الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك]
" باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك " عن أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله هو الحكم، وإليه الحكم " فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال: " ما أحسن هذا! فما لك من الولد؟ " قال: شريح، ومسلم، وعبد الله قال: " فمن أكبرهم؟ " قلت: شريح، قال: " فأنت أبو شريح» (1) . رواه أبو داود وغيره.
فيه مسائل: الأولى: احترام أسماء الله وصفاته، ولو لم يقصد معناه.
الثانية: تغيير الاسم لأجل ذلك.
الثالثة: اختيار أكبر الأبناء للكنية.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه أبو داود (4955) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
الله- جل وعلا- ويغير الاسم لأجل هذا، فأسماء الله- جل وعلا- يجب احترامها، وتعظيمها، ومن احترامها أن يجعل ما لا يصلح إلا لله منها لله وحده، وألا يسمى به البشر.
قوله: " باب احترام أسماء الله تعالى ": هذا الاحترام قد يكون مستحبا من جهة الأدب، وقد يكون واجبا، فأسماء الله تعالى يجب احترامها، بمعنى يجب ألا تمتهن، ويستحب احترامها أيضا فيما كان من الأدب ألا يوصف به غير الرب جل وعلا.
وهذا راجع إلى تعظيم شعائر الله- جل جلاله قال سبحانه: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32][الحج: 32]، وقال- جل وعلا-:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30][الحج: 30] : قال أهل العلم: الشعائر: جمع شعيرة، وهي: كل ما أشعر الله بتعظيمه، يعني: أعلم بتعظيمه فهو شعيرة، ومما أشعر الله بتعظيمه أسماؤه الحسنى- جل وعلا- فيجب احترامها وتعظيمها ولهذا يستدل أهل العلم على وجوب ألا تمتهن أسماء الموجودة في الجرائد، أو في الأوراق، أو أن ترمى، أو أن توضع في أمكنة قذرة، وعلى وجوب احترام كل ما فيه اسم من أسماء الله بهاتين الآيتين، وبالقاعدة العامة في ذلك.
قوله: " وتغيير الاسم لأجل ذلك " ساق فيه حديث أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم، و " يكنى " بالتخفيف هي الفصيحة، أما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
يكنى بالتشديد فهي لغة ضعيفة، تقول: فلان يُكْنَى بكذا، أما يُكَنَّى فليست بجيدة لأن يُكْنَى هي التي كان عليها غالب الاستعمال فيما ذكره أهل اللغة.
والحكم من أسماء الله- جل وعلا-، والله- جل وعلا- لم يلد ولم يولد، فتكنية المخلوق بأبي الحكم غير لائقة لأن الحكم من أسماء الله، والله - جل وعلا- لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن الحكم، وهو: بلوغ الغاية في الحكم، والفصل بين المتخاصمين، راجع إلى من له الحكم وهو الله- جل جلاله، وأما البشر فإنهم لا يصلحون أن يكونوا حكاما أو أن يكون الواحد منهم حكما على وجه الاستقلال ولكن يكون حكما على وجه التبع؛ ولهذا أنكر النبي عليه الصلاة والسلام على أبي شريح هذه التكنية فقال له:«إن الله هو الحكم» ودخول (هو) بين لفظ الجلال وبين اسمه (الحكم) يدل على اختصاصه بذلك كما هو مقرر في علم المعاني لأن (هو) ضمير عماد أو ضمير فصل لا محل له من الإعراب، وفائدته أن يجعل الثاني مختصا بالأول.
«وإليه الحكم» : يعني أن الحكم إليه لا إلى غيره فاسم (الحكم) الذي يفيد استغراق صفات الحكم ليس إلا إلى الله جل وعلا.
ذاك الرجل علل فقال: «إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال: " ما أحسن هذا» ، " ما أحسن هذا " راجع إلى الحكم، وعائد إلى الإصلاح، وهو أنه يصلح ويحكم بينهم، فيرضى كلا الفريقين، وهل حكم بينهم بالشرع، أو حكم بينهم بما عنده، يعني: بما يراه؟ الجواب: أنه حكم بينهم بما يراه، ولو كان الحكم بينهم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
بالشرع لجاز إطلاق الحكم على من يحكم بين المتخاصمين بالشرع، أما إطلاقه على الفاصل بين المتخاصمين بغير الشريعة فإن هذا مخالف للأدب.
فالواجب ألا يسمى أحد بالحكم أو الحاكم أو نحو ذلك إلا إذا كان منفذا لأحكام الله- جل جلاله؛ لهذا قال سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35][النساء: 35] ، فسمى المبعوث من هذا وهذا حكما لأنهما يحكمان بالشرع، فالذي يحكم بما حكم به الله الذي هو الحكم يقال له: حكم لأنه حكم يحكم من له الحكم وهو الله- جل جلاله فيسوغ إطلاق ذلك ولا بأس به؛ لأن الله- جل وعلا- وصف من يحكمون بشرعه بأنهم حكام وهم القضاة، فقال- جل وعلا- في سورة البقرة:{وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188][البقرة: 188] فقوله: {الْحُكَّامِ} [البقرة: 188] هو جمع الحاكم، وساغ إطلاق ذلك عليه؛ لأنه يحكم بالشرع.
والمقصود أن من الأدب ألا يسمى أحد بشيء يختص الله- جل وعلا- به ولذلك أورد المؤلف هذا الباب إثر الباب الذي قبله، لأجل هذه المناسبة، فتسمية " ملك الأملاك " مشابهة لتكنيه " أبي الحكم " من جهة أن في كل منهما اشتراكا في التسمية، لكن فيها اختلاف من جهة أن " أبا الحكم " راجع إلى شيء يفعله هو، وهو أنه يحكم فيرضون بحكمه وذاك " ملك الأملاك " ادعاء ليس له شيء؛ ولهذا كان أخنع اسم عند الله جل جلاله.
هذا " باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول ".
التوحيد الخالص في القلب، بل أصل التوحيد لا يجامع الاستهزاء بالله- جل وعلا- وبرسوله وبالقرآن لأن الاستهزاء معارضة، والتوحيد موافقة ولهذا قال بعض أهل العلم: الكفار نوعان: معرضون كمن قال الله فيهم: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 24][الأنبياء: 24] ، ومعارضون، وهم المجادلون، أو الذين يعارضون بأنواع المعارضات لأجل إطفاء نور الله، ومن ذلك الاستهزاء ونحوه.
فالتوحيد استسلام وانقياد وقبول وتعظيم، والهزء والاستهزاء بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول معارضة لأنه مناف للتعظيم، ولهذا كان كفرا أكبر بالله- جل وعلا-، إذ لا يصدر الاستهزاء بالله، أو برسوله صلى الله عليه وسلم، أو بالقرآن، من قلب موحد أصلا، بل لا بد أن يكون إما منافقا، أو كافرا مشركا.