الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب قوله اللهم اغفر لي إن شئت]
" باب قوله: اللهم اغفر لي إن شئت " في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة؛ فإن الله لا مكره له» (1) .
ولمسلم: «وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه» (2) .
فيه مسائل: الأولى: النهي عن الاستثناء في الدعاء.
الثانية: بيان العلة في ذلك.
الثالثة: قوله: ليعزم المسألة.
الرابعة: إعظام الرغبة.
الخامسة: التعليل لهذا الأمر.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه البخاري (6339) ومسلم (2679) .
(2)
أخرجه مسلم (2679) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
وأن الله- جل وعلا- هو الغني عما سواه، وقول القائل:«اللهم اغفر لي إن شئت» يفهم منه أنه مستغن عن أن يغفر له، كما يأتي العزيز أو المتكبر من الناس فيقول لآخر لا يريد أن يتذلل له: افعل هذا إن شئت، يعني: إن فعلت ذلك فحسن، وإن لم تفعل فلست بملح عليك، ولست بذي إكرام، فهذا القول مناف لحاجة الذي قالها إلى الآخر ولهذا كان فيه عدم تحقيق للتوحيد، ومنافاة لما يجب على العبد في جناب ربويية الله- جل وعلا- من أن يظهر فاقته وحاجته لربه، وأنه لا غنى به عن مغفرة الله، وعن غنى الله، وعن عفوه، وكرمه وإفضاله، ونعمه طرفة عين، فقول القائل:«اللهم اغفر لي إن شئت» كأنه يقول: لست محتاجا، إن شئت فاغفر، وإن لم تشأ فلست بمحتاج، وهذا فعل أهل التكبر، وأهل الإعراض عن الله- جل وعلا-، ولهذا حرم هذا اللفظ، وهو أن يقول أحد:«اللهم اغفر لي إن شئت» ؛ للحديث الذي ساقه المؤلف، فقال: " في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له» . ولمسلم: «وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه» .
قوله: «ليعزم المسألة» : يعني: ليسأل سؤال عازم، سؤال محتاج، سؤال متذلل، لا سؤال مستغن مستكبر، فليعزم المسألة، وليسأل سؤال جاد محتاج متذلل فقير يحتاج إلى أن يعطى ذلك، والذي سأل سأل أعظم المسائل، وهي المغفرة والرحمة من الله- جل وعلا- فيجب عليه أن يعظم هذه المسألة، ويعظم الرغبة وأن يعزم المسألة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
قوله: «فإن الله لا مكره له» أي: لا أحد يكرهه لتمام غناه، وتمام عزته وقهره وجبروته، وتمام كونه مقيتا سبحانه وتعالى، وهذا من آثار الأسماء والصفات.
ولهذا لا يجوز قي الدعاء أن يواجه العبد ربه بهذا القول: «اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت» ، وهذا واضح ظاهر في الدعاء الذي فيه المخاطبة، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن هذا يتقيد بالدعاء الذي فيه خطاب، أما الدعاء الذي ليس فيه خطاب فيكون التعليق بالمشيئة ليس تعليقا؛ لأجل عدم الحاجة، أو منبئا عن عدم الحاجة كهذا الدعاء، بل هو للتبرك كمن يقول: رحمه الله إن شاء الله، أو غفر الله له إن شاء الله، أو الله يعطيه من المال كذا وكذا إن شاء الله، ونحو ذلك، فهذا قالوا: لا يدخل في هذا النوع، لأنه ليس على وجه الخطاب، وليس على وجه الاستغناء، ولكن الأدب يقتضي ألا يستعمل هذه العبارة في الدعاء مطلقا؛ لأنها وإن كانت ليست بمواجهة فإنها داخلة في تعليق الدعاء بالمشيئة، والله- جل وعلا- لا مكره له، فعموم المعنى المستفاد من قوله:«فإن الله لا مكره له» عموم هذا التعليل يشمل هذا وهذا، فلا شك أن قول «اللهم اغفر لي إن شئت» أعظم ولكن القول الآخر داخل أيضا في علة النهي ومعنى النهي؛ ولهذا لا يسوغ استعماله.
وقول النبي عليه الصلاة والسلام لمن عاده وقد أصابته الحمى- كما رواه البخاري ومسلم وغيرهما-: «طهور إن شاء الله» قال: بل هي حمى تفور. . إلخ كلامه (1) هذا ليس فيه دعاء، وإنما هو من جهة الخبر، قال: يكون طهورا إن شاء الله، فهو ليس بدعاء، وإنما هو خبر، فافترق عن أصل المسألة.
(1) أخرجه البخاري (3616) ، ولم يروه مسلم رحمه الله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
وقال طائفة من أهل العلم من شراح البخاري: وقد يكون قوله: «طهور إن شاء الله» للبركة، فيكون ذلك من جهة التبرك، كقوله- جل وعلا- مخبرا عن قول يوسف:{ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99] وهم قد دخلوا مصر، وكقوله- جل وعلا-:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [الفتح: 27][الفتح: 27] .
الشرح: هذا الباب مع الأبواب قبله وما بعده كلها في تعظيم ربوبية الله- جل وعلا-، وتعظيم أسماء الله- جل وعلا- وصفاته؛ لأن تعظيم ذلك من كمال التوحيد، وتحقيق التوحيد لا يكون إلا بأن يعظم الله- جل وعلا- في ربوبيته، وفي إلهيته، وفي أسمائه وصفاته.