الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ما جاء في المصورين]
" باب ما جاء في المصورين " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة» أخرجاه (1) .
ولهما عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله» (2) ولهما عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم» (3) ولهما عنه مرفوعا: «من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ» (4) . ولمسلم عن أبي الهياج قال: قال لي علي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته» (5) .
فيه مسائل: الأولى: التغليظ الشديد في المصورين.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أخرجه البخاري (5953) و (7559) ومسلم (2111) .
(2)
أخرجه البخاري (5954) ومسلم (2106) .
(3)
أخرجه البخاري (2225) و (5963) و (7042) ومسلم (2110) .
(4)
أخرجه البخاري (5963) ومسلم (2110) .
(5)
أخرجه مسلم (969) .
الثانية: التنبيه على العلة؛ وهو ترك الأدب مع الله؛ لقوله: " ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ".
الثالثة: التنبيه على قدرته وعجزهم؛ لقوله: " فيخلقوا ذرة أو حبة، أو شعيرة ".
الرابعة: التصريح بأنهم أشد الناس عذابا.
الخامسة: أن الله يخلق بعدد كل صورة نفسا يعذب بها المصور جهنم.
السادسة: أنه يكلف أن ينفخ فيها الروح.
السابعة: الأمر بطمسها إذا وجدت.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
وعلا: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22][البقرة: 22] ؛ إذ ذلك حقيقته أنه جعل هذا المصور شريكا لله - جل وعلا - في هذه الصفة، مع أن تصويره ناقص وتصوير الله - جل وعلا - على جهة الكمال، لكن من جهة الاعتقاد لما جعل هذا المخلوق مصورا، والله - جل وعلا - هو الذي ينفرد بتصوير المخلوقات كما يشاء، كان من كمال التوحيد أن لا يرضى بالتصوير، وأن لا يفعل أحد هذا الشيء؛ لأن ذلك لله - جل وعلا -، فالتصوير من حيث الفعل مناف لكمال التوحيد، وهذا هو مناسبة إيراد هذا الباب في هذا الكتاب.
والمناسبة الثانية له: أن التصوير وسيلة من وسائل الشرك بالله - جل وعلا - والشرك ووسائله يجب وصدها وغلق الباب؛ لأنها تفضي بالناس إلى الإشراك، فمناسبة الباب لكتاب التوحيد من جهتين: الجهة الأولى: جهة المضاهاة بخلق الله، والتمثل بخلق الله - جل وعلا - وبصفته واسمه.
والثانية: أنه وسيلة للإشراك، نعم قد لا يشرك بالصورة المعينة التي عملت، ولكن الصورة من حيث الجنس هي وسيلة - ولا شك - من وسائل الإشراك؛ فإن شرك كثير من المشركين كان من جهة الصور، فكان من تحقيق التوحيد ألا تقر الصور لأجل أن الصورة وسيلة من وسائل المشركين في عباداتهم.
" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
ليخلقوا شعيرة» أخرجاه: هذا الحديث فيه معنى وفيه تمثيل، أما المعنى هو قوله:«ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي» ، فسبب الظلم أن العبد اعتدى، فأراد أن يخلق كخلق الله - جل وعلا - والمقصود بذلك أن يصور كتصوير الله - جل وعلا - لخلقه.
ثم قال معجزا: «فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة» معلوم أن الذرة - وهي واحدة الذر، صغار النمل - من أصغر المخلوقات. وحبة الحنطة، أو حبة البر، أو حبة الرز، يمكن أن تصنع، ولكن لا يمكن أن تكون كخلق الله - جل وعلا - وكذلك الشعيرة يمكن أن تصنع شكلا وأن تصور شكلا، لكن يعجز أن يجعل فيها الحياة، فمثلا حب البر، أو الشعير، أو الرز، أو نحو ذلك مما صنعه الله ينبت إذا وضع في الأرض، أما ما صنعه المخلوق فإنه لا تكون فيه حياة، فالرز الصناعي الذي يأكل، لو رمي في الأرض لما خرج منه ساق، ولما خرج له جذر، ولما كانت منه حياة، وأما الذي يكون من خلق الله - جل وعلا - فهو الذي أودع فيه سر حياة ذلك الجنس من المخلوقات؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: إن هذا على وجه التعجيز، فالذي يخلق كخلق الله - جل وعلا - هذا من جهة ظنه، أما من جهة الحقيقة فإنه لا أحد يخلق كخلق الله؛ ولهذا صار ذلك مشبها نفسه بالله - جل وعلا - فصار أظلم الخلق.
استدل مجاهد وغيره من السلف بقوله: «أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة» على أن تصوير ما لا حياة فيه أو ما لا روح فيه محرم؛ لأنه ذكر الحبة والشعيرة، قالوا: فتصوير الأشجار وتصوير الحب ونحو ذلك لا يجوز.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
وجمهور العلماء على خلاف ذلك، وأن الأمر في ذلك للتعجيز، وليس لجهة التعليل؛ ولهذا قال في الحديث الذي بعده:«من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ» ، فلما قال:«كلف أن ينفخ فيها الروح» علمنا أن النهي في التصوير كان منصبا على ما فيه روح، يعني: على ما حياته بحلول الروح فيه، أما ما حياته بالنماء كالمزروعات والأشجار ونحوها، فليس داخلا في ذلك.
" ولهما عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله» : هذا فيه تنبيه على العلة، وهذه العلة هي المضاهاة بخلق الله - جل وعلا - وهي إحدى العلتين اللتين من أجلهما حرم التصوير، فالتصوير حرم، وصار صاحبه من أشد الناس عذابا لأجل أنه يضاهي بخلق الله - جل وعلا - ولأن الصورة وسيلة للشرك.
والمضاهاة بخلق الله - جل وعلا - التي رتب عليها أن يكون فاعلها أشد الناس عذابا يوم القيامة، عند كثير من العلماء: محمولة على المضاهاة التي تكون كفرا؛ لأن المضاهاة في التصوير يكون كفرا في حالتين: الحالة الأولى: أن يصور صنما ليعبد، أو يصور إلها ليعبد، كأن يصور لأهل البوذية صورة بوذا، أو يصور للنصارى المسيح، أو يصور أم المسيح ونحو ذلك، فتصوير ما يعبد من دون الله - جل وعلا - مع العلم بأنه يعبد هذا كفر بالله - جل وعلا -؛ لأنه صور وثنا ليعبد، وهو يعلم أنه يعبد، فيكون شركا أكبر، وكفرا بالله - جل وعلا -.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
والحالة الثانية: أن يصور الصورة ويزعم أنها أحسن من خلق الله - جل وعلا - فيقول: هذه أحسن من خلق الله، أو أنا فقت في خلقي وتصويري ما فعل الله - جل وعلا - فهذا كفر أكبر، وشرك أكبر بالله جل جلاله وهذا هو الذي حمل عليه هذا الحديث، وهو قوله:«أشد الناس عذابا يوم القيامة الذي يضاهئون بخلق الله» ، وأما المضاهاة بالتصوير عامة بما لا يخرجه من الملة، كالذي يرسم بيده، أو ينحت التمثال، أو ينحت الصورة مما لا يدخل في الحالتين السابقتين فهو كبيرة من الكبائر، وصاحبها ملعون ومتوعد بالنار.
" ولهما عن ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم» : قوله: " نفس " أفاد أن ذلك التصوير وقع لشيء تحله النفس، وهو الحيوانات أو الآدمي؛ ولهذا كان الوعيد منصبا على ذلك.
«كل مصور في النار» : هذا يفيد أن التصوير كبيرة من الكبائر.
" ولهما عنه مرفوعا: «من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ» ؛ لأن الروح إنما هي من أمر الله - جل وعلا.
" ولمسلم عن أبي الهياج قال: قال لي علي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته» . في هذا الحديث التنبيه على العلة الثانية من علتي تحريم التصوير، وهي أنه وسيلة من وسائل الشرك، ووجه الاستدلال من هذا الحديث: أنه قرن بين الصورة والقبر المشرف في وجوب إزالتهما، وبقاء القبر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
المشرف وسيلة من وسائل الشرك، وكذلك لاقتران بقاء الصورة أيضا وسيلة من وسائل الشرك، «فالنبي عليه الصلاة والسلام بعث عليا أن لا يدع صورة إلا طمسها» ؛ لأن الصور من وسائل الشرك، وأن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه؛ لأن بقاء القبور مشرفة يدعو إلى تعظيمها وذلك من وسائل الشرك.
وهناك خلاف في بعض مسائل التصوير محله كتب الفقه والفتوى من جهة التصوير الحديث الذي يكون بالآلات كالتصوير بالكاميرات المختلفة أو بالفيديو أو التليفزيون أو نحو ذلك.
هذا " باب ما جاء في كثرة الحلف "، ومن الظاهر والبين أن القلب المعظم لله جل جلاله الذي إن ذكر الله وجل قلبه أنه لا يكثر الحلف، لأن كثرة الحلف لا تجامع كمال التوحيد، فإن من كمل التوحيد في قلبه، أو قارب الكمال لا يجعل الله - جل وعلا - عرضة لأيمانه، فالذي إذا تكلم تكلم بالحلف، وإذا باع باع بالحلف، وإذا اشترى اشترى بالحلف ونحو ذلك، لم يعظم التعظيم الواجب لله - جل وعلا - فإن الواجب على العبد أن يعظم الله - جل وعلا - وأن لا يكثر اليمين، والمقصود باليمين والحلف هنا: اليمين المعقودة التي عقدها صاحبها، أما لغو اليمين فإن هذا معفو عنه، مع أن