الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله تبارك وتعالى]
" باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله تبارك وتعالى " روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (1) ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: 19][النجم: 19] قال: كان يلت لهم السويق فمات، فعكفوا على قبره (2) . وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس قال: كان يلت السويق للحاج (3) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسراج» . رواه أهل السنن (4) .
فيه مسائل: الأولى: تفسير الأوثان.
الثانية تفسير العبادة.
الثالثة: أنه صلى الله عليه وسلم لم يستعذ إلا مما يخاف وقوعه.
الرابعة: قرنه بهذا اتخاذ قبور الأنبياء مساجد.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه مالك في " الموطأ "(261) .
(2)
ابن جرير في " التفسير " 27 / 58.
(3)
ابن جرير في " التفسير ".
(4)
أبو داود (3236) والترمذي و (320)، وقال: حديث حسن.
الخامسة: ذكر شدة الغضب من الله.
السادسة: وهي من أهمها - صفة معرفة عبادة اللات التي هي أكبر الأوثان.
السابعة: معرفة أنه قبر رجل صالح.
الثامنة: أنه اسم صاحب القبر، وذكر معنى التسمية.
التاسعة: لعنه زوارات القبور.
العاشرة: لعنه من أسرجها
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الكتابة على القبر، أو تجصيصه، أو رفعه في أنواع من السنن التي جاءت في أحكام القبور، إنما لأجل سد الطرق التي توصل إلى الغلو في قبور الصالحين.
فمجاوزة الحد في قبور الصالحين هي مجاوزة لما أمر الشارع أن تكون عليه القبور؛ لأن قبور الصالحين لا تختلف عن قبور غير الصالحين. فالغلو فيها يكون بالكتابة عليها، أو برفعها، أو بالبناء عليها، أو باتخاذها مساجد، وكل هذا من الوسائل المؤدية إلى الشرك الأكبر. ومن صور الغلو في قبور الصالحين، أن تجعل وسيلة من الوسائل التي تقرب إلى الله جل وعلا، أو أن يتخذ القبر أو من في القبر شفيعا لهم عند الله جل وعلا، أو ينذر للقبر، أو يذبح له، أو يستشفع بترابه؛ اعتقادا أنه وسيلة عند الله جل وعلا، ونحو ذلك من أنواع الشرك الأكبر بالله تبارك وتعالى.
فالغلو في قبور الصالحين يكون بمجاوزة ما أذن فيها، ومن المجاوزة ما هو من وسائل الشرك، ومنها ما هو شرك صريح كاتخاذ القبور أوثانا تعبد من دون الله جل وعلا؛ ولهذا قال رحمه الله:" باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا "، وقوله:" يصيرها " يعني: يجعلها؛ فقد يكون جعل الوسائل للغايات، يعني: أن الغلو صار وسيلة لاتخاذها أوثانا، وقد يكون الغلو جعلها وثنا يعبد من دون الله جل وعلا.
وهذا هو الواقع والمشاهد في كثير من بلاد الإسلام: في أن القبور صارت أوثانا تعبد من دون الله، لما أقيمت عليها المشاهد والقباب، ودعي الناس إليها، وذبح لها، وقبلت النذور لها، وصار يطاف حولها، ويعكف عندها، ونحو ذلك من أنواع الشرك الأكبر بالله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
قوله: " روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، واشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
قوله «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» هذا دعاء، ورغب منه صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى ألا يقع ذلك بقبره. ولو كان ذلك لا يقع أصلا، ولا يمكن أن يقع، لما دعا النبي عليه الصلاة والسلام بذلك الدعاء العظيم، وهو أن لا يجعل قبره وثنا يعبد، كما جعلت قبور غيره من الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - فإن عددا من قبور الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - اتخذت أوثانا تعبد من دون الله، وفي قوله:«اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» دليل على أن القبر يمكن أن يكون وثنا يعبد. فالغاية أن يكون القبر وثنا يعبد؛ وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» دعاء منه بأن لا تتحقق هذه الغاية التي من وسائلها ما جاء في قوله بعد ذلك: «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . وهذا هو غلو الوسائل، فاتخاذ قبور الأنبياء مساجد غلو من غلو الوسائل، يصير تلك القبور أوثانا. فالنبي عليه الصلاة والسلام جمع في هذا الحديث بين ذكر الوسيلة، والتنفير منها، وبيان اشتداد غضب الله على من فعلها، وذكر نهاية ما تصل إليه تلك الوسيلة بأصحابها، وهي: أن تكون القبور أوثانا تعبد من دون الله جل وعلا.
فهذا الحديث صريح في أن القبر يمكن أن يكون وثنا، والخرافيون يقولون: إن القبور لا يمكن أن تكون أوثانا، والأوثان هي أوثان الجاهلية وأصنام الجاهلية فقط. فنقول في الرد عليهم: إن الجاهليين إذا كانوا قد تعلقوا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
بأصنام، وبأحجار، وبأشجار، وبغير ذلك من الأشياء، واعتقدوا فيها، ووصل بهم ذلك الاعتقاد إلى حد الشرك الأكبر؛ مع أن المسوغ العقلي والنفسي لعبادتها غير قوي، ولا ظاهر فيها: فإن اتخاذ قبور الصالحين، والأنبياء، والمرسلين أوثانا، أو أن يتوجه إلى أصحابها بالعبادة وارد من باب أولى؛ لأن تعلق القلوب بالصالحين أولى من تعلقها بالأحجار، وتعلقها بالأنبياء والمرسلين أولى من تعلقها بالجن، أو بالأشجار، أو بالأحجار، أو نحو ذلك، فوسائل الشرك بالقبور، أظهر منها في الأصنام ونحوها، وأوضح؛ وهما يشتركان في أن كلا منهما يعتقد تأثير الصنم أو الوثن في حصول ما يرجوه من الشفاعة عند الله؛ فأولئك المشركون يقولون في آلهتهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3][الزمر: 3]، ويقولون:{هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18][يونس: 18] ، وأهل العصور التي فشا فيها الشرك، إذا سألتهم يقولون: هذا توسل، وهذا استشفاع، والحال واحدة، والسبيل الذي جعل تلك القبور أوثانا هو اتخاذها مساجد، والبناء عليها، والحث على مجيئها، والتبرك بها، وذكر الكرامات التي تحصل عندها من إجابة الدعوات، وتفريج الكربات!! ، إلى غير ذلك مما يفعله المشركون بقبور معظميهم.
" ولابن جرير بسنده عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال في قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: 19] [النجم: 19] . قال: كان يلت لهم السويق، فمات، فعكفوا على قبره، وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس قال: كان يلت السويق للحاج ". الشاهد قول مجاهد: " مات
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
فعكفوا على قبره "، فهذا العكوف؛ لأجل أنه رجل كان ينفعهم، يلت السويق لهم، وهذا على قراءة {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: 19]
ووجه المناسبة ظاهر: من أن صلاح ذلك الرجل جعلهم يغلون في قبره كما قال: " فعكفوا على قبره ". والعكوف على القبور يصيرها أوثانا، والعكوف معناه: لزوم القبر بتعظيمه، واعتقاد البركة، والثواب، والنفع، ودفع الضر، في لزومه، فهذا معنى العكوف.
" وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج» . رواه أهل السنن ": وجه الدلالة من الحديث ظاهرة: وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتخذين على القبور المساجد والسرج. أما اتخاذ المساجد على القبور فقد سبق الكلام عليه، وأما لعن المتخذين السراج على القبور: فلأنها وسيلة لتعظيم تلك القبور، ونوع من أنواع الغلو فيها، وقد كانت القبور المعظمة تسرج قديما، وتجعل عليها القناديل، أما في هذه الأعصار، فيجعلون عليها الأنوار العظيمة التي تبين أن هذا المكان مقصود، وأنه مطلوب الراغبين، ويجعلون لها من وسائل الإضاءة العصرية الحديثة ما يسطع الأبصار، ويغري الناس بتعظيمها وعبادتها. ولا شك أن هؤلاء ملعونون بلعنة رسول الله. فلا يجوز أن تتخذ السرج على القبور؛ لأن اتخاذ السرج على القبور من أنواع الغلو فيها؛ ولأنه يدعو إلى تعظيمها، وقد يؤول الأمر بعد ذلك إلى أن تتخذ آلهة وأوثانا تعبد مع الله جل وعلا.
هذا الباب من جنس الأبواب قبله الواردة في حماية النبي عليه الصلاة والسلام جناب التوحيد، وفي سده كل طريق يوصل إلى الشرك. وأتى الشيخ رحمه الله هنا بآية براءة، وهي قول الله تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128][التوبة: 128]