئك الجن الذين عقدوا هذا السحر أن يرفعوا أثره فعلى هذا لا يكون السحر من حيث العقد والابتداء إلا بالشرك بالله، ومن حيث الرفع والنشر لا يكون إلا بالشرك بالله- جل وعلا-؛ ولهذا قال الحسن:" لا يحل السحر إلا ساحر "(1) يعني: لا يحل السحر بغير الطريق الشرعية المعروفة إلا ساحر، فإذا جاء أحد وقال: أنا أحل السحر، قيل له: تستخدم القراءة والتلاوة والأدعية؟ فإذا قال:
(1) أخرجه ابن جرير في (التهذيب) كما في (فتح الباري) 10 / 233.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
لا. قيل: هل أنت طبيب تطب ذلك المسحور؟ فإن قال: لا. فهو إذا ساحر؛ لأنه إذا لم يستخدم الطريقة الثانية فإنه لا يمكن أن يحل السحر إلا ساحر؛ لأنه فك أثر الجن في ذلك السحر، ولا يمكن إلا عن طريق شياطين الجن الذين يؤثرون في ذاك.
" عن جابر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: " هي من عمل الشيطان» (1) هذا سؤال عما كان معهودا معروفا عندهم في هذا الاسم وهو اسم النشرة، والذي كان معروفا معهودا هو أن النشرة إنما هي من جهة الساحر، لأنها- عند العرب- حل السحر بمثله؛ لهذا «لما سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن النشرة قال. " هي من عمل الشيطان» قال العلماء:(ال) أو لام التعريف في قوله " النشرة " هذه للعهد، يعني: النشرة المعهود استعمالها، وهي حل السحر بمثله، فقال عليه الصلاة والسلام. «هي من عمل الشيطان» ؛ لأن رفع السحر لا يكون إلا بعمل شيطان جني؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:" هي " يعني: الرفع والنشر " من عمل الشيطان" لأن العقد أصلا من عمل الشيطان، والرفع والنشر من عمل الشيطان، فإذا هو سؤال عن النشرة التي كانت تستخدم في الجاهلية.
" رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود، وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله "(2) وقوله: " يكره هذا كله " يعني: أن تكون
(1) أحمد في المسند 3 / 294 وأبو داود (3868) والبيهقي في السنن 9 / 301.
(2)
انظر الآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 77.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
النشرة عن طريق التمائم التي فيها القرآن؛ لأنه مر بنا أن ابن مسعود كان يكره جميع أنواع التمائم حتى من القرآن، كما قال إبراهيم النخعي رحمه الله. كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن ومن غير القرآن. يعني: أصحاب ابن مسعود، فابن مسعود كان يكره التمائم من القرآن، وهو أن يعلق شيئا من القرآن لأي غرض، لدفع العين، أو لإزالة السحر، ورفع الضرر؛ لهذا قال الإمام أحمد لما سئل عن النشرة التي تكون بالتمائم من القرآن، قال: ابن مسعود يكره هذا كله.
أما النشرة باستخدام النفث، والرقية من غير تعليق، فلا يمكن للإمام أحمد ولا لابن مسعود أن يكرها ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم ذلك، وأذن به عملا في نفسه، وكذلك في غيره عليه الصلاة والسلام.
" وفي البخاري عن قتادة قلت لابن المسيب: رجل به طب، أو يؤخذ عن امرأته، أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه "(1) يريد ابن المسيب بذلك ما ينفع من النشرة بالتعوذات، والأدعية، والقرآن، والدواء المباح، ونحو ذلك، أما النشرة التي هي بالسحر، فابن المسيب أرفع من أن يقول إنها جائزة، ولم ينه عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«هي من عمل الشيطان» ؛ لهذا قال " لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه " يعني: من الأدوية المباحة، ومن الرقى، والتعوذات الشرعية، وقراءة القرآن، ونحو ذلك، فهذا لم ينه عنه، بل أذن فيه.
(1) رواه البخاري 10 / 323.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
" وروي عن الحسن أنه قال: لا يحل السحر إلا ساحر "(1) وهذا بينا معناه.
" قال ابن القيم: النشرة: حل السحر عن المسحور وهي نوعان: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب ". كما ذكرنا لكم سلفا.
" فيبطل عمله عن المسحور "، وهذه حقيقة النشرة الشركية.
إذا تبين ذلك، فإنما حكم حل السحر بمثله أنه لا يجوز ومحرم، بل هو شرك بالله- جل وعلا-؛ لأنه لا يحل السحر إلا ساحر. وبعض العلماء من أتباع المذاهب يرى جواز حل السحر بمثله إذا كان للضرورة، كما قال فقهاء مذهب الإمام أحمد في بعض كتبهم: ويجوز حل سحر بمثله ضرورة، وهذا القول ليس بصواب، بل هو غلط؛ لأن الضرورة لا تكون جائزة ببذل الدين والتوحيد عوضا عنها، ومعروف أن الضروريات الخمس التي جاءت بها الشرائع أولها: حفظ الدين، وغيره أنى منه مرتبة- ولا شك-، فلا يبذل ما هو أعلى لتحصيل ما هو أدنى، وضرورة الحفاظ على النفس وإن كانت من الضروريات الخمس، لكنها دون حفظ الدين مرتبة؛ ولهذا لا يقدم ما هو أدنى على ما هو أعلى، أو أن يبذل ما هو أعلى لتحصيل ما هو أدنى من الضروريات الخمس، والأنفس لا يجوز حفظها بالشرك، ولأن يموت المرء وهو على التوحيد خير له من أن يعافى وقد أشرك بالله- جل وعلا-، لأن السحر لا
(1) تقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
يكون إلا بشرك، والذي يأتي الساحر ويطلب منه حل السحر، فقد رضي قوله وعمله، ورضي أن يعمل به ذاك، ورضي أن يشرك ذاك بالله لأجل منفعته، وهذا غير جائز.
فتحصل من هذا أن السحر- نشرا ووقوعا- لا يكون إلا بالشرك الأكبر بالله - جل وعلا-، وعليه فلا يجوز أن يحل لا من جهة الضرورة، ولا من جهة غير الضرورة من باب أولى بسحر مثله، بل يحل وينشر بالرقى الشرعية.
هذا " باب ما جاء في التطير " سبق بيان أن الطيرة من أنواع السحر، ولهذا جاء المؤلف رحمه الله بهذا الباب بعد الأبواب المتعلقة بالسحر؛ لأنها من أنواعه بنص الحديث.
ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن التطير نوع من الشرك بالله- جل وعلا- بشرطه، والشرك الذي يكون من جهة التطير مناف لكمال التوحيد الواجب؛ لأنه شرك أصغر.
وحقيقة التطير: أنه التشاؤم أو التفاؤل بحركة الطير من السوانح والبوارح، أو النطيح والقعيد، أو بغير الطير مما يحدث. فكانوا في الجاهلية إذا أراد أحد أن يذهب إلى مكان، أو يمضي في سفر، أو أن يعقد له خيارا، استدل بما يحدث له من أنواع حركات الطيور، أو بما يحدث له من الحوادث على أن هذا السفر سفر سعيد فيمضي فيه، أو أنه سفر سيئ وعليه فيه وبال فيرجع عنه. وعلى هذا فضابط الطيرة الشركية التي من قامت في قلبه وحصل له شرطها وضابطها فهو مشرك الشرك الأصغر، هو ما جاء في آخر الباب من قوله عليه الصلاة