الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول]
" باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول " وقول الله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65][التوبة: 65] .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه ابن جرير في " التفسير "(16911) و (16912) و (16914) و (16915) و (16916) .
فيه مسائل: الأولى: - وهي العظيمة- أن من هزل بهذا فإنه كافر.
الثانية: أن هذا هو تفسير الآية فيمن فعل ذلك كائنًا من كان.
الثالثة: الفرق بين النميمة وبين النصيحة لله ولرسوله.
الرابعة: الفرق بين العفو الذي يحبه الله وبين الغلظة على أعداء الله.
الخامسة: أن من الاعتذار ما لا ينبغي أن يقبل.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
قوله: " باب من هزل " الهزل خلاف الجد، وصفته: أن يتكلم بكلام فيه الهزل والاستهزاء والعيب إما بالله أو بالقرآن أو بالرسول صلى الله عليه وسلم.
وقول الشيخ- رحمه الله هنا: " باب من هزل بشيء " الباء هذه، هل هي التي يذكر بعدها وسيلة الهزل، أو الباء التي يذكر بعدها المهزول به؟ ؟ الظاهر هو الثاني، فعلى الأول يكون المعنى: أنه ذكر الله بشيء فيه هزل، وذكر الرسول بشيء فيه هزل، يعني: هزل، وهو يذكر هذه الأشياء.
وعلى الثاني يكون معنى: " من هزل بشيء فيه ذكر الله " أن المستهزئ به أو المهزول به هو ذكر الله، أو القرآن، أو الرسول، ومعلوم أن المعنى المراد هو الثاني لأن الشيخ يريد أن المستهزئ به هو الله، أو الرسول، أو القرآن، اتباعا لنص الآية.
فمناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة: وهو أن الهزل والاستهزاء بالله أو بالرسول أو بالقرآن مناف لأصل التوحيد، وكفر مخرج من الملة، لكن بضابطه الذي ذكرناه، وهو: أن الاستهزاء- وهو الاستنقاص واللعب والسخرية- يكون بالله- جل جلاله أو يكون بالرسول صلى الله عليه وسلم أو يكون بالقرآن، وهذا هو الذي جاء فيه النص قال- جل وعلا-:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ - لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66][التوبة: 65- 66] ، فمن استنقص الله- جل وعلا-، أو هزل بذكره لله- جل وعلا-، يعني: حينما ذكر الله- جل وعلا- استهزأ وهزل ولم يظهر التعظيم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
في ذلك، فتنقص الله- جل وعلا- كما يفعله بعض الفسقة، والذين يقولون الكلمة لا يلقون لها بالا تهوي ببعضهم في النار سبعين خريفا، أو هزل بالقرآن أو استهزأ بالقران أو بالسنة، يعني: بالنبي عليه الصلاة والسلام، فإنه كافر الكفر الأكبر المخرج من الملة هذا ضابط هذا الباب.
ويخرج عن ذلك ما لو استهزأ بالدين فإن الاستهزاء بالدين فيه تفصيل، فإن المستهزئ بالدين، أو الساب له، أو اللاعن له، قد يريد دين المستهزأ به، ولا يريد دين الإسلام أصلا، فلا يرجع استهزاؤه إلى واحد من الثلاثة؛ فلهذا نقول: الكفر يكون أكبر إذا كان الاستهزاء بأحد الثلاثة التي ذكرنا ونصت عليها الآية، أو كان راجعا إلى أحد الثلاثة.
أما إذا كان الاستهزاء بشيء خارج عن ذلك، فإنه يكون فيه تفصيل: فإن هزل بالدين، فينظر هل يريد دين الإسلام، أو يريد تدين فلان؟ ومثال ذلك أن يأتي واحد من المسلمين ويستهزئ- مثلا- بهيئة أحد الناس وهيئته يكون فيها التزام بالسنة، فهل يكون هذا مستهزئا الاستهزاء الذي يخرجه من الملة؟ الجواب: لا؛ لأن هذا الاستهزاء راجع إلى تدين هذا المرء، وليس راجعا إلى الدين أصلا، فيعرف بأن هذا سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا علم أنه سنة، وأقر بذلك، وأن النبي فعله ثم استهزأ، بمعنى: استنقص أو هزأ بالذي اتبع السنة مع علمه بأنها سنة وإقراره بصحة كونها سنه فهذا رجع إلى الاستهزاء بالرسول.
وكذلك الاستهزاء بكلمات قد يكون مرجعها إلى القرآن، وقد لا يكون مرجعها إلى القرآن فيكون فيه تفصيل، فالخلاصة - إذا - أن الاستهزاء إذا كان بالله، أو بصفاته، أو بأسمائه، أو بالرسول عليه الصلاة والسلام، أو بالقرآن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
فإن هذا كفر، وإن كان الاستهزاء غير ذلك فينظر: إن كان راجعا إلى أحد الثلاثة فهو كفر أكبر، وإن كان غير ذلك فإنه يكون محرما ولا يكون كفرا أكبر " وقول الله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ - لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66][التوبة: 65- 66] : هذه الآية نص في أن المستهزئ بالله، وبالرسول، وبآيات الله- جل وعلا- والمقصود بها آيات الله- جل وعلا- الشرعية، يعني: القران، أن هذا المستهزئ كافر، وأنه لا ينفعه اعتذاره بأنه كان في هزل ولعب بل هو كافر لأن تعظيم الله- جل وعلا- وتوحيده يوجب عليه أن لا يستهزئ.
وهذه الآية نزلت في المنافقين، وبعض أهل العلم قال: ليست في المنافقين، وهذا غلط وليس بصواب، لأسباب، منها: أن هذه السورة التي منها هذه الآية هي في حال المنافقين؛ ولأن سياق الآية- سابقها ولاحقها- يدل على أن الضمائر ترجع إلى المنافقين. قال- جل وعلا- قبل هذه الآية في سورة براءة: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ - وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 64 - 65][التوبة: 64 - 65] فالآية السابقة لآية الباب هي في المنافقين نصا، فالضمير- إذا- في قوله:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} [التوبة: 65] يعود على من ذكر قبل هذه الآية، وهم المنافقون المنصوص
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
عليهم بقوله: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ} [التوبة: 64] وكذلك ما بعدها من الآيات في المنافقين في قوله- جل وعلا- {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} [التوبة: 67][التوبة: 67] والأدلة على ذلك كثيرة.
فالصواب في ذلك أن المراد بالآية هم المنافقون، وأما أهل التوحيد فإنه لا يصدر منهم استهزاء أصلا، ولو استهزءوا لعلمنا أنهم غير معظمين لله، وأن توحيدهم ذهب أصلا لأن الاستهزاء يطرد التعظيم.
فالواجب على المسلمين- جميعا- وعلى طلبة العلم- بخاصة- أن يحذروا من مزالق الكلام لأن كثيرين يتكلمون بكلام لا يلقون له بالا، ربما استهزءوا، أو ربما تكلموا بكلام فيه شيء من الهزل، وفيه شيء من الضحك، وكان في أثناء هذا الكلام ذكر الله، أو فيه قراءة القرآن، أو فيه ذكر بعض العلم، وهذا مما لا يجوز وقد يدخل أحدهم في قول النبي عليه الصلاة والسلام:«وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي بها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفا» (1) . نسأل الله- جل وعلا- السلامة والعافية.
فالواجب على العبد أن يعظم الله، وأن لا يتلفظ إلا بكلام عقله قبل أن يقوله لأن اللسان هو مورد الهلكة، قال معاذ للنبي عليه الصلاة والسلام: «أومؤاخذون يا رسول الله بما نقول؟ قال: " ثكلتك أمك يا معاذ
(1) أخرجه الترمذي (2314) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو قال على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم» (1) . فالله الله في اللسان فإنه أعظم الجوارح خطرا، ومما يتساهل فيه أكثر الناس، فاحذر الخوض فيما لا يعنيك، وبخاصة فيما يتعلق بالدين، أو بالعلم، أو بأولياء الله، أو بالعلماء، أو بصحابة النبي عليه الصلاة والسلام، أو بالتابعين، فإن هذا مورده خطير والله المستعان، فقد عظمت الفتنة، والناجي من سلمه الله جل وعلا.
هذا الباب كالأبواب التي قبله في بيان وجوب تعظيم الله- جل وعلا- في الألفاظ وأن النعم يجب أن تنسب إليه، وأن يشكر عليها فتعزى إليه، ويقول العبد: هذا أنعم الله علي به، والكذب في هذه المسائل، أو أن يتكلم المرء بكلام ليس موافقا للحقيقة، أو هو مخالف لما يعلمه من أن الله- جل وعلا-
(1) أخرجه أحمد في المسند 5 / 231-236-237 والترمذي (2649) .