الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب قول الله تعالى حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ
. . .]
" باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23][سبأ: 23] .
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك. حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع. ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض. وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه. فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها عن لسان الساحر أو الكاهن؛ فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؛ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء» .
وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي؛ أخذت السماوات منه رجفة. أو قال رعدة. شديدة خوفا من الله عز وجل. فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا سجدا. فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة،
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير، فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل. فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل» .
فيه مسائل: الأولى: تفسير الآية.
الثانية: ما فيها من الحجة على إبطال الشرك، خصوصا ما تعلق على الصالحين، وهي الآية التي قيل: إنها تقطع عروق شجرة الشرك من القلب.
الثالثة: تفسير قوله {قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23]
الرابعة: سبب سؤالهم عن ذلك.
الخامسة: أن جبريل يجيبهم بعد ذلك بقوله: " قال كذا وكذا ".
السادسة: ذكر أن أول من يرفع رأسه جبريل.
السابعة: أنه يقول لأهل السماوات كلهم، لأنهم يسألونه.
الثامنة: أن الغشي يعم أهل السماوات كلهم.
التاسعة: ارتجاف السماوات بكلام الله.
العاشرة: أن جبريل هو الذي ينتهي بالوحي إلى حيث أمره الله.
الحادية عشرة: ذكر استراق الشياطين.
الثانية عشرة: صفة ركوب بعضهم بعضا.
الثالثة عشرة: إرسال الشهاب.
الرابعة عشرة: أنه تارة يدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وتارة يلقيها في أذن وليه من الإنس قبل أن يدركه.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الخامسة عشرة: كون الكاهن يصدق بعض الأحيان.
السادسة عشرة: كونه يكذب معها مائة كذبة.
السابعة عشرة: أنه لم يصدق كذبه إلا بتلك الكلمة التي سمعت من السماء.
الثامنة عشرة: قبول النفوس للباطل، كيف يتعلقون بواحدة ولا يعتبرون بمائة؟
التاسعة عشرة: كونهم يتلقى بعضهم من بعض تلك الكلمة، ويحفظونها ويستدلون بها.
العشرون: إثبات الصفات، خلافا للأشعرية المعطلة.
الحادية والعشرون: أن تلك الرجفة والغشي خوف من الله عز وجل.
الثانية: والعشرون: أنهم يخرون لله سجدا.
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
- في وصفهم أيضا {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28] فصفات الجلال، والكمال، والجمال: له سبحانه، وهذه كلها دلائل على أنه المستحق للعبادة وحده دون ما سواه لأنه المتصف بالعظمة الكاملة، وهو الذي ينبغي أن يهاب وأن يخاف منه على الحقيقة، فكل ما في السماوات والأرض جار على وفق أمره سبحانه وتعالى.
فهو سبحانه وتعالى: ذو الأسماء الحسنى، وذو الصفات العلى؛ ولهذا قال - جل وعلا - في آية سبأ:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] و (فزع) : يعني أزيل الفزع عن قلوب الملائكة؛ فالملائكة مع أنهم مقربون إلا أنهم شديدوا المعرفة بالله جل وعلا، وشديدوا العلم به، فعلمهم بربهم سبحانه عظيم، ومما يعلمونه عن الله - جل وعلا - أنه هو الجبار، وأنه هو الجليل سبحانه، وأنه ذو الملكوت، فلهذا اشتد فزعهم منه سبحانه؛ لأنه لا غنى بهم عنه - جل وعلا - طرفة عين.
والصفات التي اشتملت على هذا النوع من البرهان، على استحقاقه تعالى للعبادة: هي صفات الجلال لله - جل وعلا - وهي: الصفات التي تورث الخوف في القلب؛ لأن الصفات تنقسم إلى أقسام متنوعة باعتبارات، ومن ذلك: أنها تنقسم إلى صفات جلال، وصفات جمال.
فالصفات التي تحدث في القلب الخوف، والهلع، والرهبة من الرب جل وعلا، تسمى صفات الجلال، والذي يتصف بصفات الجلال على الحقيقة هو الله جل وعلا؛ لأنه هو الكامل في صفاته سبحانه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]
فإذا كان كذلك: فإن الكامل في صفاته هو المستحق للعبادة، وأما البشر المخلوقون فإنهم ناقصون في صفاتهم، ويعلمون أن حياتهم ليست حياة كاملة، فحيث عرض لها عرض من موت، أو مرض، أو غيرهما، فإنها تضعف بذلك، وتعجز عن أن تعمل شيئا، وربما تهلك، فحقيقة الأمر: أن البشر ضعاف فقراء، محتاجون، ليست لهم صفات الكمال، وهذا دليل عجزهم، ونقصهم، وأنهم مربوبون، مقهورون.
ولهذا يجب على العباد أن يتوجهوا بالعبادة إلى من له صفات الكمال، ونعوت الجمال، والجلال: وهو الله جل وعلا وحده سبحانه وتعالى. فهذا المراد بهذا الباب وهو ظاهر بحمد الله تعالى.
هذا الباب هو باب الشفاعة، وإيراد هذا الباب بعد البابين قبله مناسب جدا؛ ذلك أن الذين يسألون النبي عليه الصلاة والسلام ويستغيثون به ويطلبون منه، أو يسألون غيره من الأولياء أو الأنبياء إذا أقيمت عليهم الحجة بما ذكر من توحيد الربوبية، قالوا: نحن نعتقد ذلك، ولكن هؤلاء الشفعاء مقربون عند الله معظمون، قد رفعهم الله - جل وعلا - عنده، ولهم الجاه عند الرب جل وعلا، وإذا كانوا كذلك فهم يشفعون عند الله، فمن توجه إليهم أرضوه بالشفاعة؛ لأنهم ممن رفعهم الله، ولهذا يقبل شفاعاتهم.
فكأن الشيخ رحمه الله رأى حال المشركين والخرافيين واستحضر حججهم. وهو كذلك؛ إذ هو أخبر أهل هذه العصور المتأخرة بحجج المشركين.
فلما استحضر ذلك عقد باب الشفاعة ليحاججهم، فهذا باب الشفاعة. والشفاعة في الأصل: مأخوذة من (الشفع)، والشفع هو: الزوج؛ لأن الشافع طالب؛ فصار مع صاحب الطلب الأصلي شفعا، فإذا أراد أحد من